من رحم الاعتدال المحاط بقوانين علمانية قد يولد التطرف، هذا الأمر يظهر جليًّا في دول آسيا الوسطى التي يعتبر الإسلام دين الأكثرية بها، حيث يدين به السكان الأصليون في المنطقة، وتعود الفتوحات الإسلامية بها للقرن السابع الميلادي بقيادة قطيبة بن مسلم [1]، حاجزًا المذهب الحنفي المقصورة الرئيسية بها منذ أول بداية الفتوحات الإسلامية [2]، على الرغم من وجود الأقلية الشيعية – الإسماعيلية [3] من البداية بها.وعلى الرغم من كون الخريطة السياسية تغيرت عدة مرات بعد اعتناق الشعوب الإسلام، إلا أن الإسلام ظل كما هو الدين المفضل لدى الكل، حتى التتار حين هاجم لم يستطع أن يغير المعتقدات الإسلامية إلى غيرها، بل هم تأثروا بالإسلام وأحفادهم خدموا المسلمين لاحقًا [4].


روسيا تتفوق على التتار:

ما لم ينجح فيه التتار نجحت فيه روسيا الشيوعية، فقد تأثرت المنطقة بالأفكار الماركسية إبان الحكم الشيوعي بصفتها جزء لابتجزأ من الاتحاد السوفييتي، فأثناء الحكم السوفييتي معظم الموظفين في أرجاء الدولة ومنها آسيا الوسطى كانوا أعضاءً في الحزب الشيوعي الذي كان يروج للإلحاد وينكر وجود الإله. بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، تحول هؤلاء من أعضاء ومندوبين بالحزب الشيوعي إلى رؤساء في بلدانهم مثل أوزبكستان، كازاخستان وقيرغيزستان.قد حصلت هذه الدول على الاستقلال الاسمي مثل معظم دول العالم الثالث ولم تحصل على الاستقلال الواقعي؛ فالسياسة والاقتصاد والتجارة كلها بقيت مرتبطة بروسيا.

نجحت روسيا في نشر الأفكار الماركسية بمنطقة آسيا الوسطى بخلاف سابقيها الذين تناوبوا على المنطقة.

شيوعيو الأمس و ديمقراطيو اليوم كانوا أحسن من استطاعت روسيا توطيد العلاقة معهم والضغط عليهم وفي نفس الوقت مثّلت روسيا ضامن الأمن و حاميًا لهذه الدول من الإرهاب.بعد الحصول على الاستقلال توجه معظم السكان نحو تعليم الإسلام، وسافروا إلى باكستان وإيران والدول العربية والإسلامية المختلفة في أنحاء العالم، وفي نفس الوقت افتتحت المدارس والجامعات الإسلامية في هذه الدول بالتمويل الخارجي.أصبحت هذه الدول ساحة المنافسة لصراع النفوذ بين بعض الدول الإسلامية، وليست الدول الإسلامية فقط و إنما دول غير إسلامية كذلك حاولت المشاركة في هذه الدول بفتح بعض الجمعيات التبشيرية وغيرها من الجمعيات الخيرية بغرض الدعوة إلى الأديان والمذاهب الأخرى.


بدايات الإسلام السياسي:

مفكرو ومؤيدو الإسلام السياسي كانوا موجودين أثناء حكم السوفيات، والدليل على هذا تنظيم «نهضة إسلامي» الذي أسس في الخفاء و أصبح لاحقًا حزبًا سياسيًا [5]. وأثناء الحرب الأهلية في طاجيكستان كان حزب النهضة الإسلامي الطاجيكي طرفًا من أطراف المعارضة بعد توقيع معاهدة السلام في موسكو بتشبث الأمم المتحدة في عام 1997 وحصل ممثلو المعارضة وعلى رأسها أعضاء حزب النهضة الإسلامي الطاجيكي على المناصب الحكومية [6].عمل هذا الحزب حتى عام 2015، وحيث أنه بعد أحداث سبتمبر اتهمت الحكومة الطاجيكية الحزب في محاولة انقلاب وطلبت وزارة العدل توقيف نشاط الحزب [7] و المحكمة العليا أعلنت الحزب حزبًا إرهابيًا [8].من ناحية أخرى هناك حركة أوزبكستان الإسلامية التي تعد تحالفًا إسلاميًا مسلحًا من دول آسيا الوسطى المعارضة للنظام العلماني في أوزبكستان، التي تم تأسيسها في عام 1996. التحق به أعداد كثيرة من أعضاء المجموعات الإسلامية المختلفة مثل: «عدالة أويوشماسي – جمعية العدالة»، حزب النهضة الإسلامي، الحزب الإسلامي التركستاني، آدميليك و إنسانبرورليك -الإنسان والإنسانية، إسلام لشكرلري- جيوش الإسلام» وغيرها من المجموعات. أصبح «طاهريولدوشوف» زعيمًا سياسيًا للحركة وأصبح رئيس الوحدة العسكرية «جمعة حاجييوف» الشهير بـ «جمعة نمنغاني»، وبصورة عامة تهدف الحركة إلى إنشاء دولة إسلامية [9].منذ استقلال أوزبكستان عام 1991 ونظام الرئيس إسلام كريموف يلاحق المعارضين السياسيين خاصة المنادين بقيام دولة إسلامية، وتم سن قانون ديني في أوزبكستان عام 1998، وفق هذا القانون أعطيَ للحكومة حقٌ مطلق لسحق أي نشاط ديني غير مقنن.[10] وترتب على هذا خروج كثير من الإسلاميين من حدود آسيا الوسطى وسفرهم إلى أفغانستان والتحاقهم بجماعة طالبان هناك. أصيب طاهر يولدوشوف زعيم الحركة إثر غارات المقاتلات الأمريكية و توفي في المستشفى أغسطس 2009 [11]. بعد مقتل طاهر يولدوشوف ترأس الحركة «عثمان عادل» الذي قتل في أواخر عام 2012 في الأراضي الباكستانية إثر الضربات الأمريكية، وورث عرش الحركة بعده «عثمان غازى»[12]، الذي اتخذ مسارًا جديدًا وأعلن بيعته لداعش في 6 – أكتوبر 2014 [13].


الحكومات العلمانية وتحول المعتدلين للسلفية الجهادية:

أبرز ممثلي الإسلام السياسي في آسيا الوسطى حزب النهضة الطاجيكي وحركة أوزبكستان الإسلامية.

يمكن استنتاج أن مؤيدي الإسلام السياسي في آسيا الوسطى ينقسمون إلى قسمين:القسم الأول من أمثال حزب النهضة الإسلامي الطاجيكي الذي في البداية حارب الحكومة، ولكن بعد 5 سنوات من النضال وافق الطرفان على السلام بينهما، وتريد هذه المجموعة الوصول إلى السلطة بطرق سلمية وديمقراطية وتأسيس الأحزاب السياسية ودخول الانتخابات البرلمانية والرئاسية .أما القسم الثاني فهو من أمثال الحركات الجهادية والتكفيرية التي تكفّر الحكومات والتي تنتهز أية فرصة لضرب الحكومات العلمانية وقيام الدولة الإسلامية، ومنهم حركة أوزبكستان الإسلامية والحزب الإسلامي التركستاني.بين هذا وذاك لا تفرق الحكومات العلمانية ولا تتعامل مع أي منهما، ولكن على العكس، فقوانين و دساتير هذه الدول تمنع وجود الأحزاب بمرجعية دينية، وذلك ما يجبر مؤيدي الإسلام السياسي السلمي لانتهاج إحدى ثلاث: إما العمل سرًا، أو العمل خارج منطقة آسيا الوسطى، أو الالتحاق بمجموعات السلفية الجهادية كما حدث في العام 1998.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.

المراجع
  1. The Encyclopaedia of Islam. Leiden: E.J. Brill, vol. 5. -1986, pp. 853
  2. Madelung W. The Early Murji’a in Khurasan and Transoxiania and the Spread of Hanafism. – in “Der Islam”, Band LIX, 1982, pp. 32-39.
  3. ШИИТЫ-ИСМАИЛИТЫ ЦЕНТРАЛЬНОЙ АЗИИ: ЭВОЛЮЦИЯ, ПРЕЕМСТВЕННОСТЬ, ПЕРЕМЕНЫ
  4. Arnold, Thomas Walker, The Preaching of Islam: a history of the propagation of the Muslim faith. Lahore: Sh. Muhammad Ashraf, 1896; pp. 192,
  5. 40 соли ҲНИТ: Аз як гурӯҳи пинҳонкор то ҳизби соҳиби ҷой дар парлумон
  6. Война и мир по-таджикски
  7. Минюст Таджикистана потребовал прекратить деятельность Исламской партии Подробности: http://regnum.ru/news/polit/1959052.html Любое использование материалов допускается только при наличии гиперссылки на ИА REGNUM.
  8. ҲНИТ-ро Суди олӣ террористӣ эълон кард
  9. Исламское движение Узбекистана (ИДУ)
  10. حركة أوزبكستان الإسلامية، الجزيرة
  11. В Афганистане уничтожен лидер узбекских исламистов Тахир Юлдашев
  12. Узбекские исламисты заявили о смерти лидера
  13. "Исламское движение Узбекистана" заявило о присоединении к ИГ