في بدايات العام وقفت إحدى أشهر الفنانات في العالم ميريل ستريب على مسرح أحد أهم الاحتفالات الفنية حفل الجولدن جلوب لتوجه للرئيس الأمريكي دونالد ترامب صفعات معنوية متتالية منتقدة سياساته ساخرة من أفكاره بشكل واضح وصريح وكلمات مباشرة لا تقبل التأويل، ضجت القاعة بالتصفيق وارتفعت أسهم ميريل ستريب المرتفعة سلفاً والتي تحتل مكانة وحدها في قلوب الأمريكيين والعالم.

نفس ما فعلته ميريل ستريب فعله الكثير من نجوم هوليوود، انتقاد ورفض وتصريحات ساخرة وكثيراً ما أطلقوا النكات على الواقع الأمريكي الذي يريدون انتقاده، لم يتعرض أي منهم لأي إجراء قانوني أو تم التضييق عليه أو نبذه من المجتمع الفني الأمريكي.

على جانب آخر فإن المشتغلين بالفن في بلاد العالم الأول لا يلتفت أحد لتوجهاتهم الأيديولوجية أو الدينية أو الجنسية طالما داخل إطار شخصي ولم تتعد على حقوق الآخرين، فقد أعلن كيفن سبايسي مؤخراً مثليته الجنسية واعتذر عن واقعة تحرش اتهمه بها أحد الممثلين، لم يلتفت أحد لتفضيلاته الجنسية وانصب الحوار كله في التفريق بين التحرش والحرية الشخصية.

أما بالنسبة للرقابة على ما يقدم من فنون فتنحصر في ضرورة تصنيف المادة المعروضة حسب الفئة العمرية التي يمكنها أن تشاهد، وتترك الحرية كاملة للفنان في تقديم ما يريده دون قيود، أما الفنان الذي يحرص على أن يصل لكل الفئات فبإمكانه أن يفعل كما فعلت مايلي سايرس ويصدر من الأغنية نسختين واحدة نظيفة بإمكان الجميع أن يشاهدها، وأخرى ساخنة مقصورة على فئة عمرية محددة.


نحن نختلف عن الآخرين.. خالص

بدأ الأمر في مصر في عصر الثورة العرابية حينما ظهرت أعمال فنية تمتدح أحمد عرابي فأصدرت الحكومة قيودًا رقابية لحفظ الأمن والنظام في الأعمال المقدمة ولم تتعرض حينها للحياء العام أو حفظ الأخلاقيات اللهم إلا في جملة عرضية تقول إنه يراعى في تصوير الكباريهات ألا تكون قذرة، ثم تطور الأمر ليكون قوانين رقابية واضحة وصارمة، ثم تطور أكثر لتكون هناك الآن جهة مختصة بالرقابة على المصنفات الفنية، وأعطيت المساحة والسلطة للنقابات الفنية بمراقبة والتحكم في المواد الفنية التي تقدم على الساحة.

الأعمال الفنية التي تقدم على الساحة الفنية هي إما سينمائية أو تليفزيونية أو غنائية، في حالة المواد السينمائية فإن الرقابة تتحكم في المواد المعروضة مسبقاً لأنه لا يتم عرض الأفلام إلا بعد استصدار موافقة رقابية عليها، أما في المواد التليفزيونية فإن الأمور تشبه السينما إلى حد ما فيجب على الرقابة أن توافق على النص المكتوب ثم تتحكم القنوات في المواد المصورة وتقوم بالقص واللصق إذا ما خالف صانعو العمل أيًا من الشروط حتى لا يتعرض المسلسل للإيقاف من قبل الرقابة وتخسر القناة.

أما في المواد الغنائية فإن الأمر أكثر حرية فالأغنيات لا تخضع لرقابة مسبقة والفرق الموسيقية لا يتم تقييمها قبل أن تخرج على المسرح والفيديو كليب لا يمكن السيطرة عليه قبل أن يتم إطلاقه، ولكن هناك طرقًا أخرى للسيطرة على سوق الغناء من قبل الرقباء حيث إنه وفي 2017 فقط تم منع اثنين من المطربين وفرقة من الغناء، وتم القبض على مغنية ومخرج فيديو كليب واثنين من مؤديي المهرجانات.


أيديولوجيا وبلهارسيا وأشياء أخرى

فريق «مشروع ليلى» هو فريق غنائي لبناني يتصدره المؤدي حامد سنو، أحيى الفريق حفلاً غنائياً في مصر هذا العام وتم منع الفريق بعدها من الغناء في مصر من قبل المهن الموسيقية على خلفية ما حدث في الحفل، حيث قام الجمهور برفع أعلام قوس قزح المعبرة عن التوجهات الجنسية غير الاعتيادية أو المثلية في تصنيفها الأقرب للفهم، رفع الجمهور هذه الأعلام تضامناً مع سنو مؤدي الفرقة الأساسي والمعروف مثليته الجنسية، وتم القبض على بعض الأفراد ممن كانوا حاضرين للحفل باعتبارهم ممارسين ومروجين «للفجور والتصرفات الفاضحة» على حسب وصف تحقيقات النيابة!

أما المطربة شيرين عبد الوهاب فقد تم منعها من الغناء وتحويلها للتحقيق من قبل المهن الموسيقية أيضاً نظراً لما أطلقوا عليه إساءة لسمعة مصر على خلفية فيديو انتشر لها أثناء إحيائها حفلاً في لبنان ردت فيه على واحدة من الجماهير التي طالبتها بغناء أغنية مشربتش من نيلها قائلة هيجيلك بلهارسيا.

أما إيمان البحر درويش فقد تم منعه من إحياء حفل كان مقرراً أن يحييه على خلفية خلافاته مع نقابة المهن الموسيقية، الخلافات التي امتدت من 2012 واستمرت إلى اليوم والتي يتناوب فيها إيمان البحر رفع القضايا على النقابة مع كل مجلس نقابي جديد يتقلد المنصب.


مجتمع متدين بطبعه

ما زال المجتمع المصري متمسكًا بعاداته وتقاليده – ظاهرياً فقط بالطبع – مما حدا بالمسئولين عن صناعة الفن لملاحقة خادشي الحياء من المغنين الذين يصورون كليبات بها إيحاءات ومشاهد لا تصلح للعرض على تليفزيونات وإنترنت الشعب المتدين بطبعه كي لا تفسده.

في هذا الصدد ألقت مباحث الآداب القبض على المغنية شيما ومخرج كليبها عندي ظروف بعد بلاغ تقدم ضدهما بخدش الحياء العام حيث إن الكليب كان يعج بالمشاهد الساخنة والإيحاءات الجنسية التي خرجت في بعض اللقطات من كونها إيحاءات لتكون مشاهد إباحية صريحة، وفي نفس الصدد تم القبض على اثنين من مؤديي المهرجانات وهما أحمد ومحمود أصحاب مهرجان دلع تكاتك لنفس الأسباب السابق ذكرها في قضية شيما ذات الظروف.


بالطبع نحن هنا لا نتحدث عن مشروعية ملاحقة المخطئين من وجهة نظر الرقابة، نحن فقط نسلط الضوء على ما حدث في مصر من ملاحقة للمغنيين والمطربين في 2017 فقط على اختلاف توجهاتهم ومشاكلهم المثارة مع الجهات الرقابية، أما الحديث عن مدى مشروعية ذلك وعلاقة الفن بالحرية أياً كان نوع الفن وأياً كانت حدود الحرية فتلك قصة أخرى.