طفل صغير في المرحلة الابتدائية، يعود من مدرسته متعبًا وعلي كتفه حقيبة ممتلئة بالكتب تعادل وزنه تقريبا، يخطو خطوات أولى داخل منزله بعد يوم طويل فتخبره أمه أن هناك مفاجأة سعيدة في انتظاره، هناك مسلسل كارتوني مصري سيذاع لأول مرة علي التليفزيون. ينسي التعب، يلقي حقيبته، يجري مسرعا نحو أقرب ركن ويجلس قريبا من الشاشة وتبدأ صداقة جديدة مع بطل كارتوني جديد ولكنها تختلف عن كل ما سبقها هذه المرة، فهذا البطل لأول مرة مصري بشكل مكتمل، هذا البطل هذه المرَّة هو «بكَّار».


نرسم أول ما هنرسم.. نرسم لمَّة وأصحاب

مسلسل بكار بدأ كفيلم تجريبي قصير، وبعد نجاحه تحول لمسلسل الكارتون الأشهر في مصر

لازلت أتذكر تلك الحلقة الأولي الخاصة حتي اليوم، بحثت عنها طويلا أثناء كتابة هذا المقال ولكني لم أجد لها أثرا في هذا الفضاء الإليكتروني الشاسع. مرت سنوات طويلة ولا أزال أذكر بوضوح أن الأحداث كانت تدور حول عبور «بكار» بالقارب الشراعي في النيل وذهابه الي أحد المعابد، ربما معبد «أبو سمبل»، ثم قيامه برسم أحد تماثيل حورس، تتطاير تلك اللوحة الورقية المرسومة بالقلم الرصاص بفعل الرياح فيطاردها «بكار» ويفشل في التقاطها، يعود إلي منزله حزينا ثم تعود إليه اللوحة بشكل غير متوقع في النهاية. النهاية كانت سعيدة حينها حتي لو لم أتذكر الآن كيف وصلنا إليها.

أول ما استدعيه من الذاكرة بعدها أن بكار أصبح مسلسلا ناجحا جدا بعد تلك الحلقة الأولى التجريبية القصيرة، وسريعا جدا أصبح الوريث الشرعي وصاحب الحق الحصري في البث علي القناة الأولى وقت الإفطار في رمضان. هذا المشهد الذي تكرر في رمضانات الطفولة كلها تقريبا لن يمحى من ذاكرتي وذاكرة كل هذا الجيل. ننتظر أذان المغرب بشغف بالغ ونحن نستمع لتلاوة الشيخ «عبد الباسط عبد الصمد»، يُرفع الأذان بصوت الشيخ «محمد رفعت»، نحمد الله وندعوه بصيغة يلقِّنها لنا أباءنا وأمهاتنا ثم نشرب الكثير من التمر هندي ثم وبشكل مفاجئ دائما تفاجئنا تلك المقدمة الموسيقية المميزة جدا وصوت «محمد منير» الذي يهتف؛ «بكَّار».


عندما رحلت «منى أبو النصر» وتركت بكَّار لنا

في تلك الأثناء لم نكن كأطفال نهتم من أين تأتي كل هذه البهجة ولكننا بعدها عرفنا اسم «منى أبو النصر»، هذه العبقرية السكندرية التي أخرجت من قبل مسلسل «السندباد البحري» الذي سبق «بكار» في العرض خلال رمضان ثم ابتدعت شخصية هذا الفتى النوبي الذي تربَّع علي عرش أبطال الطفولة في رمضان.

مسلسل بكار يفقد الكثير من بريقه بعد وفاة مبدعته الأولى دكتورة منى أبو النصر

منى أبو النصر كثيرا ما كان يسبق اسمها لقب «دكتورة» وقد كنا كأطفال نستحضر حينها أنها ربما تكون طبيبة جميلة ترتدي بالطو أبيض وتعيش لترعى أبطال الكارتون ولكني عندما كبرت بعض الشئ عرفت أنك يمكن أن تسمَّى دكتور لأنك حصلت علي شهادة الدكتوراه في آي تخصص، واكتشفت مؤخرًا أن دكتورتنا الجميلة حصلت علي بكالوريوس الفنون الجميلة من حلوان ثم الدكتوراه في الرسوم المتحركة من كاليفورنيا في أواخر الثمانينات.

لا أعلم متي بدأ بالتحديد اهتمامنا باسم «مني أبو النصر» ولكني أتذكر بوضوح أن هذا الاهتمام قد ازداد بوضوح بعد وفاتها. فارقتنا دكتورة مني في سبتمبر 2003 بعد إصابتها بهذا السرطان اللعين الذي يقتنص أحبتنا دون سابق إنذار، وفي العام التالي أخبرني أحد أقاربي الأكبر سنا أن بكار لن يكون علي نفس مستوي الأعوام السابقة وعندما سألته عن السبب أخبرني أن منى أبو النصر قد ماتت. وبالفعل أخرج المسلسل خلفا لها ابنها «شريف جمال». بالطبع أحسسنا بلمسة منى أبو النصر الغائبة ولكن صداقتنا ببكار استمرت قوية، يغذيها ذكرياتنا سويا، موسيقي البداية .. صوت منير .. أصوات بكار وهمام وحسونة .. «مشرط» هذا الشرير خفيف الظل الذي أدخل علي المسلسل بُعداً تشويقيا جديدا ظل عالقا بأذهاننا حتي اليوم. ثم فجأة توقف كل شئ فى 2007.


حين ظننَّا أننا كبرنا.. فرحل

توقف بكار عن زيارتنا وقت الإفطار منذ ذلك الحين ولمدة سبع سنوات تغير فيهم كل شئ تقريبا، كان الأطفال الذين تربوا على مشاهدته قد كبروا وأصبحوا شبابا غير مهتمين بقضاء وقت الإفطار وسط التجمعات الأسرية، وتراجعت مكانة التليفزيون المصرى شيئا فشئ حتى اندثرت تماما أمام الإنتاج السخي والهائل للقنوات الفضائية الخاصة فى رمضان، احتلت برامج مقالب «رامز جلال» وقت الإفطار وفى بعض الأوقات مسلسلات «عادل إمام» و«يوسف معاطى» المتشابهة، أصبح لكل شخص ولكل صحبة اختيارهم الخاص لما سيشاهدوه خلال الإفطار وخلال تلك السنوات كنا نتذكر بكار بالخير وبأغنيته التى ظلت رمزا لحقبة جميلة وعلامة لصديق الطفولة.


حينما عاد شخصا آخر.. غريب عنا وعن أطفال اليوم .

فى رمضان 2015 فوجئنا بعودة بكار مرة أخرى، استبشرنا خيرا وأخبرنا أخوتنا الصغار أن صديق الطفولة قد عاد ولكننا وجدناه شخصاً أخر غير الذى عرفناه، انفردت قنوات النهار بعرض المسلسل فى رمضانى 2015 السابق و2016 الحالى، ولكنها فشلت فى اجتذاب ولو قليلا من جمهور بكار القديم، النسخة الجديدة تم تعديلها وتغيير شكل رسومها لتصبح قريبة من الرسوم ثلاثية الأبعاد ولكنها لم تستطع أن تنافس وسط هذا العالم الغريب عنها.

لم يشاهد جمهور بكار القديم النسخة الحديثة لأنه ببساطه قد كبر، الطفل الذى شاهد بكار فى 2007 تخطى عمره الأن العشرين عاماً وأصبح متشككا فى الطقوس الجماعية الرمضانية بشكل مكتمل لذا من الطبيعى أنه لن يكلف نفسه عناء التنقل بين مئات القنوات الفضائية ليبحث عن بكار، تلك القنوات التى يكرهها ولا يشاهدها إلا مجبرا أو على سبيل الصدفه، وحتى لو اجتذبه برنامج أو عمل درامى يُعرض عليها فهو يفضل أن يشاهده من خلال الإنترنت بعيدا عن ساعات بث طويلة تحكمها شركات الإعلانات.

كل ما سبق لا ينفى أن هناك قلة قليلة من جمهور بكار القديم قد استبشر بالنسخة الجديدة وقرر أن يقتطع من وقته ليشاهدها، لكنه فوجئ بشئ مختلف، وعنصر مفقود، جعله يهجر مشاهدته سريعا، ولنفس هذا السبب هجره أطفال اليوم، هذا السبب أن بكار عاد كشخصية على أفضل الفروض لا تنتمى لهذا العصر وعلى أسوأ الفروض مصابه باعتلال ذهنى يجعله مملاً دائما.

لم يستطع بكار أن يصمد فى ذهن أطفال اليوم وسط منافسة طاحنة من قنوات متخصصة فى الرسوم المتحركة تأتى لهم بآخر الإصدارات الأجنبية من أعمال شديدة الحرفية وشديدة الإمتاع، تخلَّى بكار عن ميزته الوحيدة وهو استدعاء «النوستالجيا» و قرر الدخول فى منافسة جديدة بمعطيات قديمة للغاية، فلا لغته تُناسب لغة أطفال اليوم ولا أحداث المسلسل التي تشبه دروس روضة الأطفال قد تستطيع أن تجتذب انتباه طفل تخطى عمره الست سنوات.

لا ننكر مجهود الفريق القديم الذى حاول التجديد فى النسخة الجديدة والحق يُقال أن نسخة رمضان 2016 أفضل كثيرا من نسخة رمضان الفائت 2015 ولكني و بالأصالة عن أصدقاء بكار من أطفال التسعينات كنا نفضل أن يظل فى ذاكرتنا كما تركته لنا دكتورة «منى أبو النصر».


10 معلومات قد لا نعرفها عن فريق عمل بكار

علي الرغم من عودته في حلة جديدة ثلاثية الأبعاد، إلا أنه فشل في إقناع جمهوره القديم أو اجتذاب جديد

عرفنا أخيرا ومن خلال ما صرح به الكاتب «عمرو سمير عاطف» الذى قام بتأليف المسلسل أن العمل قد توقف فى 2007 نظرا لقرار مسبق من المخرجه «منى أبو النصر» وابنها «شريف جمال» الذى أكمل إخراج المسلسل حينما أحسوا بعدم القدرة على تطوير المسلسل فى ظل الإمكانيات الهزيلة التي يقدمها لهم التليفزيون المصري كما قدم لنا «عمرو سمير عاطف» معلومات جديدة عن أبطال العمل من خلال تصريحات له، بحثنا عنها وأكملناها من تصريحات أخرى لأبطال المسلسل و نختتم بها حديثنا. عرفانا بكل لحظات الطفولة الجميلة وتعويضا عن خواء صفحة ويكيبيديا الخاصة بتاريخ فريق عمل أول بطل كارتوني مصري.

1- قام بأداء دور «بكار» كل من :

محمد درويش – الموسم الأول

عمرو مصطفى – المواسم الاربعة التالية

محمد محمود – بدءا من الموسم السادس

2- قام الفنان عادل خلف بأداء أدوار كل من :

مشرط الشرير، الخال سيدون، عم جردونى

3- قامت الفنانه سهير البدراوى بأداء أدوار كل من :

جدة بخيته ، أم بكار ، حبيبه ، رشيدة ، حسونة

4- صممت الفنانة نيفين الجبلاوى شخصيات كلا من :

بكار ، رشيدة

5- صمم الفنان مصطفى الفرماوى شخصيات كلا من :

حسونة ، همام

6- صمم الفنان محمود عطية شخصية فارس

7- أشرفت المبدعة منى أبو النصر على إخراج الخمس أجزاء الأولى من المسلسل ثم اكمل أخراج المسلسل فى الأعوام التالية ابنها شريف جمال

8- قام بتأليف المسلسل الكاتب عمرو سمير عاطف

9- الحلقة الأولى كانت بمثابة فيلم قصير مدته 18 دقيقه كتبه عمرو سيمر عاطف وأخرجته منى أبو النصر وبعد النجاح الذى حققته تلك الحلقة طُلب منهم تحويل العمل الى مسلسل .

10- وصلت عدد مشاهدات بكار فى أحد السنوات كما صرح المؤلف عمرو سمير عاطف الى 45 مليون مشاهدة.