بعد مرور نصف مدة مهرجان برلين في دورته 68، يمكن القول إن أفلام المسابقة الرسمية ليست على أفضل حال، هناك منها الجيد بالفعل، لكن الأغلب لا يتعدى المقبول، وهناك عدة أفلام ضعيفة المستوى.

بينما تبدو المنافسة على الدب الذهبي فاترة، اللافت حتى الآن هو قوة المنافسة في الأدوار النسائية على الدب الفضي لأفضل ممثلة، في الأغلب ستصبح مهمة لجنة التحكيم أصعب في اختيار هذه الجائزة. ومن خلال ما عُرض من أفلام حتى الآن يمكن المرور على أبرز الأدوار النسائية.


«آنا برون» المترددة في The Heiresses

يعد فيلم «الوراثات» أحد أفضل أفلام المسابقة، وكان من أوائل الأفلام التي عُرضت، مما جعله دائمًا نقطة مقارنة استطاعت الصمود حتى الآن. الفيلم إنتاج مشترك بين الباراجواي والأوروجواي وعدة دول أخرى.

تقدم بطلة العمل «آنا برون» دور «تشيلا»، وهي سيدة مسنة، مثلية، تعيش مع صديقتها في منزل فخم تديره الصديقة، بينما تبقى هي دائمًا في خلفية الصورة تخشى اتخاذ القرارت، لاحقًا تُسجن صديقتها بسبب الديون وتبدأ هي في العمل في توصيل جيرانها بسيارتها مقابل أجر لتواصل حياتها، إلى أن تقابل امرأة أخرى أصغر منها وتُعجب بها لتنقلب حياتها.

بهدوء تقدم لنا آنا برون الشخصية، تظهر في أول مشاهدها بظهرها وهي تراقب الوضع من بعيد، لكنها عندما تظهر وقبل أن تنطق بأي كلمة نشاهد على وجهها ملامح القلق، ليس الأمر معتمدًا على الحوار الذي يؤكد لنا بالفعل خوفها من المواجهة، لكن تعبيرات وجهها ونظرة عينيها تعكسان كل شيء.

بعد ذهاب صديقتها للسجن يزداد الاضطراب على وجهها وحركتها دون مبالغة، ثم نلمح التطور الأخير لهذه الشخصية بعد أن تقع في حب آنجي (آنا إيفانوفا) إذ يجتمع الخوف من خيانة صديقتها ورغبتها في هذه الشابة مع شعورها بثقل سنها عليها، كل هذا بلغة الجسد فقط.


ماري بومر البريئة في 3 Days in Quiberon

يقدم لنا فيلم «3 أيام في كييبرون»، إنتاج مشترك بين ألمانيا وفرنسا والنمسا، 3 أيام من حياة الممثلة «رومي شنايدر» التي رحلت عن 44 عامًا. يقدم الفيلم رومي (ماري بومر) وقد ذهبت للاستشفاء والتعافي من الخمر في أحد فنادق مدينة كويبرون الفرنسية، وخلال هذه الفترة يزورها الصحفي مايكل يورجس (روبرت جويسيدك) لتسجيل حوار مطول معها، تكشف فيه رومي عن الكثير من تفاصيل حياتها بشكل، وهو الحوار الذي أحدث ضجة وقت نشره.

يمكن إجراء بحث بسيط لمشاهدة فيديوهات للفنانة الراحلة لمعرفة كيفية كلامها ولغة الجسد لديها، لكن بعيدًا عن المقارنة مع رومي شنايدر الأصلية، تقدم لنا ماري بومر شخصية فنانة تمر بأزمة منتصف العمر، بالإضافة لوقوعها في الحيرة بين الانخراط في عملها كممثلة ورعاية ابنها، وهو الموقف الذي يحدث بالفعل مع الكثير من الفنانين.

عدم الاستقرار النفسي يظهر جليًا في عيون ماري بومر، ومع تطور الأحداث تتأرجح نظراتها بين الحزن والفرح، ونشعر في بعض المشاهد أننا نشاهد شخصية على حافة الانتحار، لكنها تنقلنا إلى النقيض لاحقًا، كل هذا دون أن تنسى الإمساك بتفاصيل الشخصية الحقيقية التي يعرفها الجمهور بأكبر قدر ممكن.

الخط الأهم الذي يربط ملامح الشخصية هو أنها تبدو في كل الأحوال بريئة، وتتصرف بتلقائية متناهية، حتى وإن كانت هذه التلقائية تضرها على المستويين الشخصي والفني، هذه البراءة كانت بصمة خاصة بومر.


«إيزابيل أوبير» المسيطرة في Eva

بخلاف الفيلمين السابقين اللذين كانا مميزين على المستوى الفني، وخاصة الفيلم الأول، يأتي فيلم «Eva»، إنتاج فرنسا وبلجيكا، كواحد من الأفلام المخيبة للآمال، إذ يبدأ بشكل جذاب ومشوق وينتهي بشكل محبط للغاية. يدور الفيلم عن شخص يبحث عن فكرة لكتابة مسرحية، ويلتقي بالصدفة بإيفا (إيزابيل أوبير) التي تعمل كعاهرة، ويقرر أن تكون هي محور مسرحيته، لكنه لاحقًا يتعلق بها بشكل مرضي وتسيطر على حياته.

من شاهد الدور الذي قدمته الممثلة الفرنسية في فيلم «Elle»،سيشعر فورًا بأن إيزابيل أوبير تعيد تقديم نفس الدور باختلاف طبيعة عمل الشخصية ووضعها الاجتماعي، فهي ليست مديرة متسلطة كما في «Elle»، لكنها هنا عاهرة متسلطة.

في الحقيقة ليست فقط الشخصية التي تلعبها هي المسيطرة داخل أحداث الفيلم، لكن ببراعة تنجح أوبير في السيطرة على الكادر بمجرد ظهورها، رغم اجتهاد الممثلين أمامها، ورغم ظهورها المتأخر على الشاشة، إلا أنها كلما ظهرت وكأنها هي وحدها التي تقف في الكادر.

مع موهبة هذه الممثلة يُنتظر أن نشاهدها في أدوار مختلفة، من الجيد أن تكون محترفة في أداء شخصية ذات أبعاد محددة، لكن هل من المنطقي أن تعيد تقديم شخصية قدمتها مسبقًا بنفس حذافيرها؟ وإلى أي مدى يمكن أن تظل قادرة على إثارة إعجاب الجمهور وهي تستخدم نفس الأداء؟


«آندريا برينتزن» الضحية في U – July 22

من إنتاج النرويج يأتينا هذا الفيلم الذي يعد واحدًا من أكثر الأفلام اختلافًا في إطار المسابقة الرسمية للمهرجان، إذ يتحدث عن حادثة إطلاق النار من قبل متطرف يميني على أحد معسكرات الشباب في النرويج في 22 يوليو/آذار 2011.

المميز في الفيلم أنه يقدم لنا الحادثة التي دامت لمدة 72 دقيقة في صورة لقطة واحدة بدون قطع، ليجعلنا نعايش الحادث وكأننا داخله، وذلك من خلال متابعة بطلة العمل كايا (آندريا برينتزن)، وهي شخصية مستوحاة من الشهادات الحقيقة لمن عاصروا الحادث.

رُبما لم تقدم الممثلة الشابة أداءً متفردًا في مشهد بعينه كما الأسماء السابقة، لكنها كان عليها حمل أن تكون الضحية لكل الأحداث التي وقعت خلال عملية إطلاق النار، ودون قطع، نحن نشاهدها تركض وتسقط وتتحرك في كل مكان، ثم تتوقف لمساعدة هذا، والبكاء على تلك، وتحاول التواصل مع النجدة والبحث عن أختها، كل هذا يحدث أمامنا على الشاشة في إيقاع سريع، والكاميرا لا تغيب تقريبًا عن متابعة برينزتن إلا لثوانٍ قليلة تعود بعدها إليها لتتابع رحلة الهروب.

هذا الأداء الذي يصعب تخيله أو تنفيذه استحق أن تكون آندريا برينتزن حاضرة في المنافسة.


«جوليا زانج» المجنونة في My Brother’s Name is Robert and He is an Idiot

هذا الفيلم ليس فقط أضعف أفلام هذه القائمة -فنيا- ولكنه أحد أضعف أفلام المسابقة عمومًا.

«أخي اسمه روبرت، وهو أحمق» هو فيلم من إنتاج ألماني وفرنسي وسويسري، يتعرض للعلاقة بين التوأم إيلينا (جوليا زانج)، وروبرت (جوسيف ماتيس)، لن نتطرق هنا إلى المستوى شديد الضعف للفيلم، لكن سنتوقف عند ما يمكن أن يكون أفضل عناصره، بجانب التصوير، وهو أداء الممثلة جوليا زانج.

تقدم لنا الممثلة الشابة «جوليا زانج» شخصية مضطربة طوال الأحداث، إذ تُقدِم، بالاشتراك مع أخيها، على أفعال غير متوقعة طوال الوقت. هكذا قدمت زانج الكثير جدًا من الانفعالات، لكنها تنجح في كل مرة للعودة إلى حالة الهدوء، نقطة الصفر التي تنطلق منها في كل مرة.

أضاف إلى رصيدها المشهد الختامي في الفيلم الذي تلقي فيه كلمة عن مفهوم الزمن، تتحول فيه الشخصية العابثة التي شاهدناها طوال الأحداث إلى شخصية حزينة تجمع في دموعها خلاصة اليومين السابقين اللذين شاهدنا أحداثهما. كان يمكن أن يكون أداء جوليا أفضل بالطبع، إذ شابه بعض الافتعال أو المبالغة في بعض المشاهد، لكنه في الإجمال أداء لا يمكن إغفاله.