يدخل «عمر» أحد البارات في مدينة الإسكندرية، يغلق الباب خلفه، ثم يرفع اللسان الحديدي الخاص بالباب لإحكام غلقه، ثم يبدأ عملية تأديب كلامية لمن يتشاجرون داخل البار، لينتهي المشهد بحركات قتالية سريعة تترك الجميع على الأرض وتترك بطلًا واحدًا على قدميه، هو بالطبع عمر الذي يقوم بدوره أمير كرارة.

يبدو هذا المشهد من فيلم «كازابلانكا» للمخرج بيتر ميمي متأثرًا بمشهد شبيه للغاية ولكنه يدور في حانة بالمملكة البريطانية، وذلك في فيلم «Kingsman» من إنتاج عام 2014 للمخرج البريطاني ماثيو فوغن، ومن بطولة النجم البريطاني «كولن فيرث».

اعتاد الجميع مقارنة أفلام ميمي بالإنتاجات الأجنبية لتبيان عدم أصالتها، أي أن المقارنة عادةً ما كانت سلبية، ولكننا نبدأ مقالنا بتلك المقارنة اليوم وربما للمرة الأولى في سياق إيجابي، ففي حقيقة الأمر أن بيتر ميمي وصناع فيلمه الجديد «كازابلانكا» قد قدموا ما يمكننا اعتباره أحد أفضل أفلام الأكشن العربية في السنوات العشر الأخيرة.

هل اقتبس ميمي في هذه المرة أيضًا؟ وكيف نجحت خلطته هذه المرة فيما فشلت فيه من قبل؟ والأهم كيف نجح فيلمه في حصد أعلى إيرادات عيد الفطر؟ هذا ما نتتبعه معكم اليوم.


معالجة لا اقتباس

لا شك أن السينما المصرية ليست بمعزل عن التأثر بإنتاجات هوليوود الضخمة، هكذا كان الحال منذ أن وصلت السينما إلى مصر. استمر هذا الحال في الثلاثينيات والأربعينيات فانتشرت أفلام قصص الحب في القصور بين فاتنات السينما وأكثر رجالها أناقة، ثم تأثرنا بالطبع بعصر الأفلام الغنائية وحاولنا تقليدها، وصولًا لعصر سينما المؤلف والموجة الواقعية التي اجتاحت العالم وبالطبع مصر في السبعينيات والثمانينيات وأوائل التسعينيات.

لا داعي إذن لمعايرة بيتر ميمي دائمًا بأنه متأثر بالمنتج الأمريكي، لكن الأزمة الحقيقية أن بيتر ميمي وخصوصًا في فيلمي «الهرم الرابع»، و«القرد بيتكلم» كان يتعدى حاجز الاقتباس لحيز النقل، والترجمة في بعض الأحيان، كل هذا أدى لاستمرار اتهامات النقل والتقليد لتصبح ملازمة له، هذا وبغض النظر عن قدرة ميمي التقنية على صنع مشاهد أكشن جيدة في تلك الأفلام، تلك القدرة التي تحسنت تدريجيًا في مسلسل «كلبش»، وفي موسم عيد الفطر الماضي من خلال «حرب كرموز».

لكن ميمي في فيلمه الجديد «كازابلانكا» قد تخطى وربما للمرة الأولى حيز الاقتباس ليقدم ما يمكننا وصفه بالمعالجة، معالجة مصرية حديثة لأكشن الثمانينيات والتسعينيات في هوليوود، ونقصد هنا بالطبع الأكشن القائم على المطارادات والقتال بالأيدي ورسم الخطط، وهو نوع الأكشن الذي نشهد عودته بقوة في الست سنوات الأخيرة من خلال سلاسل أفلام على شاكلة «John Wick» و«Kingsman»، والذي يقابل أكشن الألفية الجديدة القائم على الأسلحة الحديثة والخيال والأبطال الخارقين الذي يمكنهم قتل مئات بل وآلاف في لحظات.

معالجة ميمي تحمل روح هذا الأكشن، مع الاحتفاظ بحبكة منطقية لحد كبير، ومشاهد أكشن تسير في خطوط متقاطعة لصراع مجموعة من لصوص البحر على ثروة تظهر ما في الأنفس من خيانة وطمع. المتعة في هذا الفيلم تنبع في الأساس من قدرته على صنع تتابعات أكشن يمكننا تصديقها وفي نفس الوقت يمكنها مفاجأتنا. تتابعات لا تخلو من خفة دم عمرو عبد الجليل وظهور مكرر لجمل حوارية مصرية تحمل المعنى ونقيضه. هكذا نصبح أمام معالجة لأكشن هوليوودي بروح مصرية.


فيلم العيد: خلطة الأكشن والكوميديا والحب

يكرر بيتر ميمي هنا ما فعله في «حرب كرموز» مع أمير كرارة، خلطة العيد السحرية، حيث نجد جرعة كبيرة من الأكشن مع حضور لا بأس به للكوميديا، بالإضافة لظهور نسائي، وحضور مفاجئ لنجم عالمي، لكن ميمي يحسن من عناصر هذه الخلطة في كل عناصرها تقريبًا.

في الأكشن ينتقل الأمر من مجرد قتال بالأسلحة القديمة بين حامية بريطانية وضابط مصري، إلى تتابعات أكشن تترواح بين مطاردات السيارات والسفن والدراجات النارية، بالإضافة للالتواءات حبكة تجعل الجمهور متشككًا في كافة الأطراف، فالتحالفات تتغير واللون الرمادي يغلب على غالبية الأبطال.

أما في الكوميديا فننتقل من ظهور باهت لمصطفى خاطر في كرموز إلى ظهور أكبر وأكثر تأثيراً لعمرو عبد الجليل في كازابلانكا، ظهور تم للأسف اغتياله حينما أصبح ظهور «عرابي» مرتبطًا بقول جملة مقفاة ساخرة أو «Puncline» حتى ولو كانت خارج السياق.

على مستوى الظهور النسائي انتقلنا من ظهور شرفي لغادة عبدالرازق في دور الغانية في «حرب كرموز»، إلى ظهور جيد لغادة عبدالرازق في «كازبلانكا»، ظهور يحمل خليطًا من الأكشن والأنوثة، هذا الخليط يتكرر مرة أخرى من خلال نيللي كريم في ظهور شرفي.

تكتمل الخلطة بظهور نجم عالمي هو الممثل التركي «خالد أرغنتش»، وبينما ظهر «بويكا» لدقائق معدودة وفي تتابع واحد في كرموز، يظهر «سلطان سليمان» هنا في دور رئيسي، دور لا يمكننا وصفه بأنه شرير كلاسيكي، على العكس فالرجل يبدو خصمًا صاحب هيبة وكاريزما، لدرجة أن ميمي يمنحه الفرصة أكثر من مرة لمشاهد يستعرض فيها مونولوجات طويلة لحكاياته التي تحمل عظة وعبرة.

حافظ ميمي وكرارة إذن على خلطة العيد، تلك الخلطة التي ضمنت لهم أعلى الإيرادات في عيد الفطر الماضي، إيرادات تخطت 57 مليون جنيه، كما أنهم حاولوا قدر الإمكان تحسين عناصر الخلطة، مما ضمن لهم تصدر الإيردات مرة أخرى بكازابلانكا الذي حقق إيردات تخطت 36 مليون جنيه في أسبوعه الأول.


كيف ينتقل ميمي لمربعه الجديد؟

يبقى السؤال إذن، هل من الممكن أن نتفاءل بهذا الفيلم ليصبح خطوة للأمام في طريق بيتر ميمي؟ والإجابة تتطلب تمهلًا في حقيقة الأمر، فبينما يمكننا على أحد الجوانب اعتباره ودون شك خطوة للأمام على طريق القصة والسيناريو، خصوصًا وأن ميمي اقتنع وللمرة الأولى أنه غير قادر على كتابة قصة وسيناريو أفلامه دون أن يتورط في اقتباس مشاهد أجنبية، فاستعان هذه المرة بمؤلف محترف هو هشام هلال، والذي يرجع له الفضل في حبكة الفيلم وتداخل قصص أبطاله.

ولكننا على الجانب الآخر لا يمكننا أن نفرط في تفاؤلنا خاصةً وأن بيتر ميمي محكوم إنتاجيًا بمجموعة من شركات الإنتاج الذي يصعب معها أن ينتقل محتوى الأكشن الذي يقدمه ليصبح أكشن يحمل في طياته أفكارًا نقدية اجتماعية أو سياسية. كما لا يمكننا أيضًا أن نفوت عشق ميمي للنهايات المفتوحة والتواءات حبكة النهايات غير المنطقية، والتي تؤدي في كثير من المرات إلى إفساد محتوى جيد قرب نهايته.

هي نصف خطوة للأمام إذن على المستوى الفني، وهو بالتأكيد أكثر أفلام العيد إمتاعاً، كما أنه ولحقيقة الأمر فيلم يصلح لقضاء ليلة عائلية لطيفة في المنزل أو السينما، وهذا أمر نادر الحدوث بالنسبة للأفلام المصرية في السنوات الأخيرة.