المنصات الرقمية أصبحت شريكًا أساسيًا لدور عرض السينما، وجمهورها لا يستهان به، خاصة في ظل الفترة العجيبة التي يمر بها العالم كله، ومنصة شاهد هي أحد أفضل المنصات العربية –المحدودة أصلاً– لعرض المحتوى السينمائي والدرامي، ومؤخراً دخلت السباق بإنتاجاتها الأصلية التي ينتظرها كثيرون.

فيلم خيط دم هو أحدث إصدارات شاهد الأصلية، صدر قبل يومين من بطولة ظافر العابدين ونيللي كريم ومن تأليف وإخراج رامي ياسين والذي شارك أيضاً في إنتاجه مع فيلم كلينيك محمد حفظي، هذا التقرير يناقش هذا الفيلم، ليس لكونه سيئاً أو جيداً بالأساس، بل للتساؤل فقط، لماذا؟

الكثير من لماذا؟

الفيلم يحكي قصة زوجين، نادر ولميا اللذين يدخل أحد أبنائهما التوأم في غيبوبة جراء حادث سيارة، وتستمر الغيبوبة لثمانية عشر شهراً بلا أمل في أن يفيق، فيقررا أن يحولاه لمصاص دماء! حتى يموت ويعود للحياة مرة أخرى وهو ميت وأثناء عملية “رسترة” الطفل يفيق من الغيبوبة، وتتوالى الأحداث داخل الأسرة وتحدث مواقف بين الطفلين التوأم وبين والديهما وبين الأسرة بشكل عام وبين الأغراب، حتى ينتهي الفيلم أخيراً.

قبل عرض الفيلم تواترت الأخبار عن أول فيلم عربي يتعرض لموضوع مصاصي الدماء، وصرح ظافر العابدين بأنه تحمس للمشاركة في الفيلم لأنه دور “جديد” بالطبع، فلم يسبقه في أداء دور مصاص الدماء من قبل سوى أحمد عدوية في فيلم المقاولات السبعيناتي “أنياب” وكان فيلماً كوميدياً، بالطبع انتظرنا أن يكون خط دم فيلم رعب وتشويق درامي ولكن ما حدث في الفيلم كان مفاجأة حقيقية.

نيللي كريم يمكن تصنيفها كواحدة من أهم وأنجح فنانات جيلها، والتي دوماً ما تحقق نجاحات درامية وسينيمائية كانت بطلة هذا الفيلم، الغريب أننا لا نعرف بالتحديد لماذا؟ لماذا قبلت نيللي هذا الفيلم؟ هل ليقال إن أول فيلم مصاصي دماء كان بطولة نيللي كريم؟ هل لأنها حسبت أن أناقتها وشياكتها وجمالها الفتاك –بصدق وليس سخرية– سوف يمنحها صك الغفران للتمثيل بهذا الفيلم؟ ثم لماذا ظافر العابدين؟ الرجل لا يمتلك أي موهبة سوى التسبيل الرومانسي وأثبت ذلك بتفوق طوال مشواره الفني، فلماذا تضعونه في هذا الاختبار الصعب؟ ثم الطفلين التوأم اللذين يعتبر أحدهما محور الفيلم، لماذا لم تختاروا توأمين يجيدان التمثيل؟ الفكرة ليست فقط في أن تأتوا بطفلين متشابهين، فلماذا فعلاً لم تنتظروا حتى تعثروا على طفل يجيد التمثيل؟

خط دم؟

لا تتوقف الأسئلة الاستغرابية عند حدود التمثيل في الفيلم، فالأمر يبدأ من قبل التمثيل بكثير، بداية حتى من الاسم نفسه، ماذا يعني هذا الاسم؟ أسوأ الأسماء هي النعت والمنعوت الواضحين تماماً، المشكلة هنا أن الاسم حتى مع وضوحه المفرط لا يعبر تماماً عن الفيلم، أي خط؟ خط الدم الواصل بين من ومن؟ بين الأب وأبنائه مثلاً؟ مجاز لا ينطبق على الفيلم، هل خط الدم الذي يسيل بعد التهام الضحية؟ لم يحدث أيضاً طوال الفيلم فالأسرة كانت منمقة لدرجة تناول الدم بالملعقة في سلطانية الشوربة، أي خط دم؟ الشك يقتلنا هنا، فليخبرنا أحد لماذا اختار رامي ياسين اسم خط دم.

بالحديث عن رامي ياسين، لدينا عدة تساؤلات تخصه أيضاً، لماذا قرر رامي ياسين أن يؤلف ويخرج هذا الفيلم؟ لأن تيمة مصاصي الدماء تيمة شائعة في السينما الغربية وتبيع جيداً، هل يعني هذا أنه شاهد أي فيلم من أفلام مصاصي الدماء؟ مسلسلات؟ قرأ كتبًا؟ أي شيء يدعم به رغبته في تأليف وإخراج الفيلم؟ في خضم إعجابه بالتيمة وبالطبع مشاهدته للأعمال التي ناقشتها، ألم يلاحظ مرة واحدة أن مصاص الدماء قلبه لا يدق مثلاً؟ لأنه أصلاً ميت؟ إذن لماذا في لحظة الاستيقاظ المحورية تضع نيللي كريم رأسها على صدر ابنها وتخبر زوجها أن “سامعة قلبه بيدق”، حسناً دعك من هذه التفاصيل الصغيرة، ألم يعرف أن التحول لمصاص دماء لا يتم بأن يشرب الإنسان الطبيعي من دماء مصاص الدماء وإنما العكس؟ لماذا إذن يخبر الطفل أخاه أن يشرب من دمائه حتى يتحول مثله، والغريب في الأمر أنه في نفس اللحظة ينقض على أخيه ليشرب هو من دمائه، لماذا لا ندقق في الحوار قليلاً قبل أن ينطقه الممثلون؟

لماذا لم يشاهد رامي ياسين فيلم Vampire’s diary، أو لو كان يريد فيلماً أخف منه فليشاهد فيلم Twilight saga، أو حتى يشاهد مسلسل Dracula المتاح على منصة نتفلكس، بما أن فيلمه سوف يعرض على منصة رقمية هو الآخر، لماذا لم يقرأ رامي ياسين أي عدد من سلسلة ما وراء الطبيعة خاصة أنها مشهورة هذه الأيام، أو حتى أي عدد من صرخة الرعب، دعك من كل هذا، لماذا لم يستخدم جوجل ليعرف بعض التفاصيل الصغيرة التي كانت ستفيده في صنع العمل؟ القراءة مهمة جداً بشكل عام، وإذا كنت ستصنع عملاً لا ينتمي لثقافتك ولا تمتلك عنه معلومات تصبح القراءة ضرورة.

بالحديث عن ثقافات الشعوب، لماذا أصلاً نصنع فيلماً عن مصاصي الدماء لجمهور الوطن العربي؟ نحن نمتلك الكثير جداً من الأساطير الحضرية تكفي لصناعة درزينة من الأفلام الجيدة المحكمة، وسوف تكون أقرب لفهمنا لأننا سنكون محيطين أكثر بتفاصيلها، لماذا مصاصي الدماء؟

والمزيد من لماذا؟

الفيلم يتعرض لتعليقات لاذعة جداً على السوشيال ميديا، الجمهور العربي لم يعد طفلاً يفرح بأي لعبة ساذجة تلقيها له دون اهتمام، الجمهور العربي لم يعد يختلف عن الجمهور الغربي لأنه يشاهد ما يشاهده الآخرون حول العالم، فلماذا لا تحترمه قليلاً؟

مثلاً إذا تغاضينا عن كل ما تحدثنا عنه سابقاً واعتبرناها تفاصيل صغيرة يمكن إغفالها في سبيل صناعة فيلم عربي عن مصاصي الدماء، لماذا لم يكن الفيلم نفسه كدراما محكم؟ لماذا لم تقدم للمشاهد العربي الذي اعتبرته جاهل -بما أنك تجاهلت الكثير من التفاصيل المهمة في أثناء تحضيرك للفيلم– هذا المشاهد الجاهل لماذا لم تمنحه بعض المعلومات عن مصاصي الدماء؟ لماذا كان الفيلم في أغلبه صامتاً؟ الكثير من النظرات الصامتة والإيماءات المريبة والحركات البطيئة في حين أنك كان من الممكن أن تستغل هذا الوقت في تقديم أسطورة مصاص الدماء للمشاهد الذي افترضت أنت أولاً أنه لا يعرف عنها شيئاً وبالتالي سيبتلع مغالطاتك.

أيضاً التأصيل لقرار الأسرة الغريب والخارج تماماً عن المألوف كان ضرورة حتمية، أين هي الأسرة التي ستحول ابنها لمصاص دماء حتى يفيق من غيبوبة؟ وعندما يفيق سوف يكون أصلاً ميت؟ ثم لماذا تفاجأ الأسرة بالأمور طوال الوقت، هذا القرار العجيب لابد أن يكون مبنياً على قناعات راسخة ودراسة لكافة الاحتمالات، فلماذا فوجئوا أنه لن يكبر وأن هذه مشكلة كبيرة تحتاج لحل؟ ثم بعيداً عن كل هذا لماذا كل هذا التخبط في السيناريو؟ تخلع الزوجة رداءها وتستغرق في لحظة شبقة يخيل للمشاهد طوالها أنها تدعو زوجها لتحويلها لمصاصة دماء هي الأخرى بناء على حديثهما قبل هذه اللحظة مباشرة وبناء على الكثير من العلامات نفهم ضمنياً أنها عرفت أنه تحول لمصاص دماء، ثم بعدها تصرخ في وجهه متسائلة لماذا لا يخرج في الشمس وكأنها لا تعرف أنه تحول من قبل.

ثم نهاية الفيلم التي وحدها تحتاج تساؤلات كثيرة ليس مكانها هنا كي لا نحرق الفيلم لك عزيزي المشاهد، نعم لن نحرق لك الفيلم فنحن ندعوك لمشاهدته، لماذا؟ بالطبع ليس لأنه فيلم عظيم ولكن للعبرة، لو لم تتقن عملك وتهتم به سوف تصبح مثل عمو.