ربما يكون الأمر غريبًا وشاذًا لمن يراقب المشهد من بعيد: شبابٌ تترواح أعمارهم بين الـ12 والـ20 يقفون في طابورٍ طويل في انتظار أن يوقع لهم كاتبٌ أو كاتبةٌ ربما يتردد اسمه للمرة الأولى في معرض الكتاب بالفعل.

بدأت هذه الظاهرة منذ سنوات، ويبدو أنها آخذةٌ في التوسع والانتشار، ذلك أن كل ناشرٍ اليوم (لا سيما من يستهدفون الشباب) يسعون بشتى الوسائل والطرق لاستكشاف الأسماء الأكثر شعبيةً ورواجًا، سواء كان ذلك من خلال صفحات التواصل الاجتماعي، أو برامج الراديو وغيرها، ويعملون بعد ذلك على استكتاب هذا الشخص، سواء كان كاتبًا أم لا، ليخرج إلى الناس بذلك الكتاب الذي يكون رهانهم عليه كبيرًا أنه سيحقق أعلى المبيعات، حتى لو كان ذلك في فترة معرض الكتاب فقط!

لا شك أن أجيالاً من القراء يذكرون ما كانت تفعله «المؤسسة العربية الحديثة» للنشر منذ سنوات، وسلاسل كتبها ذائعة الصيت والتأثير «روايات مصريّة للجيب»؛ من «رجل المستحيل»، و«ملف المستقبل»، إلى «فانتازيا»، و«ما وراء الطبيعة» وغيرها، وكيف كانت تلك الكتابات تدغدغ مشاعر المراهقين بما فيها من إثارة وحكايات بوليسيّة أو خيالية، بل ربما كانت هذه السلاسل، بكتبها ومؤلفيها، صاحبة مظهر «الطوابير الأولى» في معرض الكتاب في أوائل التسعينات وما بعدها.

وهذا جنبًا إلى جنبٍ مع الإقبال الملحوظ والتهافت الشديد على كتب «التنمية البشرية» لا سيما المصبوغة بصبغةٍ دينية، إذ يذكر رواد معرض الكتاب جيدًا كيف كان إقبال الناس كبيرًا على كتاب «لا تحزن» للداعية السعودي «عائض القرني»، مثلاً أو كتب «إبراهيم الفقي» في فترةٍ من الفترات، ولا شك أيضًا أنها كانت بوابة القراءة الأولى التي أطل الكثيرون منها على عالم الأدب بكل رحابته وثرائه واتساعه.

ولكن الزمان اختلف، واختلفت وسائل الدعاية والنشر والتوزيع، وأصبح بإمكان الناشر «الشاب» أن يتابع قراء من أعمار مختلفة يقبلون على صفحات على وسائل التواصل الإجتماعي «فيسبوك تحديدًا» لأشخاصٍ وكتابات بعينها، ويكون قادرًا بعد ذلك على نشر هذا الكتاب لهذا الجمهور الكبير من «المتابعين Followers»، ويبقى معرض الكتاب بالتالي هو فرصتهم الوحيدة للعثور على كتاب كاتبهم المفضّل حتى لو لم يظهر هذا الكتاب في المكتبات أو لم يقبل عليه أي قارئٍ آخر فيما بعد!

يمكننا أن نقسّم اهتمامات شريحة كبيرة من القرّاء بين الكتابات الدينية، والرومانسية، والأعمال البوليسية مثلاً، والمراقب للإصدارات الجديدة التي يتهافت عليها طائفة كبيرة من الشباب والمراهقين، سيجد أنها لا تخرج عن تلك النوعيات الثلاث، وربما تسعى كل دار نشر لتلبية طلبات القرّاء ورغباتهم من خلال توفير روايات تدور في تلك العوالم، هنا إطلالة على تجارب ثلاث من دور النشر الشبابية ــ كما توصف ـ وكيف استطاعوا في سنواتٍ قليلة أن يصلوا إلى شريحة كبيرة من القرّاء.


دوّن.. من المدونات الإلكترونية إلى عالم الأدب

من عالم المدونات الرحب الواسع كانت انطلاقة «دار دوّن» منذ 10 أعوام (كانت البداية في 2008) حيث سلسلة كتب «مدونات مصرية للجيب»، التي سرعان ما التف حولها عدد كبير من المدونين الكتّاب، واستطاعوا أن ينشروا أعمالهم من خلالها، وأن تحقق رواجًا كبيرًا ربما قبل أن يكون لموقع فيس بوك هذا الانتشار والسيطرة.

ومع مرور الأيام استطاعت «دوّن» أن تكسب شريحة كبيرة من القراء بل والكتّاب أيضًا، وحاول القائمون عليها أن يجمعوا بين أكثر من فكرة وذائقة في نشر الكتب الأدبية والفكرية بل والسياسية والدينية أيضًا.

فنشروا لكبار الكتّاب مثل «بهاء طاهر»، و«مكاوي سعيد»، كما نشروا لأسماء مهمة من جيل شباب الأدباء مثل «أحمد مدحت»، و«باسم شرف»، و«أميرة الدسوقي»، في نفس الوقت الذي نشروا فيه كتاب المغني «زاب ثروت» «حبيبتي» الذي أحدث حفل توقيعه ضجة، وكان حدثًا بارزًا في معرض الكتاب 2015.

كما قدموا عددًا من الشعراء الشباب الذين أصبح لهم اسم بارز في المشهد الشعري الحالي بدءًا من «عمرو حسن» وصولاً إلى «سالم الشهباني»، و«عمرو أبو زيد»، و«إيرين يوسف» الحاصلين على جائزة «أحمد فؤاد نجم» في شعر العامية، وغيرهم. كما أعادوا طباعة ونشر كتب «عباس العقاد»، و«عبد الوهاب المسيري» وغير ذلك من الكتب والمؤلفات التي لا تتوقف عند نوع واحد ولا قارئٍ بعينه، وإنما تسعى جاهدةً لإرضاء العديد من الأذواق وتقديم أسماء مختلفة وجديدة باستمرار.


عصير الكتب: صفحة فيس بوك التي تحوّلت إلى دار نشر

ربما تكون البداية قريبة ومختلفة بعض الشيء لدى «عصير الكتب»، فالصفحة التي بدأت على فيس بوك بتوفير كتب إلكترونية، وترشيح كتب للقراءة، وتبادل الآراء حول الروايات والأعمال الأدبية المختلفة، تحوّلت إلى موقع يوفر الكتب إلكترونيًا أيضًا، ثم إلى دار نشر هي الأولى من نوعها التي راهنت على قارئ مغاير وقدّمت أسماءً لم يكن أحدٌ يعرف عنها شيئًا مثل؛ «منى سلامة»، و«دعاء عبد الرحمن»، اللتين بدأتا كتابتهما الأدبية المحافظة من خلال صفحات فيس بوك والمنتديات، ونشرا أعمالهما بالفعل على حلقات مسلسلة لاقت رواجًا واستحسانًا عند فئة من الشباب.

وهو ما دفع «عصير الكتب» بعد ذلك إلى نشر تلك الأعمال والانتقال من صفحة فيس بوك إلى عالم النشر الواسع، والذي جعلهم عامًا بعد عامٍ يحرصون على استكتاب وتقديم عدد من كبار الكتّاب، ونجحوا بالفعل في أن يعيدوا طباعة ثلاثية «إبراهيم عبد المجيد»، كما قدموا رواية الروائي الأردني «أيمن العتوم» الجديدة «تسعة عشر»، بل أقاموا مسابقة للقصّة القصيرة، وأشرف على تقييمها عدد من كبار الكتّاب والنقاد المصريين (بهاء طاهر، ومحمود الضبع، وإبراهيم عبد المجيد) وقدموا الأعمال الفائزة في إصدار خاص هذا العام.

كما سعوا لإعادة نشر عددٍ من الأعمال الفكرية المهمة مثل «سيكولوجية الجماهير» لجوستاف لوبون وغيرها، وربما يكون أكثر ما يبرز في أعمال «عصير الكتب» بصفةٍ عامة هو حرصهم على استقطاب طائفة كبرى من القرّاء المحافظين عبر تشكيلة منوعة من الأعمال.


فتى الراديو الأوّل

من برنامج «كلام معلمين» على الراديو، ومن خلال حكايات الرعب التي حصلت على شعبية وجماهيرية كبيرة خاصة بين أوساط الشباب، انتقل «أحمد يونس» إلى عالم الكتابة والرواية، وقدّم روايته الأولى «نادر فودة» عن دار «ن للنشر» والتي كان حفل توقيعها حدثًا بارزًا في معرض الكتاب الماضي.

وعلى الرغم من تقييمات الكتاب المتدنية على موقع «جودريدز»، بل وسخط عدد كبير من القرّاء من الكاتب، الظاهرة المفاجئة، وطريقة كتابته التي يعتبرونها سطحية بل وتافهة، لكن الكاتب استطاع أن يكسب أرضًا جديدة، وانتقل إلى دار أخرى هي «دار سما» التي وفّرت له «طاقم عمل خاصًا» في معرض الكتاب هذا العام.

نشر فيها جزءين آخرين من كتابه «نادر فودة» الذي تحوّل إلى ظاهرة أخرى هذا العام بطوابير حفلات التوقيع التي تجاوزت الثلاثة حفلات، بل وأصبح لمنظمي حفله زي خاص ويحملون بوسترات عليها صورة أحمد يونس كما لو كان نجم شباك!

لا شك أن هناك أسماء أخرى كثيرة، أذكر منها «أحمد أيمن» وكتابه «ليطمئن قلبي» الصادر في دار «أجيال»، وكتاب مي عصام «أصلاً عادي» عن دار المصري، وياسمين عادل وروايتها «بلا عودة» عن دار تبارك، وغيرهم الكثير من الأسماء والكتّاب الشباب الذين استطاعوا في فترة قصيرة أن يكسبوا أرضيّة وجماهيرية شبابية من خلال قراء متابعين لهم على صفحات فيس بوك، ثم وجدوا دار نشرٍ تتحمس لما يكتبون أيًا كانت جودته ومستواه الأدبي.

ثم يتحولون بعد ذلك إلى ظاهرة في معرض الكتاب، سرعان ما تتغيّر وربما تختفي في العام التالي، ويحل محلها ظواهر وأسماء أخرى، ولكن يبقى القارئ الذي ينتظر معرض الكتاب كل عام ليقرأ ويتابع الأعمال الجديدة باستمرار، وربما تتغيّر ذائقته وتختلف من العام للذي يليه.