أُعلن في صباح اليوم عن فوز المغني وكاتب الأغاني الأمريكي «بوب ديلان» بجائزة نوبل في الآداب. الخبر كان مفاجأة لبعض متتبعي الجائزة والتي كان مُرشح للفوز بها هذا العام أدباء على شاكلة اليابانى «هوراكى موراكامى»، ولكنها مُنحت في النهاية لبوب ديلان الذي يعرفه الجميع كموسيقى أكثر منه كأديب أو ككاتب. فيما عبر الكثيرون عن رضاهم عن هذا الاختيار كون ديلان قد يكون كاتب الأغاني الأكثر تأثيرا في القرن العشرين في الولايات المتحدة والذي أثر أسلوبه الكتابي في تطور اللغة كما أثر في الكثير من الكتاب والفنانين من بعده. شرحت الأكاديمية سبب اختيارها لديلان كونه «أبدع تعابير شعرية جديدة في التراث الغنائي الأمريكي». في النقاط الأربعة القادمة نحلل تلك المفاجأة.


في يده جيتار وفي فمه هارمونيكا

بدأ «بوب ديلان» حياته الفنية كمؤدي متجول لموسيقى «الفولك» الشعبية الأمريكية، يعزف أغانيه في المقاهي والحانات، ألهمته أعمال «وودى جوترى» المغني وكاتب الأغاني الأمريكي صاحب أكثر أغاني «الفولك» شهرة وهى «this land is your land». ومنذ أن كان في المدرسة الثانوية بدأ مسيرته الفنية التي مازالت ممتدة حتى الآن. بدأ «ديلان» كشاب يعزف الجيتار والهارمونيكا فى آن واحد ويعرفه الجمهور في النوادي والشوارع بكلماته القوية وأغانيه التي تشبه الحكايات.

بدأ ديلان حياته بجذب الجمهور لأدائه الموسيقي المميز حينما أعاد الحياة مرة أخرى للموسيقى الشعبية الأمريكية. ومن خلال ذلك وقبل أن يبدأ فى كتابة أغانيه الخاصة نجح في إيجاد الوسيط الذي سيستخدمه فيما بعض ليعبر عن أفكاره.


ثم كانت الكلمة

قادت حركة الحقوق المدنية حراك شبابي غاضب في بداية الستينات في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان هذا الجمهور كأي جمهور محتج يريد من يتحدث باسمه ويعبر عن مطالبه، وحينها أصبح بوب ديلان أحد المؤثرين بشدة في هذه الحركة. ولدرجة تم معها تصنيف معظم أغانيه في هذه الفترة في خانة «أغاني التظاهرات». ومن أشهر هذه الأغاني أغنية «oxford town» التى ألفها فى عام 1963م والتي تحكي حكاية التحاق أول طالب أسود بجامعة مسيسبى وما تعرض له من مضايقات عنصرية.

يغني ديلان :

He went down to Oxford Town Guns and clubs followed him down

استمر ديلان فى الانخراط في حركة الحقوق المدنية وكتب معظم أغانيه في الستينات لدعم هذه الحركة لدرجة جعلت كثيرون يصنفوه كشاعر سياسي وفليسوف شاب قرر أن يعبر عن أفكاره من خلال الموسيقى والغناء ونجح من خلال هذا في كسب جمهور كبير قاد حركة احتجاجية واسعه ضد الحرب والعنصرية والعنف. ونذكر هنا أيضا أغنيته «The Lonesome Death of Hattie Carrol» والتى ألفها كرد فعل على مقتل سيدة أمريكية ذات أصول إفريقية، على يد أحد الأغنياء العنصريين من أصحاب البشرة البيضاء.

فى هذه الفترة التفت جيلا من الشباب لبوب ديلان الكاتب واستمعوا لكلماته وهتفوا بها في مظاهراتهم وتأثروا بها في كتاباتهم، وهنا تجاوز دوره كمغنى تظاهرات وأصبح الناس يحفظون كلماته كشاعر ثوري.


كيف لموسيقيِّ أن يفوز بجائزة نوبل في الآداب

يقول بوب ديلان؛ «هذه الأغاني التي قمت بكتابتها، إنها تشبه قصص الألغاز، إنها نفس نوع القصص التي شاهدها ويليام شيكسبير حينما كان طفلا»

ما ساعد ديلان على اكتساب كل هذه الشعبية لم يكن أسلوبه الموسيقي فقط ولا حتى قوة كلماته ولكن لأنه قرر أن يصيغ كل هذا في شكل حكايات شعرية، اختصارا يرى معظم مستمعي ديلان أنه «راوي حكايات»، والحكايات كما نعلم هى الوسيط السحري للأفكار. وربما إذا تأملت في نفسك فستجد هذا واضحا فلقد تعلمنا كل شئ تقريبا عبر الحكايات، الدين الذي نؤمن به واللغة التي ننطقها والأفكار التي قد نضحي بحياتنا من أجلها والأشياء التي تجعلنا نفرق بين الصواب والخطأ. انتقل كل هذا لنا عبر الحكايات. وهذا ما فعله بوب ديلان بكلماته وأفكاره وموسيقاه، هذا ما جعله يؤثر في كل هؤلاء البشر، وهذا ما جعله يفوز اليوم بجائزة نوبل فى الآداب.


نصف قرن من الغناء

Mama, take this badge off of me I can’t use it anymore. It’s gettin’ dark, too dark to see I feel I’m knockin’ on heaven’s door.

لا يزال بوب ديلان يكتب ويغني حتى الآن، وهنا تكمن مفاجأة جديدة فالرجل نجح في إعادة خلق ما يقدمه عبر ما يزيد عن النصف قرن، انتقل بين موسيقى «الفولك» في البداية، إلى موسيقى «الروك أند رول»، ثم موسيقى «الكانترى»، حتى أنه قام بالتعبير عن كلماته من خلال موسيقى «الجاز». وإلى جانب الغناء شارك ديلان في العديد من الأفلام وسجل بصوته أغاني لأفلام أخرى. والغريب أنه قد حصل أيضا على جائزة الأوسكار في الألفية الجديدة من خلال أغنية فيلم «wonder boys» الذى تم إنتاجه في عام 2001م. وربما كان هذا أيضا أحد أسباب فوزه ديلان بجائزة نوبل اليوم، نجح الرجل في أن يكون وعبر كل هذه السنين الشاعر الغنائي الأكثر تأثيرا في أجيال من الحالمين.