علاقات متشابكة ومتداخلة وتحالفات عدة توحدت أهدافها في الحرب على الإرهاب، وإن اختلفت الأدوات والآليات بتأثيراتها المتباينة في تحجيم تمدد وانتشار الأعمال الإرهابية في جميع أرجاء العالم، فيما اتسم موقف الصين من تلك التحالفات بالدعم المحدود دبلوماسيًّا وعلى مستوى الخطاب الرسمي حتى بدايات العام الحالي، ولكن في الفترات الأخيرة نشطت السياسة الخارجية الصينية في محاربة الإرهاب على المستويين الدبلوماسي والدعم السياسي؛ فهي على سبيل المثال تطلق مبادرة للحوار بين النظام السوري والمعارضة السورية، فيما تدعم العراق في حربها ضد الإرهاب، فلماذا هذا التحول، وإلى أي مدى سيؤثر على الوطن العربي؟


إرهاب الدولة في مواجهة إرهاب الجماعات

هناك العديد من المتغيرات التي أثرت على سياسة الصين الداخلية والخارجية تجاه الإرهاب، فداخليًّا تنتشر الجماعات الإسلامية المتطرفة (حسب تعريفات وتصنيفات الحكومة الصينية)، والتي تعتبرها من أهم الأخطار التي تواجه الأمن القومي الصيني، كذلك هناك مجموعة من المحددات الداخلية التي بنت عليها الصين سياستها تجاه الإرهاب، وهي رفضها لحركات الاستقلال والانفصال والتي تؤثر بدورها على مشكلة الاندماج الوطني، حيث تتنوع الأقليات داخل تكوينة المجتمع الصيني الداخلي، ومن ثم تتعامل الحكومة الصينية بسياسة متشددة تجاه تلك الحركات الانفصالية ومنها حركة «شرق تركستان الإسلامية».

تعتبر الأقلية المسلمة في الصين من أهم الأقليات الفاعلة على الساحة السياسية خاصة في إقليم «شنغاينغ» الذي سيطرت علىيه الصين في عام 1949، وهو أحد الأقاليم الصينية الخمسة التي تتمتع بحكم ذاتي، ويذكر تقرير لقناة bon news الإنجليزية أن تعداد المسملين في الصين بلغ ما يقارب من 130 مليون نسمة أي ما يبلغ 10% من نسبة تعداد الصين، بينما يقطن في إقليم شنغاينغ 11 مليون نسمة من المسلمين أي ما يقارب من 60% من سكان الإقليم بجانب الهان.

بدأ المسلمون في التسعينات المطالبة بالانفصال عن الصين وأطلقوا على إقليم شنغاينغ «تركستان الشرقية» ومن ثم أسسوا حركة «شرق تركستان الإسلامية» على يد حسن محسوم – وهو مسلم إيغوري – للمطالبة بالانفصال؛ ولكن تم قتله في باكستان عام 2003، وقامت الحركة بالعديد من العمليات داخل الصين وخارجها، وكان لهذه الحركة علاقة فكرية وأيديولوجية بتنظيم القاعدة في أفغانستان. وبالرغم من أن هذه الحركة كانت تمول من قبل الولايات المتحدة؛ إلا أنه ومع تغيير إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية تجاه الجماعات الإسلامية والعالم الإسلامي عقب أحداث سبتمبر 2001؛ فقد أدرجت الأمم المتحدة حركة «شرق تركستان الإسلامية» كحركة إرهابية في القائمة الموحدة في 11 سبتمبر من عام 2002. ومع ذلك تزايدت أنشطة الحركة في بدايات الألفية الثانية وتبنّت عددًا من الهجمات حتى عام 2009.

سعت الحركة مع تنامي دور الحركات الإسلامية في الشرق الأوسط بعد الربيع العربي – وخاصة في بلاد الشام حيث تنظيم الدولة الإسلامية – إلى دعم تلك الحركات ومبايعة التنظيم، بل وتأسيس حركة لنصرة جند الخلافة في بلاد الشام. وقد ذهب عدد من المسملين الإيغور إلى سوريا للمشاركة في القتال بجانب الجماعات الجهادية، فيشير البعض إلى أنهم ذهبوا بدعم سعودي تركي للقتال بجانب جبهة النصرة، بينما يذهب البعض الآخر إلى اصطفافهم للقتال في جانب تنظيم الدولة الإسلامية. التقارير الاستخباراتية على محاولة توطين تركيا للإيغور في شمال غرب أدلب في سوريا. من جانبه بث تنظيم الدولة الإسلامية نشيد أنا المجاهد بلغة الماندرين الصينية والتي يتحدثها أهل الأقليم، ودعى المسلمين في الإقليم إلى الجهاد والانضمام لصفوفها مستغلا سياسات الاضطهاد التي تقوم بها الدولة ضد المسلمين في شنغاينغ.

تخوّف السلطات الصينية من دعوات تنظيم الدولة للمسلمين الإيغور بالجهاد، وخوفها من تمدد حركات السلفية الجهادية في جنوب شرق آسيا خاصة مع دعوة تنظيم الدولة الإسلامية إلى (الخلافة البعيدة)، وتنامي دور تنظيم القاعدة وطالبان في أفغانستان ومنافسته من قبل تنظيم الدولة الإسلامية، كل هذا جعل الصين تتجه إلى مزيدٍ من السياسات الصارمة الخانقة للحياة الدينية في الإقليم، وهي سياسات لا تخص الجماعات المسلحة فقط، ولكنها سياسات تمييزية عنصرية تجاه المسلمين في الإقليم وذلك من خلال العمل على تغيير هوية المسلمين هناك.

عملت السلطات على هدم العديد من العبادات ومنعها داخل الإقليم مثل منع صيام شهر رمضان، ومنع ارتداء النقاب في العاصمة، كذلك اعتمدت على انتهاك حقوق الإنسان للمسلمين فعملت على اعتقالاتٍ عشوائية وتنفيذ أحكام الإعدام في حق أشخاص كثيرين بتهمة دعم الإرهاب.

استطاعت الصين أيضًا الاستفادة من أحداث باريس الإرهابية، وعملت على تبرير قمعها للمسلمين في الإقليم الصيني كنوعٍ من مكافحة الإرهاب، وأكدت على أن الصين ضحية للإرهاب كغيرها من دول العالم ودعت إلى مساندةٍ دولية لحربها في الإرهاب. وفي ديسمبر 2015 أصدرت الصين قانونًا مثيرًا للجدل حول الإرهاب، حيث أعطت للسلطات القانونية سلطاتٍ أوسع في مراقبة المواقع الإلكترونية، بالإضافة إلى أنها أعطت الحق للجنود الصينيين للمشاركة في عمليات ضد الجماعات الإرهابية خارج أراضيها.


أزمة المسلمين في الإقليم والموقف الدولي

اتسم الموقف الدولي من قضية المسلمين الإيغور بالموقف السلبي أو المتجاهل للقضية؛ حيث لم يكن هناك دعم إسلامي للقضية سوى بالتنديد من قبل بعض المؤسسات الدينية مثل الأزهر برفض منع الصيام بالإقليم، في ظل غيابٍ تامّ للدعم السياسي. ويرجع هذا إلى محاولة العديد من الدول العربية والإسلامية أن تكون لها علاقاتها التجارية والاقتصادية والسياسية مع الصين، إلا أن تركيا وحدها كان لها موقف مغاير.

يميل الموقف التركي إلى التعاطف والمساندة وذلك لأن مسلمي الإيغور ذوو أصولٍ تركية، ومن ثمّ سعت تركيا إلى دعم المسلمين الإيغور، ونددت بسياسات الصين القمعية، وفتحت أبوابها أمام استقبال المهاجرين الفارّين من اضطهاد الدولة الصينية وهو الأمر الذي أضرّ بالعلاقات بين الصين وتركيا.

أما بالنسبة لموقف الولايات المتحدة الأمريكية من الأزمة؛ فهي تستخدم الأزمة للتنديد بسياسات الصين القمعية وانتهاك حقوق الإنسان بالإقليم، فالولايات المتحدة انتقدت بشدة قانون الإرهاب الصيني ووصفته بأن أضراره أكثر من نفعه، وهو ما اعتبرته الصين تعاملاً مزدوجًا للولايات المتحدة في حربها على الإرهاب.

فيما لاقت الصين تقاربًا كبيرًا بينها وبين روسيا وإيران اللتين تحاربان الإرهاب في بلاد الشام؛ حيث تسعى الصين إلى التعاون مع التحالف الرباعي (إيران وروسيا والعراق وسوريا) في حربهم ضد الإرهاب، في الوقت الذي أعلنت فيه الصين دعمها للتحالف الإسلامي بقيادة السعودية في مواجهة الإرهاب. ولقد رحبت روسيا بقانون الإرهاب الصيني ودعت الصين إلى مزيدٍ من الخطوات لمواجهة الإرهاب.

في ظل هذا الصمت الدولي على انتهاك الصين لحقوق الأقلية المسلمة فيها، بل ودعم بعض القوى الدولية، فقد تغيرت سياسة الصين الخارجية من حيث موقفها في محاربة الإرهاب؛ فبعد أن كانت تتبنى سياسة (عدم التدخل) تخوّفًا من إثارة المسلمين ضدّها في الإقليم؛ تتجه حاليًا خاصة بعد إصدارها لقانون الإرهاب إلى لعب دورٍ دولي على المستوى الدبلوماسي والسياسي وربما العسكري في المستقبل تجاه الإرهاب في بعض المناطق الدولية، وخاصة منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.


تأثير تغير الموقف الصيني على المنطقة العربية

تغير سياسة الصين تجاه الإرهاب سيكون له صدى واسع على المستوى السياسي والدبلوماسي في المنطقة العربية. ولكن في ظل التحالفات الكثيرة التي شُكّلت لمحاربة الإرهاب في الشرق الأوسط، سيكون على الصين تحقيق مواءمةٍ بين حربها على الإرهاب وبعض الدول التي تتخذ موقفًا من الأزمة في الداخل، وستكون الأنظمة العربية التي تحارب الإرهاب أو الجماعات الانفصالية هي التي ستحظى بالدعم الصيني.

فخلال عام 2015 نجحت الصين في خلق شراكاتٍ عديدة مع عددٍ من الدول العربية، منها مصر والإمارات والعراق وسوريا، حيث زارت وفود رسمية من الصين بناءً على طلب من الصين، حيث دعت كلٌّ من العراق وسوريا دعم الصين لأنظمتهم السياسية في مواجهة الجماعات الإسلامية المتطرفة، وتسعى تلك الدول إلى إيجاد شريكٍ دولي آخر غير الولايات المتحدة الأمريكية التي تتخذ موقفًا من تلك الأنظمة لانتهاكات حقوق الإنسان بدولهم، فيما يعني التوسع في الشراكة بين تلك الأنظمة والصين توسع تلك الدول في انتهاكات حقوق الإنسان؛ حيث ستحصل في هذا الوقت على دعم الصين في مجلس الأمن أو الأمم المتحدة في حال أن هناك قرارات إدانة أو مشروع قانون ضد دولة لانتهاكها حقوق الإنسان.

أما فيما يخص أشكال التدخل الصيني في المنطقة فستسعى الصين إلى التعاون بشكلٍ منفتح من حيث الدعم السياسي والدبلوماسي، فهي قدمت مبادرة للحوار بين النظام السوري والمعارضة وهو ما رحبت به روسيا، وقد تسعى إلى تقديم دعمٍ عسكري للأنظمة العربية من حيث التسليح، فقد أمدت السعودية والإمارات بطائراتٍ بدون طيار للمساعدة في الحرب في اليمن. أما الشكل الآخر للتدخل فهو التدخل العسكري المباشر على غرار التدخل الروسي في سوريا، فهي قد تتدخل عسكريًّا في العراق وسوريا وهو ما تشير إليه زيارة وليد المعلم للصين وكذلك رئيس الوزراء العراقي، وما تبعه من دعوتها لتنسيقٍ من التحالف الرباعي (روسيا وإيران والعراق وسوريا).

فيما يخص التحالفات التي ستعمل الصين على التعاون معها، فتشير الدلائل إلى أن التقارب الروسي الصيني في رؤيتهما لمحاربة الإرهاب وموقفهما المتشدد منه سيكون هو العامل الحاسم، حيث أن رؤية الصين المتشددة تجاه الإرهاب تتعارض مع موقف الولايات المتحدة وإستراتيجياتها في محاربة الإرهاب، بالإضافة إلى أن حليف الولايات المتحدة، تركيا، وهي تعتبر من أكثر الدول مناهضةً لسياسة الصين تجاه مسلمي الإيغور، وبالرغم من محاولة تركيا تحسين علاقتها بالصين عن طريق زيارة أردوغان للصين في يوليو 2015 في محاولةٍ لتعزيز العلاقة الاقتصادية والتجارية بين البلدين، إلا أن موقف تركيا من الحرب على الإرهاب، خاصة في ظل الاتهامات الدولية لها بتمويل تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، سيكون من الصعب تعامل الصين مع تحالف الولايات المتحدة.

وفي ظل هذا التغيير على مستوى السياسة الخارجية، ستكون السياسة الداخلية أكثر صرامةً وتشدّدًا وانتهاكًا لحقوق الأقلية المسلمة في الصين، خاصة في ظل الصمت الدولي وفقدان المسلمين الدعم الدولي المحدود مثل تركيا التي ستسعى إلى تحسين العلاقات التجارية مع الصين، خاصة بعد أن خسرت علاقاتها التجارية مع روسيا على خلفية تفجير الطائرة الروسية سوخوي.

وختامًا، فإن الشواهد عدّة على تفاقم الوضع داخل الإقليم، وكذلك على التعنّت الصيني تجاه مسلمي الإيغور، ومن المرجّح أن تستمر المعارك بين الطرفين لفتراتٍ طويلة، ولكننا نرجّح ألا يؤول الأمر إلى ما آل إليه الوضع في الشيشان، وسيُحلّ الأمر دون انفصال إقليم الإيغور.