بدأت شركة «أستديوهات مارفيل» خطتها الطموحة في تحويل القصص المصورة لأبطالها الخارقين إلى أفلام من إنتاجها الخاص فيما يسمي (MCU)، وهي اختصار لعبارة (عالم مارفيل السينمائي)، وكان باكورة إنتاجها هو فيلم «Iron Man» عام 2008، هذه الخطة المقرر لها أن تستمر حتى عام 2020 قسمت إلى ثلاث مراحل؛ المرحلة الأولى وهي التعريف بالـ «Avengers» حيث تم تقديم تحول كل شخصية من شخص عادي لبطل خارق، والتحدي الذي واجهه قبل استحقاقه الاختيار لمنظمة «شيلد»، المنظمة التي أنشأت مبادرة «Avengers»، وفي هذه المرحلة تم تقديم شخصيات، «الرجل الحديدي» و«ثور» و«كابتن أميريكا»، ثم بدأت المعركة الأولى للـ «Avengers» بانضمام «هالك».استمرت المرحلة الثانية في استعراض التحديات الأخرى التي واجهها كل بطل بعد معركة الـ «Avengers» الأولى إلى أن بدأت المعركة الثانية. والـ«Avengers» هي منظمة مستقلة يجتمع فيها الأبطال الخارقين لتولي مهمات الدفاع عن الأرض ضد الأخطار غير الأرضية. أما المرحلة الثالثة فقد رفعت فيها «مارفيل» سقف الإثارة، كذلك رفعت معها سقف القيمة الفكرية. وعادة لا تهتم «مارفيل» بالقيمة الفكرية عكس DC، وبدأت هذه المرحلة بالحرب الأهلية بين أبطالها.


حيرة «توني ستارك»

هذا «تشارلز سبينسر»، درجة علمية في هندسة الحواسيب، سمع ضجة تبعد أميال عن بيته فذهب لمساعدة الناس في «سكوبيا»، أراد أن يبقي ولكننا ألقينا قنبلة على منزله، أي كان القرار الذي تتخذونه، يجب أن نوضع خلف القضبان، لأننا تجاوزنا حددونا أكثر من الأشرار.

« توني ستارك»

تبدأ أحداث الفيلم بعد هزيمة «Avengers» لـ «Ultron»، وقد زادت هذه الأحداث من الصراع النفسي داخل «توني ستارك»، فهو الذي صنع في الماضي جميع الأسلحة ذات القدرة التدميرية العالية، فأسلحته هي ملك القوات النظامية والجيش الأمريكي، وهي التي يتم تهريبها سرًا للمجموعات الإرهابية في جيمع مناطق العالم، فهو صانع الحروب ومورد الأسلحة لجميع الأطراف، أغلب القتلى من المدنيين قتلوا بقنابل عليها علامة (ستارك) التجارية. وعلى الرغم من اتجاهه للأبحاث العلمية ومحاربة الشر ببدلته الحديدة وشخصية «Iron Man»، ولكنه ما زال محمّلا بالذنب، وما زال حتى هذه اللحظة، يتلقى اللوم من الأمهات الثكالى ممن فقدوا أبناءهم بسببه. ومما زاد من إحساسه بالذنب ما سببته أبحاثه العلمية عن الذكاء الاصطناعي من تحرير «Ultron» لنفسه، بل واستغلاله للبدل الحديدية، مما أدى لقيام معركة الـ «Avengers» الثانية، وهذا ما أدى بدوره لوقوع ضحايا من المدنيين.لعب «روبرت داوني جونيور» دورا مساندا في هذا الفيلم ولكن تم استغلال قدراته التمثيلة الدرامية، وأثبت أنه قادر على تقديم وجوه كثيرة لنفس الشخصية، فالفيلم الذي ظل في الأساس أحد أجزاء «كابتن أميريكا»، خلا من الدعابة المعتادة لـ «توني ستارك» هذه المرة وحل محلها الصراع النفسي والشعور بالذنب، وهذا ما دفعه للموافقة على دعم قانون الأمم المتحدة الذي ينص على دخول مبادرة «Avengers» تحت إشرافها المباشر، ودفعه أيضا لمواجهة أي محاولة للرفض وعدم الالتزام بهذا القانون من قبل أعضاء المبادرة، وهو ما أدى إلى اشتعال الحرب الأهلية بينهم.


«كابتن أميركا»: ثبات الموقف والإخلاص للصداقة

بدأ الفيلم بـ«كابتن أميريكا» وهو يقود مهمة في نيجيريا ضد مجموعة تقوم بعمل تخربي واسع النطاق، وذلك دون علم السلطات النيجيرية ولا مسؤلي المحافظة التي ستجري فيها المهمة. أثناء المهمة وقعت مجموعة من الأخطاء والمفجآت مما أدى لوقوع ضحايا من المدنيين. على عكس «توني ستارك»، لم يشعر «ستيف روجرز» سوى بالقليل من الأسف والذنب ولكنه اعتبر ما حدث مجرد خطأ وارد.وكان «روجرز» من أشد المعارضين لمشروع الأمم المتحدة، فهو يرفض تحكم مجموعة من البشر بسياسات مختلفة فيهم، فالسياسات تحددها الميول والأيدلوجيات وبالتالي الموافقة على هذا القانون ستجعل هذه السلطة والقوة الشديدة تحت أهواء بعض المسؤولين، كما أنه يرى أن بعض هؤلاء المسؤولين مجرمين، وربما يتسببون في إجبارهم على القيام بمهمات هم غير راضين عنها. تزامن ذلك مع ظهور صديقه «باكي» المعروف بجندي الشتاء، والذي علم «روجرز» أنه سيجري قتله وليس سجنه، فقرر الدفاع عن صديقه مهما كلفه الأمر، متحديًا بذلك السلطات.أدى «كريس إيفنس» دور «كابتن أميريكا» بنضج شديد، كذلك «سبستيان ستان» في دور جندي الشتاء، وعلى عكس روبرت داوني جونير الذي ساعد جميع الأبطال والأدوار الثانوية بجانبه في الظهور والتقديم الجيد، خصوصًا شخصية سبايدر مان، لم يكن «كريس إيفنس» مساعدا جيدا للأبطال والشخصيات الجديدة بجانبه، فلم يظهر أي دور درامي أو شكلا جيدا لشخصية «أنتي مان» على سبيل المثال، وهو ما تم التعويض عنه بأخذ مساحة جيدة في المعارك.


«مارفيل» وتحديات جديدة

من أشهر المسائل الفلسفية التي تطرحها القصص المصورة أو «الكوميكس»، وخصوصا التي امتازت بها «DC comics»، هي مسألة القوة والنفوذ والسلطة، فقد طرحت عدة قصص مصورة مسألة القوة واستغلال السلطة لها، ومن أشهر النماذج على ذلك هي «Watchmen» التي تتكلم عن استغلال السلطة الامريكية لمجموعة من الأبطال الخارقين في حرب فيتنام، مما أدى لعمل مجازر في فيتنام. كذلك صراع القوة التي لا تقهر والألوهية ومحاربة الجريمة خارج نطاق القانون كما حدث في صراع باتمان وسوبر مان، وأيضا الرؤية الفوضوية وفقدان المعنى التي قدمتها شخصية الجوكر في فيلم «The Dark Knight».لم تكن «مارفيل» مشغولة بأسئلة السلطة والقوة والسياسة، فقد اهتمت فقط بالترفيه والقصص البسيطة وصراع الخير والشر المعتاد. الجديد في الحرب الأهلية هو دخول «مارفيل» لهذه المساحة بقوة، بعد التمهيد لها في «Age Of Ultron». فالقانون الذي وضعته الأمم المتحدة ليس تجنيًا عليهم، بل هو نتيجة للفوضي التي أحدثوها في الماضي، كذلك القدرات غير المحدودة لهؤلاء الأبطال الخارقين جعل على النقيض مجرمين يحاولون تطوير أدائهم ليكونوا في مستوى تحدٍ لهم، وأظهر بعض النماذج المجنونة في المجتمع. ومع تطور الأحداث رغم حبك لهم ستجد أن تطور الأحداث وظهور العديد من المفجآت معتمد على أخطاء ارتكبوها. محاولة جيدة من «مارفيل» ودخول بمنتهى القوة لعالم الأفكار والأسئلة المعقدة والابتعاد عن القصص البسيطة، وهذه الخطوة تعتبر ردا مباشرا على متهمي «مارفيل» بتكرار نفسها.أما التحدي الآخر الذي واجه مؤلفي الفيلم، هو عدد الأبطال الخارقين الجدد بالإضافة للقدامى، والتقديم اللازم لهم لكي يصبح وجودهم له أسبابه المنطقية بالنسبة للمشاهد، كذلك إقناع المشاهد باختفاء «هالك»، وقد نجح المؤلفون في أغلب هذه التحديات، فسبايدر مان تم تقديمه بصورة جيدة، فبرغم قدرته علي الطيران والقتال بخيوط العنكبوت، ولكن لصغر سنه يظل مبهورا بما يحدث حوله من معارك وأسلحة غريبة يمتلكها الأبطال الخارقون بجانبه. أما التقديم الأبرز والأروع جاء من نصيب «بلاك بانتر»، وهو أول بطل خارق أسود البشرة، تم تقديمه كشخصية مساندة هامة ولاقى إعجاب الجميع، ولا شك أن هذا أفضل تقديم وتشويق للفيلم الذي سيقدم لهذه الشخصية في 2017.


معارك مبهرة للأخوين «روسو»

ساد قلق بالغ عند أغلب المشاهدين لدى اختيار الأخوين «روسو» لإخراج الجزأين القادمين من «Avengers»، فالأداء المتميز لـ«جوس ويدون» في الجزأين السابقين، وقرار استبداله بالأخوين «رسو» الذين لم يخرجا سوى «كابتن أميريكا» في جزئه الثاني، ولم يظهرا أوراق اعتمادهم ليحلا محل «ويدون». ولكن في «الحرب الأهلية»، لم يقدما أوراق اعتمادهم فقط، بل قدموا أفضل معارك «عالم مارفل السينمائي» منذ بدايتها بما فيها جزأي «Avengers» السابقين.تنوعت المعارك من حيث النطاق المكاني والأسلحة، وقدمت جميع أنواع المعارك، سواء في الأحياء الفقيرة شديدة الازدحام في نيجيريا، أو في نطاق ضيق على سلالم وغرف مبانٍ، أو في نطاق واسع مع وجود جميع الأبطال الخارقين في الفيلم الذين وصل عددهم لعشر شخصيات، وفي كل هذه المعارك كان لا بدَّ من الحفاظ على الأسلوب المميز لكل الأبطال في طريقة عراكهم، كذلك الإبداع في نوعية الأسلحة المستعملة، وإعطاء فرصة للأبطال الخارقين ممن لم يتم تقديمهم بشكل جيد دراميا، لأظهار أهمية وجودهم من خلال المعارك. وقد نجح الأخوان «رسو» في تقسيم المعارك كثيرة الأشخاص لمعارك صغيرة ثنائية معروف سببها الدرامي، ليسهل على المشاهد فهم المعارك وعدم التشتت وسط كثرتها وطول وقتها.لا شك أن «Captain America: Civil War» ربما يكون أفضل فيلم كوميك تم تقديمه في «عالم مارفيل السينمائي» فقد صعّدت «مارفيل» الرهان ونجحت في التحدي، ولكن ذلك سيرفع التوقعات من قبل الجماهير على أفلام المرحلة الثالثة من «عالم مارفيل السينمائي».