في الماضي غير البعيد جداً كان لا يمكنك تكوين رأي شخصي عن أي ممن يشتغلون بالفن أو الإعلام، كلهم براقون ومشهورون، ولا يوجد أي طرق متقاطعة بين حيواتهم الصاخبة وحيوات المشاهدين العادية، لن تجمعهم بك مناسبة، ولن تراهم في حفل زفاف ولن تقابلهم في المواصلات العامة، هم بالنسبة للعامة أشخاص مبهمون لا يمكن أن تعرف آراءهم ولا أفكارهم ولا حتى أشكالهم الحقيقية، حتى لو تتبعت أخبارهم في الصحف والمجلات ومقابلات التليفزيون يظل النجم بالنسبة لك شخصا بعيدا جدا ومغلقا تماما.

مع انتشار وسائل الإعلام الاجتماعي وانفتاح العالم أصبح يمكنك أن تعرف كل شيء عن الشخصيات العامة، أخبارهم لحظة بلحظة وصور ملتقطة لهم خلسة وأخرى ينشرونها لمعجبيهم، أخبارهم الشخصية وأين يقضون أوقات فراغهم، مع تغلغل وسائل الاتصال تلك أصبح الأمر أكبر وأعقد، أصبحت أيامنا جميعا متداولة على السوشيال ميديا، وبالتبعية أيام هؤلاء البعيدين أيضا.

مع كثافة الأحداث اليومية والعالمية تجدهم يعبرون عن آرائهم، أصبحت أكثر قدرة على تكوين صورة تقترب كثيرا من الحقيقة للشخصيات العامة، هذا متكبر لا يرد على أحد، هذا بسيط يرد على الجميع، هذا خفيف الدم يطلق النكات ويتبادل المزاح مع معجبيه، هذا يحب البلد، هذا ينتمي للفصيل السياسي الفلاني، هذه تحافظ على صحتها وتلك مريضة، هذا يقضي إجازته خارج البلاد، وهذا رزق بمولود جديد وهكذا.


قرارات مصيرية وحياة عائلية وأشياء أخرى

«محمد هنيدي» أحد أنشط الفنانين على موقع «تويتر»، يعلق على كل شيء تقريبا، وبطريقة تشبه أفلامه وقفشاته خفيفة الدم، يسخر من نفسه ومن كل شيء، ولا يتجاوز حدود الأدب أبدا مع معجبيه، يرد على معظم التعليقات والتويتات على حسابه، رغم أنه يشاع أن من يدير له الحساب أحد متخصصي تسويق السوشيال ميديا، فإنه يتقمص جيدا شخصية «هنيدي» اللطيفة، وبالطبع حتى لو هناك من يدير له حسابه فإن كل شيء يتم بموافقته وعلمه.

أطلق «محمد هنيدي» منذ أيام تويتة يقول فيها إنه لو وصل عدد المشاركات لهذه التويتة 100 ألف سوف يتلقى المتابعون أخبارا جديدة عن صناعة جزء ثاني من فيلم «صعيدي في الجامعة الأمريكية»، وبالفعل تفاعل الجمهور مع التويتة وشاركوها، وبدأت الاقتراحات بينهم وبين بعضهم البعض، وبغض النظر عن أن الفكرة تسويقية بالأساس، فإن هذا يمكن أن يعطينا مؤشرا مهما كيف أصبح التواصل الاجتماعي جزءا حميما من علاقة الفنان بجمهوره وبصناعة الفن في حد ذاته. وبالأمس أعلن هنيدي أنه لم يكن يتوقع الإقبال على فكرته، وأنه اختار رقم 100 ألف، كرقم تعجيزي، غير أن النتائج كانت مفاجئة بوصول تغريدته لهذا الرقم، ووعد المشاهدين بانتظار أخبار مبشرة في القريب.

وبعيدا عن القرارات الفنية هناك مجال آخر أصبحت السوشيال ميديا تسيطر عليه بقوة في حياة الشخصيات العامة، وهو أكثر قربا وحميمية من القرارات الفنية، وهو حيواتهم الشخصية، فمثلا الفنان «أحمد داود» وزوجته الفنانة «علا رشدي»، على الرغم من كون حساباتهما على الفيس بوك تحمل أسماء غير حقيقية بل غريبة ولا يسهل تذكرها، فإن صورهم العائلية مع أبنائهم، وإجازاتهم، وأخبارهم الشخصية يتداولها الجميع ويعلقون عليها بأن هذا هو الشكل الصحيح للأسرة حتى لو كانت أسرة مشهورة وتحت الأضواء.

هذا الانتشار لأخبار النجوم وصورهم يصب في مصلحة العمل الفني أو شهرتهم بشكل أو بآخر، فقد أطلقت «علا رشدي» منذ ما يقرب من العام برنامجا على اليوتيوب أسمته «وجهة نظر» تناقش فيه موضوعات تتعلق بالأمومة والتربية، وبالطبع ساهمت شهرتها على السوشيال ميديا في نجاح البرنامج، حيث إنها منذ البداية معروفة للجمهور باهتمامها بأولادها وبأسرتها، وقد كان هذا جواز مرور شرعي جدا لفيديوهات البرنامج القصيرة.


حريات شخصية وأخرى سياسية وثالثة روحانية

من أبرز نماذج مساهمة السوشيال ميديا في ترويج الفنان هو ما تفعله «فيفي عبده»، فيفي لم تكن أبدا هادئة أو مغمورة أو راقصة والسلام، بل كانت دائما موجودة بقوة في الأحاديث الصحفية والبرامج التليفزيونية بعفويتها ومرحها وشخصيتها الكاسحة ولكنتها الشعبية قليلا، ولكن في السنوات الأخيرة ومع انتشار السوشيال ميديا أصبحت «فوفا»حديث كل ساعة فعلا، لا يمر يوم دون أن ترى لها فيديو وهي ترقص، أو تأكل، أو تبعث بخمسة مواه لجمهورها، أو تنقل بثا مباشرا لها من أحد الأماكن السياحية.

تحولت «فيفي عبده» إلى أيقونة بهجة وجرأة، نظرا للكم الذي تتعرض له يوميا من انتقادات ومقاومتها لكل ذلك بالمزيد من الانتشار والحرية، بمنتهى العفوية تصدر «فيفي عبده» صورة حقيقية وإنسانية لنفسها عبر السوشيال ميديا، مما يساهم في رفع أرصدتها لدى معجبيها رغم كم اللعنات والسب الذي يوجه إليها، تمارس حريتها وتحث الآخرين على ممارستها وتفعل كل ذلك من قلبها، فتشعر أنك تجلس معها في منزلها ولست متابعا لها عبر الشاشة.

على الجانب الآخر ونقيضا لفيفي عبده التي تروج للحرية هناك «يوسف الشريف» الذي يعبر عن تدينه ويروج للأخلاق الحميدة وضرورة التقرب من الله على حسابه على تويتر دائما، يصدر «يوسف الشريف» شخصيته المتدينة ويحث الآخرين على أن يحذو حذوه، وعلى الرغم من أن هذا ليس له علاقة مباشرة بما يقدمه من فن فإن مسحة التدين التي تغلف كلماته دائما على وسائل التواصل الاجتماعي، جعلت جمهوره يثق فيه وفي أعماله وينتظرون مسلسلاته كل عام لمجرد أنهم يثقون فيه وفي اختياراته لأنه إنسان خلوق.

وبعيدا عن أنه يقدم بالفعل أعمالا متميزة ومختلفة في كل عام، إلا أن شخصيته الإعلامية على وسائل التواصل الاجتماعي تساهم في الترويج لأعماله تلك، وتساهم ولو بشكل بسيط في جذب الجمهور الذي يثق فيه إنسانا فتنعكس ثقتهم هذه في كونه فنانا أيضا.

أما في المجال السياسي فهناك الكثير من الفنانين الذين يعبرون دائما عن مواقفهم السياسية عبر حساباتهم على السوشيال ميديا، أبرزهم الفنان «نبيل الحلفاوي» الذي كان يحظى بشعبية كبيرة جدا منذ انطلاق ثورة يناير/كانون الثاني، وحتى عندما اختلف معه الكثيرون بعد 30 يونيو/حزيران، ظلت شعبيته كاسحة على تويتر من المؤيدين لموقفه السياسي.

وهناك غيره الكثيرون ممن تنتشر مواقفهم السياسية وتتصدر آراؤهم السياسية صفحاتهم على السوشيال ميديا، حتى أن السياسة تكون موضوعا محببا للحديث في أي لقاء تليفزيوني يقام معهم، «خالد الصاوي» مثلا، أو «نشوى مصطفى» التي ساهمت آراؤها السياسية على السوشيال ميديا في ترشيحها لتقديم برنامج اجتماعي سياسي على أحد محطات الراديو.


التفاعل الحقيقي وتأثيره في الجمهور

أكثر ما يميز العلاقات الإلكترونية بين النجوم أو الشخصيات العامة وبين الجمهور هو إمكانية التفاعل المباشر بين صاحب الحساب وبين جمهوره ومعجبيه، ويزداد تقدير الجمهور للفنان عندما يجده يشارك في النقاشات الدائرة عنه ويهتم بالرد وتوضيح وجهات النظر والتفاعل الحقيقي بينه وبين جمهوره وقابليته للتفاعل المباشر معهم، هنا يصدر الفنان عن نفسه فكرة أقرب وأكثر حميمية مما يساهم في رفع أرصدته.

مثلا «صبري فواز» والذي يسمي حسابه الشخصي على فيس بوك باسم «الصبر فواز» في إشارة فلسفية تميز كلامه وآراءه على السوشيال ميديا، بل أشعاره أيضا أحيانا أخرى، يهتم جدا بمشاركة كل ما يكتب عنه ويقع تحت يديه من أخبار أو مقالات أو مراجعات لأعماله، ويهتم بالإعجاب بكل الردود التي تصله تعقيبا على تلك الأعمال فيساهم ذلك في خلق حالة من القرب بينه وبين جمهوره، تساهم فيها بساطته الشديدة في الحديث عن نفسه دائما رغم ما يحققه من نجاح مطرد في السنوات الأخيرة.

أيضا «إياد نصار» الذي يعد من السوبر ستارز الحقيقيين على الساحة الآن، إلا أنه يهتم بالتفاعل مع جمهوره على السوشيال ميديا حتى لو على نطاق ضيق، وقد ساهم هذا في خلق جو أكثر حميمية وجرأة لمناقشة أعماله وتداولها بين معجبيه.

ولذلك يمكننا ببساطة أن نلمس تغييرا ملحوظا في سوق صناعة الفن بشكل عام يساهم فيه ما يحدث على السوشيال ميديا من تفاعل بين الفنانين وجمهورهم، فنسبة نجاح الفنان وأعماله الآن يمكن أن تعتمد ولو بشكل بسيط على نجاحه على السوشيال ميديا، ويؤمن له هذا قاعدة جماهيرية معقولة تساهم في نجاحه في السوق بشكل عام، وحتى لو لم تساهم بشكل مباشر في حسابات المال والأرقام فإن أكثر ما يهم في صناعة الفن هو احتفاء الجمهور بالعمل، وهذا هو ما يجعل الأرقام تتحدث لصالح هذا العمل.