عندما كنا صغاراً حكوا لنا عن الولد الذي كان يسبح في البحر والذي كان يرغب في مضايقة من حوله والسخرية منهم فيصرخ أنه يغرق، فيجتمع الناس حوله محاولين إنقاذه فيضحك ويخبرهم أنه كان مقلباً، ظل الطفل يفعل نفس الشيء، إلى أن شعر بالإرهاق وأحس أنه يغرق حقيقة، فظل يصرخ يصرخ مستنجداً بمن حوله، ولم يصدقه أحد لأنهم تعودوا على مقلبه الساخر.

يقولون أيضاً إن الشيء الذي ترغب فيه بجنون ولا يأتي تفقد رغبتك فيه تدريجياً وتروض نفسك على أنه غير موجود، وعندما تتقن الاستغناء يأتيك الذي كنت ترغب فيه، وتتندر وقتها أنك لم تعد ترغب، وأنك فقدت شغفك تماماً بهذا الشيء ولم يعد طموحاً تسعى وراءه. ما علاقة كل ذلك بألبوم عمرو دياب الجديد؟

https://youtu.be/g3YyxsUBgmw

تغييرات جذرية

بدأ الأمر بأغنية «ده لو اتساب» ترويجاً وتمهيداً لصدور الألبوم كامل، يحدث في كل عام أن يسبق انطلاق ألبوم عمرو دياب إعلانات موسعة لشبكات المحمول تذيع مقاطع قصيرة من الأغنيات، ثم أغنية تسبق الألبوم تنتشر في الإذاعات حتى يتحول الشارع كله لصوت عمرو دياب خارجاً من راديو السيارات، كل هذا عادي وطبيعي ويحدث دائماً.

المختلف أن أغنية «ده لو اتساب» أتبعها أكثر من أغنية، يتزامن هذا مع إعلانات شبكة المحمول التي تطلب منك أن تشترك حتى تستمع لألبوم عمرو دياب كاملاً قبل نزوله للأسواق، ثم ينتشر خبر غريب يقول إنه تقرر نزول أغنية واحدة من الألبوم كل عشرة أيام وأن الألبوم لن يصدر كاملاً، كل الناس تتحدث عن عمرو دياب وطريقته الغريبة الجديدة في الترويج لألبومه، ورفض واسع لتكنيك «شوق ولا تدوق» الذي يتبعه مع الشركة المنتجة هذا العام.

تتطرق الأحاديث للتغيير الجذري الذي حدث في حياته الشخصية، مؤخراً، عمرو دياب الذي لم يكن أحد يراه ولا يستطيع التنبؤ بخط سير حياته الشخصية، أصبح بعد ارتباطه بدينا الشربيني متاحاً ربما أكثر من اللازم؛ فيديو لعيد ميلاده، ثم صور كثيرة جداً أكثر من التي انتشرت له على مدار مشواره الفني كله، ثم الفيديو الشهير الذي تجفف فيه عرقه وهي «تهوي عليه»، ثم أخبار كثيرة عن رحلة باليخت معها في الجونة أثناء مهرجان الجونة السينمائي، كل هذا غريب على عمرو دياب وعلى جمهوره الذي لم يعتد من نجمه كل هذا، ثم واستكمالاً للتغييرات تأتي طريقته الجديدة في إصدار الألبوم والتي لاقت استياء شديداً من الجمهور.


ألبوم قطاعي

بدأ عمرو دياب بالفعل في تنفيذ تهديده/طريقته الجديدة للترويج للألبوم، وكل عدة أيام تصدر أغنية، صدرت «هدد» ثم بعدها «يتعلموا» والاثنتان لم تلاقيا النجاح الهستيري المعتاد الذي يصاحب أغنيات عمرو دياب. تنتشر الأغنيات على استحياء وفي الدوائر التي تظل تدعم عمرو دياب مهما فعل، الجيل الذي يغفر لنجمه أي شيء صوناً للعشرة والعيش والملح.

ثم فجأة تعلن شركة المحمول أن الألبوم سيصدر عبرها آخر يوم في شهر سبتمبر، ثم يصدر الألبوم رسمياً بعدها في أول أيام أكتوبر، هدوء غريب يسود السوشيال ميديا، الاحتفالات الصاخبة بصدور الألبوم السنوية لم تكن على أشدها كالمعتاد، الاحتفاء المجنون بالأغنيات والشير الهستيري للمقاطع لم يحدث بالقدر المعتاد، حتى صورة بوستر الألبوم التي كان يمكنك أن تراها كل عام في كل مكان حتى لو أغمضت عينيك، لم تكن موجودة.

باختصار سأم الناس إنقاذ الطفل الذي يمثل أنه يغرق، لم تستمر المقاومة كثيراً وفي نهاية اليوم الأول من صدور الألبوم بدأ الناس في الحديث عنه، بتعقل أكثر من المعتاد، وربما بعض الملل لأن حوالي نصف أغنيات الألبوم أصبحت في عداد القديمة، فلم تكن النقاشات حامية كالمعتاد، حتى «كوميكات» السخرية من الألبوم السنوية لم تكن بالكثافة المعتادة، لم يفشل الألبوم حتماً ولكن هناك شيئاً ما كان معتاداً عند صدور ألبومات عمرو دياب ولم يكن موجوداً بنفس القوة هذا العام.


كل حياتي

بعد الاستماع إلى الألبوم سوف تفاجأ بشيء ليس مفاجئاً على الإطلاق، المفاجأة القديمة التي يكررها عمرو دياب في كل عام والتي ننتظرها نحن منه في كل عام أيضاً، الخلطة المعروفة التي يتضمنها الألبوم.

أغنية عن الحب القديم الذي لم يعد حباً ولكنه يحجز مكانه في القلب للأبد، والتي يحجز بها جمهوره العتيد الذي بدأ معه وفي الأغلب سيظل معه للنهاية، وأغنية «الهيد» التي سوف يرقص عليها كل من سيقيمون أفراحهم هذا العام وحتى صدور الألبوم القادم، والأغنية المناسبة للجيم ذات الإيقاع السريع، والأغنية ذات التقاسيم الشرقية، والأغنية العجيبة التي أصبحت دخيلة على ألبومات عمرو دياب في السنوات الأخيرة والتي تحمل ألفاظاً غريبة على الأذن المصرية، ثم تبحث عن مؤلفها فتفهم السبب.

ورغم أن عمرو دياب يشتهر بالبعد عن الصراعات أياً كان مصدرها، فنحن لا نعرف سر تعاونه المستمر مع «تركي آل الشيخ» وزير الرياضة السعودي والشاعر الغنائي والمستثمر الرياضي. في البداية انتشرت دعابة تقول إن تركي لا يكتب الأغنيات للفنانين وإنما يشتريها من شعراء آخرين خاصة مع غزارة إنتاجه حيث كتب لهذا الألبوم أربع أغنيات، ولكنك عندما تستمع لأغنية «ملاك الحسن» مثلاً تتأكد أنه ربما لا يشتري كل الأغنيات، هو كتب هذه الأغنية التي أصر أن «يحشر» فيها كل الكلمات التي تعبر عن الرقة والجمال والأنوثة حتى لو دون سياق، والغريب أن عمرو دياب يغنيها دون أن يلتفت أن المصريين لا يستخدمون كلمة «يا البراءة» في الغزل!

ورغم أن ألبوم «كل حياتي» لم يفشل قطعاً رغم كل ما حدث حوله من لغط لم يفده في الأسابيع الأخيرة، إلا أن هناك شيئاً ما مفقود في رائحة الجو الذي يحيط بالألبوم، ربما لتأخره الشديد أو للتكنيك الغريب الذي اتبعه للترويج له، أو للتغيرات الجذرية التي حدثت في حياة صاحبه وأثرت على الألبوم، شيء مبهم لن يشعر به إلا الجيل الذي كان يرتدي بلوفر عمرو دياب، وآيس كاب عمرو دياب، الجيل الذي يشعر بقلبه أنه رغم النجاح فإن هذا النجاح ينقصه شيء مهم، ينقصه – ربما – عمرو دياب.