هل يواجه حزب العدالة والرفاهية الإندونيسي مصير إخوان الشرق الأوسط؟، ليس غريبا طرح مثل هذا السؤال في ذكرى تأسيس حزب جماعة الإخوان المسلمين في يونيو 1998، خاصة في ظل تهاوي فروع جماعة الإخوان المسلمين في الشرق الأوسط بين انشقاقات داخلية وتفكك التنظيم الدولي وصراعات دامية وسياسية مع الأنظمة السياسية الحاكمة، كما كان لخصوصية التجربة الإندونيسية ارتباط مباشر بجماعة الإخوان المسلمين في مصر منذ تأسيسها حتى جعل البعض يربط بين تجربة حزب الجماعتين في أعقاب الربيع العربي.مثل حزب العدالة والرفاهية أحد أهم النماذج الناجحة للإسلام السياسي ليس في آسيا فقط ولكن العالم، فقد اتسم تاريخ الحزب بالرغم من حداثته بالصعود المستمر بالعملية الانتخابية الإندونيسية، والانتشار القاعدي والجماهيري مستغلا الأجواء الديمقراطية في إندونيسيا وما عاشته إندونيسيا من أسلمة للمجتمع، يأتي هذا في ظل تصاعد عنف الحركات الجهادية آخرها دعوة داعش إلى تأسيس خلافة بعيدة في آسيا تكون عاصمتها جاكرتا العاصمة الإندونيسية.أحد الإشكاليات الأخرى التي تدور حول حزب العدالة والرفاهية الإندونيسي هو نجاحه في انتخابات 2014 في الحفاظ على موقعه في العملية الانتخابية بعد اتهام رئيسه في قضية فساد مالي، وحل بالمركز الثالث بعد أن أشارت غالبية استطلاعات الرأي إلى انخفاض نسبة فوز الحزب إلى أقل من نصف مقاعد 2009، هذا ما يثير انتباهنا إلى طرح سؤال آخر: لماذا نجح إخوان إندونيسيا في تحويل أزماتهم إلى مكاسب؟، للوقوف على هذا يجب قراءة تاريخ الإخوان بإندونيسيا ومنهجهم الفكري.


الدولة المرجعية وإخوان إندونيسيا

إن هذه الحدود الجغرافية والتقسيمات السياسية لا تمزق في أنفسنا أبدًا معنى الوحدة العربية الإسلامية التي جمعت القلوب على أمل واحد وهدف واحد.

هكذا ذهب الإمام «البنا» في رسالته «رسالتنا في طور جديد» إلى تبيان دوافع عبور دعوة الإخوان للحدود والأقطار، تزامنا مع تأسيس قسم الاتصال بالعالم الإسلامي في عام 1944، والذي لعب دورا بارزا في نشر دعوة الجماعة، ومساندة شعوب العالم العربي والإسلامي في نيل استقلالها ومواجهة الاحتلال. فسيد قطب يرى أن العالم الإسلامي ليس اصطلاحا عاطفيا بقدر ما هو تعبير عن حقيقة واقعة في السياسة الدولية.في ضوء هذه الرؤية السياسية والتوجهات الفكرية للجماعة، تجاوزت وتخطت أحلام الإمام الحدود القطرية العربية لتصل إلى أعماق آسيا، فسعى منذ أربعينات القرن الماضي إلى دعم حركة المجاهدين بقيادة «سوكارنو» و«محمد حتا» لنيل الاستقلال من الاحتلال الهولندي، وهو ما تحقق في عام 1945، ويأتي دور الجماعة في استقبال الوفود الإندونيسية والتواصل مع حركة جهاد وعملت بالضغط على جامعة الدول العربية للاعتراف بدولة إندونيسيا في أعقاب نيل استقلالها.تأخرت دعوة الإخوان المسلمين في إندونيسيا عن مثيلاتها في منطقة الشرق الأوسط، كما أنها ظلت بدون تنظيم حركي في المرحلة الأولى من نشر دعوة الجماعة واكتفت فقط بالاتصال بالشعب الإندونيسي عن طريق الوفود القادمة من إندونيسيا لنيل العلم الشرعي في الأزهر الشريف، بعد أن تحولت قبلة الوفود الآسيوية من السعودية إلى مصر في عشرينات القرن الماضي مع تنامي حركة الحداثة في مصر، كما تأثر العديد من الإندونيسيين بفكر الجماعة عن طريق المملكة العربية السعودية خلال هذه الفترة.كان للصراع الاشتراكي والشيوعي ومؤسسة الجيش الإندونيسية في ستينات القرن الماضي وعمليات القتل الأثر الأكبر على عدم استكمال انتشار دعوة الجماعة بسبب الظروف الأمنية والسياسية، كما أدى هذا الصراع إلى تصاعد القوى الإسلامية الجهادية والعنيفة، ظل هذا الأمر إلى حين أربعينات القرن الماضي وبدء الانفراجة المحدودة في الأوضاع السياسية وعادت الوفود إلى مصر لتحصيل العلم الشرعي ولتبدأ دورة الإعداد والاتصال بين الجماعة في مصر وطلبة إندونيسيا.


ديكتاتورية وتربية وصحوة

إخوان إندونيسيا استطاعوا أن يحولوا الحواجز السياسية والاجتماعية إلى أرض ممهدة لحكم البلاد.

واجهت الحركة الإسلامية بشكل عام في إندونيسيا ما عانته الحركة الإسلامية في الشرق الأوسط في أعقاب حقبة الاستقلال الوطني من قمع الأنظمة السياسية الحاكمة للحركة في محاولة لتجفيف منابعها الدعوية والتنظيمية، خاصة مع تنامي وصعود القوى الشيوعية والاشتراكية لسدة الحكم وهو ما يعرف عنها العداء التقليدي للإسلام السياسي.مثلت القوى الإسلامية في عهد «سوهارتو» أكبر تهديد للنظام الإندونيسي القمعي لقدرتها على الحشد الشعبي بعد تراجع القواعد الشيوعية في الستينات، ومن ثم سعى إلى تقييد حرية التنظيم والتجمع؛ وهو الأمر الذي أسرع بدوره إلى رد فعل معاكس للحركة الإسلامية مستلهمة بذلك تجربة الإخوان المسلمين في مصر، فقد مثلت معسكرات الجامعات في الثمانينات أحد أشكال التجمعات الناشئة لجماعة الإخوان المسلمين سعت من خلالها لتكوين هياكل شبه سرية للتجنيد والتنشئة السياسية.حركة «تربية» كانت أحد إفرازات محاولات الإخوان الجدد لتشكيل حركة إسلامية اجتماعية بعيدة عن بطش الأمن الإندونيسي، تأتي حركة تربية في سياق تزامني مع تنامي حركة الإخوان المسلمين في عدد من الأقطار العربية والإسلامية، وتطور وسائل الإعلام والاتصال التي قصلت تماما فكرة البعد الجغرافي والحدودي، كما ساعدت حركة ترجمة كتب الإخوان المسلمين إلى اللغة الإندونيسية على نشر فكر الجماعة خاصة وأنها ترجمت في الثمانينات والتسعينات مما يعني تقاربها مع المراجعات الفكرية التي أجرتها الجماعات الإسلامية، ناهيك عن ذلك استمرار التواصل المباشر بين الوفود الإندونيسية والجماعة في مصر.كان للحراك الداخلي أيضا دوره في تشكل الحركة الإسلامية في أعقاب استقالة «سوهارتو» 1998، وفتح المجال للتعددية السياسية والانتقال الديمقراطي، ومن هنا برزت دعوات أسلمة المجتمع التونسي، وهو ما ساعد على تنامي ظاهرة الإسلام السياسي في البلاد حيث يشارك أكثر من حزب إسلامي في الانتخابات العامة للبلاد، ويشكلون قوة وركيزة أساسية للحكومة الإندونيسية.


الإخوان الجدد

في أعقاب سقوط نظام «سوهارتو» كانت جماعة «تربية» أصبحت منظمة بما فيه الكفاية حتى تشارك في مرحلة التحول الديمقراطي، وهي قد أفرزت عددا من التنظيمات الأخرى الفرعية مثل رابطة الطلاب المسلمين، كما ساعدت على أن تجمع بين القادة التقليديين والإخوان الجدد الحداثيين.في عام 1998 تأسس حزب العدالة الممثل لجماعة الإخوان المسلمين في إندونيسيا، ومنذ تأسيسه تبنى الحزب التوجه المحافظ لجماعة الإخوان المسلمين باعتبار الشريعة الإسلامية هي الحل للمشكلات الاجتماعية والسياسية، ولم يمض عام حتى شارك الحزب الوليد في الانتخابات الإندونيسية ولكنه لم يحصل إلا على 1.4% من الأصوات، وهو ما جعله يقوم بمراجعات لرؤيته وأهدافه تمكنه من حسم الصندوق الانتخابي فتبنى برنامجا مدنيا.كما كان لتأثر الحزب الوليد لتجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا في تبنيه لأساليب سياسية بديلا عن القوة والشمولية والدولة الإسلامية، وهو الأمر الذي دفعها إلى تبني اقتصاد السوق الحرة، وتقوم بتغيير اسمها ليكون العدالة والرفاهية في 2002 ليمثل تحولا من الكليات إلى الجزئيات. كان لنتيجة المراجعات التي أجراها الحزب لمواقفه السياسية أن حصل على نسبة 7.3 % بعد خمس سنوات، ثم حصل على نسبة 8% في انتخابات 2009، ولكن حصد تراجعا طفيفا في انتخابات 2014 وحصل على 7% وذلك بعد أن اتهم رئيسه بقضايا فساد وسجن، كما يترأس الحزب رئاسة البرلمان لمدة خمس سنوات بتمسكه بتحالف الأحمر والأبيض.


مستقبل إخوان إندونيسيا

البعد عن الأفكار المحافظة من تطبيق الشريعة الإسلامية و الإسلام هو الحل وتبني مبادئ العلمنة والمدنية هي عوامل نجاح إخوان إندونيسيا.

خصوصية السياق الإندونيسي بشكل عام وحزب الإخوان المسلمين يشير إلى أنه لا توجد علاقة بين ما يحدث في الشرق الأوسط لتفكك الجماعة والتنظيم الدولي وبين مستقبل الحزب في إندونيسيا، وهو وإن كان هناك اتصال تاريخي بين إخوان إندونيسيا وإخوان مصر فإن المصير ليس واحدا، فالأجواء الديمقراطية في إندونيسيا تغيب عن مصر، كما أن هناك تقبلا عاما من الشعب الإندونيسي للإسلام السياسي. وكذلك قدرة الحزب على كسب تأييد دولي وغربي، كما أنه لا يوجد هياكل تنظيمية تربط بين الحزب والتنظيم الدولي، بالإضافة إلى ذلك فإن اقتصار نشاط إخوان إندونيسيا على المجال السياسي دون الدعوي يبعدها عن الدخول في صدام حقيقي مع الشعب.

المراجع
  1. Vedi Hadiz, Islamic Politics in Indonesia: Domestic Challenges, Cross-National Inspirations, Middle East Institute, Nov 2014.
  2. AUBREY BELFORD, Indonesia's Political Landscape Offers Path for Egypt, The New York Times, Fep,2011.
  3. ترجمة "هالة أسامة"، مجزرة إندونيسيا المنسية، بوابة الاشتراكي، اكتوبر 2011.