بمحاولة عزل سطحية تعريفات الشئون الحياتية، نجد أن كل المساعي التي نتخذها في هذا الواقع تُساق بذات الرغبات. تؤول جميعها إلى نفس المطامع البشرية مهما اختلف المجال الموضوعة فيه؛ لذا فإن الربط بين أي مجالين -أو أكثر- يُعد جائزًا ومنطقيًا ومبررًا، فما من سياسي أو رياضي أو اقتصادي أو أي من العاملين في كل مناحي الحياة، لا تحركه شهوة السلطة، النفوذ، الشهرة، النقود أو أي من متشابهاتهم. لا سيما إن كان الربط بين مجالي: السياسة والرياضة، اللذسن لا طالما أثر كُل منهما في الآخر.

أيام قليلة، أو بالأحرى ساعات، وتنتهي فترة الانتقالات الشتوية، بعدها بعدة أيام ستُفتح بوابة الانتخابات الرئاسية في جمهورية مصر العربية. الأخيرة كانت ساكنة جدًا حتى تحركت شائعات تُفيد بنية الفريق: «سامي عنان» في الترشح في مواجهة الرئيس المصري، عسكري النزعة أيضًا، «عبد الفتاح السيسي»، والأخرى كانت لتصبح أكثر هدوءًا لولا التشويق الذي صنعته أخبار انتقال«أليكسيس سانشيز». كل الشواهد تدفعنا نحو الربط -دفعًا- ونحن مُسلِمين.


حجر في المياه الراكدة

قطع رئيس الأركان الأسبق للقوات المسلحة كافة الشكوك المثارة حول نواياه، و خرج في مقطع قصير مدته خمس دقائق مُعلنًا ترشحه الرسمي للدورة القادمة من الانتخابات. الحدث الذي يُعد فارقة كبيرة في سير العملية الانتخابية؛ فمن بعد توقعات بنتائج محسومة للرئيس الحالي، سحب البعض توقعاتهم وشرعوا في إعادة دراسة للأمور بعدما ظهر مركز جديد للقوى.

في الجانب الآخر، ومنذ صيف 2017، استعد الجميع للانتقال المحتمل للتشيلي «أليكسيس سانشيز» من صفوف نادي أرسنال إلى فريق مانشستر سيتي الإنجليزي. رحلة «سانشيز» إلى الشمال الغربي كان مُقدرًا لها أن تستمر لشهور طويلة دون شكوك. الكل كان يعلم أنها ستتم آجلًا أم عاجلًا. انتظرنا حتى حلت ثلوج الشتاء وفُتحت نافذة الانتقالات ونحن مترقبون لإعلان عن الصفقة سلسًا كما كان الحال في صفقة البرازيلي «كوتينيو» الذي شد الرحال إلى إسبانيا تاركًا موجة من الغضب في الجانب الأحمر من «الميرسيسايد». لكن كان لنا حظ في جانب من التشويق.

حتى الثامن من يناير/كانون الثاني الجاري، كانت كل المُعطيات تُشير إلى إتمام عملية الانتقال المتوقعة، لكن مطالبات مادية مبالغ فيها بعض الشيء من قبل إدارة «الجانرز»، وضعت معطيات جديدة في حسابات الصفقة. خاصة أن عقد الدولي التشيلي لا يتبقى فيه إلا ستة أشهر فقط، ويحق له الانتقال مجانًا لأي نادٍ يُريد بداية من الصيف المقبل. عوّلت إدارة «السيتيزنس» على البند الأخير وحاولوا إما إنهاء الصفقة بمبلغ ضئيل أو في أسوأ الاحتمالات يتم انتظار الانتقال المجاني في الميركاتو الصيفي. الأخير بدا واقعيًا أكثر بالنسبة لهم.

يُمكن القول إن إدارة النادي السماوي اعتمدت على عاملين في تراجعهم المؤقت عن الصفقة: أولهما، رغبة اللاعب المعلنة -ضمنيًا- في الظفر ببطولة كبيرة في المتبقي من مسيرته التي أوشكت على الانتهاء؛ بالتالي عملية خروجه من ملعب الإمارات أكيدة. وثانيهما، أن الفريق متصدر الدوري الإنجليزي بفارق مُريح وخطى ثابتة، وعليه؛ فمهما كانت إضافة «سانشيز» كبيرة فإن الفريق في حالة تسمح لها بالانتظار. كلاهما صحيح لا جدال، لكن الأول كان بحاجة لدراسة أعمق من تلك التي تمت.

سمح ذلك التراجع بظهورأطراف جديدة في الصراع: تشيلسي واليونايتد في المقدمة ومن بعيد كان هناك طيف للعملاق الباريسي و البافاري. لكن عرض اليونايتد كان أكثر إغراءً للجميع من نظرائه: الأجر الأعلى من بين كل المتاحين، فرصة لأرسنال لتعويض «أليكسس» بلاعب مهم، حتى ولو يُعاني من خفوت واضح في نجمه، وهو «هينريك ميخيتاريان»، بدلًا من ضياع «سانشيز» مجانًا في الصيف دون لاعب كبديل أو حتى مقابل مادي، كل هذا بالإضافة إلى هدية خاصة لجماهير اليونايتد التي تستبشر خيرًا باللاعبين الوافدين من العاصمة.

كل هذا اللغط الذي صُنع بالتحول الذي حدث في صفقة «سانشيز»، يُعد هو الشيء الوحيد البارز في ظل الانتقالات الشتوية، والذي ربما كان من غيره لتكون الأمور ساكنة بشكلٍ ممل تمامًا كالانتخابات المصرية التي صاحبها رتم بطئ حتى ترشح «سامي عنان».


أرسنال ذراع السلطة الدائمة

منذ ثورة يوليو/تموز لعام 1952 وحتى هذه الأثناء، لم تخرج السلطة والريادة المصرية عن المؤسسة العسكرية، بدءًا من «محمد نجيب» ثم «عبد الناصر» مرورًا بالمخلوع «حسني مبارك» ووصولًا إلى «السيسي»، وكذلك يبدو أنها لن تخرج في ظل أغلب التوقعات التي تُشير إلى استمرار الحالي لفترة رئاسية جديدة، أو في أضيق الحدود ربما تخرج لصالح «عنان» الذي أجبر الجميع على إعادة التوقع أو على الأقل تأجيله قبل أن يصدر بيان القوات المسلحة المصرية الذي يدين ترشح «سامي عنان» ومن ثم اعتقاله. فإن كانت كل الشئون السياسية داخل الشرق الأوسط تُعد صعبة التنبؤ بمجراها على المدى الطويل أو حتى القصير، فجانب الرئاسة في مصر يُعتبر هو الجانب المضمون تمامًا لما يزيد على 60 عامًا.

المثل بالمثل. لسنواتٍ طويلة هيمنت الشياطين الحُمر على مقاليد الحُكم داخل المملكة البريطانية، لكن آخر لقب حُسم لصالح اليونايتد قد كُتبت أهم سطور حكايته بواسطة الوافد الجديد -حينها- من نادي أرسنال «روبن فان بيرسي».أثنى الأسطورة الاسكتلندي «فيرغسون» على الدور الذي أضافه الهولندي إلى الفريق فور قدومه. اليونايتد كان يُعاني من عادة التمرير الزائد السيئة، اعترف السير أنها قد تدمرت على يد موهبة «روبن» الاستثنائية.

مع فان بيرسي، تعلمنا مع الوقت أنك تحتاج لأن تبحث عن تلك التمريرة المبكرة لكي تكسر دفاع الفريق الخصم. حتى بعد أن استطعنا فهم وإمساك هذه الإمكانيات، لم نستطع أن نخرج أفضل ما يستطيع فان بيرسي تقديمه من حيث تحركه وغريزة القتل فيه.

السير «أليكس فيرغسون» عن «روبن فان بيرسي» في كتابه: «سيرتي الذاتية».

تفاصيل صفقة انتقال «بيرسي» إلى اليونايتد تُعد مشابهة تمامًا لصفقة انتقال لاعب برشلونة السابق«أليكسس، وكيله كان قد تحدث مُسبقًا مع مسئولي مانشستر سيتي، كانوا قد وضعوا الشروط الأولى في العقد، لكن الوكيل أكد للسير في حين ذلك أن الهولندي سيكون منفتحًا جدًا في النقاش معهم من أجل تغيير وجهته. وقد كان. تيمن بالرقم 20؛ فكان فأل خير وتمكن فعلًا من حمل اللقب الـ20 للـ«ريد ديفلز».

واقعيًا يمكن الربط -وبقلب قوي- بين أرسنال والمؤسسة العسكرية في مصر، هناك ربط وطيد بين الخارجين من مدارسهم وبين سُدة الحُكم. العديد من اللاعبين يخرجون من أرسنال لقيادة الكُرة في بُلدان عدة، بداية من «أشلي كول» الذي خرج بعد الموسم الذهبي بلا هزيمة، ووصولًا إلى «فان بيرسي»، ومن بينهم «هنري» و«فلاميني» و«ألكساندر هلب» و«فابريغاس»، جميعهم نزعوا قمصان الجانرز كما ينزع العسكريون زيهم -ظاهريًا- من أجل ارتداء أزياء السُلطة واعتلاء المناصب العُليا. أرسنال والجيش المصري هما الكيانات الأسلم لبناء القادة مع كامل الاختلاف في الطريقة التي ينتهجها الخارجون من كل جانب. فلاعبو الأرسنال يخرجون لحصد البطولات أما أعضاء المؤسسات العسكرية لا يحصدون غير الفشل والألم لشعوبهم.

الجرح المفتوح لجماهير الأرسنال الإنجليزي، روبن فان بيرسي

الجميع في مانشستر يستقبل «سانشي.» الآن على أنه البطل المنتظر الذي سيعيد المجد الغائب منذ حوالي خمس سنوات. تناسى البعض أن الفريق في «أولد ترافورد» يمر بظروفٍ سيئة من جوانب عدة، و بدأ الحديث عن إمكانية إعادة بطولة الدوري إلى خزائن مسرح الأحلام بداية من العام المقبل. الأمر يشبه كثيرًا ما حدث مع «سامي عنان» من قِبل بعض المصريين الذين رأوا فيه الخلاص مما يعيشونه من أوضاع اقتصادية و سياسية متأزمة بشكل كبير.


هالة إعلامية عمياء

روبن فان بيرسي، أرسنال، مانشستر يونايتد، أرسن فينغر،
روبن فان بيرسي، أرسنال، مانشستر يونايتد، أرسن فينغر،

«الشعوب أعداء ما تجهل» مقولة لا تحقق صدى على أرض الواقع الفعلي. دائمًا ما تميل الناس إلى الأشياء التي لا تعرف نتائجها، شعور فضولي يسوقنا دائمًا نحو كل شيء جديد فقط لكونه جديدًا أو لمحاولة كسر نمطية كل القديم. جانب كبير من الشعبية التي قد يكتسبها الفريق «عنان» في الأيام القادمة يعود إلى عدم اقتناع جزء كبير من الجموع في مصر بالسياسات التي طبقها «السيسي» خلال فترة ولايته الأولى والتي توشك على الانتهاء، وليس اقتناعًا منهم بما قد يُقدمه رئيس الأركان الأسبق.

تمامًا كما هو الحال في مسرح الأحلام، لا يختلف اثنان على الدور الذي قدمه «أليكسس» في ملعب الإمارات خلال السنوات التي قضاها هُناك منذ انتقل من برشلونة، لكن لا يوجد دليل واحد على أن الأمر سيتكرر بنفس الصورة في «أولد ترافور». بتحليل بسيط يمكن الوصول إلى العديد من المميزات التي تتواجد في التشيلي نفسه لكن الضمانات على تطويع تلك المميزات لاحتياجات الشياطين الحُمر تكاد تكون معدومة، لا سيما في ظل أداء مذبذب من المدير الفني البرتغالي «جوزيه مورينيو».

الإعلام وجد ضالته في «عنان» و«أليكسس سانشيز»، لا يمكن أن تمر هاتان الفترتان بذلك الهدوء الذي كانتا عليه قبل الصخب الذي صُنع بواسطتهما، بالتالي عملية التعظيم في وجودهم من الأساس ربما تكون محض هالة إعلامية لا طائل منها سوى مجرد النقاش، أو بالأحرى طول النقاش حتى تتعاظم الفائدة بالنسبة للمنابر الإعلامية. المستقبل هو الحل الوحيد لكل تلك الاستفهامات التي تجول في خواطرنا حول تلك الشخصيتين، وإن كان الوضع فيما يخص «سانشيز» به الكثير من الأمل، على الأقل أكثر من الفريق المتقاعد.