الحشيش هو أكثر المخدرات ذيوعًا في مصر. في عام 2021، أعلن مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان أن نسبة تعاطي الحشيش تتجاوز 51% بين متعاطي المخدرات في مصر. ولا يقتصر هذا الانتشار على مصر وغيرها من الدول النامية، فهذا المخدر يحتل أيضًا موقع الصدارة في الولايات المتحدة الأمريكية، إذ تسمح قوانين 23 ولاية بتعاطيه. وهناك بعض الدول التي تُقنِّن تداوله بكميات محدَّدة تختلف من واحدة لأخرى مثل هولندا ولوكسمبورج وفرنسا وإسبانيا … إلخ.

ولذا، فالاهتمام بالمضاعفات الصحية قصيرة وطويلة المدى لتعاطي الحشيش من أبرز الأولويات الطبية لا سيما في تخصصات الطب النفسي، والأمراض العصبية، والتي تتعامل مع نصيب الأسد من تلك المضاعفات.

اقرأ: أشهر 8 خرافات حول الأدوية النفسية

المضاعفات النفسية لتعاطي الحشيش

هناك عدة أسباب تُجرِّئ الكثيرين على اقتحامِ عالم تعاطي الحشيش، منها: 

  •  الظنُّ المنتشر على نطاقٍ واسع أنه أقل ضررًا بكثير بالمقارنة بأنواع أخرى أشد من المخدرات مثل الهيروين والكوكايين … إلخ، وهو ظنٌّ لا يخلو من بعض الصحة. 
  • يستطيع البعض تعاطي كميات صغيرة من الحشيش بشكلٍ احتفالي من حين لآخر، دون أن يصابوا بمضاعفات صحية مزمنة خطيرة، ودون الوقوع في الإدمان، وهذا أيضُا يُشاهَد في الواقع.
  • هناك آثار إيجابية يلحظْها المتعاطون للحشيش مثل حالة الاسترخاء الذهني والنفسي التي يشعر بها المتعاطون، والتخلص من الأرق، والتحسن الوقتي في أعراض بعض الاضطرابات النفسية مثل القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة، كما يساعد في تخفيف شدة بعض الآلام المزمنة مثل الصداع النصفي وآلام المفاصل … إلخ.

اقرأ: هل يمكن التعافي من صدمات الكوارث الطبيعية

لكننا عندما نضع تلك المزايا القليلة لتعاطي الحشيش على الميزان في مقابل الأخطار الصحية النفسية والعقلية، فإن كل السلبيات ستُرجَّح بلا أدنى شك.

تتدرج الآثار العصبية والنفسية السلبية لتعاطي الحشيش من مجرد الشعور بعدم الاتزان، والانفصال المؤقت عن الواقع والزمان والمكان، والعجز عن التقدير الدقيق للمسافات والأوقات، ومن هنا خطورة قيادة السيارات تحت تأثير هذا المخدر، وقد يصل الأمر إلى حدوث بعض أعراض اضطرابات القلق والاكتئاب، وجنون الشعور الزائف بالعظمة مع الشك والارتياب (البارانويا). أما الأخطر فهو الإصابة بنوباتٍ مؤقتة أو متطاولة من الذُّهان الفصامي، والتي قد تتطور إلى الإصابة بمرض السكيزوفرينيا، والذي يعتبر من أخطر الأمراض النفسية ومن أفدحها تأثيرًا على مختلف جوانب حياة الإنسان وفاعليته. وبالطبع تتفاقم تلك الأعراض كلما كان التعاطي يوميًّا أو شبه يومي، وكلما زادت الجرعات. كذلك قد يُصاب مُتعاطي الحشيش بنوباتٍ من اضطرابات الهوس.

اقرأ: الهايبومانيا: عن الخيط الرفيع بين السعادة والهوس

والإدمان من أبرز المضاعفات الصحية النفسية التي تصيب متعاطي الحشيش، ولا تقل نسبة المدمنين عن 10% من مجمل المتعاطين. وهذه النسبة تعتبر ضئيلة نسبيًّا بالمقارنة بأنواع أخطر من المخدرات، وينخدع بها الكثيرون للانضمام لمتعاطي الحشيش، حيث يرون الكثير من المتعاطين حولهم لا يصلون لدرجة الإدمان.

بالإضافة لما سبق، فإن تعاطي الحشيش يحمل احتمالاتٍ لفتح الباب أمام المتعاطي للانتقال إلى عقاقير ومخدرات أكثر خطورة بنهمٍ تصاعدي، وصولًا إلى الإدمان الشديد الذي يؤثر بشكلٍ مؤلم على صحة المريض الجسدية والنفسية، ويجعله أكثر خضوعًا للتعاطي، وراغبًا في دفع أكبر ثمنٍ مادي أو معنوي ممكن للوصول إلى المادة المخدرة.

اقرأ: الستروكس: موت جديد يغزو شوارع مصر

الحشيش والسكيزوفرينيا 

كما ذكرنا في الفقرة السابقة، فإنَّ من أخطر الجوانب في الآثار النفسية لتعاطي الحشيش، علاقته بالإصابة بنوبات الذُّهان الفصامي psychosis الحادة والمزمنة، والتي من أهم أعراضها الإصابة بالهلاوس السمعية والبصرية، والأفكار الخاطئة وغير المنطقية «الضلالات»، وكذلك الانفصال عن الواقع، والشعور بدرجة من جنون العظمة وما يصاحبه من هوس الشك والارتياب، وصولًا للإصابة بمرض الذُّهان الفصامي أو السكيزوفرينيا، الذي لا نُبالغ إن اعتبرناه أخطر الأمراض النفسية لأنه من أعنفها تأثيرًا على حياة المريض، وأكثرها ذهابًا ببصيرته، وبوعيه بعالمِه وبحياتِه.

قدرت دراسة علمية نُشرَت في دورية «ذا لانست» العلمية الشهيرة عام 2019، أن من يتعاطون الحشيش بشكل يومي أو شبه يومي أكثر عرضة بخمسة أمثال للإصابة بالذهان الفُصامي بالمقارنة بغير المتعاطين. لكن لحسن الحظ، يُعتبر هذا من المضاعفات قليلة الاحتمال لتعاطي الحشيش، فقد قدَّرت بعضُ الأبحاث الطبية أن نسبة حدوثه تُقدر فقط بـ 3 أشخاص من أصل مائة ألف نسمة (ليس مائة ألف متعاطٍ، بل من السكان إجمالًا)، وللأسف لا توجد إحصاءات محلية مماثلة.

 إذًا، لا يُصاب غالبية متعاطي الحشيش بهذا الأثر الجانبي النفسي الخطير، لكنه يظل خطرًا ماثلًا في أي لحظة، سواء بعد التعاطي مباشرة، أو على المدى الطويل. ومما يزيد احتمالات إصابة المتعاطي بتلك المضاعفات الذُّهانية أن يكون بالفعل مُصابًا باضطرابٍ نفسي مثل القلق أو الاكتئاب أو الهوس الاكتئابي ثنائي القطب … إلخ، أو أن يتعاطى موادَّ مخدرة أخرى إلى جانب الحشيش، أو وجود تاريخ مرضيٍّ شخصي بنوباتٍ ذُهانية سابقة، أو تاريخ مرضي عائلي للإصابة بالأمراض النفسية، لا سيما الاضطرابات الذهانية، فالاستعداد الوراثي يسهل الإصابة بتلك الاضطرابات الخطيرة، وكذلك تزداد احتمالات إصابة المتعاطي بتلك الحالة كلما كان التعاطي يوميًّا أو شبه يومي، لا سيما بجرعاتٍ كبيرة. (لا يمكن تعميم جرعة معينة تصلح كجرعة آمنة في مختلف الناس).

ولدينا أدلة علمية طبية مُعتَبَرة تؤكد أن تعاطي الحشيش يُسرع الإصابة بالسيكزوفرينيا لدى المرضى المؤهلين جينيًّا وبيئيًّا لحدوثها، كما أنَّ تعاطيه لدى بعض هؤلاء المصابين بالسكيزوفرينيا يفاقم مضاعفاتها بشكلٍ ملموس. وأكَّدت دراساتٌ علمية أخرى أن هناك علاقة مزدوجة تسير في الاتجاهين بين تعاطي الحشيش ومرض الفُصام الذُّهاني المعروف باسم السكيزوفرينيا. فتعاطي الحشيش يزيد فرص الإصابة بالسكيزوفرينيا للمرضى المُهيَّئين على صعيد الجينات أو البيئة … إلخ، وفي المقابل، المصابون بالسكيزوفرينيا أكثر عرضة لإدمان المخدرات بوجهٍ عام، ومنها الحشيش.

لكن، تُرجِّح أدلة علمية أخرى أنه لا يمكن القطع بوجود علاقة سببية بين الحشيش والسيكزوفرينيا في أي من الاتجاهين، لكن هناك عوامل جينية وبيئية مشتركة تجعل الإنسان أكثر عرضة لتعاطي الحشيش أو الإصابة بالسكيزوفرينيا.

الخلاصة

المضاعفات الذُّهانية التي تذهب بالعقل تظل من المضاعفات الخطيرة للغاية لتعاطي الحشيش، رغم قلة احتمالات حدوثها مقارنة بغيرها من الأضرار النفسية الأقل خطورة. ولذا، فالأسلم تجنب تعاطي الحشيش لغلق الباب تمامًا أمام حدوث مضاعفات إدمان الحشيش أو الانتقال لإدمان ما هو أخطر. ويجب عدم الالتفات للتجارب الشخصية للغير في تعاطي الحشيش، فالآثار السلبية تختلف كثيرًا من شخصٍ لآخر وفقًا لعوامل شخصية ووراثية وسلوكية … إلخ، وتختلف حسب كمية التعاطي وتكراره. 

اقرأ أيضًا: الحشيش: دواء أم إدمان؟ 8 أسئلة توضح لك