صليلُ الصوارم نشيدُ الأباة .. ودربَ القتال طريق الحياة فبين اقتحام يبيد الطغاة .. وكاتمُ صوتِ جميلٍ صداه به عزّ ديني وذلّ البغاه .. فيا قوم هبُّوا لدرب الكُماة فإما حياة تسر الهدى .. وإما ممات يغيظ العداة

كانت هذه الأنشودة بداية معرفة قطاع كبير من الناس باتجاه تنظيم الدولة الإسلامية لاستخدام الأناشيد الجهادية، حيث ظن البعض أنه النشيد الوحيد الذي أنتجته داعش، إلا أن الواقع كشف عن أناشيد عدة وبلغات مُختلفة، وهو ما دفع الكثير إلى التساؤل والتفكير في أسباب استخدام داعش للموسيقى.

لم يكن لداعش أيضًا سابقة في استخدام الشعر والأناشيد الحماسية؛ فقد سبقتها بذلك تنظيمات عدة، ولعل نموذج أسامة بن لادن والأشعار التي أخرجها نهاية بصوته وبصوت ابنه حمزة، وقد بلغ عدد الشرائط الشعرية المسجلة بصوت ابن لادن نحو عشرين شريطًا، إلى جانب هذا عمل ابن لادن على استخدام ضمير المتكلم بصورة بارزة في أشعاره كوسيلة لحث ذاته قبل المجاهدين على خدمة أهداف الجهاد مما يزيد من حماسهم.


داعش والموسيقى

يهدف تنظيم الدولة الإسلامية لتمديد الخلافة الإسلامية في العالم كله، وأن يُحكم بـ«الشريعة الإسلامية» كما يراها ويفسرها التنظيم، وتمت مُبايعة أبي بكر البغدادي كخليفة في عام 2014.

يتميز تنظيم الدولة الإسلامية بملكيته لأدوات إعلامية متميزة كمؤسسة «الأجناد للإنتاج الإعلامي»، ومن ضمن ما يصدر عن هذه المؤسسة أغانٍ جهادية أو ما يسمى بالتحديد أناشيد جهادية؛ مما يوضح العقليات التي تتحكم في داعش، حيث اهتمامها باستخدام الموسيقى وما ينتج عنها من بُعد نفسي من خلال الحرص على استخدام بعض الأنواع من الموسيقى والبُعد عن أنواع أخرى منها.

تتميز الموسيقى التي تستخدمها داعش بكونها غير شرقية ولا تمتّ للغربية بصلة، كما يعتمدون في أناشيدهم وڤيديوهاتهم بالأساس على السيوف كخلفية موسيقية. وعلى الرغم من ذلك يُلاحظ أن هناك جدال حول ما إذا كانت الموسيقى في «الأناشيد» أصلًا هي حلال أم حرام، وهذا الجدال قائم داخل الجماعات الإسلامية منذ بدء استخدامهم للأناشيد في سبعينيات القرن الماضي في مصر.

أما عن الموضوعات التي تتناولها أناشيد داعش فهي موضوعات مُحددة: تتمثل في أناشيد تحث المجاهدين وأتباعهم أو تُمجد وتُعلي من مفهوم الاستشهاد، وأخرى موجهة لشخص ما سواء بالسلب أو الإيجاب؛ كأحد الأناشيد التي كانت موجهة ضد «نوري المالكي» رئيس الوزراء العراقي الأسبق، وتكاد لا تخرج الأناشيد عن تلك الموضوعات.


لماذا تستخدم داعش الأغاني؟

على الرغم من وجود قوة عسكرية لداعش نجحت في بسط سيطرتها على عدة بقاع في دول مُختلفة، إلا أنها تهتم بالأناشيد، حيث إدراكهم بوجود ميل فطري لدى البشر كافة للموسيقى، باختلاف هذه الموسيقى سواء كانت موسيقى شرقية أو غربية. كما ارتبطت الأديان المختلفة بالعديد من الطقوس الدينية التي تعتمد على الموسيقى بالأساس، فعلى سبيل المثال كانت تُستخدم بعض الألحان في عبادات الفراعنة قديمًا، وأيضًا استخدام الألحان في الصلاة بالنسبة للمسيحيين؛ مما يدل على الدور الهام الذي تلعبه الموسيقى في حياة البشر.

هذا الميل الفطري تجاه الموسيقي يُساعد من يستخدمه علي نشر فكرته، فعندما تستخدم هذه الاناشيد فبذلك تحقق انتشارًا قويًا بين قطاع مختلف من البشر، الي جانب المؤيدين، وما يؤكد هذه الفكرة هو وجود اناشيد بلغات مُختلفة منها العربية والإنجليزية والصينية؛ وذلك لاستقطاب وجذب اعضاء جُدد للتنظيم.

أما عن محتوى الأناشيد فكما ذكرت سلفًا فإنها تتناول موضوعات تخدم أهداف التنظيم من حيث الجهاد؛ لأجل توسيع رقعة الأرض المُسيطر عليها بإعلاء مفاهيم الاستشهاد والجهاد، وهو ما يساعد التنظيم على نشر رؤيته وأهدافه.


أبعاد السيوف في أناشيد داعش

أما عن استخدام السيوف كخلفية موسيقية في الفيديوهات أو الأناشيد، فيمكن تحليلها من عدة أبعاد؛ فتاريخيًا كانت السيوف هي السلاح المُستخدم في الفتوحات الإسلامية في عهد النبي الكريم ومن بعده الخلفاء الراشدين، فيسترجع من يسمع الأناشيد في النفس ما قرأه في كتب التاريخ عن تلك الفتوحات، فيتم التشجيع على تكرار ما حدث في الماضي، وهو ما يخدم البُعد المستقبلي الذي تعتمد عليه داعش بالسعي لإعادة الخلافة مرة أخرى، فتثير بالنفوس هدفًا أسمى تجاه أعمالها وتؤكد على ارتباطها بالإسلام والشريعة؛ حتى تتمكن من تجنيد عدد أكبر من الشباب ممن تنتابهم الحماسة تجاه أوطانهم ودينهم؛ لتصبح داعش سبيلًا لتحقيق أحلامهم في التغيير السياسي.

كما أن ابتعاد التنظيم عن الموسيقى الشرقية والغربية يمكن تفسيره من عدة أبعاد؛ منها البُعد الديني لدى بعض المتدينين الذي يدّعي أن الموسيقى تلهي الإنسان عن علاقته مع الله، فهذا سبب أساسي. ولكن أيضًا إذا نظرنا لأنواع الموسيقى المُختلفة، فمنها ما يشجع الإنسان على الرقص، ومنها ما يبعث الهدوء بالنفس البشرية، وهو ليس في صالح التنظيم الذي يهدف لاستخدام الموسيقى بشكل مُعين لدفع الناس للجهاد. فبعث الموسيقى للهدوء في أنفس الناس لن يفيد داعش بشيء، ولا يخدم أهدافها من حث الناس على الجهاد والاستشهاد، وهو سبب يمكن استخدامه كتفسير لرفض الجماعات الجهادية أغلب أشكال الموسيقى ومنها تنظيم الدولة.

والتنظيم البراجماتي الذي يستخدم آليات واختراعات غربية لتحقيق أهدافه يذكّرنا بأن الغاية تُبرر الوسيلة، حتى وإن كانت تلك الوسيلة لا تتسق مع مبادئه. فمن المهم جدًا تحليل القوى الناعمة -بما فيها الأناشيد- للفواعل السياسية؛ فهي تساعدنا على فهم كيف تتحرك تلك الفواعل، وما الأفكار التي تهدف إلى نشرها في المجتمعات المُختلفة.

المراجع
  1. How nasheeds became the soundtrack of jihad
  2. Inside the World of ISIS Propaganda Music
  3. How Isis got its anthem
  4. ISIS execute a 15-year-old boy by beheading after he is caught listening to western music in Iraq