أثار انفصال إخوان الأردن عن التنظيم الدولي للإخوان العديد من التوقعات بانفصال إخوان تونس أيضًا، وهو ما اختلفت حوله التفسيرات حول تأثيره على الحركة الأم بالقاهرة. تأتي تلك التوقعات في ظل عدد من التحولات الداخلية في حركة النهضة قبيل انعقاد مؤتمرها العاشر في مارس القادم، والذي يحمل كثيرًا من أوراق التغيير الفكري والعقائدي والتنظيمي للحركة. فما هي أهم تلك التحولات؟، وهل تدفع بالنهضة إلى الانفصال عن التنظيم الدولي؟، وكيف ستؤثر على الحركة الأم؟.تواجه حركة النهضة التونسية العديد من التحديات الهيكلية والتنظيرية والممارسة السياسية مما قد يهدد مستقبل الحركة ودورها السياسي الذي نجحت في إرسائه في أعقاب ثورة الياسمين، ويتوقف هذا التهديد المستقبلي على قدرة الحركة في استثمار وتوظيف تلك التحديات إلى نقاط قوة لها عن طريق التوافق، وهو ما قد يحمله المؤتمر العاشر للحركة ربيع 2016. ومن أهم تلك التحديات والتحولات التي تواجه الحركة:


تفاقم حدة الصراع بين أجنحة الحركة

شهدت حركة النهضة في أعقاب ثورة الياسمين العديد من الأزمات الداخلية أدت إلى تصدع الوحدة الفكرية والتنظيمية داخل الحركة ونتج عن هذا التصدع جناحان (الصقور والحمائم ). فالصقور، الشريحة الأوسع داخل الحركة يميل إلى المحافظة على النهج الإخواني السلفي الدعوي باعتباره رأس مال الحركة، ويرفضون التحول إلى حزب سياسي، كما أنهم ينتقدون البرجماتية التي يتبعها رئيس الحركة، وظهر هذا الاتجاه عندما رفض هذا الجناح التصويت للمرزوقي في انتخابات 2014.فيما يذهب جناح الحمائم إلى تبني البرجماتية السياسية ويدعم تحويل النهضة إلى حزب سياسي، كما يدعمون قطع العلاقة بين الحركة والتنظيم الدولي للإخوان، كما يتبنون الفصل بين ما هو دعوي وما هو سياسي، ويأتي على رأس هذا الاتجاه الشيخ راشد الغنوشي وعبد الفتاح مرورو.وبدأ الصراع يتخذ شكلًا علنيًّا بعد أن كانت هناك محاولات من قيادات النهضة إخفاء حقيقة هذا الصراع، ولكن وقبيل انعقاد المؤتمر العاشر بدأ جناح الصقور يُظهر إعلاميًّا حقيقة هذا الخلاف.


حملة الاتهامات الموسعة ضد النهضة

تواجه النهضة التونسية العديد من الاتهامات من خصمها السياسي المعارض اليسار التونسي، الذي يتهم الحركة بالضلوع في اغتيال شكري بلعيد ودعم الإرهاب في تونس، وسعيها للانقضاض على الحكم مستغلة بذلك أزمة نداء تونس، وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد خاصة بعد اندلاع احتجاجات القصرين في الذكرى الخامسة للثورة.في الوقت نفسه يتسم موقف الرئاسة بالمرونة وعدم اتخاذ موقف محدد من النهضة، فبعد أزمة نداء تونس ذهب السبسي إلى التأكيد على ضرورة التحالف مع النهضة باعتبارها شريكًا أساسيًّا في الحكم، ثم ذهب لاتهام النهضة في أواخر يناير بالوقوف وراء احتجاجات القصرين وتعميق الأزمة الاقتصادية، ثم عاد مرة أخرى ليذكر بأن النهضة كانت تعتمد الإسلام السياسي واليوم أصبحت تعتمد الإسلام التونسي المعتدل، وأن التحالف معها ضروري، وذلك خلال زيارته لسويسرا في فبراير.وجاءت أهم ردود فعل الحركة على اتهامات السبسي للحركة بالوقوف خلف تفاقم الأوضاع في تونس، حيث تناقلت وسائل الإعلام وجود غليان داخل قيادات الحركة للرد على السبسي. ولكن تشير إلى أن الغنوشي استطاع منع حدوث الصدام مع الرئاسة وفضّل استمرار التحالف معها، ورفض الرد على هذه التصريحات، وهو ما قابله رفض واسع داخل الهياكل التنظيمية وخاصة مجلس شورى الحركة والتي طالبت الغنوشي بوضع حد لهذا التحالف، ولكن تمسك الغنوشي بموقفه وأقنع قيادات الحركة.


الخلاف على خلافة الحركة فيما بعد الغنوشي

تعتبر القيادة الكاريزمية والفكرية للحركات الإسلامية ركيزة أساسية في دورة حياة الحركات الإسلامية منذ تأسيسها فكريًّا وهيكليًّا وتعبئة المؤيدين والأعضاء لها، وخروجها للرأي العام، فدائمًا ما تكون تلك الحركات في كامل قوتها كلما كان القائد المؤسس لها على قيد الحياة، وتعاني الحركة بعد وفاته من العديد من الانشقاقات، ولا يواجه تلك الانشقاقات إلا شخصية كاريزمية أخرى.ومن هذا المنطلق يعتبر الشيخ راشد الغنوشي مؤسس حركة النهضة في تونس الأب الروحي للحركة ليس فقط لكونه على رأس هيكل الحركة التنظيمي؛ ولكن لما يتمتع به الشيخ من إرث فكري وتنظيري للحركة الإسلامية، ليس في تونس فقط ولكن في الحركة الإسلامية بشكل عام. ففكريًّا يتبنى الغنوشي الإسلام الوسطي، وهو ما جعله محل إعجاب وتقدير ليس داخل الحركة الإسلامية فقط، ولكن أيضًا خارج أطر التنظيمات الإسلامية، فالشيخ يتمتع بشعبية محلية وإقليمية جعلته يلعب دورًا أكبر في العديد من الأزمات الخارجية خاصة في أعقاب ثورة الياسمين.استغل الغنوشي شخصيته الكاريزمية في ردع صدع وتشققات الحركة، فبالرغم من اضطهاد ابن علي للحركة الإسلامية في تونس إلا أن النهضة والتي كانت قياداتها في المنفى استمرت، وهو ما يظهره موقعها السياسي بعد ثورة الياسمين. ولم يقف دور الغنوشي في بقاء استمرار الحركة في ظل ابن علي ولكن واجه الأزمات الهيكلية والانشقاقية داخل الحركة بعد الثورة، خاصة مع تفاقمها بسبب تبني الحركة سياسة واقعية في التعامل مع مستجدات الحياة السياسية، وبالتالي جعله يتحالف مع العلمانيين والوقوف خلف حكومة علمانية، وخلاف حول المراجعات الفكرية المنتظرة.نتج عن الصراعات الداخلية في الحركة ظهور أكثر من جناح ما بين مؤيد ومعارض لمواقف رئيس الحركة، وهو ما دفع بالشيخ إلى محاولة تحقيق التوافق بين تلك الأجنحة وهو ما كان سببًا رئيسيًّا في الدعوة إلى تجديد الحركة فكريًّا وتنظيميًّا، وحملت تلك الصراعات دعوات للشيخ بعدم الترشح مرة أخرى لرئاسة الحركة خلال المؤتمر العاشر بدعوى الوضع الصحي له، وحفاظًا على الوجه الديمقراطي بعد أن تولى الغنوشي رئاسة الحركة لمدة ثلاثة عقود. ولكن حمل جناح آخر موقفًا محايدًا حيث دعى إلى تقليص سلطات الرئيس إذا ما وصل الغنوشي لرئاسة الحركة.


تونسية الحركة والانفصال عن التنظيم الدولي

يبدو أن الخلافات داخل تيارات وأجنحة الحركة لم يتوقف عند موقع الغنوشي في هيكل الحركة، ولكن اشتد الخلاف بين الجناحين مع التصريحات التي دعت إلى تحويل الحركة إلى حزب سياسي، وهو ما يواجهه انتقاد شديد من الصقور. فبينما يميل الحمائم إلى تأكيد أهمية التحول لحزب سياسي لاستقطاب قواعد جماهيرية، ترى الصقور بأن هذا سيفقد الحركة الكثير من قواعدها السياسية. ويعتبر البعض بأن هذا التحول الفكري في جناح كبير داخل النهضة سيكون من نتائجه انفصال الحركة عن التنظيم الدولي للإخوان، خاصة بعد الخسائر التي مني بها التنظيم الدولي والإخوان المسلمون في عدد من الدول العربية في أعقاب سقوط الإخوان المسلمين في 2013. ويذهب البعض أن في حالة الانفصال عن التنظيم سيكون ذلك بمثابة نهاية لحركة الإخوان في مصر. فيما يميل البعض لاعتبار انفصال النهضة سيكون له تأثير محدود على التنظيم الدولي لأنه يضم أكثر من 80 ممثلًا، ولكن سيضر بإخوان مصر.


سيناريوهات مستقبل النهضة التونسية

في ظل المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المحلية والإقليمية، تواجه النهضة – الحركة الإسلامية التي استطاعت أن تكون نموذجًا استثنائيًّا لحركات الإسلام السياسي في المنطقة – العديد من التحديات المستقبلية، وهو ما يتطلب تفاعلًا مرنًا من قبل الحركة معها.وبالتالي فمستقبل النهضة بين التفكك والتراجع نتيجة الصراعات الفكرية والتنظيرية بين أجنحتها الهيكلية داخليًّا، وبين البقاء والمحافظة في حالة قدرة القيادات التاريخية للحركة على لمّ شمل الحركة من جديد. فيما يحمل السيناريو الثالث البرجماتية السياسية ومرونة التعامل مع التطورات السياسة، وهو ما يحمل في طياته أيضًا عوامل ضعف إذا طغى الجانب السياسي على الدعوي تنظيميًّا، كما أنه قد يحمل عوامل قوة للنهضة إذا ما كان هناك توازن حقيقي بين ما هو سياسي وما هو دعوي.