أنا الموقع أسفله عبد الإله ابن كيران أعلن تبعاً لمرور قانون القنب الهندي قطع علاقتي بالسادة الآتية أسماؤهم: سعد الدين العثماني – مصطفى الرميد – لحسن الداودي – عبد العزيز رباح – محمد أمكراز. وأؤكد تجميد عضويتي في حزب العدالة والتنمية.
عبد الإله ابن كيران – رئيس الحكومة المغربية السابق

بورقة وقلم ومنشور على فيسبوك، سعى عبد الإله ابن كيران، الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية المغربي، لإعادة نفسه إلى صدارة المشهد الحزبي والسياسي قبل أشهر قليلة من انتخابات برلمانية وبلدية مرتقبة من المتوقع أن تشهد تراجعًا نسبيًا للحزب الذي يقود الائتلاف الحكومي منذ نحو 10 سنوات.

الزعيم التاريخي للحزب الذي ما زال يتمتع بشعبية كبيرة بين صفوف مؤيديه عبّر عن غضبه من تمرير الحكومة قانونًا يجيز استخدام القنب الهندي المعروف لدى المغاربة باسم «الكيف» لأغراض طبية وصناعية؛ وهو القانون نفسه الذي عطّله ابن كيران عام 2016 بحجة اعتباره شرعنة للمخدرات ويتعارض مع أجندة الحزب وأفكاره المحافظة. لكن خطوة ابن كيران لم تكن مفاجأة إذ توّجت مسارًا طويلًا من الخلافات الداخلية بينه وبين قادة الحزب، وعلى رأسهم الرئيس الحالي للحكومة سعد الدين العثماني.

خلاف سياسي أم شخصي؟

لا يقف ابن كيران وحيدًا في صراعه مع قادة الحزب الذين اختاروا تهميشه محاولين التخلص من إرثه المليء بالصراعات، لكنهم ساروا على نهجه فيما يتعلق بالتقارب مع المؤسسة الملكية، ولم تنجح سلسلة التنازلات الطويلة التي قدموها في إكسابهم مزيدًا من الثقة، بل على العكس، منحت خصومهم شعورًا بأن الحزب في طريقه لخسارة ولايته الثالثة، وأن الفرصة للانقضاض عليه وتنحيته باتت مواتية.

تبنى العثماني استراتيجية ابن كيران فيما يخص الطاعة التامة للملك، لكنه افتقد لحنكة سلفه في التعامل مع مؤسسات الحكم وأحزاب المعارضة، حيث لم يُظهر أي مقاومة فيما يتعلق بقوانين مثل فرنسة التعليم وتقنين القنب الهندي، ولم يتجنب تصدر مشهد التطبيع مع إسرائيل وهو ما هزّ صورة الحزب في أعين مؤيديه وأظهره بصورة المتخلي عن مبادئه، بهدف واحد هو البقاء في الحكم. كما فشل في تحسين علاقة الحزب بالمستقلين والحركات الشبابية والحقوقية، حيث بدا وكأن الحزب قد نقض وعوده فيما يتعلق بالإصلاح السياسي، وتشبع بفكرة السلطة متنازلًا عن دوره الوسيط بين الجماهير ومؤسسة الحكم، وهو الدور الذي طالما لعبه بمرونة ودهاء ما مكنه من الصعود إلى سدة الحكومة في أعقاب ثورات الربيع العربي التي اختار النظام المغربي استيعاب موجتها بإقرار دستور جديد كان يفترض أن يقود البلاد لانتقال ديمقراطي.

انتهى الأمر بالعدالة والتنمية إلى حزب إسلامي يؤدي نفس مهام الحكومات السابقة من دون أن ينجز شيئًا من شعاراته التي كان يرفعها وهو ضمن صفوف المعارضة، ما يهدد أيديولوجية الحزب نفسها.

العثماني اضطر لتمرير القرارات والقوانين الحساسة من دون عرضها على هيئات الحزب المختلفة خشية تعطيلها بسبب نفوذ التيار الموالي لابن كيران، ما قاد العدالة والتنمية لأكبر أزمة داخلية في تاريخه حيث غابت آليات الحوار وبات كل فريق يقف على مسافة من الآخر. ورغم استبعاد احتمالية الانشقاق، فإن خيارات الطرفين باتت مختلفة حيث تصاعدت الآراء التي تطالب بالتمسك بأجندة الحزب حتى لو قاده ذلك للعودة إلى صفوف المعارضة، لكن لا يمكن اختبار صدق هذه الدعوات ومعرفة ما إذا كان الهدف منها مجرد الضغط على قيادة الحزب الحالية لصالح دور أكبر للقيادة السابقة أم أنها دعوات مبادئية حقيقية.

صراع النفوذ بين التيارين يتمحور إذن حول التعاطي مع الخصوم السياسيين، والقدرة على تحقيق مكاسب ولو صغيرة، والحفاظ على صورة الحزب وسمعته؛ لكنه لا يتطرق إلى أفكار الحزب أو استراتيجيات عمله. ويبدو أن مصدر هذه الاختلافات هو التباين بين شخصيتي ابن كيران والعثماني، ولا يمكن استبعاد التأثير الكبير لشخصية الأول الكاريزمية وصعوبة إقصائه من المشهد الحزبي، ما يعني أن البعد الشخصي يلعب دورًا فاعلًا في التنافس بينهما، لا سيما أن ابن كيران، الذي يفترض أنه يعبر عن الخط المبادئي في هذا الصراع، أيّد هو نفسه قرار التطبيع مع إسرائيل، واعتبره أمرًا ملكيًا فوق سلطة الحكومة، ومصلحة وطنية بسبب ارتباطه بالاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء.

سبعة ضد واحد

الأزمة الداخلية للعدالة والتنمية جاءت في وقت حساس، حيث تعرّض الحزب لضربة قوية بعد إقرار قانون انتخابي جديد يلغي العتبة ويحتسب القاسم الانتخابي (المعدل الذي يحتسب على أساسه توزيع المقاعد في الانتخابات التي تجري بنظام القائمة النسبية) على أساس المسجلين بالقوائم الانتخابية وليس على أساس المصوتين كما جرت العادة.

الحزب الذي يقود الائتلاف الحكومي وجد نفسه وحيدًا في مواجهة 7 أحزاب من الأغلبية والأقلية أيدت جميعها القانون الذي يسمح للأحزاب الصغيرة بالولوج إلى البرلمان في مقابل الحد من مقاعد الأحزاب الكبيرة؛ ما يهدّد بخفض كتلة العدالة والتنمية ومن ثمّ يُصعِب من مهمته في تشكيل ائتلاف حكومي.

وكان الحزب قد واجه المعضلة نفسها بعد انتخابات عام 2016 حينما فشل ابن كيران على مدى شهور في بناء ائتلاف حكومي بعد ما ظهر (بلوكاج) سياسي يتمثل في ابتزاز الأحزاب الصغيرة المقرّبة من المؤسسة الملكية للحزب المتصدر عبر طرح شروط تعجيزية تتمثل في استبعاد أحزاب أخرى أو الحصول على مناصب قيادية، وهو ما رفضه رئيس الحكومة وقتها، فأعفاه الملك واختار العثماني بدلًا منه لينجح في تشكيل الحكومة، وهو ما اعتُبر انقلابًا ناعمًا هدف إزاحة ابن كيران واستبداله بشخصية أكثر مرونة. لكن، ورغم استجابة ابن كيران وقتها للقرار الملكي، دخل الحزب في حالة انقسام فشلت جلسات الحوار الداخلي في وضع حد لها لتتفاقم وصولًا إلى الأزمة الأخيرة.

المناخ السياسي في المغرب يشهد استقطابًا متزايدًا مع الاقتراب من موعد الانتخابات، وتسعى الأحزاب السبعة لإقصاء الحزب الذي حصد أعلى الأصوات في العقد الماضي. وتأتي انتخابات عام 2021 في وقت يمر فيه الحزب الإسلامي بتحديات غير مسبوقة في تاريخه، حيث يقع بين رؤيتين متنافرتين: إحداهما تطالبه بالتمسك بشعاراته والاعتماد على مناصريه حتى لو كلفه ذلك خسارة الحكومة، والأخرى تطرح تقديم مزيد من التنازلات وطي صفحة القيادة السابقة في سبيل البقاء في الحكم. ويعتمد كلا الطرفين على قوة الحزب وتنظيمه، إلى جانب امتلاكه آلة انتخابية فعالة مقارنة بباقي الأحزاب. لكن، في المقابل، لا يطرح أي من التيارين حتى اللحظة تغييرات شاملة فيما يتعلق بهوية الحزب ودوره الغائب في عملية الإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي.