نعم هناك مكان لأحمد الشقيري في قسم الفن والأدب، فهو كما يصف نفسه دائمًا «ليس شيخًا ولا داعية» وإذا رأيت أيًا من لقاءاته التليفزيونية ستجده يطالب المحاور بأن يناديه «أحمد الشقيري» فقط، وحتى اسمه يكتب على الشاشة دون أي ألقاب، وإذا كان الشقيري حل على الشاشة الرمضانية أكثر من أحد عشر عاما يقدم ثقافة وعلمًا وأحيانًا يقدم فنًا أيضًا، فإن وجود مقالٍ عنه اليوم في قسم فن وأدب ليس شيئًا مستغربًا جدًا.


قبل البداية

متابعو أحمد الشقيري يعرفون مراحل تطوره، فهو قد كبر أمامنا على الشاشة، بدءًا من برنامج «رحلة مع الشيخ حمزة يوسف» مرورًا ببرنامج «يللا شباب» انتهاءً ببرنامج «خواطر» بأجزائه الأحد عشرة وبرنامج «لو كان بيننا» بجزأيه، ثم وصولًا لبرنامج “قمرة” الذي يعرض الآن على شاشة «MBC».

طور الشقيري برامجه من الأسلوب الوعظي المباشر في برنامج «يلا شباب»، إلى الأسلوب الترفيهي الجذاب في «خواطر».

ربما كان أحمد الشقيري في بداياته يستخدم الأسلوب الدعوي والوعظ المباشر حتى لو من خلال إطار خفيف كبرنامج «يللا شباب» ولكن بالتدريج أصبح برنامجه الرمضاني خليطًا من العلم والتثقيف واستخدم كل عناصر الجذب الممكنة والتي كانت قيمة مضافة للبرنامج وأخرجته من فئة البرامج الدينية إلى فئة البرامج التعليمية الترفيهية والتي لم يسبق الشقيري أحدٌ إليها في الوطن العربي من قبل.

كان أحمد الشقيري في بداياته متحمسًا ولكن دون رؤية واضحة، كان يريد إحداث تغيير في العالم المسلم ولم تكن الرؤية واسعة، والإمكانيات أيضًا لم تكن متاحة، ولكن كان هناك أهم العوامل التي يمكنها أن تنجح أي مشروع، كان هناك عقل متحمس يحمل اسم «أحمد الشقيري».


أحد عشر عامًا من التألق

بدأ برنامج «خواطر» تحت اسم «خواطر شاب»، في حلقات لا تتجاوز مدتها خمس دقائق، كانت تهدف بشكل أساسي إلى تغيير مفاهيم الشباب المسلم وتقويم بعض التصرفات غير المقبولة دينيًا، ثم بدأ التغيير بالتدريج، النضج والتوسع في وجهات النظر، والتي جعلت البرنامج يتبنى نظرة أكثر شمولية من مجرد نصح الشباب المسلم، وانتقاد التصرفات المسيئة للدين.

أصبح البرنامج يتحدث عن العالم العربي، عن التحسين والتطوير، يتبنى مبادرات تهدف للتوعية، أصبحت الرؤية واضحة، استخدم البرنامج كل الإمكانات المتاحة، سافروا حول العالم ليستخدموا الإبهار في إقناع المتلقي بضرورة التغيير، مقابلات مع كل المتميزين في كل المجالات، الجرافيك كان يستخدم بسخاء وحرفية، حلقات خفيفة وأخرى تبكيك، وجميعها دون أن يملي عليك ما يجب أن تفعله وما لا يجب أن تفعله، هو فقط يعرض عليك ما جعل الآخرين روادًا ويتركك لتختار.

أما في خواطر 8 فقد اصطبغ البرنامج بصبغة ترفيهية باقتدار عندما دار الموسم كله في فلك المسابقات، وقسم الشباب إلى فرق ووضعت الخطط ونفذت المشاريع وأقيمت الاحتفالات بالفائزين، كل تلك التفاصيل الممتعة كانت تحدث داخل إطار تثقيفي توعوي يهدف بشكل أساسي لتحسين العالم العربي بشكل عام، والعالم المسلم بشكل أكثر تحديدًا.

حتى عندما أراد أن يتحدث عن أخلاق النبي، لم يجلس في استوديو ويقرأ كتابًا من كتب السيرة، إنما استخدم الفن والترفيه في برنامج «لو كان بيننا» وكان فريق العمل يقوم بتمثيل مشاهد من واقعنا ويرى ردود فعل الناس، ثم يتدخل الشقيري ليوضح أي ردود الفعل كانت تشبه الخلق النبوي وأيها بعيد عنه.

كان البرنامح مميزًا جدًا حيث أنه استطاع جذب انتباه الجمهور الذي يبحث عن الترفيه، ولم يكن حكرًا على المسلمين فقط، فقد كانت هناك حلقات يتجاوب مع فريق العمل فيها أناس من ديانات أخرى لم يقم البرنامج بحذف مشاركاتهم، كان برنامجًا مميزًا بحق ومختلفًا كل الاختلاف عن كل البرامج التي تحدثت عن السيرة النبوية.

منذ منتصف برنامج خواطر تقريبًا وبدأ مصطلح «إحسان» في الظهور على الساحة، كان مبدأ أحمد الشقيري دائمًا هو أن الإحسان في كل شيء هو السبيل الوحيد للتغيير الذي يحلم به للعالم، واستطاع بالفعل أن يرسي مبدأن الإحسان في مواسم خواطر الأخيرة، وحتى عندما قرر أن يتوقف خواطر ويبدأ مشروعًا جديدًا كان شعار “قمرة” وهو برنامجه الجديد في رمضان هذا العام «عبر بإحسان».


ثم ماذا بعد؟

تناول الشقيري السيرة النبوية في برنامجه «لو كان بيننا» بشكل مختلف استطاع أن يجذب إليه الجمهور الذي يبحث عن الترفيه.

برنامج أحمد الشقيري الجديد «قمرة» يهدف إلى إثراء المحتوى العربي في كل المجالات، ويقوم على فكرة مشاركة المشاهدين بأفكار مصورة في شتى الموضوعات ثم تدخل تلك المشاركات في مسابقة لاختيار أحسنها ومنح أصحابها جوائز، البرنامج ترفيهي من كل الجهات فهو يعتمد على إنتاج مادة ترفيهية تثقيفية في المقام الأول، والشق الثاني ترفيهي أيضًا حيث أنه مسابقة، وتخصص كل حلقة لمناقشة موضوع معين وعرض المشاركات الواردة للبرنامج في هذا الموضوع، وفتح الباب للمشاهدين في التصويت للمشاركات الأفضل، إذن فالبرنامج يطبق كل جوانب البرامج الترفيهية، وفي نفس الوقت يلتزم بمعايير التثقيف والتعليم والأهداف الموضوعة من قبل الشقيري خلال رحلته الطويلة، إذن ماذا حدث؟

من أبرز ملامح اختلاف برنامج «قمرة» غياب التصوير الخارجي الحي في الشوارع وبين الناس واللجوء إلى التصوير الداخلي بالاستوديو.

لماذا لم يحقق برنامج قمرة نفس نجاح مواسم خواطر؟ بل حتى لم يستكمل مسيرة جذب اهتمام المشاهدين ولم تعد النقاشات تتقد بعد الحلقة وتشتعل السوشيال ميديا بمقاطع طازجة من الحلقات أولًا بأول؟

يبدو أنه رغم التزام الشقيري بجعل البرنامج ترفيهيًا ذي رسالة، ورغم أنه يشرك الجمهور في صناعة البرنامج، إلا أنه افتقد عاملًا مهمًا جدًا، وهو أرض الواقع، أصبح البرنامج مجرد ستوديو يعرض فيديوهات تناقش موضوعات محددة ثم يعلق الشقيري عليها بما يكمل الموضوع.

عدنا للنصائح والستوديوهات المغلقة، دون الحركة والتشويق والحث على أن نكون مثل هؤلاء الذين يظهرون على الشاشة سعيدين جدًا، دون أن نحقق شيئًا ملموسًا ودون أن نتفاعل مع أشباه لنا على الشاشة، افتقد البرنامج روح الشباب الحقيقية رغم أنه مصنوع بهم في المقام الأول.

قطعًا كان هدف أحمد الشقيري نبيلًا عندما بدأ مشروعه الجديد “قمرة” ولكن البرنامج لم يحقق الصدى المطلوب، المطلوب من المشاهدين أنفسهم قبل أن يطلبه السوق، فالبرنامج بمعايير السوق برنامج خلاق وذو قيمة كبيرة، ولكن بمعايير المتابعين المتشوقين لشحذ الهمم وتغيير نمط الحياة لم يكن البرنامج على مستوى التوقعات.

كان جمهور الشقيري نبيلًا جدًا، فلم تنطلق الحناجر في الاعتراض والحط من شأن البرنامج أو الإعلان عن عدم رضاهم، فقط صمت تام، لا إشادة ولا ذم، لا قدح ولا مدح، صمت وانتظار، ربما حيرة، وربما اعتراف بجميل إعلامي ساهم في تغيير حياة الكثيرين فعندما لم يفلح في إرضائهم فجأة سامحوه.

برنامج «قمرة» مصنوع بإحسان حقيقي كما عاش أحمد الشقيري طويلًا، ولكن الإحسان وحده لم يكفِ ليصنع برنامجًا مميزًا، فهل رمضان 2016 وأول مواسم قمرة هو بداية النهاية للرجل الذي كان عونًا للكثيرين؟ ذلك هو السؤال الذي يرجو محبو الشقيري أن تكون إجابته لا.