ما الذي يمكن انتظاره من جماعة الإخوان وخاصة «جبهة محمد كمال»، التي تصدرت المشهد قبل حلول الذكرى السادسة لثورة 25 يناير/كانون الثاني، بعدما أعلنت قبل أيام أنها بصدد مراجعة شاملة لمواقف الجماعة دون مواربة أو إخفاء لحقائق -لم تبين نوعيتها- بما يصب في النهاية لتوحيد فرقاء الثورة المصرية.

ثمة قراءات عدة، يمكننا استنطاقها من بيان «الكماليين» الأخير، أو «المكتب العام للإخوان المسلمين»، حسبما يطلق على نفسه، بعد سلسلة إجراءاته الأخيرة في ديسمبر/كانون الأول من العام المنصرم، والتي أعلن فيها مسؤوليته كليًا عن الجماعة، وأزاح القائم بأعمال المرشد، الدكتور محمود عزت وبجانبه أقرانه في الفكر والإدارة من القيادة التاريخية للإخوان، وإن كانت حتى الآن «إزاحة إعلامية» دون تطبيق حقيقي على أرض الواقع.


استمالة القوى الثورية والسياسية المعارضة للإخوان

كان الاعتراف بخطأ الجماعة عن كل «الزلات السياسية» التي ارتكبتها في حق الثورة، والتنازل عن شرعية مرسي، الخط أحمر الذي تطالب الكيانات الثورية والسياسية الإخوان بتجاوزه أولاً، لإعادة النظر في الاصطفاف معهم، لاسيما وأن أغلبهم شاركوا في إسقاطه، وهو المطلب الذي كانت ترفضه قيادات الإخوان التاريخية؛ لأنه سُيخلف «شرخًا قاتلاً» بين صفوف أبناء الجماعة، ربما ينهي وحدتها المتداعية أصلاً، بفعل «انقسامات كارثية» تحياها منذ عام 2014.

احتواء بيان «الكماليين» على وفرة في الكلمات التي تدعو للتوحد مع القوي الثورية من جديد، يؤكد أن اقتحام الحواجز الشائكة في علاقة الجماعة بالقوى الثورية.

كما يعد التنازل عن شرعية مرسي، أو الاعتراف بخطأ ترشحه من الأساس، مغامرة كبرى قد تدمر التحالفات الإقليمية والدولية بين الإخوان والقوى الداعمة لها، وربما يفسر ذلك رفض غالبية «الصف الإخواني» للمراجعات على هذا النحو، اتساقًا مع الموقف المتشدد للقيادة التاريخية إزاء هذا الأمر.

إلا أن احتواء بيان «الكماليين» على وفرة في الكلمات التي تدعو للتوحد مع القوى الثورية من جديد، والالتفاف حول أهداف ثورة يناير ومكتسباتها، وترحيبها لعودة التفاهمات المشتركة مع كل تجمع أو حركة أو أفراد لا يزالون يرفعون شعارات ومبادئ الثورة، يؤكد أن اقتحام الحواجز الشائكة في علاقة الجماعة بالقوى الثورية سيكون منهج الإدارية العليا في انتزاع شرعيتها، لعبور نقطة فاصلة لم يجرؤ أحد على تجاوزها منذ إسقاط محمد مرسي.

ولتمرير مشروعها المنتظر، اعتبرت الجبهة أن نجاح ثورة 25 يناير لن يكون بجهد فصيل بعينه أو مجموعة واحدة، ولكن يمكن تحقيق ذلك عبر الإيمان بالوطن، وفي سبيل ذلك لابد من تبني عدة «تنازلات إستراتيجية» أهمها الاعتراف بالأخطاء الجوهرية للجماعة طيلة ستة أعوام ماضية.


تدعيم شرعية «الكماليين» في الاستحواذ على قيادة الجماعة

بعيدًا عن ذكرى ثورة 25 يناير والتوقعات بشأنها، لا يمكن الاتفاق على هدف أكثر أهمية لأتباع محمد كمال من إجراء المراجعات التي أعلن عنها ما يسمى بالمكتب العام للإخوان، في وقت شديد الخطورة، إلا تدعيم شرعية «الكماليين» في حكم الجماعة، وإضعاف موقف جبهة المرشد، بل و«الشوشرة والإجهاز عليها»، حتى يتسنى للإدارية العليا إجراء تفاهمات مع القوى الداخلية، يعقبها تصورات لتبني موقف براجماتي يستطيع الحصول على تأييد الخارج؛ ما يعني فناء القيادة التاريخية للأبد.

وفي سبيل ذلك استبقت البيان، بكشف كواليس شديدة الخطورة، عما أسمته «انقلاب» محمد عبد الرحمن، بدعم من المرشد، على شرعية محمد كمال.

وكانت «إضاءات» من أولى الوسائل الإعلامية، التي وصفت إعلان الكماليين منتصف ديسمبر/ كانون الأول من العام الفائت، عزل محمود عزت، القائم بأعمال مرشد الجماعة ورجاله عن سدة القيادة، بـ«الانقلاب الناعم»، وأكدت أنه جاء ردًا استباقيًا، لما كانت تجهز له جبهة المرشد من إجراءات كانت كفيلة بإقصاء أتباع محمد كمال للأبد.

وفي أول تأكيد لرؤيتنا، لم يترك الكماليون الأيام الأولى في عام 2017، تمر بسلام دون توجيه طعنة قاتلة لجبهة عزت، واتهموا على لسان الدكتور مجدي شلش، وريث كمال في الفكر والأيديولوجية، التي ترى في تصعيد العنف ضد الدولة حلاً وحيدًا لفك حصار الأجهزة الأمنية عن الإخوان، محمد عبد الرحمن، عضو مكتب الإرشاد والمقرب من المرشد، بتدبير عملية انقلاب على شرعية الإدارية العليا الأولى، ليؤكد صحة ما توقعناه منذ اللحظة الأولى عن فكر الانقلاب المسيطر على الجماعة في التوقيت الحالي.


تفاصيل الانقلاب على محمد كمال

وأفشى مجدي شلش الكثير من الأسرار، التي أذيعت لأول مرة في حوار له على فضائية الجزيرة، بتوقيت لا يخلو من دلالات مثيرة، عن تفاصيل ما حدث مع محمد كمال، زعيم الإدارية العليا، الذي لقي مصرعه أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وزعمت أجهزت الأمن في بيان رسمي أنه قتل في مواجهة معها، وهو الأمر الذي أنكرته الإخوان فيما بعد.

واتهم «شلش» محمد عبد الرحمن، لأول مرة أيضًا منذ حدوث «انقسام ديسمبر/ كانون الأول» أواخر العام المنصرم، بتدبير عملية الانقلاب على محمد كمال، ومعه مسئول قطاع الدقهلية ومسئول قطاع الشرقية، خاصة بعد وصول عدد المكاتب الإدارية المؤيدة لكمال في كافة المحافظات إلى 10 مكاتب، وهو رقم لا يستهان به، وحال مكوثه في منصبه لمدة أطول كانت ستطول نسب تأييد «كمال وإداريته» كافة الشُعب والمكاتب الإدارية بالجماعة.

واعتبر شلش أن محمد عبد الرحمن كان يعلم أن عدم رفض جبهة عزت للانتخابات وكافة الحلول التي طرحها مقربون من الجماعة، يعني تصاعد موجات الرفض ضدها، من جراء نجاحات الإدارية العليا غير المسبوقة، لاسيما وأن الانتخابات الشاملة التي طالبت بها جبهة كمال مرارًا وتكرارًا، كانت ستفصل بين المرشد وأتباعه، والكراسي التي يلتصقون بها منذ عشرين عامًا، حسب وصفه.


خطة الانقلاب

وحسب تصريحات شلش، فالخلطة التي اعتمد عليها محمد عبد الرحمن لكسر معنويات الإدارية العليا وتجديد الثقة في الكبار؛ الانسحاب منها ومعه بعض المؤيدين له، والإيحاء بأن رموز الإدارية العليا في أغلبهم ليسوا معروفين للصف الإخواني، الذي يحدد مجموعة أسباب في اختياراته لقياداته، وخاصة الصف الأول في الجماعة، أهمها بالطبع تاريخه في المعتقلات، وعدد السنوات التي قضاها من عمره في الزنازين، والشهرة الإعلامية والسياسية والدينية داخليًا وخارجيًا.

وضمن ما كشف عنه شلش، أن «عبد الرحمن» كان يتحدث إلى أعضاء لجنة محمد كمال بلهجة استعلائية، تكشف عن نظرة ازدراء متفشية في جبهة المرشد، لمن هم مجهولون أمام تاريخهم النضالي والإيماني الطويل.


وساطة المرشد لحل الأزمة

اتهم الكماليون -على لسان مجدي شلش- محمد عبد الرحمن، عضو مكتب الإرشاد، بتدبير عملية انقلاب داخل الجماعة.

وكشف القيادي البارز بــ«الكماليين» عن مفاجأة أخرى، مؤكدًا أن المرشد الحالي وسّط مندوبين عنه من مشايخ الجماعة لحل الأزمة، وتقدموا بدورهم للإدارية العليا بمجموعة من الحلول تلخصت في مبادرة من 16 بندًا.

المرشد الحالي، وسّط مندوبين عنه من مشايخ الجماعة لحل الأزمة، وتقدموا بدورهم للإدارية العليا بمجموعة من الحلول تلخصت في مبادرة من 16 بندًا.

ودرست اللجنة العليا البنود ووافقت عليها جميعًا، إلا البند الـ«16» الذي كان في حاجة إلى تعديل طفيف، ثم رجعوا إلى عزت فاختصرها إلى 5 بنود كان أولها «إجراء انتخابات شاملة من بداية الشُعب حتى مكتب الإرشاد».

وأكد شلش أن الإدارية العليا وافقت على ملاحظات المرشد واختصاراته في بنود المبادرة، التي نص أول بند فيها على بقاء «محمود عزت» على رأس مكتب الإرشاد، وتشكيل لجنة لإجراء الانتخابات، إلا أن المبادرة ضربها في مقتل محمد عبد الرحمن، وأرسل مندوبًا عنه ليوبخ وسيط المرشد، والذي أنكر أن تكون هناك أزمة بين الإخوان ليتوسط الشيخ لحلها؛ ما جعل الرجل يبكي بشدة.

واختتم مجدي شلش تصريحاته المثيرة مؤكدًا أن إجراءات الإدارية العليا صحيحة، وما أسفر عنها معترف به في الصف الإخواني، لاسيما وأن اللجنة الإدارية العليا الأولى المنتخبة في 2014 هي صاحبة الشرعية الوحيدة في الجماعة حتى الآن.

مهما كانت مفاجآت «بيان الكماليين» المنتظر قبل ذكرى ثورة 25 يناير، لن يمكن للجبهة السيطرة على الصف الإخواني، الذي لا يزال يتحسس خطاه ويحاول تضميد جراحه، ولن يكون ذلك بيد تبغي التصعيد والمواجهة مع أجهزة الأمن، ولن يجمعهم أيضًا في خندق واحد مع قوى ثورية تتقوقع على نفسها منذ ثلاثة أعوام، ولم يعد لها زخم شعبي يذكر، لاسيما وأن موقفها الواضح والمعلن حتى الآن يؤكد أن أي تقارب مع الإخوان، في ظل انقسام القوى الثورية وتجاهل الشارع، بمثابة شهادة وفاة وتمكين للنظام الحاكم من رقبتها، ليشيعها هي الأخرى إلى مثواها الأخير، ولن تمكنه من ذلك.