إذا ما أردت إقصاء فصيل بعينه من المجتمع لا سيما تلك الفصائل التي لها ثقل عليك بالبحث عن بديل لسد الفراغات، والمشهد المصري بإقصاء جماعات الإسلام السياسي خاصة الإخوان المسلمين يدفع النظام نحو البحث عن بديل، فهل نجح نظام السيسي في استخدام الطرق الصوفية لسد الفراغ المجتمعي الناتج عن تحجيم التيار الإسلامي؟، وما هي النتائج المترتبة على ذلك؟

في دراسة نشرها مركز الأبحاث الروسي «كاتيخون» يناقش الباحث والخبير في شؤون الحركات الإسلامية «محمد مختار قنديل» مسألة علاقة الطرق الصوفية بالسياسة وأنظمة الحكم في مصر، متتبعًا مسار الحركة الصوفية منذ نشأتها في عهد الفاطميين وحتى اليوم.


من هم الصوفيون؟

في عرف الجميع الصوفية تعد مذهبًا، إلا أن الداخل الصوفي لم يتجه مطلقًا نحو تصنيفها كـ«مذهب» وإنما كطريق لبلوغ ركن من أركان الدين وهو «الإحسان» عن طريق الإخلاص في العبادات والاجتهاد بها، إلى جانب تطهير النفس والقلب من الهوى، وإذا ما أردنا الوقوف على بداية نشأة الصوفية فإننا نصطدم بفقر المعلومات فلا توجد رواية مؤكدة حول بداية نشأة الطرق الصوفية عالميًا.

اليوم يوجد في مصر نحو 74-77 طريقة صوفية، تتفرع من ست طرق رئيسية، وتنظم تلك الطرق تحت لواء ثلاث مؤسسات.

من ناحية مصر تؤرخ العديد من الكتابات لبداية نشأة الصوفية ودخولها مصر إلى العهد الفاطمي؛ لما كان للدولة الفاطمية من اهتمامات بسير النبي وأهل بيته، فعمدوا نحو بناء الأضرحة للأولياء والصالحين، ثم جاء العصر العباسي ولما انتشر فيه من فساد زادت في مقابله تحركات الصوفية لمواجهة ذلك مستخدمين ما يسمى بـ «الرياضة الروحية» من إقامة حلقات ذكر يومية بعد صلاة العشاء بالمساجد في مصر، إلا أن التقنين الفعلي للطرق الصوفية في مصر جاء على يد «محمد علي باشا» في العام 1812م بإصداره فرمانًا من شأنه وضع الطرق الصوفية تحت لواء «سلطان شيخ السجادة البكرية» والتي تعد المرة الأولى لخضوع تلك الطرق لسلطة مركزية.

اليوم يوجد في مصر نحو 74-77 طريقة صوفية، تتفرع من ست طرق رئيسية هي «الدسوقية، الشاذلية، الرفاعية، البدوية، العزمية، القادرية»، وتنظم تلك الطرق تحت لواء ثلاث مؤسسات هي «المجلس الأعلى للطرق الصوفية، الاتحاد العام لتجمع آل البيت، نقابة الأشراف». ووفقًا لأمين عام «اتحاد القوى الصوفية وتجمع آل البيت» «عبد الله الناصر حلمي»، فإن نصف عدد سكان مصر صوفيون، إلا أن تلك المعلومة غير مؤكدة حيث لا يوجد تعداد دقيق، ولكن ما يدفع البعض للقول بذلك هو أن الحاضرين للجلسات الصوفية في مصر كثيرون وتعد طقوسهم طقوس شبه عامة في الدولة؛ مما يدفع للخلط بين من هو صوفي فعلي ومن هو يحضر لطقوسهم.


الدور السياسي للصوفية

القراءة العابرة للطرق الصوفية تدفع بالقول بأنهم بعيدون كل البعد عن السياسة، إلا أن الواقع الفعلي يثبت ما هو عكس ذلك، ويمكن تناول ذلك من خلال محورين:

أولاً: مرحلة ما قبل ثورة يناير

فتشير العديد من الأدبيات إلى وجود دور سياسي للطرق الصوفية في مصر، فعلى سبيل المثال في العصر الحديث كان للصوفيين دور في ثورة 1919م وذلك بمحاولة جمع توقيعات تؤيد بقاء المحتل الإنجليزي في مصر على يد «محمد إبراهيم الجمل» شيخ «السادة السمانية» آنذاك.

منذ مصر الجمهورية وطرحت الصوفية على الساحة كمحاولة لسد الفراغ جراء الإجراءات المتبعة ضد التنظيمات الإسلامية الأخرى، فمثلاً عهد الرئيس الراحل «جمال عبد الناصر» ووسط زخم المواجهات بينه وبين التيار الإسلامي، أصدر قرار بتعيين الشيخ «محمد محمود علوان» شيخًا للطرق الصوفية، وتعد تلك السابقة الأولى لاختيار شيخ مشايخ الطرق الصوفية بالتعيين دون اعتراض يذكر من قبل الطرق الصوفية على ذلك، كما أنها أصبحت آنذاك ملجأ لمين يريد التنصل من تهمة الانتماء لـ «الإخوان المسلمين» وعبرت عن وجود ظهير ديني للنظام آنذاك.

لم يتوقف الأمر في عهد عبد الناصر على ذلك، بل عمل «عبد الناصر» على استغلال الطرق الصوفية في تدعيم الوحدة ما بين مصر وسوريا وذلك بالإيعاز إلى «أحمد الجنيدي» شيخ الطريقة «الجنيدية» بإنشاء فرع للطريقة في سوريا لتكون ظهيرًا شعبيًا للوحدة في الداخل السوري، كل هذا في مقابل عضوية بالبرلمان المصري لبعض مشايخ الطرق الصوفية.

عهد السادات لم يختلف كثيرًا في كونه أخضع الطرق الصوفية لقانون رقم 118 لسنة 1976، والذي قنن وضع الطرق الصوفية بصورة أكثر دقة وخلق نوعًا من أنواع التحالف الإستراتيجية بينها وبين النظام. فعلى سبيل المثال تسلل شيوخ الطرق الصوفية إلى الجيش المصري وسمح لهم في محاولة إعادة تأهيله ورفع روحه معنويًا جراء هزيمة 67، وكان للطريقة «المحمدية الشاذلية» دور هام في ذلك؛ مما دفع الرئيس السادات لتكريم الشيخ «زكي إبراهيم» رئيس الطريقة «المحمدية الشاذلية» ومنحه وسام «الامتياز الذهبي».

عهد مبارك في بدايته لم يختلف كثيرًا عن عهد السادات في التعامل مع الصوفيين واستخدامهم كغطاء ديني للنظام، ولكن قبيل انطلاق ثورة يناير بأشهر حدث صدام ما بين نظام مبارك والصوفيين جراء تعيين «مبارك» لـ الشيخ «عبد الهادي القصبي» رئيسًا للمجلس الأعلى للطرق الصوفية نظرًا لكونه أحد أعضاء الحزب الوطني، الأمر الذي أغضب مشايخ الطرق الصوفية واعتبروه تدخلاً سافرًا وانتهاكًا للأعراف والتقاليد الصوفية وعبروا عن هذا بتهديد الشيخ «أبو العزايم» بالترشح ضد «أحمد فتحي سرور» رئيس مجلس الشعب في انتخابات 2010 عن دائرة السيدة زينب.

ثانيًا: الصوفية نحو مزيد من الدور السياسي بعد ثورة يناير

إذا ما أردنا الوقوف على طبيعة العلاقة ما بين النظام الحالي والصوفية فلابد من الرجوع إلى مواقف الطرق الصوفية السياسية منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير حتى تنصيب الرئيس السيسي على عرش مصر.

فبدايات الصوفية ومع ثورة يناير كانت بداية صامته مبررة وفقًا لتصريح «محمد الشهاوي» شيخ الطريقة الشهاوية بمبدأ «أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم»، إلا أن ذلك لم يستمر طويلاً، حيث أنه بمجرد أن بدأت ملامح نجاح ثورة يناير في الظهور أخذت الطرق الصوفية خطوات جدية نحو العمل السياسي المعلن.

فاتجهت الطرق الصوفية نحو إنشاء أحزاب سياسية على رأسها حزب «التحرير»، وعلى الرغم من المنحى الديني الظاهر في الطرق الصوفية إلا أنهم كانوا الأشد معاداة للإخوان المسلمين والسلفيين، ووقفوا بجانب الليبراليين ضدهم.

ما إن ظهر الرئيس الحالي «عبد الفتاح السيسي» على الساحة معلنًا ترشحه لرئاسة الجمهورية، اتجه الصوفيون نحو تأييده بدافع معلن أنه «صوفي» وذلك وفقًا لتصريح «زين العابدين فهمي سلامة» خليفة خلفاء الطرق الرفاعية المنيا الذي قال نصًا «السيسى محب للطرق الصوفية لأنه صوفي الأصل».

بعد وصول «السيسي» للحكم استمر نهج الصوفيين في دعمه بأقصى درجات الدعم، إذ توجه البعض للقول بأن «نبي الإسلام محمد راضٍ عن السيسي» كما جاء على لسان رئيس الاتحاد العالمي للطرق الصوفية الشيخ «علاء أبو العزائم».

ولم يكتف الأمر أيضًا على التصريحات بل نظمت الطرق الصوفية ممثلة في الاتحاد العالمي للطرق الصوفية بالتعاون مع وزارة الأوقاف بإطلاق ملتقى «التصوف ضد التطرف» في شهر يونيو/حزيران من العام 2015 عقب دعوة الرئيس «السيسي» لتجديد الخطاب الديني.


لماذا تذهب الأنظمة نحو الطرق الصوفية؟

الإجابة على هذا السؤال باختصار تتخلص في موقف الطرق الصوفية من التيارات الإسلامية الأخرى، والذي يظهر بصورة عداء واضح لكل من الإخوان المسلمين والسلفيين، وقد خرجت العديد من التصريحات من مشايخ الطرق مدللة على ذلك، فعلى سبيل المثال ما جاء على لسان علاء أبو العزايم بأن «مساعي جماعة الإخوان المسلمين والجماعات السلفية للانخراط في العمل السياسي الرسمي تهدد التسامح الديني».

كما جاء على لسان «إسماعيل توفيق» أحد مشايخ الطرق الصوفية بأن «أصوات المتصوفة في الانتخابات البرلمانية لن تذهب لأي مرشح ينتمي للتيار السلفي أو الإخواني أو الجماعة الإسلامية».


احتمالية انقلاب الصوفية على النظام

منذ قيام الجمهورية، طرحت الصوفية على الساحة كمحاولة لسد الفراغ جراء الإجراءات المتبعة ضد التنظيمات الإسلامية الأخرى.

وفقًا لما هو مذكور سلفًا فإن العلاقة ما بين الطرق الصوفية والأنظمة علاقة تبادلية ترجح فيها كفة المكاسب لصالح الأنظمة، ولعل السبب وراء ذلك ضعف الطرق الصوفية، فهل من الممكن أن تنقلب الطرق الصوفية على النظام القائم ما إن قويت شوكته؟.

الطرق الصوفية -شئنا أو أبينا- تنظيم شمولي لا يختلف عن غيره من التنظيمات الإسلامية الأخرى، وفي العلاقة ما بين التنظيمات الشمولية وبعضها البعض هناك مبدأ سائد مفاده «الشمولية مطلق والمطلق لا يقبل شريكًا إلا أنه يستخدم غيره من التنظيمات المماثلة مرحليًا وحال القدرة على التخلص منه يفعل ذلك». ففي حال توفر المقومات التي تقوي من الطرق الصوفية سواء دعمًا ماليًا أو مساندة من قوى خارجية أو داخلية تكسبها مزيدًا من المصالح مقابل الانقلاب على نظام السيسي ستفعل ذلك بالضرورة، خاصة وأن للطرق الصوفية تنظيمات وفروع عالمية أكبر من نطاق دولة بعينها.