هل تقضي وقتًا طويلًا في التفكير ما ستكتبه في «فيسبوك»، هل تستخدم السوشيال ميديا لتنسى مشاكلك الشخصية، هل تحاول عادة تقليل فترة استخدامك السوشيال ميديا دون أن تنجح، هل تشعر بالقلق أو عدم الراحة إن كنت غير قادر على استخدام السوشيال ميديا، وأخيرًا، هل تستخدم السوشيال ميديا لفترات طويلة لدرجة تؤثر على عملك أو دراستك؟

بحسب د. مارك جريفيث، وإذا كانت إجابتك على الأسئلة السابقة بنعم، فأنت ربما تعاني «إدمان السوشيال ميديا».

في الحقيقة أنت لست وحدك، فبطل الحلقة الثانية من مسلسل «Black Mirror» في موسمه الخامس قد شعر بوسواس قهري لتصفح حسابه على مواقع السوشيال ميديا حتى أثناء قيادته سيارته، الأمر الذي انتهى بكارثة بالطبع. أما في الحلقة الأولى فشاهدنا الأبطال وهم يعانون من إدمان ألعاب الفيديو أو ما يسمى حديثًا Online Gaming، الأمر الذي انتهى بمأساة عائلية مركبة.

اليوم نتتبع معكم رعب العالم الافتراضي الذي اعتدنا عليه في مسلسل «Black Mirror»، ونركز بالتحديد على الموسم الخامس، والذي تم عرضه بدءًا من يونيو الماضي، والذي يبدو فيه الرعب الرقمي قريباً للغاية. لم يعد المسلسل عن المستقبل كما اعتدنا، الحكاية يمكن أن تحدث ببساطة شديدة في حاضرنا.

بين إدمان الإباحية وألعاب العالم الافتراضي

في الحلقة الأولى من الجزء الخامس، والتي كتبها تشارلي بروكر وأخرجها أوين هاريس، نشاهد قصة غرائبية عن علاقة جنسية تقع في عالم افتراضي لأحد ألعاب الفيديو. الحلقة من بطولة أنطوني ماكي الذي يعرفه الجمهور من خلال أدائه لدور (فالكون) في عالم مارفل السينمائي، يشاركه البطولة كل من يحيى عبدول ونيكولا بيهاري.

هنا يجمع تشارلي بروكر في حكايته بين نوعين من الإدمان، الأول، هو إدمان الأفلام الإباحية، وهو تشخيص لم تعتمده منظمة الصحة العالمية بعد، ولكننا حتى الآن يمكننا ملاحظة سلوك مرضي لدى من يشاهدون الأفلام الإباحية لمدة طويلة لدرجة تؤثر على حياتهم الشخصية والمهنية. أما النوع الثاني، فهو إدمان الألعاب الرقمية وهو تشخيص تمت إضافته بالفعل للدليل التشخيصي الأخير الصادر عن منظمة الصحة العالمية ICD 11، والذي صدر في نهاية عام 2018.

حكاية بروكر تبدو بسيطة للغاية وسهلة التحقيق في غضون عدة سنوات، فنحن بالفعل نشهد الآن ثورة في عالم الألعاب الرقمية التي تعتمد على خلق عوالم افتراضية VR، جنبًا إلى جنب مع إضافة خاصية التواصل بين اللاعبين وبعضهم البعض.

الرعب هنا لا ينبع من الحكم على هوية جنسية بعينها، لكنه ينبع من تفضيل علاقات افتراضية على الواقع، ومما يمكن أن يحدث للعالم عمومًا إذا ما تحكمت عوالم افتراضية لألعاب رقمية في ما نشعر به، عاطفيًا وجسديًا أيضًا.

لحظة إلكترونية قد تؤدي للموت

في الحلقة الثانية والتي كتبها تشارلي بروكر أيضًا وأخرجها جيمس هاويس، تدور الحكاية عن رجل توقفت حياته عند لحظة ما، وبسبب هذه اللحظة بالتحديد تتبلور غايته في الحياة في النجاح في خطف أحد العاملين بموقع سوشيال ميديا عالمي، للتحدث في النهاية لرئيس الموقع ومخترعه، والذي يبدو شديد الشبه بمارك زوكربيرج مؤسس موقع فيسبوك.

يبدو البطل هنا تائهاً ومعرضاً للأذى بشكل أكبر، الأذى الذى وصل لدرجة الموت مرة ويمكنه أن يصل له مرة أخرى، كل هذا بسبب لحظة إلكترونية واحدة شعر فيها بضرورة أن يتصفح هاتفه من أجل أن يشاهد تعليقًا على تعليق قد وضعه على صورة حيوان ما.

الممثل الأيرلندي أندرو سكوت هنا هو البطل، وهو أحد أفضل اختيارات هذا الموسم، فالرجل الذي عرفته الجماهير من خلال أدائه الأيقوني لدور (بروفيسور مورياتي) في مسلسل Sherlock، قد نجح هنا أيضًا في التعبير عن كم لا نهائي من الغضب المختلط بالحزن فقط من خلال عينيه.

اقرأ أيضًا: كيف تحول «شيرلوك هولمز» أخيرًا لشخص عاطفي

هذا رجل نشعر في البداية بالخوف منه، ثم نشعر في نهاية الحلقة بالخوف عليه، رحلة نفسية وعاطفية يظهر فيها أن المجرم الوحيد هو مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصًا بنهجها الجديد،التي تتعمد فيه من خلال خوارزميات معقدة تجعلنا مرتبطين بها طوال الوقت.

هذا الإدمان من صنع مؤسسي هذه المواقع، لكنهم لم يعودوا قادرين على إيقافه، حتى لو أرادوا، وهذا ما نشاهده بالتحديد في هذه الحلقة.

هل التقبل هو الحل؟

تبدو مناقشة طريقة السرد وبناء الشخصيات في هاتين الحلقتين ورغم جودتهما ليست الأولوية، حيث تبدو الأفكار التي يطرحها تشارلي بروكر أجدر بالمناقشة.

هل يمكننا أن نغلق أعيننا وندعي بأن ما يحدث في Black Mirror مجرد خيال، هل يمكننا أن نضمن بأن هذا لن يحدث بشكل شخصي لكل واحد منا؟

يستخدم اليوم ما يزيد على 4 مليارات إنسان الإنترنت، ويقضي غالبية شباب هذا الجيل جُل وقته على مواقع التواصل الاجتماعي، نتشارك مشاعرنا وإنجازاتنا الشخصية والمهنية من خلال الإنترنت، ونحتفظ بوثقائنا مهما بلغت درجة أهميتها من خلاله أيضًا، هذا نوع من الإدمان لا يبدو أننا قادرون على التوقف عنه، العلاج بالمنع لا يبدو منطقياً هنا، تقليل الضرر هو أقصى آمالنا في المرحلة الحالية، وما يكتبه تشارلي بروك يبدو دليلًا تفصيليًا لما يجب أن نتحضر له.