عندما سمعت بمرض «أنجلينا جولي» الأخير وتدهور حالتها الصحية، تخيلت أنها فشلت في حربها ضد السرطان، لم يكن من السهل علي أن أقرأ أخبارها مقترنة بلفظة «موت»، في الواقع فإنه ليس سهلاً على أي شخص أن يتابع مراحل وفاة أنجلينا؛ فقد كانت تمثل مؤخرًا ضوءًا إنسانيًا قلّما سطع هكذا بوضوح في عالمنا المظلم هذا.ثم حدث أن تحريت الأمر أكثر، وعرفت أن «أنجلينا جولي» تعاني من «الأناروكسيا» أو فقدان الشهية العصبي، وهو أشهر اضطرابات الطعام وأسوأها على الإطلاق، والذي يمكن – بالفعل – أن يودي بحياة من يصاب به.ما الذي يجعل إنسانة بسطوع أنجلينا جولي تقع فريسة لمرض نفسي قاهر كهذا؟، هي نجمة حقيقية لا مجازًا، فهل تسقط النجوم من السماء رغم كل هذا الألق؟، ألم تستطع آنجي – كما تحب أن تُنادى – التغلب على تاريخها المليء بالتناقضات، وبدلاً من أن تستسلم للسرطان استستلمت لمرض نفسي يكاد أن يقضي عليها؟.


طفولة منبئة

لم تعش «أنجلينا» طفولة سعيدة، فلم يكن مقدرًا لها أن تقضي طفولة سوية وسط أبوين منفصلين يهتم كل منهما بنجاحه الشخصي على حساب الطفلة المنبوذة. عانت «آنجي» من تأخر في النطق نتيجة حرمانها من أسرة تعتني بها ونتيجة لنشأتها مع مربية كانت تتوسل لأم «أنجلينا» أن تقضي مع ابنتها مزيدًا من الوقت، كيف يمكن لطفل تركه أبواه أن يشعر أنه مرغوب أو مهم أو لا يشعر بالتعاسة؟.يبدو أن «أنجلينا» لم يكن حظها منصفًا كحظ أبنائها الذين قررت أن تعوض فيهم نقيض ما عاشته من حرمان. فرغم طفولتها العصيبة، قررت أن تكون أمًّا حنون، فتبنت أطفالاً من جميع أنحاء العالم، وأنجبت أطفالاً سعداء ولدوا من رحم الطفلة التعيسة التي كانتها، من قال أن فاقد الشيء لا يعطيه؟، أنجلينا جولي أثبتت عكس ذلك تمامًا على الدوام.


مراهقة متخبطة

وكأنها أرادت أن تلفت نظر العالم لوجودها، كانت «أنجلينا» مراهقة متخبطة، تجرب كل أنواع الآثام، بدءًا بالمخدرات التي أدمنتها في مراهقتها، حتى علاقات عاطفية قائمة على الاستمتاع فقط حسبما ذكرت في مذكراتها الشخصية. لم تكن «آنجي» تريد أن تمر على الدنيا مرورًا هادئًا، فالطفلة التي لم يستمع لها أحدهم قررت أن تكبر لتزلزل ما حولها بأقصى صخب ممكن.كانت «آنجي» متناقضة تمامًا في رؤيتها لصورتها الذهنية عن نفسها، فهي ترى نفسها منبوذة ومكروهة وفي نفس الوقت تريد أن تصبح نجمة، فعانت المراهقة من تمزقها بين ما تريده لنفسها وما تستطيعه. كانت تحب الحياة بكل قوتها للدرجة التي جعلتها تعترف أنها كانت تؤذي نفسها إيذاءاً متعمدًا عن طريق جرح جسدها بسكاكين حادة؛ ليس بغرض التخلص من حياتها، بل على النقيض تمامًا، فقد كانت تفعل ذلك لتتألم وتشعر أنها ما زالت حية. إذن لم تكن «الأناروكسيا» هي أول ما يصيب الفتاة التعيسة من اضطرابات نفسية، فقد عاشت تاريخًا عصيبًا يبدو أنه لم يكن من السهل جدًّا تخطّيه.


«أنجلينا» النجمة الطيبة

ما إن تطبع اسم «أنجلينا جولي» في أي محرك بحث، حتى تخرج لك نتائج تحدثك عن النجمة الطيبة التي تساعد المقهورين إنسانيًا حول العالم. فهي تحاول بكل قوتها أن تزيل معاناة الآخرين؛ ربما لأن معاناتها الشخصية لم تجد من يخففها، وربما لأنها ترى لنفسها رسالة إنسانية أسمى من الإمتاع الفني الذي تمارسه باقتدار في أفلامها،وربما تفعل أنجلينا جولي كل ذلك كي تخفف من حدة شعورها بأنها سيئة، هل كانت لا تزال تشعر بالذنب في كل ما حدث في حياتها من قبل؟.كبرت أنجلينا وأصبحت أعلى نجمات هوليوود أجرًا، ولكن ذلك لم يساهم في إرضاء سعيها النهم نحو الكمال. كانت تحاول دائمًا أن تصبح أفضل، وقد أصبحت بالفعل؛ ولكن لم يرضها هذا، فأرادت المزيد، المزيد الذي يمكنه أن يقضي عليها الآن.


الطفلة التي لم تكبر

لو بحثت عن مرض «الأناروكسيا» الذي تعاني منه «أنجلينا جولي» الآن، لأخبرتك النتائج أن مرض فقدان الشهية العصبي واضطرابات الطعام عمومًا ليس له علاقة بالوزن أو بالطعام في حد ذاته، بل له علاقة بمشاكل نفسية أخرى تتلخص في عدم الشعور بالأمان والوحدة والاكتئاب، وعدم الشعور بالكفاءة والسعي نحو الكمال المهلك.يبدو أن الطفلة التي عانت أولاً من تأخر الكلام، والمراهِقة التي عانت من الإدمان، والشابة التي عانت من مرض إيذاء النفس القهري، كبرت لتصبح امرأة تعاني من الأناروكسيا.رغم كل ما تفعله «أنجلينا» لنفسها ولأولادها وللعالم، ورغم علاقتها العاطفية الوثيقة بزوجها براد بيت، واستقرار حياتها بشكل عام، لازالت تحمل قلبًا قلقًا لا يشعر أنه أدى كل ما عليه لينعم بحياة هادئة. رغم قوتها في محاربة مرض السرطان والذي دفعها لتستأصل أجزاء من جسدها لارتفاع احتمال إصابتها بالمرض، ورغم أنها كانت شجاعة جدًا في اتخاذ تلك القرارات المصيرية، إلا أنها تركت تاريخها العصبي ينهش جسدها الهش حتى أصبحت تزن 35 كيلو جرامًا فقط.35 كيلو جرامًا من القلق والتناقض، فرغم نجاحها دومًا في تخطي مشكلاتها، إلا أنها تضعف في جوانب أخرى، تعالج أخطاءها وأخطاء العالم، ثم تتعب وتفشل في مقاومة نفسها. رغم أنها نجحت دومًا في تحسين كل ما يحيط بها وشقت لنفسها طريقًا مضيئًا يجعل الناس ينبهرون بقوة تلك المرأة التي لم تخف أن تزور المناطق المنكوبة وتتبرع بثلث ثروتها لمصابي الكوارث حول العالم، إلا أنها فشلت في ترميم شروخ عميقة في روحها، شروخ يبدو أنها تتسع حتى كادت أن تبتلعها.في روح «أنجلينا جولي» شرخٌ عميق لم تستطع سده بكل هذا النجاح والألق، شرخ عميق، شرخ يسع سقوط جسد يزن 35 كيلو جرامًا من الإنسانية.