أولًا خليني أبارك عودتك للكتابة المنتظمة لأن دي حاجة بتسعدنا جدًا، وثانيًا، الكتابة المنتظمة أكيد عمل شاق، وكتير من الكتاب الشباب بيعانوا من إنهم يحافظوا على الانتظام في الكتابة بدون الإخلال بجودة المحتوى، إزاي بتقدر تحقق المعادلة دي في مواسم الكتابة، إنك تنتظم في كتابة 5 مقالات أسبوعيًا بدون أي تأثير على جودة المحتوى؟

أشكرك جدًا، وسعيد برأيك..

فكرة عدم الإخلال بجودة المحتوى ليه علاقة بفكرة الممارسة والتمرين الطويل، إنك اتدربت على إنك تكتب بانتظام، وتبذل مجهود في حجات مختلفة، طبعًا في الأول بيبقى المستوى مش كويس، وبعدين يتطور.

بس يمكن هي فيها حاجتين، أولًا إنه ﻻزم تجيلك في النص فترات تنقطع عن ده، زي قبل الفترة اللي أنا رجعت فيها للكتابة المنتظمة دي، قعدت تقريبًا سنة و10 شهور مبكتبش خالص، ويمكن كان السبب في البداية إن الواحد كان داخل فترة اكتئاب حزنًا على وفاة الأستاذ «علاء الديب» -الله يرحمه- وبعدين كان عندي رغبة إن أنا أكتب شكل المقال الطويل مش القصير، ﻷني حسيت إن شكل المقال القصير اللي فيه تعليق على الأحداث استنفد غرضه، فمكانش في مكان متقبل لده، ﻷنه كانت أغلب المواقع بتحب المقال القصير اللي عدد كلماته قليلة، لغاية لما جه الشكل بتاع مدونة الكشكول اللي يتحمل مقالات طويلة.

الحاجة التانية، كان جزء من رغبتي في فكرة المدونة إن أنا أتيح كثير من شغلي اللي أنا عملته في فترة عملي في الصحافة قبل ما أتجه إلى كتابة السيناريو، ده من سنة 2000 تقريبًا.

الفترة دي كانت ما قبل الإنترنت، وكان فيها شغل كتير أنا شايفه شغل مهم ويستحق الإتاحة، فبحاول أوازن بين الشغل الجديد اللي أنا بكتبه، وبقلل فكرة التعليق على الأحداث، الحاجة الجميلة بالنسبة لي -طبعًا برغم معاناتنا من الحجب- إني شعرت بالسعادة إن ظني كان في محله، وإن القارئ ممكن يقبل على المقال الطويل اللي ممكن يصل أحيانا إلى 3 آلاف كلمة. في ناس بتعتبر إن ده شيء انتحاري، لكن الناس بتقرأ وبتشير وبينزل إن ده من الأكثر قراءة، ﻷن في تعطش إلى محتوى مختلف، فده كان طبعًا شيء جميل.

لكن طبعًا أهم شيء فكرة الممارسة، إن انت تخصص وقت معين للقراءة، ووقت معين للكتابة، وده الدرس اللي أحنا اتعلمناه من أساتذتنا الكبار، إن مفيش حاجة اسمها الإلهام، في حاجة اسمها الانتظام، وفي حاجة اسمها تنظيم الوقت وبذل المجهود.

في السنوات اللي فاتت زاد عدد المواقع الإلكترونية اللي بتقدم محتوى صحفي أزعم إنه مختلف، خاصة وإن النسبة الغالبة من محرريها هم من الشباب، هل بتتابع المواقع دي سواء اللي بتكتب فيها أو غيرها؟ وإيه رأيك في المحتوى اللي بيقدموه؟

طبعًا السنين الماضية، الصحافة الإلكترونية، أو المواقع الإلكترونية هي اللي رفعت رأس الصحافة العربية، وبتدي أمل إن إحنا مش بصدد انقراض كامل للمهنة، وإن فيه مواهب حقيقية، اللي بيتابع هذه المواقع وهي كثيرة جدًا، يدرك إن فيه مواهب كويسة، مش في مصر بس، في مصر والمنطقة العربية.

بس جزء من المشكلة فكرة الحجب والملاحقة الإلكترونية والتضييق عليها فمش عارفة توصل لقارئها، برضه كمان إنها وقعت في قلب أزمة الصراع اللي حاصل في منطقة الخليج، بين مصر والسعودية والإمارات، وبين قطر، والحرب الإعلامية المتبادلة.. فبقى في بعض المواقع متميزة جدًا لكن بتحسب على هذا الصراع فبيتم تشويهها، بيتم إثارة سؤال التمويل، ده لمصلحة مين، وده لمصلحة مين، حتى لو الكتابة ملهاش علاقة بالموضوع وﻻ هي مشغولة بيه، فهذه الأزمة ألقت بظلالها على الكثير من المواقع، وساهمت في تطفيش القارئ منها أحيانًا بغير وجه حق.

لكن طبعًا أنا شخصيًا بتابع هذه المواقع وفيها كتاب متميزين، الواحد بيتعلم ويستفيد منهم، وشايف إن هم الأمل الحقيقي إن لما يتفتح المجال العام، وقتها هتجد هذه المواهب الموجودة في المواقع الإلكترونية فرصتها.

فالأمل الحقيقي هو في المواقع الإلكترونية والمحتوى اللي بتقدمه لأنها في الأخر بنت زمنها، طبعًا في تجارب كتير الواحد معجب بيها زي مدى مصر، والمنصة، وإضاءات، ومنشور، وفي مواقع ممكن ميعجبكش المحتوى كله، بس مثلًا شاطرين في الترجمة، أو قسم الثقافة عندهم كويس، أو قسم الفن عندهم كويس، بالتأكيد لما ياخدوا فرصة ينتعشوا أكثر أداؤهم هيتحسن ويتطور.

من التطورات الواضحة برضه في مجال الصحافة والنقد الفني هو الاتجاه للمقالات المصورة، أو ما يطلق عليه «مقال الفيديو»، إيه رأيك في الظاهرة دي، سواء ما يتعلق منها بالفن أو غيره؟ وهل فيه نماذج بعينها لفتت نظرك؟

على حد متابعتي، ظاهرة مقال الفيديو لسه عندنا بعافية شويتين، ﻷنها في الآخر، هي -أو غالبيتها- بتصب في نفس الاتجاه بتاع «جون ستيوارت» اللي هو اتعمل فورمات بتاع برنامج «البرنامج» مع «باسم يوسف»، وفي محاولة بشكل أو بآخر للسير في الفلك ده.

لكن عندنا طبعًا تجربة، مقدرش أسميها مقال الفيديو، أقدر أسميها صحافة الفيديو، أو الصحافة المصورة، اللي من أبرعها اللي عامله «الدحيح» أحمد الغندور، فكرة تقديم المحتوى العلمي بشكل متميز، وبشكل مختلف.. كان فيه برضه التجربة بتاعة «محمد شوقي» في «البلكونة»، كان في تجربة «ألش خانة»، كان في تجارب واعدة جدًا، وكانت محتاجة تطوير، ومحتاجة استمرار علشان توصل لجمهور أكبر، مش بس جمهور اليوتيوب، بس برضه متعرفش، يمكن لو كانت خرجت بره الجمهور الجديد ده، الله أعلم ممكن يحصل فيها إيه؟

لكن فيه برضه تجربة زي «المماليك» بتاعة «يوسف أسامة»، ازاي إن هو بكاميرا عادية وعلى الفيسبوك، يعمل صفحة عاملة شغل في منتهى الجمال، بتعيد تعريف الناس بالآثار، وبيعمل حاجة شبه اللي كان بيعملها أستاذنا «جمال الغيطاني»، هو بيعملها بإمكانيات أقل وبحماس شباب، ومعلومات وناس بتتفاعل معاه، فبالتأكيد في إمكانيات متاحة، وفي جمهور منتظر.

اللي حاصل عندنا دلوقتي شيء غير مسبوق، زمان كان عندنا مادة كويسة ومفيش جمهور، اللي حاصل دلوقتي إن في جمهور كبير متعطش وعاوز أي محتوى، بس التضييق اللي حاصل، وخنق المجال العام، وحالة دفع الناس إلى الكآبة والسوداوية والإحباط هي اللي مش موفرة مادة كتيرة، لكن ده في المستقبل هيتطور.. أنا رأيي لما بنشوف اللي بيعمله العبقري «جون أوليفر» في برنامجه، أو اللي بيعمله «حسن منهاج» بشكل متميز جدًا، الحاجات دي هي مستقبل الصحافة المصورة، أو التحقيقات المصورة، إنك بتشوف شغل استقصائي رائع زي اللي كان بيتعمل في «60 minutes»، البرنامج الشهير، لكن بروح كوميدية وبشكل ساخر مناسب للعصر، أفتكر هو ده اللي رايحة ناحيته الصحافة المصورة، وهو ده اللي هيستقطب مواهب زي اللي أشرت إليها.

«عصير الكتب»، و«الموهوبون في الأرض» من أبرز وأجمل التجارب الإعلامية في السنوات الأخيرة، ليه قررت تنهى التجربتين دلوقتي؟ وهل فيه مشروع جديد أو تجربة إعلامية جديدة هتبدأها؟

الحقيقة بالنسبة للموهوبون في الأرض بالتحديد، أنا كنت عاوز أنهيه في الموسم الرابع، لكن إدارة القناة طلبت إن يبقى فيه موسم خامس، وكان في عندي أسماء أنا كنت حابب أتكلم فيها، بس كنت متهيب، ﻷن طول العلاقة ما بيني وبينها بيخلي الكلام أصعب.. لقيت إنه فرصة إني أعمل بعض هذه الأسماء، وفي نفس الوقت دخلت تحدي إنك تقفل بحاجة يبقى مستواها عالي، والحمد لله إن اللي أنا شايفه من رد الفعل، في الرسايل اللي بتجيلي، والتعليقات اللي بقراها، إن الناس يمكن بتنسى بس شوية إن البرنامج مش موجه لليوتيوب، البرنامج أساسًا موجه لكي يكون البرنامج الرئيسي من ناحية الإمتاع والتسلية في البرامج اللي بتعرضها القناة، فهما بيعرضوه حتى في وقت الذروة.

أصلًا الحلقات دي جزء من مشروع طموح لكتابة سير لأسماء إما أنا عرفتهم بشكل شخصي، أو أنا حبيت شغلهم واشتغلت عليهم في فترة الصحافة، وكتابة بعضهم هتبقي في مواد مطولة جدًا، يمكن ما يكفيش لها 10 أو 20 حلقة، فطبعًا هتبقى البداية بسعاد حسني، عادل إمام، أحمد زكي، صلاح السعدني، الأسماء اللي كان شغلي عليها أكتر، أو اقترابي منها أكبر في وقت من الأوقات.

برضه نفس الحكاية في عصير الكتب، جت لي عروض كتيرة إني أقدم برنامج، خصوصًا بعد ما سافرت من مصر في سبتمبر 2014، لكن قلت مش هقدم برامج سياسية، لو هقدم هقدم عصير الكتب، وفعلًا الحمد لله عملنا تقريبًا 182 حلقة، وكان رد فعله حلو، وبرضه هو أساسًا برنامج معروض للتلفزيون، محدش بينزل على السوشال ميديا برنامج ساعة، لكن لحسن الحظ تفاعل معانا جمهور السوشال ميديا، وحب البرنامج، وقدرنا نستضيف أسماء مهمة وكبيرة، سواء كانت مشهورة أو غير مشهورة، كلهم عندهم تجارب تستحق الاحتفاء وتستحق المتابعة.

من بداية الموسم الرابع كنت حاسس إن خلاص، ﻻزم يبقى فيه تحدي مختلف، التحدي المختلف اللي في بالي صعب، محتاج إمكانيات، محتاج صرف وإنفاق، ومحتاج وقت للتحضير، فلسه مش عارف إمتى ممكن يتم.

برضه على بالي أجرب فكرة البودكاست، أو البرنامج الإذاعي، ﻷني كنت شاركت في تجربة نجحت جدًا، وأنا بحب الإذاعة جدًا وبحب الحكي والفضفضة مع الناس، فأتمنى إن ده يبقى المشروع الجاي لغاية لما يبقى فيه الإمكانيات إني أعمل المشروع الأكبر اللي في بالي، لكن لغاية ما ده يحصل هركز أكتر في الكتابة لأن أنا عندي رواية متعثر بقى لها كتير اسمها «مومنيو»، المفروض تصدر هذه السنة عن دار الكرمة، وهيطلع قبلها برضه مجموعة قصصية، وفي مشروع درامي.. فأنا حاسس إن الواحد محتاج يفصل شوية عن التلفزيون، ويركز في الكتابة، وإن شاء الله تبقى تجربة كويسة.

انت كتبت السيناريو لأعمال كوميدية، وأعمال درامية، هل انت شايف إن السيناريست يقدر يكتب كل الأنواع، وخصوصًا الكوميديا، وﻻ زي ما بيقولوا «الكوميديا ليها ناسها»؟

فن الكوميديا وكتابة الكوميديا دي حاجة صعبة جدًا، ومش زي الناس ماكانت فاهمة، وﻻ زي بعض النقاد كانوا بيكتبوا «سينما الإفيهات»، وسينما «المضحكون الجدد» والكلام ده.. وبعدين كمان إنت بتكتب كوميدي عند الشعب المصري، اللي ليه طريقة خاصة في الكوميديا، طبعًا كل الشعوب عندها الضحك بتاعها والكوميديا بتاعها، لكن الكوميديا عبر العصور هي الأكثر تفضيلًا عند المصريين لأسباب كثيرة.

الكتابة الكوميدية أصعب طبعًا، ومحتاجة يبقى عندك موهبة خاصة، وخفة ظل، وإيقاع، ﻷن الكوميديا إيقاع، وحتى ليها قوانين، إمتى تضحك وإمتى تبطل تضحك. الفكرة مش إنك ترص إفيهات ورا بعض..

أنا فاكر حتى أستاذنا «ماهر عواد» -ربنا يديله الصحة- لما الواحد كان بيقعد يسأله فكان يقولك: «ﻻزم تتعلم إن الإفيه ده زي ما احنا بنقول «هيجيب صريخ ضحك» فلازم الجملة اللي بعديه تبقى مريحة أكتر»، وطبعًا دي تجربة الواحد اتعلمها. أنا كنت بحضر كثير من عروض الأفلام وبتشوف رد فعل الناس وبتتعلم، الصالة أو القاعة وهي مليانة في أغلب الأفلام، بتشوف الناس بتتفاعل مع إيه، وبتكره إيه، وكذا.

وأنا من الجمل اللي بعتز بيها جدًا، قالها لي الأستاذ عادل إمام: «بحب فيك إنك بتكتب وكأنك قاعد في الصالة، وكأن إيقاع الناس معاك».. في ناس بتعتبر إن ده نقيصة، لكن الناس فيما يعشقون مذاهب. أنا بحب النوع من السينما، بحب أنواع سينما كثيرة، لكن النوع ده بحب أكتبه وبشوف إن هو صعب، وبيعيش على المدى الطويل، عكس ما كانوا بيقولوا.. كان دايمًا بيكتبوا عن الأفلام اللي عملناها في فترة الألفينيات، أنا وغيري من الناس اللي أنا بحب شغلهم زي «أحمد عبدالله» مثلًا، وأظن انت بتشوف ازاي الناس بتتعامل مع أفلامه باحتفاء شديد دلوقتي، بينما شوف النقاد كانوا بيكبتوا عنها إيه، كانوا بيقولوا أفلام مش هتعيش.

الحقيقة اللي احنا ﻻزم ننشغل بيه كناس مهتمين بالفنون هو فكرة الإتاحة، إن كل الأفلام تبقى متاحة، مينفعش يبقى عندنا أفلام رائعة في تاريخ السينما المصرية مش موجودة، محدش بيعرف يتفرج عليها، وبرغم إن ناس كتير حتى من النقاد يقولك التنوع والحرية، لكن يجي عند ساعة الجد يتعامل بمنظور أخلاقي، ويردد كلام من الكلام اللي بيقولوه السلفيين، إن الأفلام دي بتعلم التحرش وبتبوظ الأجيال، كأن المتفرج ده ملوش عقل، كأنه ببغاء أو قرد، بيتفرج وبيقلد على طول.

الانشغال بفكرة الإتاحة ده هو الأهم، وزي ما كنت بقولك إن شوف مثلًا الكلام اللي كان بيتكتب على فيلم زي «اللمبي» والهجوم الشرس، وإن ده سيذهب إلى مزبلة التاريخ، فيلم اللمبي عايش وبقوة، وحاضر وبقوة، ومش بس بإفيهاته، ﻻ بإفيهاته ومشاهده وقصته وشخصياته، وكذلك الحال، اعمل سيرش على «حرامية في كي جي تو» أول فيلم ليا، أو«الباشا تلميذ»، أو«أبو علي» أو«خالتي فرنسا»، اكتب بس الاسم على تويتر أو فيسبوك وشوف الناس بتقول إيه؟

فكرة الدخول في الوجدان الشعبي.. يعني أنا لما أسمع مثلًا حد بيقول تعبير زي: «انا اللي أكلت الجبنة» اللي هو تعبير من فيلم ليا في مشهد، أو«بتعصبك يا فاشل»، أو حجات كتير إن الناس تستدعي خالتي فرنسا في أوقات. ده نجاح كبير، يعني ان انت دخلت في الوجدان الشعبي.

ايه رأيك في الدراما المصرية في السنوات الأخيرة؟ هل شايف إن في أي نوع من أنواع التطور؟ ولو كده شايف إيه الأسباب اللي ممكن تكون ورا التطور ده؟

طبعًا الأزمة اللي فيها الدراما هي جزء من الأزمة العامة. الدراما زي أي فن بينتعش لما يبقى المجال العام منفتح وفيه حرية.. قطعًا حصل تطور كبير في مسألة الصورة، لما حصلت نكسة السينما. فيه ناس كتير من المخرجين المتميز طفشوا منها وجم على الدراما، فحصل فيها طفرة كبيرة، ده حتى بدأ من 2010، وكنت سعيد إن مثلًا «أهل كايرو» مع «محمد علي» يبقى في الإطار ده، «الجماعة» مع أستاذنا «وحيد حامد» و«محمد ياسين»،«الحارة» أحمد عبدالله وسامح عبدالعزيز، وبعدين بدأت بعد الثورة تتوالى التجارب، بقى فيه مخرجين كتير مميزين.

أنا رأيي إن من أحسن المسلسلات فنيًا في تاريخ الدراما اتعملت في السنين اللي فاتت على إيدين مخرج زي «محمد ياسين»، مسلسل«موجة حارة» ده من أهم الأعمال الدرامية، وعلى إيدين «تامر محسن» في أكتر من عمل «بدون ذكر أسماء»، و«تحت السيطرة»، و«هذا المساء».. شغل مبهر. طبعًا الشغل اللي عملته «مريم نعوم»، سواء مع محمد ياسين أو مع تامر محسن، الشغل اللي عمله محمد أمين راضي، أسماء كتيرة جدًا في السنين الأخيرة عملت تجارب هايلة.

السؤال بقى: فين الأسماء الكبيرة دي؟ إيه الفرصة اللي انت بتديها لها إنها تشتغل؟ انت ليه طفشتها؟ ليه ماتديهاش الفرصة إنها تشتغل، إنها تبدع، وما تحطش قدامها قيود باسم الأخلاق، وقيود فنية، ومش عارف لجان محتوى، وجهات سيادية بتتدخل.

طبعًا اللي بيتقال في سوق الدراما شيء مريع يعني، التفاصيل اللي بتسمعها من بعض الزملاء عن الشغل اللي بيتعمل، حاجة بائسة.. وبنشوف الدراما المصرية السنة دي في حالة سيئة جدًا، وبتدهور، والتدهور ده يمكن بدأ من السنة اللي فاتت، وإن في الآخر ده سببه غياب الحرية والتدخل الرقابي والأمني في إدارة كل شيء بما فيه المسلسلات.

بذكر محمد ياسين ومريم نعوم، والاتنين اشتغلوا على اقتباس من عمل أدبي، في«أفراح القبة» و«واحة الغروب»، في رأيك ليه الاقتباس من الأدب بقى محدود جدًا في السينما والتلفزيون في الفترة الأخيرة، مقارنة بفترة زي التمانينيات أو التسعينيات؟

بمناسبة الأعمال الأدبية، أنا اشتغلت على التجربة دي كتير، سواء كمشاريع سينما أو تلفزيون، من فترة طويلة، يعني أنا مثلًا عملت «نقطة النور» للأستاذ بهاء طاهر، فيلم كان من إخراج هالة جلال، مع المنتج يحيى شنب، والأستاذ نور الشريف كان هو البطل، وكان معجب بالسيناريو، وقال ده في برامج كتير، ولكن لما جينا ندخله كان المفروض هيبقى من تمويل جود نيوز، فحصل الإنهيار اللي حصل في الشركة.. عملت برضه «شيكاغو»، و«نيران صديقة» الاتنين للدكتور علاء الأسواني، ومخلصهم ومسلمهم من سنين طويلة، وكان المفروض الإنتاج الشركة اللي عاملاها الشروق، لكن حصلت الانتكاسة في السينما من أواخر 2009، وتوقفت المشاريع.

هي دي المشكلة، الناس دايمًا بتتعامل مع العمل الأدبي إنه مش هينجح، أنا فاكر منتج قالي في عمل من الأعمال اللي كنت بقترحها عليه، قالي:«يعني انت جاي تكسب الناس وتعملهم أفلام تكسب، ولما تيجي تشتغل معايا أنا تعملي فيلم عن رواية علشان نرشق بيه في الحيط»، رغم إنها عمل جذاب جدًا، وممتع، وكان ممكن تنجح لو اتعملت حلو.

هي دي الفكرة، إن كل الناس بتبكي على الفن الجميل، وعلى انهيار الفن، طيب مين اللي مانع إن الأفلام تتعمل؟ لما يبقى عندك مخرج بحجم الأستاذ «داوود عبد السيد»، راجل عامل تحف فنية «الكيت كات»، و«الصعاليك»، و«أرض الخوف»، و«البحث عن سيد مرزوق»، أعمال رائعة وخلابة في تاريخ السينما المصرية، طيب مين اللي بيمول أعمال داوود عبد السيد، ليه مابيشتغلش؟ وليه عنده مشاريع كتيرة مش قادر يعملها؟ ليه «محمد خان» اللي الناس كلها بتشيد بيه كان بيتعب على ما يلاقي تمويل؟ ليه أسامة فوزي مات من غير ما يعرف يحقق أحلامه؟ ليه خيري بشارة مابيشتغلش؟

هي دي الفكرة، في حالة مهرجانية، يلا تعالوا نعمل مهرجانات، يلا نعمل حفلات، يلا نعمل.. إنما دعم حقيقي للسينما وشغل حقيقي في السينما ما تلاقيش للأسف الشديد.

ايه رأيك في ظاهرة ورش الكتابة اللي انتشرت مؤخرًا وانتقلت من المسلسلات الكوميدية القصيرة «سيت كوم» للمسلسلات الدرامية؟

بالنسبة لورش الكتابة، في حالة مغالاة ومبالغة في تصوير إنها مصيبة، وإن إحنا متعودين على الكاتب الفرد اللي بيقوم بالمسلسل كله من أوله لأخره، طبعًا لأن إحنا متبنين الشكل الكلاسيكي اللي بدأه أساتذة كبار، وتجلى في أستاذنا الكبير «أسامة أنور عكاشة»، وبقيت الدراما لفترة طويلة بتنسب إلى الكاتب بشكل رئيسي، ثم إلى المخرج، وبعدين الأبطال، فانت بتتفرج على مسلسل أسامة أنور عكاشة، مسلسل وحيد حامد، مسلسل محسن زايد، مسلسل محمد جلال عبد القوي، مسلسل محمد صفاء عامر، الأسماء الكبيرة في كتابة الدراما.

طبعًا ده مش بالضرورة موجود في العالم كله، يعني فيه ناس بتكتب مسلسلات لوحدها، بس شكل المسلسل بيبقى مختلف، بيبقى يمكن 10 حلقات، لكن غالبية الإنتاج بيبقى كتاب متعددين، وورشة..

أتيحت ليا في الفترة الأخيرة إني أشوف النظام ده وأشارك في تجربة أتمنى إنها ترى طريقها للنور، وشوفت السيستيم ازاي بيشتغل، الكاتب في العمل ده بيبقى فريق عمل كبير، مفيش عيب خالص إن ده يحصل، وبالمناسبة الورشة دي مش زي ما الناس فاهمة إنها حاجة جديدة، دي حاجة قديمة، أستاذنا «بشير الديك» اتكلم إن هو كان في ورشة مصطفى محرم، وكان في ورشة لأستاذ عبد الحي أديب، وورش لأسماء كتيرة.

هي بس ﻻزم يبقى فيها نوع من أنواع الشفافية اللي بتدي الناس حقوقهم مايبقاش في معلم وفي صبيان، واسم المعلم بيتبروز ويتحط، وتهضم حقوق اللي شغالين معاه ويتم معاملتهم إنهم صبيان، ﻷ إنت لو كتبت مشهد في حلقة يبقى انت كاتب، ليك محتوى وﻻ بد أن يحترم، وبنشوف ازاي في المسلسلات الأجنبي بيتحط اسم المؤلف وبعدين بيتكتب إن كتب هذه الحلقة فلان، ولما بتدخل على IMDb بتشوف إنه فلان الفلاني كاتب الحلقة دي، يعني فيه شفافية.

تشجيع ظاهرة الورش ده ممكن يبقى مفيد لتحسين شكل الدراما، وتحسين إيقاع الدراما، والبعد عن المط والتطويل، بس كل الناس تاخد حقوقها، وكل واحد ياخد حقه، وتفضل الأنواع كلها متجاورة، مايبقاش فيه نوع واحد.

هل ممكن تشارك في تجربة صنع فيلم أو مسلسل تليفزيوني يتم صناعته بالكامل خارج مصر، خصوصًا إن حضرتك ليك تجربة سابقة في الفيلم السعودي «كيف الحال»؟

تجربة «كيف الحال» كانت تجربة خاصة، كان في قصة وأنا شاركت في تطويرها، مكنتش شريك بالكامل في صناعة العمل، برغم إني بعتز بمشاركتي وإن الواحد كان في الوقت ده بيحاول إنه يشارك في صناعة فيلم سعودي، بغض النظر عن فكرة إن ده أول فيلم أو تاني فيلم، مش ده اللي شاغلني، كنت فرحان إني أشارك في فيلم بيتكلم عن الفن، ومنع الفن، ومنع قيادة المرأة للسيارة، في الوقت ده كان يعتبر حاجة من المحظورات والتابوهات إنك تتكلم فيها، فده كان المهم بالنسبة لي، المضمون نفسه، لكن مكنتش جزء من صناعة الفيلم نفسه، زي مانا كنت جزء من صناعة أغلب الأفلام اللي أنا شاركت فيها في مصر.

أنا بشتغل على كذا تجربة، منها حجات قصيرة، ومنها حاجة طويلة، منها عمل درامي، ومنها فيلم سينمائي، لكن كان في عندي مشكلتين، الأولى هي الأزمة المالية اللي حصلت في المنطقة خلت ممولين كتير ينسحبوا من تمويل التجارب دي، وده انت أكيد عارفه، والنقطة التانية إني مكنتش متفرغ بالشكل الكافي، لكن ده اللي أنا بدأت أعمله، ابتداءً من بعد ما أنهيت تصوير «الموهوبون» و«عصير الكتب»،، هي دي المشاريع اللي أنا مركز فيها دلوقتي، وإن شاء الله قريبًا تسمع أخبار كويسة، أتمنى إنها تفضي لأعمال كويسة، بس طبعًا لما يبقى في حاجة أقدر أقولها هقولها إن شاء الله.

مهم إن أنا أشير كمان إن جزء من الأزمة بالنسبة لي، إنها مش أزمة اختيارية، يعني بعد منع مسلسل «أهل إسكندرية» منذ سنة 2014، وكان فيه ناس في الأول بتشكك في هذا المنع، وحتى في بعض الأسماء -أتمنى إنهم يكونوا خجلوا من اللي قالوه- اعتبروا إن إحنا بنعمل دعاية للمسلسل، وفيه كاتب كبير ومهم هو أستاذنا وحيد حامد، طلع مع عمرو أديب وقال: «لو طلع إن في منع للمسلسل أنا هعتذر».. وطبعًا مش هدفي فكرة إنه يعتذر أو مايعتذرش، أستاذ وحيد صاحب أفضال، وأستاذي يعني، لكن مش دي الفكرة، الفكرة إن الناس مكانتش مصدقة إن فيه منع.

طبعًا المنع ده عرقل مشاريع كتيرة، ويمكن بعض المنتجين ميحبوش يقولوا ﻷنهم لسه عندهم أمل إن الدنيا تفتح، بس أنا أقدر أقولك كده بصريح العبارة إن فيه 3 أعمال أنا مخلصها ومسلمها، وواخد دفعة كبيرة من فلوسي، والمنتجين مش عارفين يعملوها، ﻷن كل ما يجيوا يحركوها بيتقالهم: «ﻷ فلان الفلاني مش هنسمح بإن فيلم ليه يتعمل»، ودي أشياء الواحد هيكتبها بالتفصيل الممل بعدين، وشفنا ده في تاريخ الفن كتير، ده محصليش أنا لوحدي بس.

فأرجو بس إن الناس اللي كانت قبل كده بتتهم الواحد إنه بيعمل دعاية لنفسه يعرفوا إن مفيش حاجة مبهجة في فكرة إن انت تحجب وﻻ تمنع، وﻻ إن أكل عيشك يتقطع، وﻻ إن شغلك يمنع، وﻻ إن إنت تطارد، ودي حقيقة.

بخصوص «أهل إسكندرية» هل فيه تصور مستقبلي ما لعرض المسلسل؟ أو بدايل زي العرض في قنوات غير مصرية، أو على الإنترنت؟

كويس إنك سألت السؤال ده، ﻷن واضح إن الناس مش بتتابع التفاصيل، فالناس بتسأل أسئلة من نوعية: ليه مابتعرضوش المسلسل على الإنترنت؟

المسلسل من إنتاج مدينة الإنتاج الإعلامي، ومنعته الدولة اللي هي صاحبة مدينة الإنتاج الإعلامي، فدي حتى سابقة أول مرة تحصل، ودي جريمة إهدار للمال العام، وحصل إن الرقابة الإدارية فتحت تحقيق في الموضوع علشان يفهموا إيه اللي حصل، وبعد ما عملوا تحقيقات وجابوا الموظفين وسألوا، وصلوا لنقطة مسدودة إن المنع سياسي، وعلشان كده تبخر الكلام في الموضوع، ﻷن الرقابة الإدارية مش هتقول إن الأمن هو اللي منع، وإن في رغبة في الانتقام من مؤلف المسلسل.

لما أنا بقول ده الناس كانوا بيفتكروا إن فيه مبالغة، الحقيقة أنا الوحيد من أسرة المسلسل اللي مخدتش كامل مستحقاتي، ليا نص مستحقاتي لم أتقاضاه، ولغاية لما سافرت بره مصر مكانش فيه رغبة إنهم يدوني فلوسي اللي هي مستحقة قانونًا، بينما كل الباقيين خدوا فلوسهم، وزي ما قلت لك قبل كده، فيه أعمال كتيرة بيبدأوا ناس يحضروا، دافعين فلوسها وعاوزين يشتغلوا، وعمل متوافق عليه من الرقابة، مش عاوز أقول أسماء علشان ما أحرجش المنتج، وفجأة بعد ما قالي: بدأنا نشتغل، يختفي، وبعدين أعرف من زملاء آخرين إنهم قالوا له: «مش هنسمح إن العمل ده يتعمل».

طبعًا في ناس لما بقول الكلام ده وﻻ أكتبه في بوستات يقولك: «هي الدولة هتطارد واحد ليه؟ معقولة؟».. أنا بقول يا سيدي طلعني أنا كذاب، وطلعني راجل بفتي، واحرجني واعرض المسلسل على قنواتك، وحلل فلوسك اللي انت صارفها، وأنا متنازل عن مستحقاتي، بس اعرض المسلسل علشان تحرجني وتبين إن الدولة مش بتطارد حد وﻻ بتلاحق حد، اسمح بعرض المسلسل، وبين إن الدولة قوية وقادرة، وﻻ تطارد أحد في رزقه، وﻻ تخاف من أحد، وكل الكلام ده، وخصوصًا إن الموضوع فيه تفاصيل كتيرة مخزية..

المسلسل كان مشارك في إنتاجه في الأول تلفزيون الكويت، وكانت اللجان الرقابية بتشيد بالمسلسل ومستواه الفني، نقاد يعني مش الرقابة، كان في تقليد إنهم يودوا العمل للنقاد فيشكروا في المسلسل ويقولوا عمل كويس، وﻻ فيه دعم للإرهاب، وﻻ فيه كل الكلام اللي اتقال بعد كده لتبرير منعه، وبالتالي إحنا مش بنتكلم عن حاجة سرية.

وأنا بالنسبة لي المنع مفيهوش أي بطولة وﻻ أنا ببحث عن وسام إن أنا «الممنوع» أو «الملاحق»، أنا كل اللي أنا عايزه إن حرام إن واحدة زي «محسنة توفيق» كان أمنيتها، وقالت ده في ندوة تكريمها في مهرجان أسوان، إنها نفسها تشوف المسلسل ده قبل ما تموت، وإن ده من أحسن الأعمال اللي عملتها، هي قالت كلام في حقي وحق العمل أتكسف إن أنا أكرره، والأستاذ «خيري بشارة» نزل مشهد منه، تقوم انت تمنعه.. أنا عرضت حتى إنهم يشيلوا اسمي من على العمل بس ينزلوه.. الموضوع فيه تفاصيل يوم ما تحكي وتروي من شهود متعددة، الناس هتخجل من إنها كانت عايشة في فترة بيتم فيها مثل هذه الممارسات المؤسفة.

رأيك ايه في حال السينما المصرية في السنوات الأخيرة؟

انت لما بتلاقي حالة الهجوم الشرسة، فيه رغبة جماعية في إدانة ما هو قائم، لكن مفيش نفس الرغبة وﻻ نصها في صنع بديل لما هو قائم.. أنا دايمًا بقول حكاية زمن الفن الجميل دي أوهام، كل الأزمنة فيها القبح وفيها الجمال، لكن كان في وعي عند النجوم بتوع التمانينيات والتسعينيات إنهم بيشاركوا في صناعة أفلام، نور الشريف أنتج، وأحمد زكي أنتج، في ناس كتيرة كانت بتشارك في الإنتاج، لكن دلوقتي مفيش رغبة تعاونية أو صنع مبادرات فنية.. وده برضه ماتقدرش تفصله عن مناخ الاستبداد القائم، ومناخ الإحباط ونشر السوداوية، وخنق أي مبادرة عمل، وإن يبقى فيه سيطرة أمنية، وسيطرة سياسية من الدولة على الأعمال، فتخلي الناس تفكر ألف مرة قبل ما تعمل حاجة مختلفة.

إلى أن يتغير هذا، ويبدأ الناس ينشغلوا بصنع حلول، زي ما بيدينوا الناس اللي بتشتغل وبتعمل أفلام بتنجح وبتكسر الدنيا في شباك التذاكر، هما يحاولوا يفكروا إيه اللي ممكن يعملوه، وازاي يعملوا أفلام تعاونية، ويقللوا أجورهم ويشتغلوا مع بعض، ويبقى عندهم أحلام فنية، هتلاقي ساعتها الأستاذ داوود عبد السيد بيشتغل، والأستاذ خيري بشارة بيشتغل، وأبو بكر شوقي، ومحمد حماد، وعمرو سلامة، ومحمد دياب،، وهيبقى ده في مصلحة السينما بشكل عام.