في الأعوام القليلة الماضية لم يعد الموسم الرمضاني هو الموسم الوحيد للإنتاجات الدرامية، وأصبحت المسلسلات تصنع طوال العام، مسلسلات جيدة مصنوعة على مهل وغير متعجلة كمسلسلات الموسم الرمضاني التي في الغالب أصبحت أقل جودة وإتقاناً، لم يعد باقي العام مجرد فراغ تسده القنوات بإعادة إذاعة مسلسلات رمضان المنقضية.

منذ أسبوع بدأ عرض مسلسل بخط الإيد على شبكة قنوات دي إم سي، المسلسل من بطولة أحمد رزق وسوسن بدر وإيمان العاصي، يبدو المسلسل مبشراً منذ حلقاته الأولى، وأكثر جودة من معظم المسلسلات المعروضة، مؤخراً، والتي لاقت إقبالاً جماهيرياً كبيراً، ولذلك فمسلسل بخط الإيد هو موضوع هذا المقال.

حدوتة قديمة بإكسسوارات جديدة

يحكي مسلسل بخط الإيد حكاية زوج فقد زوجته فجأة، الزوج الطبيب ذو الأسرة الميسورة الذي يعمل عدداً لا نهائياً من الساعات ليكفي احتياجات أسرته، والذي يلعب دوره أحمد رزق، والذي تنتحر زوجته فجأة تاركة له ثلاثة أبناء في أعمار مختلفة والتي لعبت دورها يسرا اللوزي كضيفة في الحلقتين الأوليين، ليكتشف بعد موتها أنها كانت مصابة بالسرطان في مراحل متقدمة.

 بالإضافة إلى بعض القصص الجانبية أبطالها أزواج وزوجات يعانون مشاكل مختلفة، وكيف يتعامل كل منهم مع هذه المشاكل، يفاجأ الزوج المكلوم برسائل مكتوبة بخط اليد ترسل له في مناسبات مختلفة، مرسلة من زوجته الراحلة، يحكي المسلسل كيف يتعامل الزوج مع مشاكله الحياتيه الجديدة بعد رحيل زوجته ويحاول فك لغز الرسائل التي يجدها باستمرار.

المسلسل جيد وجذاب، من نوع الدراما الاجتماعية التي تستهوي مشاهدي الدراما وتستحوذ على اهتمامهم دون جهد، التمثيل أكثر من جيد بالنسبة لأحمد رزق العائد للدراما، مؤخراً، وسوسن بدر التي تقدم كالعادة دوراً يشعرك معه أنها لا تبذل مجهوداً يذكر في لعبه، القصة محكمة والسيناريو يخلو من المبالغات رغم أن قصة المسلسل نفسها تتيح له الكثير من الدراما، ولكن هالة الزغندي مؤلفة المسلسل مع مخرجته شيرين عادل استطاعتا أن تقدما دراما خالية من اللطميات والبكائيات باعتدال وحقيقة تحسب للمسلسل وصناعه.

الرجال أيضاً يبكون

دائماً ما تقدم الدراما القصص الاجتماعية التي تفقد فيها الأسرة أحد أفرادها ويكون بطل المأساة امرأة، نشاهدها كيف تقاوم الحزن وكيف تنتصر عليه أو لا تنتصر، دائماً المرأة هي التي تبكي وهي التي تفقد وهي التي تتولى الجانب الحزين من القصة، في مسلسل بخط الإيد نشاهد الجانب الآخر من القصة، الجانب الذي يكون بطله الحقيقي الحزن والشعور بالذنب، الزوج هنا لم يكن شريراً أو سيئاً، فقط هو ترس يدور في آلة أكل العيش الضخمة التي لا ترحم حتى من تبدو حياتهم ميسورة بل ربما فارهة، يجبر هذا الزوج المحب فجأة أن يواجه تقصيره غير المتعمد والذي أورثه خسارة فادحة.

في المشهد الذي يوصل فيه الزوج أحمد رزق أو الدكتور يوسف زوجته المنتحرة إلى مثواها الأخير، والانهيار المصاحب للموقف العظيم، بكاءه وحديثه لزوجته، وقبله وبعده عدم تقبله فكرة رحيلها وعثوره على رسائل يظنها مكتوبة بخط يدها، تقنعه أنها ما زالت على قيد الحياة رغم أنه هو من تعرف على جثمانها في المشرحة، كل ذلك يرينا جانباً آخر لا نراه كثيراً في الرجال، مؤلفة العمل كونها امرأة استطاعت أن تبرز الجانب الإنساني في حزن الرجال، والذي يصر المجتمع كله على تجاهله، مخرجة العمل أيضاً ولأنها امرأة قدمت هذا الحزن بأناقة وعمق حقيقيين.

 الجيد فعلاً في مسلسل بخط الإيد ليس قصته في حد ذاتها رغم أنها جيدة، ولكن جماله الحقيقي في المشاعر التي يقدمها المسلسل والتي أثبتتا – مؤلفته ومخرجته – أنها حقيقية وأنها موجودة وأن الرجال أيضاً يشعرون ويتألمون، وأن الحزن العميق ليس مقتصراً على النساء فقط.

أن تحكي النساء حكاية الرجال

هناك شيء إنساني حقيقي في مسلسل بخط الإيد، بدءاً من أغنية التتر الرقيقة التي غنتها جنات مع وليد سعد، والتي تحكي حكاية مكررة في معظم البيوت، عن الفجوة الكبيرة التي تكبر يومياً بين شريكي الحياة، والتي لم تقتصر – كالعادة – على أن تحكي المرأة عن ألمها ووحدتها، ولكنها تقدم الجانب الرجولي من القصة، والتي يصر الجميع على تجاهلها، ويصمم المجتمع والدراما في الغالب أن يقدموا الرجل على أنه صخرة تمر عليه الاحداث دون أن يتأثر بها، والأفكار التي يرسخها الجميع أن الرجل مرادف للقوة والجمود.

كاتبة المسلسل هالة الزغندي تتألق في مسلسلها الجديد بخط الإيد وتقدم جانباً آخر من المشاعر الإنسانية، مختلفاً قليلاً عما قدمته من قبل حيث إن أعمالها السابقة كانت تتمحور حول المرأة كبطل للأحداث، فقد شاركت هالة الزغندي في مسلسلات سجن النسا وحجر جهنم وموجة حارة، اليوم تقدم لنا النصف الآخر الذي لا يتحدث عنه أحد، رجل يشعر ويتحمل المسئولية ويحس بالذنب ويحزن، هذا الجانب الذي يصر الجميع على تجاهله.

رغم أن المحرك الرئيسي للأحداث في المسلسل امرأة، وحتى القصص الجانبية بطلاتها نساء، إلا أن في مسلسل بخط الايد يبرز الجانب الإنساني في الرجل، المسلسل محمل بكم مشاعر كبير لا يستطيع التعبير عنه بهذا الشكل النبيل سوى امرأة، لأن المرأة هي من تعرف طبيعة الحزن الحقيقية، وتحمل قلبها على كفيها طوال حياتها، فاستطاعت أن تكتب عن رجل حزين، مسئول، يصارع الفقد ويحاول السيطرة على حياته، هذا منظور جديد وعميق وغير معتاد.

المسلسل جيد جداً ويستحق المتابعة، ودرامته هادئة وحقيقية، والأهم أنه يمكن أن يكون مؤثراً حقيقياً في مشاعر المشاهدين، وربما يساهم في أن يلفت نظر رجال كثيرين يحملون نفس صفات يوسف الطيبة أن الحياة فيها أكثر من مجرد العمل، وأن الشراكة الحقيقية في الحياة لها قيمة، لا يجب أن تحرم منها فجأة وبكارثة حتى تعترف بأهميتها في حياتك.