هناك أحزان حقيقية وأحزان نخلقها لأنفسنا، والنوع الأخير أكثر إيلاما وشاعرية.

د.أحمد خالد توفيق

الناس تكبر وتتقدم في السن منذ بدء الخليقة٬ وسوف يستمرون في هذا إلى أن يفنى العالم٬ تلك حقيقة كونية لا تتطلب كتابة ولا مقالات كي نعرفها٬ نحن نكبر وندرك أننا نكبر ونعيش كل لحظة في العمر بوعي كامل أننا نتقدم في السن. بل نحتفل بمرور الزمن وبتراكم الخبرات والتغيرات التي تنتابنا في كل يوم.

رغم ذلك نحن نقف أحياناً مندهشين من مرور الوقت٬ تصدمنا مفاجأة أننا تقدمنا في السن٬ وأن أشكالنا تغيرت وقلوبنا تغيرت وأن أعواماً مرت تركتنا في مكان بعيد جداً عن المكان الذي كنا نقف فيه فقط منذ قليل. ونكتشف فجأة أن هذا القليل كان عشرات الأعوام.


عن الشجن والحنين

الإحساس الذي ينتابك فجأة عندما تمشي في شارع لك فيه ذكرى باهتة لا تتذكرها تماماً عن حب قديم٬ مدرستك وأنت طفل٬ أغنية تعلو فجأة من اللامكان كنت تستمع إليها منذ سنوات٬ حتى روائح الطعام يمكن أن تثير فيك هذا الإحساس٬ الابتسامة الحانية والنظرة المتأملة وفيض المشاهد التي تومض في ذهنك وقلبك الذي ينتفض فجأة٬ ألم لذيذ عذب ممتع٬ يذكرك أنك إنسان لك على هذه الأرض تاريخ يثير المشاعر٬ حتى لو كان هذا التاريخ لا يهم أحداً غيرك٬ هذا هو الشجن.

أصدقاؤك القدامى٬ حكايات لا تنتهي عن أحداث عايشتوها معاً، وتاريخ مشترك تعرفونه جميعاً وتحفظونه عن ظهر قلب٬ ومع ذلك تتلونه كأنه أوراد ذكر في كل مرة تتقابلون فيها٬ كأنكم بذلك تثبتون أنكم كنتم هنا، وأنكم عشتم، وأنكم ملأتم الدنيا صخباً وحياة٬ تستعيدون الأشخاص الذين كنتموهم منذ سنوات٬ دقائق قليلة٬ ربما ساعات٬ تتنفسون فيها هواء معبئاً بالذكريات٬ يريح القلب ويعيد الزمن، وتعودون أكثر خفة وراحة بعده لحيواتكم٬ هذا هو الحنين.

Gepostet von Mahmoud El Khayami am Samstag, 23. Februar 2019

يتداول مستخدمو السوشيال ميديا منذ ساعات مقاطع فيديو تم تصويرها في حفل عيد ميلاد المطرب المعتزل علاء عبدالخالق. جانب كبير من ضيوف الحفل هم أصدقاؤه وزملاؤه في الوسط الفني: حميد الشاعري، وحسام حسني، ومصطفى قمر، وهشام عباس، ومحمد محيي، ومنى عبدالغني.

في الخلفية أغنيات التسعينيات تدوي بصوت عال، وأكثر من ميكروفون في يد الضيوف٬ يغنون أغانيهم التي كانت ملء السمع والبصر في التسعينيات٬ يغنون ويرقصون، وبينهم صاحب الحفل علاء عبدالخالق٬ عجوزاً ضعيفاً يتحرك بصعوبة، ولكنه يغني معهم.

معظم ضيوف الحفل يمسك بالهواتف المحمولة ينقلون الحفل لايف عبر صفحاتهم الشخصية على فيس بوك٬ يلتقطون الصور بحماس ويرقصون بحماس ويغنون مع أغانيهم بحماس٬ يبدون أحياناً أنهم نسوا وجود علاء عبدالخالق٬ يعيشون اللحظة بكل ما أوتوا من حياة٬ ثم يتذكرون أنه صاحب الحفل فيتحلقون حوله ويشركونه في الغناء.

مع كل أغنية وكل فيديو تشاهده تستعيد جزءاً من روحك التي لم تعد تسكن جسدك الآن٬ الروح الشابة الصغيرة الملونة التي تشبه ملابس التسعينيات الفضفاضة٬ التي كنت ترتديها غالباً وأنت تستمع لهم منذ سنوات طويلة.


تاريخك الخاص وتاريخهم أيضاً

كل فيديو من الحفل يثير بداخلك عاصفة من الذكريات٬ الفرق الوحيد أن المطربين الذين تراهم في الحفل لا يشبهون ذكرياتك عنهم٬ ولكنك تراهم بعين الذاكرة حتى لو كنت مدركاً تماماً أنهم أصبحوا لا يشبهون صورهم القديمة.

علاء عبدالخالق لم يعد يشبه نفسه في القميص المفتوح وتحته التيشيرت٬ بنظارة الشمس الملونة وسوار اليد الملون وهو مصمم أنه يحب فتاة أجمل ما في البيض وأحلى ما في السمر. ومنى عبدالغني بملابسها الفضفاضة وحجابها ووقفتها الوقورة لم تعد تشبه نفسها قديماً٬ رغم أنك تنظر لها عبر الفيديو وتنتظر في أي لحظة أن ترفع يديها وتفتح كفها وتحركه حركات دائرية وهي تقول «يلا يا أصحاب». أنت ترى الرقصة رغم أنها لا تؤديها أمامك٬ عقلك أصبح شاشة تعرض ذكرياتك عنهم جنباً إلى جنب مع الصور التي تراها في الفيديو.

يتقافز قلبك مع قفزات حميد الشاعري في الحفل٬ سعادة خالصة في صوته الذي يشارك هشام عباس الغناء٬ وسعادة تملؤك وأنت تردد معهم «عيني عيني نفسي ومنى عيني»٬ رغم الشيب الذي غزا رأس هشام عباس٬ ورغم دخول حسام حسني للكادر بشكل وجسم وترهلات لن تجعل كل البنات تحبه كل البنات حلوين٬ ورغم ذلك فالسعادة تكتمل بظهوره٬ في الفيديو وفي قلبك.


كلمة السر

برافوووووو?صديق عمريأدهم عبد الوهابعلي سهرة أمسعيد ميلاد الصديق الجميل علاء عبد الخالق????فقد نجحت وكعادتك في لم الشمل( اللمة الحلوة)وتجميع الحبايب والأصدقاءفرحتنا وفرحت الشعب كله من خلال مشاهدتهم اللايف ولمة الصحابوالأصدقاء وتذكيرهم بأجمل الأغانيوكم لمست أمس كم الحب من الجميع لبعض❤وكم البهجة والسعادة..بجد طبطبت علي قلوبناجميعآ❤روح ياشيخ ربنا يباركلكياأصيل ووالله زمان..أدهم بنحبك وبنشكرك❤?????????????????

Gepostet von Ashraf Fayek am Samstag, 23. Februar 2019

رجال لا يشبهون الشباب الذين تعودت أن تراهم منذ بضع عشرات من السنين٬ ولكنهم يثبتون رغم الشيب والكرش وأمراض المفاصل٬ رغم انحسار الأضواء عن معظمهم وتراجع شعبيتهم، أنهم كانوا أحياء جداً، وأنهم صنعوا جيلاً أحب وسهر وفارق وانجرح وخاف وكبر جداً بمصاحبة كلماتهم. الغريب أن هذا الجيل لم ينس هذه الكلمات رغم مرور السنوات٬ أنت تشاهد الفيديو وتغني معهم وتكتشف أنك تحفظ الكلمات٬ رغم أنك قطعاً لم تستمع لتلك الأغنيات منذ دهر كامل.

التسعينيات لم تكن فترة ذهبية في المطلق بالتأكيد٬ بالطبع كان للناس مشكلاتهم وللفن كبواته. وحتى أنت رغم أنك لا تتذكر منها سوى ذهن صاف وذكريات باسمة٬ لابد أنك كنت تعاني من منغصات كنت تراها وقتها نهاية العالم٬ ولكن هؤلاء النجوم الذين غزوا التسعينات بأصواتهم يملكون تاريخاً غالياً جداً يجعلهم رغم التغيرات التي طرأت على معظمهم ومكاناتهم التي تغيرت٬ يفخرون بالعودة إلى شخصياتهم القديمة٬ ليعيشوا قبساً من مجد الماضي٬ يعطيهم دفعة الحماس اللازمة للرقص والتقافز وتسجيل اللحظة وتبادل الضحكات.

النجاح هو كلمة السر٬ عندما تنجح يوماً حتى لو تغيرت الظروف ولم تعد على القمة٬ سيظل نجاحك القديم هذا فخراً لا يمكن لأحد أن يستلبه منك. هذا هو الفرق بين كل ضيوف الحفل وبين رجل في مثل عمرهم لن يجد الطاقة اللازمة للاحتفال٬ حققوا شيئاً ما جعلهم يمتلكون تاريخاً يستعيدونه ويفخرون به٬ حتى لو رأه الآخرون تاريخاً تافهاً، وأنهم لم يحصلوا على نوبل في الفيزياء٬ يكفي أنهم حصلوا على نجاح وشهرة يعيشون عليهما إلى الآن.