حرب ضروس يخوضها تنظيم الدولة الإسلامية الشهير بـ«داعش» على كل الجبهات ضد محاولات اقتلاعه من الحياة، بفعل ضربات الحملة الدولية، التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية عليه، ولم تجُد بثمارها حتى الآن.

هل قوة التنظيم المسلحة هي التي تبقيه على قيد الحياة حتى الآن؟ بالطبع لا، فكل الموازين المنطقية تصب في خانة التحالف الدولي، وبعيدا عن المؤامرات الدولية والسياسات الموروثة عن الإمبريالية العالمية، التي تفضل الاستفادة من الوضع الراهن دون حل الأزمات بشكل جذري، يبقي أن التنظيم سلّح عوامل بقاءه بأسباب فكرية وثقافية ودينية بالتوازي مع دمويته المتفردة.

انتبه التنظيم منذ يومه الأول لضرورة إظهار وجه آخر، بالتوازي مع براعته في النحر والسبي وثقافة المفخخات، عبر رسائل مصورة، وكان له ما أراد، حيث تحظى إصدارات الوجه الآخر للتنظيم بمشاهدات عالية، والتفاعلات عليها، تعبر عن حالة إعجاب تصل حد افتتان لا يؤثر فيه الحملات الإعلامية المضادة، ولا فتاوى المشايخ من كافة الاتجاهات المناهضة للفكر الداعشي.

ويمكن القول إن احتفاظ التنظيم بقوته وشعبيته التي تمده بآلاف المجاهدين، يعود لـ 3 رسائل كبرى، حرص خلاها على تسريب الجوانب الحياتية الحالمة والمثالية للأصوليين في صفوفه، والتي لا تخلو من أدبيات وقيم الحياة العربية الأصيلة، كإلقاء الشعر، وتخليق مظهر خارجي لجنود التنظيم، بهوية إسلامية خالصة، وتميزهم بشدة حتى عن باقي الحركات الإسلامية، مرورا بتفردهم في عالم تفسير «الرؤي والأحلام» الذي تقدره الجماعات السلفية والجهادية، والتي تعتبر نتائج الرؤى خطوات على طريق الجنة، فضلا عن الورع الشديد في العبادات، ما خلق جاذبية دينية استقطبت ولا تزال أبناء الجماعات الإسلامية لصفوف التنظيم.


الزهد والخشوع في أحلك الأوقات: هنا رجال الدين الأوفياء

إحدى أهم الرسائل التي تبقي التنظيم قويا حتى الآن، الإصدارات الكثيفة لورع مجاهديه الشديد في العبادة، وقراءتهم للقرآن خلال أحلك الأوقات بخشوع نادر، ما يلقي في نفوس المتلقين والمستهدفين، رسائل إيجابية عن قوة اليقين، وعزيمة المجاهدين التي لا تلين، وعظيم إخلاصهم للدين.

وكان أبو مصعب الزرقاوي، مؤسس تنظيم التوحيد والجهاد، وأحد أهم الأيقونات الجهادية لكافة الحركات المتشددة، يشتهر بزهده الشديد وورعه في العبادة، لدرجة جعلت من حكايات بكائه أثناء قراءته للقرآن في أشد أوقات النزال والمعارك، إلهامًا لجنود التنظيم، الذين تسابقوا في نشر فيديوهات لهم، وهم منشغلون في قراءة القرآن، حتى في أوقات الحرب والقتال، وخلال انتظارهم للنزال مع أعدائهم على كافة الجبهات.

أشد الإصدارات تأثيرا، كان فيديو نشرته إحدى الحسابات الداعشية، لمقاتل فقد أحد ذراعيه، وقبل إجراء جراحه له، راح يردد ما تيسر له من آيات قرآنية بخشوع شديد، وكأنه لا يستشعر جلل مصابه، وركزت الكاميرا التي انبرت في رصد لحظات شدته، على الربط بين سكينة وجهه وهدوءه، الذي يحسد عليه، مع فداحة مصابة.


في تفسير الرؤى والأحلام: التنظيم «مؤيد من الله»

عمارة من ست طوابق، الخمس الأولى لا معالم لها ومحترقة، الطابق السادس منها فقط فخم وجميل = ست سنوات كل طابق بسنة تقريبا، ما يعني أن بشار الأسد، سيقتل في 2016، أو النصف الأول من 2017، تلك هي الرؤية المنشورة في صدر موقع «موسوعة دار الأرقم للرؤي العامة» التابع لتنظيم الدولة، والذي يضم تفسيرات لأكثر من 500 رؤية عامة، لكافة البلدان الإسلامية حسب تسمياتها في خريطة بلدان الخلافة الإسلامية القديمة.

ويحتل تفسير الرؤى والأحلام مكانة متقدمة في الثقافة الداعشية، ومنها يبرهن التنظيم لأنصاره والمتعاطفين معه على قوته الشرعية، وتأييده من الله في تحقيق ما يصبو إليه من أهداف مرحلية ومستقبلية.

ويستخدم الدواعش نتائج تلك الرؤى، في الترويج لأنفسهم بين أبناء الجماعات الإسلامية، التي تحترم هذه الثقافة وتقدرها حد التقديس، ما يجعل التنظيم وفق رؤيتهم يحتل مرتبة عالية، بين الذين يحيون حياة إسلامية تستحق التأمل احتراما، قبل اتخاذ قرار مصيري بالانضمام لها.


الهوية: «عصابة رأس»

اختلف الكثيرون على كون المظهر الخارجي للتنظيم، وخاصة الشعر الطويل وعصابة الرأس، ضمن قوته الناعمة، وأحد رسائله التي يستقطب بها المعجبين بأسلوب حياته المتفرد أم لا، ولكن المتتبع للتنظيم سيجد أن الدواعش سّخروا الأناشيد والقصائد الشعرية، التي تحظى بشعبية بين الجماعات الإسلامية لكونها ثقافة عربية أصيلة، في تمرير رغبتهم لتكوين هوية خاصة بهم، تميزهم عن غيرهم من الجماعات الإسلامية الأخرى، وأكثر ما يبرز تفوقهم في ذلك، النجاح الساحق لقصيدة «يا عاصب الرأس وينك» التي أنشدها سعد المطيري، شاعر التنظيم، منذ عامين وسط مشاهير قياداته، وعلى رأسهم أبو وهيب، قائد الدواعش في الأنبار، والذي لقي مصرعه مايو الماضي.

وانتشر الفيديو كالنار في الهشيم، وحصد أعلى المشاهدات في إصدارات داعش على الإنترنت، حيث اقتربت عدد مشاهداته من مليون ونصف مشاهدة.

ومن شدة تأثير الإصدار والاحتفاء به بين الدواعش، لدرجة جعلتهم ينشدونه قبل خروجهم في المعارك، وحال انتصارهم، أو حاجاتهم لشحذ الروح المعنوية في أوقات خذلانهم، لجأت الحركات الإسلامية المعادية لتنظيم لدولة، والتي تشن ضده حروبًا لا تهدأ ولا تستكين، وعلى رأسهم جبهة فتح الشام السنية، والحشد الشعبي الشيعي، لعمل إصدارات تبدأ بنفس مدخل الإنشودة، وعلى نفس وزنها الإيقاعي، ولكنها تُحرف في النص لتدين جنود الدواعش وفكرهم المنحرف.

ياعاصب الرأس وينك.. رد من جنود جبهة فتح الشام على الدواعش

نشيد «يا عاصب الراس وينك» بصوت الحشد الشعبي


الفكر الداعشي، تم تأصيله في البلدان العربية والإسلامية عبر تفاعلات عقود من الزمن، يصعب الحديث عن أسبابها ومبرراتها، فقط يجدر الإشارة إلى أن التنظيم لن يُمحى بالصواريخ والبراميل المتفجرة، فهم كما يقولون دائمًا، يعشقون الموت كما يعشق أعدائهم الحياة، وأزمتهم في الوطن العربي والإسلامي يحتل ناصيتها تراجع الفكر والثقافة والعلوم والرفاهية الاجتماعية، مع صعود ملفت للأصوات التي تنادي بعودة الاستبداد السياسي وبعلامته الكاملة، ما يضع مبررات بقاء الدواعش بل وتضخمهم عن وضعهم الحالي في الكفة الراجحة حتى إشعار آخر.