بدأ موسم الجوائز الأدبية في الوطن العربي، أعلنت عدة مؤسسات عن القوائم الطويلة والقصيرة للمرشحين لها في الفئات المختلفة، ورغم محاولات لجان هذه الجوائز التأكيد على عنصري الشفافية والتجرد في الحكم على الأعمال الأدبية، إلا أن ثمة عوامل محددة تتحكم في اختيارات الفائزين بهذه الجوائز، ودون مغامرات أو افتراضات غير واقعية، سنحاول من خلال نتائج الأعوام السابقة تبيان الطريقة التي يتم بها اختيار جوائز المسابقة، علمًا بأن وجود اتجاه ما لدى أي مانح لجائزة هو أمر بديهي لا يعيبه في شيء مطلقًا، وكل التخمينات والتوقعات هي محاولة لفهم طبيعة هذه المحددات التي رغم ضرورة وجودها في أي جائزة فإن الكثير من مانحي الجوائز يتوقفون فقط عند المرسل من الكلام عند إقرار أسباب المنح.

1. نجيب ساويرس الثقافية

نبدأ من مصر، وبجائزة نجيب ساويرس الثقافية التي قدمت عام 2005 للمرة الأولى، وخلال دوراته الخمسة عشر نجحت في تسليط الضوء على عدد كبير من الأدباء الشباب ومنحت لهم بجانب الجائزة المالية الجيدة فرصة للانتشار بشكل أكبر.

تقدم الجائزة في عدة فئات: للكتاب الشباب عن الرواية، وللكتاب الشباب عن القصة، وللكتاب الكبار (من تخطى الأربعين عامًا) عن الرواية، وأيضًا عن القصة القصيرة، بالإضافة لأفضل سيناريو فيلم سينمائي طويل وقصير وأفضل نص مسرحي، وأفضل عمل نقدي.

تتباين الجوائز بين 150 ألف جنيه وحتى خمسين ألف جنيه مصري تقدم لصحاب المركز الأول، وجائزة مالية أيضًا لصاحب المركز الثاني، وشهادات تقدير لباقي المراكز.

من متابعة للفائزين بالجائزة، في السنوات الماضية يمكن إدراك عاملين مهمين يحكمان الجائزة وخاصة في فئة الشباب.

الأول هو العمل الأول، منحت الجائزة للأعمال الأولى مرات متكررة، وتقريبًا لم تخلُ أي سنة من وجود عمل أول فائز في فئات الرواية والقصة القصيرة، والسبب هنا بسيط: محاولة إضفاء نوع من القيمة للجائزة كمكتشفة للمواهب، وهو نموذج يتناسب تمامًا ومانح الجائزة رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس الذي يحب المغامرة ودعم الأفكار الواعدة، لذلك فإذا كنت على وشك التقديم في الجائزة بعملك الأول فتوقع أن فرصك للفوز أكبر كثيرًا من الباقين.

وإشارة أخرى لهذا النموذج المكرر تظهر في عدد من فازوا بالجائزة أكثر من مرة، وهو عدد قليل جدًا، ولأسباب مختلفة معظمها غير فني ومرتبط بالوسط الثقافي المصري أكثر منه بقيمة ما قدمه الكاتب ليفوز بالجائزة مرتين.

وتظهر هذه النقطة جلية في القوائم القصيرة للجائزة في فئتي الرواية والقصة القصيرة للشباب، والتي نادرًا ما تجد فيها فائزًا سابقًا بالجائزة، بل دائمًا ما تحفل بكتاب شباب وبأعمالهم الأولى، لنلقِ نظرة على قوائم العام الحالي:

في الرواية:

  1. جوائز للأبطال – أحمد عوني (عمل أول)
  2. تشيخوف والسيدة صاحبة الشيواوا – شريف عبد الصمد (عمل أول)
  3. ليلة يلدا – غادة العبسي (عمل روائي ثالث)
  4. درب الإمبابي – محمد عبد الله سامي (عمل أول)
  5. المقاعد الخلفية – نهلة كرم. (عمل روائي ثان)

وفي القصة القصيرة:

  1. قميص تكويه امرأتان- أحمد الدريني (عمل أول)
  2. أفلام عبده باراديزو.. الشركة السرية – محمد عثمان الفندي (عمل ثان)
  3. تقرير عن الرفاعية – محمد الفولي (عمل أول)
  4. مسيح باب زويلة- مصطفى زكي (عمل رابع)
  5. زار – هبة خميس (عمل أول)

في العام الماضي كانت الترشحيات كالتالي:

رواية الفابريكة – أحمد الملواني (عمل سادس)
رواية قريبًا من البهجة – أحمد سمير (عمل أول)
رواية سرايا الجابي – إسلام البنا (عمل ثانٍ)
رواية وأنا أحبك يا سليمة – شريف سعيد (عمل أول)
رواية بنات الباشا – نورا ناجي (عمل ثالث)

فازت الفابريكة (عمل سادس) وقريبًا من البهجة (عمل أول)

وفي فئة القصة القصيرة كانت الترشيحات كالتالي:

لا أحد يرثي لقطط المدينة – محمد الحاج (عمل أول)
كلنا عبده العبيط – محمود فطين (عمل ثان)
الجالسون في الشرفة حتى تجيء زينب – نهى محمود (عمل ثامن)
الموت يريد أن أقبل اعتذاره – نهلة كرم (عمل ثان)
نشاطركم الأرواح – يارا كمال (عمل أول)

فاز محمد الحاج بالمركز الأول ونهى محمود بالمركز الثاني

يمكن مراقبة عدد الأعمال الأولى الطاغي في الترشيحات وإدراك أحد محددات الجائزة الأساسية: شباب يكتب للمرة الأولى، والمحدد الثاني لا يفوز بها مرتين إلا باستثناء كبير. وهذا الاستثناء كما طرحناه من قبل يتعلق غالبًا بأسباب مرتبطة بواقع المجتمع الثقافي المصري أكثر منه بقيمة العمل المقدم.

هل يمكنك توقع الفائز في دورة هذا العام؟

توقعاتي:
أحمد الدريني
محمد الفولي
أحمد عوني
محمد عبد الله سامي

محدد آخر لا يمكن استقصاؤه بشكل كافٍ، وهو الميول السياسية للمرشحين. لا يكمن القول إن الميول السياسية تحدد الفائز، لكنها أحد العوامل التي تؤثر في الفائز من خلال تكوين وتشكيل لجنة التحكيم التي يراعى فيها دائمًا أغلبية للمعارضين لسياسة الدولة بشكل مشابه لطبيعة مانح الجائزة، ليس معارضة بالشكل المزعج للدولة وليسوا موالين لها في نفس الوقت.

2. جائزة البوكر

قد تكون جائزة البوكر العربية أهم جائزة عربية، نظرًا لارتباطها باسم جائزة المان بوكر الشهيرة، لكنها رغم هذا الانتماء يمكن ملاحظة بعض السمات المميزة للجائزة ومنها:

التنوع الجغرافي: تراعي الجائزة تنوع الجنسيات المشاركة، كأنها تحاول إرضاء أكبر عدد من الدول العربية، فتجد الجائزة دائمًا تمثل القطاع الأكبر من الدول العربية، ولا يتوقف هذا العامل في القائمة الطويلة أو القصيرة فقط، والتي يمكن أن يكون هذا العامل غير مؤثر فيها، لكن الأمر يتخطى ذلك حتى الفائز بالجائزة، فتجد أن الجائزة تدور كقطعة لعبة بنك الحظ بين الدول العربية، ترمي النرد فتقف كل مرة في بلد ما.

فاز بالجائزة التي مر على إنشائها أحد عشر عامًا روائيون من العديد من الدول العربية، في دورتها الأولى فاز المصري بهاء طاهر عن رواية واحة الغروب، وكانت الترشيحات من مصر ولبنان سوريا، وهو ما لن يتكرر بهذا الشكل أبدًا، وفي العام التالي فازت بها مصر مرة أخرى برواية عزازيل ليوسف زيدان والترشيحات بدأت تأخذ طابع الكوته فجاءت من (مصر، تونس، العراق، فلسطين، المغرب، سوريا، اليمن، ليبيا، لبنان والأردن)، بعد فوز مصر مرتين لن يتكرر فوز مصر بها مرة أخرى.

وفي الأعوام التالية فاز بالجائزة عبده خال من السعودية، محمد الأشعري (المغرب) مناصفة مع رجاء العالم (السعودية)، ربيع جابر من لبنان، سعود السنعوسي من الكويت، أحمد السعدوي من العراق، شكري المبخوت من تونس، ربعي المدهون من فلسطين، محمد حسن علوان من السعودية، إبراهيم نصر الله فلسطيني أردني، وهدى بركات من لبنان.

لتتصدر السعودية بثلاث مرات فوز وتليها مصر بمرتين ولبنان بمرتين.

لا تتوقف السمات عن الظهور عند الموقف الجغرافي، لكنها تمتد للموقف السياسي والثقافي، فالروايات الفائزة لم تصنع جدلًا سياسيًا (ربما صاحب رواية ساق البامبو بعض النقاش وحتى المنع، لكنه على أقل تقدير كان دعائيًا)، والسمة السائدة بشكل أساسي هي أن الأدب المقدم يمكن أن نطلق عليه أدبًا نظيفًا، خاليًا من الجنس أو السياسية الجارية، ما يتفق مع سمعة دولة الإمارات التي ترعى الجائزة،لم يمنع ذلك القائمين على الجائزة من اختيار بعض الروايات المثيرة للجدل في القوائم القصيرة والطويلة، لكن حظوظها للفوز كانت صفرًا.

سمة أخرى تشغل القائمين على الجائزة هو صلاحيتها للترجمة، وللتعبير عن العالم العربي، فالجائزة تعد كل فائز وبعض المرشحين بالترجمة للغة أجنبية في الغالب الإنجليزية، ولذلك فأحد عوامل الاختيار غير المعلنة هي صلاحية الرواية للترجمة، وللتعبير عن واقع العالم العربي كما يتوقعه القارئ الأجنبي.

لتكون السمات الأساسية لجائزة البوكر المحدد الجغرافي والمحدد الأخلاقي والسياسي، ومحدد صلاحية الترجمة.

3. كتارا

أغلى الجوائز العربية والمقدمة من المؤسسة العامة للحي الثقافي – كتارا (قطر) في بداية عام 2014، بمجموع جوائز ضخم يتخطى النصف مليون دولار وبفروع متنوعة أهمها بالطبع المتعلق بالرواية العربية المنشورة.

يمكن تلخيص جائزة كتارا بأنها جائزة قطرية، بكل ما تحمله الكلمة من وقع على أذن المستمع العربي، وحتى لا يعاد تفسير الكلام بشكل خاطئ فالمقصود هو أن الجائزة كبيرة القيمة، مرتبطة بالعلاقات السياسية لقطر في المقام الأول وتبحث كما كل الدول العربية والخليجية تحديدًا عن أدب نظيف خالٍ من المشاكل الجنسية، الثقافية أو السياسية بحسب سياسة قطر الخارجية.

وانطلاقًا من هذه المفاهيم، تجد أن الجائزة لا تلقى الترحاب الكبير في دول الخليج، ولا تجد صدى كذلك في مصر، خاصة بعد الأزمة الأخيرة، ورغم قيمة الجائزة الكبيرة (300 ألف دولار للمراكز الخمس الأولى) إلا أنها من أضعف الجوائز العربية الكبرى، لو قارناها بجائزة البوكر أو جائزة الشيخ زايد.

فاز بالجائزة في دورتها لهذا العام الصحفي والروائي الإرتري حجي جابر عن روايته رغوة سودا، جدير بالذكر أن جابر يعمل كمذيع في قناة الجزيرة الإخبارية!

4. جائزة الشيخ زايد للكتاب

قدمت جائزة الشيخ زايد للكتاب للمرة الأولى عام 2007 قبل عام واحد من إنشاء جائزة البوكر العربية الإماراتية أيضًا، وتتنوع فئات الجائزة بشكل كبير ويصل مجموع جوائزها لأكثر من سبعة ملايين درهم إماراتي.

ولا تختلف الجائزة عن الشكل المعتاد من جوائز الخليج: أدب نظيف، تنوع جغرافي، وجوائز مالية ضخمة. لكن التنوع الجغرافي هنا يظهر مع تنوع الفئات، فتجد في كل عام أن معظم المراكز الأولى في الفئات المختلفة قد وزعت على عدة دول عربية، ونظرًا أيضًا لتعدد الفئات وضخامة القيمة فالكل كسبان، من لم يترشح في فئة سيترشح في أخرى، ومن لم يفز اليوم سيفوز الغد، وهكذا. يمكن اعتبار هذه الجائزة ترضية لمن لم يفز في جوائز أخرى، ومع تعدد الفئات فإنها تمنح فرصة أيضًا لغير الروائيين والصحفيين والعاملين في الحقل الثقافي وحتى دور النشر نفسها، لتبدو كجائزة تقدمها دولة لكن لباقي الدول العربية كلها.

لا تتوقف الجوائز عند الحد المذكور، فهناك جائزة الملتقى للقصة القصيرة في الكويت، والتي تقدم سنويًا، وتعتبر الأهم في تلك الفئة، ومعها جائزة الطيب صالح في السودان لنفس الفئة وإن كانت تختلف في أنها للمجموعات القصصية غير المنشورة، تحكم كل جائزة منهما محددات مثل باقي الجوائز لا يتسع الوقت والمجال لذكرها كلها، لكنك الآن تستطيع أن تتخيل كيف يتم الاختيار من واقع ما ذكرناه وببحث بسيط عن الفائزين.

في النهاية، لا يرمي هذا المقال للإساءة لأي من مانحي الجوائز الثقافية التي تثري بشكل حقيقي المناخ الثقافي في الوطن العربي، وتساعد الكتاب العرب في توفير بعض المال لتخطي صعاب العمل في بلداننا العربية، لكنها في الوقت نفسه وكما كل جائزة أخرى حول العالم، لها محدداتها التي حاولنا أن نتعرف عليها من واقع تاريخها ودون محاولة الادعاء على أصحابها ومانحيها.

*رفض كاتب المقال كتابة اسمه؛ حتى لا يضيع على نفسه فرصة الفوز بإحدى هذه الجوائز في المستقبل حال أن قرر كتابة القصة أو الرواية.