ترتبط أوصاف مثل الجدية والأهمية عند وصف الأفلام السينمائية بالأفلام ذات الموضوعات الكبرى أو الأحداث الخارقة، تقع الأفلام الجدية والمهمة على حافة نهاية العالم أو حافة إنقاذه أو في مجتمعات خطرة مثل المافيا والعصابات، أو ربما تكون أفلامًا تاريخية مبنية على قصص حقيقية، لكن تمتد الجدية حتى إلى الأفلام المسلية المليئة بالحركة، التي تصور أبطالًا من الرجال يهزمون جماعة ما، أو عدوًا ما بقدرات قتالية ساحرة ومطاردات سيارات.

لكن وصفَ الجدّي نادرًا ما يطلق على الأفلام الميلودرامية، أو الأفلام التي تحكي قصص حب على سبيل المثال، مهما كانت جدية أو تراجيدية، بخاصة إذا كانت تحكى من وجهة نظر نسائية أو موجهة لجمهور من النساء. ولا تطلق طبعًا على الأفلام الخفيفة التي تدور في عوالم النساء مثل أفلام المدارس الثانوية أو الكوميديا النسائية التي تدور في مساحات منزلية، تلك الأفلام أطلق عليها لقب خاص أصبح مقترنًا بالتفاهة وعدم الأهمية وهو «فيلم للنساء Chick Flick».

مع تطور الثقافة السينمائية والجندرية مرت تلك الأفلام الموصومة بالتفاهة بإعادة قراءة وإعادة تقدير. لم تعد متعًا مذنبة بل أفلامًا ممتعة في سياقاتها. فمثل أفلام الحركة التي تصور فانتازيا رجولية فائقة Hyper-Masculine بالقوة البدنية والثروة والأسلحة والسيارات، فإن الأفلام التي تصور تسوق النساء أو الأزياء الفارهة وفانتازيا الثراء والنجاح فهي تمثل فانتازيا لها نفس الوجاهة، كما أن وصم الأنوثة الفائقة أو المفرطة Hyper-Feminity بأنها حالة أو وضع غير نسوي أو مهين للنساء أصبح محط إعادة نظر وإعادة امتلاك، وأصبح وضع الأنوثة المفرطة المتمثل في الأزياء المثالية والبيوت الملونة هو وضع من أوضاع الأنوثة المتنوعة دائمة التغير والتجدد والتي لا تستحق الوصم بالذكورية أو الإهانة.

أعيد التفكير في ذلك التوجه بشكل واضح مع صدور فيلم «باربي Barbie» لجريتا جيرويج. ترتبط باربي كدمية ومجموعة من المفاهيم والدلالات بالأنوثة الفائقة؛ الملابس الوردية، الخامات اللامعة وغيرها. وبغض النظر عن خيارات الفيلم الأيديولوجية من رسائل نسوية وإنسانية ومحاولات لتطهير الشركات الرأسمالية داخليًا، فإن الفيلم أحد أفلام قليلة جدًا مصنوعة من قبل النساء للنساء لينجح بهذا القدر في شباك التذاكر. فمصطلح البلوكباستر Blockbuster أوالفيلم الضخم غالبًا ما يسقط النساء من الحسابات، وفي السنوات الأخيرة لم تنجح تجاريًا إلا أفلام الأبطال الخارقين التي تلعب بها النساء كوتة محدودة داخل السرديات الرجولية، كما تطغى عليها الجماليات العسكرية على الرغم من سطحية سردياتها الكبرى.

مع نجاح باربي وإعادة التفكير في علاقة الأنوثة الفائقة بالنسوية، يمكن استعادة كثير من الأفلام التي لم تكن كاسرة للأرقام القياسية لكن أصبح لها جماعات كبيرة من المعجبين والمعجبات بخاصة لأنها تمثل متعة تتجاوز من التصورات المسبقة عن الأنوثة، التي بمكن إعادة قراءتها بعدسات حديثة، كما يمكن النظر لأفلام لم تضع النساء في الاعتبار لكنها احتوت قيمًا نسائية مثل الاهتمام بالمساحات الداخلية والقصص المتمحورة حول اهتمامات النساء.

الجماليات النوعية

أصبح الثنائي باربي وأوبنهايمر الفيلمين الكبيرين اللذين عرضا في اليوم نفسه هو ما يسيطر على الجدالات السينمائية لهذا العام، لكن المثير للاهتمام هو كون الفيلمين على اختلاف محتوياتهما لهما طابع جندري من الناحية التسويقية، بتقسيم نوعي: أوبنهايمر للرجال وباربي للنساء، يمكن رؤية ذلك جليًا في الحاضرين في صالات العرض للفيلمين.

أثار ذلك الربط كذلك حنق الكثيرين بخاصة من هؤلاء الذين يعتبرون كريستوفر نولان هو إله للسينما الحديثة الجدية التي هي بالضرورة رجولية ومعقدة، فربطه بباربي هو إهانة له ولجديته، بسبب ذلك التقسيم النوعي والغضب القادم من جهة واحدة يمكن تحليل طبيعة الأفلام الموجهة للجنسين بشكل مقارن ليس في حالة باربي وأوبنهايمر فقط لأن موضوعاتهما وأسباب صناعتهما مختلفة تمامًا، بل في سياق الأفلام المراد بها خلق الفانتازيا والتسلية المقسمة نوعيًا وعلى الرغم من أن ذلك النوع من التسلية نادرًا ما يكون بحجم وميزانية باربي لكن على مدار التاريخ السينمائي العالمي عرضت أفلام كبيرة وصغيرة ذات جماليات موجهة للنساء سواء جماليات بصرية أو موضوعات سردية حتى باستخدام عناصر كانت حكرًا على الذوق الرجولي. عن طريق قلبها واستخدامها في سرديات ضد نيتها الأصلية.

يمكن رؤية ذلك على سبيل المثال في سينما الخمسينيات التجارية الأمريكية، في فيلم هوارد هوكس «الرجال يفضلون الشقراوات Gentlemen Prefer Blondes 1953»، حيث تم تسكين مارلين مونرو رمز الجمال الأنثوي التي عادة ما استخدمت كجزء من سردية رجالية لإظهار جمالها وغبائها المحبب والمخطط له مسبقًا، في دور بطولة لفيلم عامر بجماليات الأنوثة الفائقة. في هذا الفيلم تتصدر امرأتان السرد والملصقات والحكايات الرئيسية يتحركن كما تتحرك الشخصيات الرجالية لا يرتبط وجودهن بوجود رجل ما بل يستخدمن نقاط ضعف الرجال في التلاعب بهم، وللصدفة هي نفس الآلية التي تتبناها جريتا جيرويج في فيلم باربي. اكتسب الفيلم شهرة معاصرة بسبب تركيزه على وجهة النظر النسائية وإظهاره جمال البطلات دون نظرة ذكورية متطفلة، كما أنه بصريًا عامر بجماليات الأنوثة الفائقة من ألوان مشبعة وصريحة وملابس وردية وحمراء منتقعة في الخامات اللامعة.

كل مشهد هو استعراض لزي أو فستان ما على مونرو أو شريكتها في البطولة جين راسيل، كما يقلب الأدوار النوعية في ما يخص التشييء في فقرة غنائية لجين راسل تتوسط الشاشة بينما يرقص حولها مجموعة من الشباب جميلي المظهر، ما جعل الفيلم يعيش ليس فقط كفيلم مسلٍ في تاريخ سينما سابقة بل كفيلم يصلح للمشاهدة المعاصرة فهو لا يحكم على خيارات نسائه مثل الرغبة في الزواج من رجل ثري أو الارتباط بشاب وسيم، لا يرى الفيلم أن تلك عيوب يجب إصلاحها، تلك المباشرة والتركيز على التسلية وخفة ظل وجمال النجمات جعل الفيلم مقدرًا من قبل الجمهور المعاصر باعتباره أحد الأفلام التي توجه التسلية للنساء بشكل رئيسي.

إحالات سينمائية

لعل أحد أشهر وأكثر المخرجات قدرة على تصوير العوالم فائقة الأنوثة هي صوفيا كوبولا ابنة المخرج الشهير فرانسيس فورد كوبولا وهو مما يثير السخرية لأن كوبولا الأب صنع مسيرة عظيمة وضخمة من أفلام يحتكر الرجال فهمها ويعتبرونها فانتازيا خاصة بهم مثل ثلاثية الأب الروحي -التي يستخدمها فيلم باربي لتأطير مصطلحات مثل التفسير الرجولي Mansplaining – بينما تعمل ابنته في مساحة خاصة بجماليات الأنوثة الفائقة وعوالم النساء الداخلية منذ فيلمها الأول «العذراء تنتحر The Virgin Suicides 1999».

يضمن باربي لجريتا جيرويج فكرة الأفلام التي يحتكرها الرجال ويستخدمها كإحالات في سرديات نسائية مثل افتتاحه بمشهد يحاكي فيلم «أوديسا الفضاء Space Odyssey 1961» لستانلي كوبريك، لا يعني ذلك أن هناك أفلامًا لكل جنس أو نوع اجتماعي على حدة لكنه تعليق على تاريخ حديث من الاحتكار لنوعية أفلام بعينها وجعلها في مكانة أعلى وربطها بجنس محدد.

مارست صوفيا كوبولا الخدعة نفسها قبل جيرويج بأعوام في مشهد عابر من فيلم «ماري انطوانيت Marie Antoinette 2006» اقتبست به نفس المخرج ستانلي كوبريك من فيلم «باري ليندون Barry Lyndon 1975» بإحالة دقيقة وذكية وبصرية تعيد إنتاج تقنية تصويرية وهي عودة تدريجية بتكبير الكاميرا تظهر العنصر عن قرب حتى تبتعد وتجعله نقطة في بحر عالمه اللانهائي.

تعمل تلك الإحالات كقلب Subversion للأفلام التي تعتبر أكثر جدية وتستخدمها وتضمنها الأفلام التي توصم بعد الجدية تحية للفيلم الأصلي وسخرية داخلية من التفريق النوعي بين الأفلام، في حالة ماري انطوانيت ما يجعل اللقطة التي لا تتخطى دقيقة إحالة مميزة هي كون الفيلم مع الوقت أصبح البديل النسائي لباري ليندون، كلاهما عن شخصيات معذبة لكنها ليست شخصيات يمكن وصفها بالجيدة وكلاهما فيلم فترة Period Drama باذخ ذو جماليات مفرطة، تتحدى تلك الإحالات الأفلام المثال Canon التي أصبحت علامات تاريخية لصناعة مثال Canon جديد.

فانتازيا الثروة

إذا كانت قمة الفانتازيا في الأفلام المسوقة لجمهور من الذكور هي الثروة التي تمكن البطل من سيطرة تامة على عالمه مثل القدرة على التأثير على الآخرين وعدد هائل من السيارات مثل جيمس بوند أو إيثان هانت، وقوة جسدية بأسلحة لا تنتهي، فإن الثروة والفانتازيا المقابلة هي فانتازيا داخلية تتعلق بالسيطرة كذلك لكن في سياقات أضيق مثل سيطرة ريجينا جورج على مدرستها في «Mean Girls 2004»، أو امتلاك أكبر مجموعة من ملابس المصممين مثل إيل وودز في «Legally Blonde 2001»، ذلك البذخ المادي الفانتازي تشترك فيه الأفلام المسوقة لكلا الجنسين بأسلوبين مختلفين لكن فقط الأفلام النسائية التي تصور البذخ المادي كفانتازيا غامرة توصم بأنها تتفه من النساء أو تظهر حقيقتهم الفارغة، لكنها أصبحت بالتدريج قابلة لإعادة الامتلاك النسائي لأنه في النهاية إذا عقدنا مقارنات متعلقة بفانتازيا التملك فإن التملك المادي للملابس ومستحضرات التجميل وللجمال نفسه والشهرة بين الأقران ليس مضرًا أو مؤذيًا بقدر فانتازيا العنف على سبيل المثال.

تخلق أفلام عدة موجهة للنساء عالمًا أنثويًا فائقًا حتى وإن لم تحدده الثروة بشكل خاص، في «Mean Girls» تكمن الممتلكات في الجمال والسيطرة والحصول على أوسم الشباب المتاحين التي تقع أدوارهم في الفيلم كمكملات جانبية لعالم النساء العنيف داخليًا. وفي «Legally Blonde» تصبح الثروة ذات دلالة أكبر لأن البطلة التي تم وصمها بالغباء لكونها شقراء ثرية مهووسة بالموضة والمظهر يتضح أنها قادرة على ممارسة مهنة المحاماة بنفس الأدوات التي تستخدمها لكي تكون فائقة الأنوثة، دون الوقوع في فخ تحويل الفتاة الجميلة إلى فتاة جدية شكليًا أو العكس، تعمل تلك الأفلام وغيرها في إطار فانتازيا الأنوثة حيث اهتمامات النساء تصبح على المتن وتتراجع الاهتمامات الأخرى للهامش.

العوالم الداخلية

في مدخلها الأول لعالم الإخراج السينمائي اقتبست كوبولا «العذراء تنتحر» من رواية بالاسم نفسه لجيفري يوجينديس، خلقت من خلالها بصريًا عالمًا ورديًا بالكامل مليئًا بالأقمشة الشفافة والدانتيل، اللآلئ والإكسسوارات البلاستيكية، عالم تتموه به الفتيات داخل جدران غرفهن حيث يصبح من الصعب التفريق بين الشخص ومحيطاته. ذلك الارتباط بين المساحات الداخلية والنساء هو ما يميز عالم كوبولا وعوالم الأفلام ذات جماليات الأنوثة الفائقة، تمتزج الملابس مع ألوان الجدران ومحتويات الغرف فتصبح تيمة الاحتجاز حاضرة حتى لو لم تكن هي موضوع الفيلم الرئيسي. في حالة «العذراء تنتحر» فإن الفتيات الأخوات محتجزات بالفعل في عالم جميل ووردي، لكن حتى في قصص الفتيات ذوات الحياة الأكثر تحررًا يمكن رؤية ذلك التمازج بين الفتاة ومحيطها الداخلي في «Legally Blonde» تعكس غرفتها ملابسها وشخصيتها كذلك في «Mean Girls» يمكن رؤية انعكاس رجينا جورج ومحيطها أو «Clueless 1995» حيث تنسق شير ملابسها بشكل يجعلها في تناغم دائم مع عالمها الخاص بينما تتميز خارجه.

لكن يتجلى ذلك الامتزاج في فيلم كوبولا «ماري أنطوانيت» الذي يسرد أيامًا من حياة الملكة الشهيرة في قصر فرساي الذي على الرغم من بذخه فإنه معدوم الخصوصية تمامًا ويمثل سجنًا ضخمًا من الملذات والألوان. تصور كوبولا انطوانيت كجزء أصيل من مساحتها تتداخل فساتينها الحريرية وشعرها الوردي مع جدران مزخرفة بالزهور والمجوهرات بكل الألوان وحلوى بجميع الأشكال تشبه تسريحة شعرها ومكياجها، من خلال البذخ البصري الداخلي تظهر حياة الملكة مثيرة للجدل كتناقض من الإفراط في الألوان والعناصر الأنثوية مما يعني إفراطًا في الرخاء وكون ذلك الرخاء سجنًا داخليًا مفروضًا.

يقتبس فيلم باربي ذلك التصور عن الدمج بين الاحتجاز داخل عوالم الأنوثة والاستمتاع بها، عن طريق خلق عالم داخلي متناغم لا تقتصر داخليته على كونه مكونًا من غرف وبيوت لكن حتى ما هو خارجي به مصنوع ومنسق تمامًا لكي يكون فائق الأنوثة ومفرطًا في البذخ وجماليات الألعاب البلاستيكية. كما أنه مثل أعمال كوبولا يدمج الشخصيات بما حولها فتصبح الملابس وتصفيفات الشعر منبثقة من العالم الداخلي للشخصية.

تستعير كل من كوبولا وجيرويج ذلك التناغم المربك الذي يجعل الشخصية محتجزة وفي تناغم تام مع مساحتها الداخلية من تصميمات عالم المخرج الفرنسي جاك دومي الذي يستخدم المساحات الداخلية بشكل صناعي لكي تكون انعكاسًا لدواخل شخصياته يمكن بسهولة رؤية ذلك في أشهر أفلامه «مظلات شيربور The Umbrellas of Cherbourg 1964» الذي يجعل عوالم النساء الداخلية مساحات مزخرفة تتكرر زخرفتها في ملابسهن مما يضفي قيمة جمالية بصرية ودلالة سردية عن علاقة النساء بالمساحات المغلقة.

تتنوع الأفلام المسوقة للنساء في طبيعتها بين أفلام ميلودرامية جادة وأفلام تقع أحداثها في المدارس الثانوية أو أفلام تتناول العلاقات العاطفية، وبعد تاريخ كامل من تهميش تلك الأفلام وتلقيبها بأنها لا نسوية أو استخدامها للتقليل من اهتمامات النساء، أصبحت هناك مساحة لاعتبار الأنوثة الفائقة وألوان مثل الوردي مجرد جماليات وليست صفات مهينة للنوع الاجتماعي.