سأكون في انتظارك

بجملة بسيطة كهذه يمكنك صناعة قصة حب صادقة وعظيمة. الزمن هو العدو الأكبر لكل قصص الحب، والانتظار وعد لا يقدر على الوفاء به كثيرون، يذبل كل شيء تدريجيا حتى يذبل، تعلمنا هذه الحقيقة، وذقناها.

لذا فحينما تصبح هذه الجملة البسيطة صادقة، تصبح لدينا حكاية تستحق أن تُحكى.

الحكاية هذه المرة من الصين، حيث يحيا ما يزيد على المليار و300 مليون إنسان، لا نعرف –كجمهور عربي- عن فنهم وثقافتهم إلا أقل القليل، الحكاية هنا وصلتنا بلغة السينما، من خلال مخرج صيني موهوب هو «يامو زانج»، الرجل الذي بدأ بسرد حكايات من يعانون في بلده، حتى صار اليوم اسماً عالمياً، تُنتج أفلامه في هوليوود، ويؤدى نجومها أدوار البطولة تحت قيادته.


حكاية بسيطة ولكنها فاتنة

تبدأ حكاية «The Road Home» بشاب صيني يعود لقريته الصغيرة في الجبل، العودة جاءت لسبب حزين، سيقابل والدته ليقوما بمراسم دفن والده، توفي الأب الذي كان يعمل كمعلم،ظل الرجل معلم القرية الوحيد طوال حياته. لم يكن الأب من أهل القرية، جاءها لأول مرة كمعلم مؤقت، ولكنه قابل الفتاة التي ستغير مجرى الحكاية، بنى مدرسة القرية وظل فيها حتى غادر الدنيا.

ينتقل الفيلم بين حاضر –نراه بالأبيض والأسود- يحاول فيه الصبي إرضاء أمه التي ترغب في أن يُحمل نعش أبيه من المشفى إلى القرية عبر طريق جبلي طويل، حيث ترى في هذا وداعه الوحيد اللائق. وبين ماضى –نراه مفعما بالألوان- نتتبع معه حكاية تعرف الأب والأم.

تظهر المرأة الصينية بشكل قوي ومهم في أفلام يامو زانج، نراها هنا وهي شابة ريفية خجولة (تقوم بدورها الممثلة زيي زانج) في مجتمع فقير ومحافظ، تحاول التعرف على حب حياتها، بدءاً بجلب الماء من البئر القريبة من المدرسة، مروراً بمتابعة الدروس عبر سيقان الذرة، ونهايةً بطبخ طبقها المفضل وتقديمه كهدية للمعلم الشاب، تستمر الفتاة في مراقبة حبها، بينما يصبح الجمهور هو مراقبها، نحن وفقط من نعلم حكايتها كاملة.


حاضر باهت وماضٍ ملون

The Road Home، السينما الصينية، يامو زانج، زيي زانج
من فيلم «The Road Home»

يعتمد زانج في السرد على الصورة بشكل كبير، كادرات مليئة بالتفاصيل، حوار قليل، وإيقاع هادئ، لا يصبح الأمر غريبا إذا حينما يذكر المخرج الصيني أنه تأثر أثناء صنع هذا الفيلم بأعمال المخرج الإيراني الكبير «عباس كيارستمي».

تبدو لحظات الفيلم الأجمل من خلال السرد البصري للماضي، لحكاية الحب القديمة التي تصاحبها موسيقى المؤلف الموسيقى الصيني «سان باو»، لمحاولات الفتاة الريفية في التعرف على حبيبها، في عدوها بزيها الأحمر في حقول خضراء واسعة وسط التلال، نرى في هذا الماضي مجتمعا صينيا مترابطا، يحتفى بعادات رومانسية، لم يعد لها مكان في الحاضر، الذي ينقله لنا زانج بكادرات باهتة وجامدة.

تعلم الفتاة أن المعلم سيغادر القرية، نعلم أن الأمر بسبب ضرورة تعرضه لتحقيق على خلفية إضرابات سياسية معارضة، ينقل لنا زانج موضع السلطة في حياة الصينيين حتى ولو لم يسهب في وصفها، تقرر الفتاة أن تطارد عربة المعلم الراحلة لتهدي لها طبقها المعد خصيصا كهدية، طريق طويل من العدو والقفز، لا تلحق الفتاة بالعربة، ولكننا نتأكد أنها ستنتظره حتى يعود.

نتفهم أخيرا رغبة الأم في أن يُحمل كفن زوجها عبر نفس الطريق مرة أخيرة، عائدا للبيت.


من الصين، لكل الدنيا

من كلمات يامو زانج يمكننا أن نرى كيف يفكر، هذا الفنان الذي قضى شبابه في فترة الثورة الثقافية في الصين، هذه الفترة التي شهدت الكثير من الأحداث الفظيعة والمرعبة، والتي أدت مخزوناً هائلاً من الحكايات عند زانج وجيله.

بدأ زانج بصنع الأفلام في الثمانينات، بدأت أفلامه في جذب الانتباه الصيني والعالمي في التسعينات حينما تعاون بشكل شبه دائم مع الممثلة الصينية «لي جونج»، قاما سويا بصنع أفلام صينية أيقونية – من أهمها فيلم «Qiu Ju» – عن معاناة الصينيين في نظام لا يقدر قيمة الإنسان.

ولكنه مع «The Road Home» ومع بداية الألفية الجديدة بدأ حضوره الفني العالمي الأهم، بفوزه بجائزتين في مهرجان برلين من بينهم جائزة الدب الفضي، لتضاف للدب الذهبي الذي فاز به في بداية الثمانينات، وليصنع بعدها بعامين فيلم «Hero» الذي تم ترشيحه لجائزة الأوسكار، وليصبح منذ ذلك الحين اسم يامو زانج علامة صينية مميزة ومعروفة في هوليوود.

بشكل مماثل بدأت زيي زانج بطلة الفيلم مشوارها العالمي عقب هذه الانطلاقة، لتصنع حضوراً متتابعاً في أفلام هوليودية نذكر منها «Rush Hour 2».

هكذا إذا يستمر يامو زانج ورفاقه في تقديم حكايات شعبهم من خلال السينما، تارةً من خلال أفلام تجارية تحتفي بالأساطير والفنون القتالية، وتارة أخرى من خلال أفلام إنسانية بسيطة وجميلة مثل «The Road Home»


بعيدًا عن هوليوود

الكثير من الأشياء، المشاعر بشكل أساسي، مشتركة بين البشر كافة، وطالما أن الفيلم لامس المشاعر الإنسانية، سيستمع به كل الجمهور.

«بعيدًا عن هوليوود» هي سلسلة من المقالات نتناول فيها السينما العالمية غير الأمريكية، نركز فيها على العناصر الفنية المختلفة التي تميز صناعة السينما خارج أستوديوهات هوليوود العملاقة، نتناول فيها حالات فنية متفردة، وتجارب إخراجية وثقافية مغايرة.