الفكرة السائدة عن الزواج في الأفلام الرومانسية، أنه يأتي بمثابة الجائزة للعشاق في نهاية الفيلم، بينما في أغلب الأحداث، نرى تطور علاقتهم، والمعوقات التي تحول دون ارتباطهم ببعضهم البعض، ليكون الزواج هو الخلاص لهم من ذلك العذاب.

هذه نظرة حالمة للغاية عن الزواج، حالمة إلى درجة قد توصف بالسذاجة، لأنها تُصور الحياة الزوجية على أنها جنة، وحل لكل الأزمات، وهو تصور غير ناضج، يدرك حقيقته كل شخص على سطح هذا الكوكب، المتزوج وغير المتزوج، كهلاً كان أم طفلاً، فأول فكرة عن الزواج تتكون عند الطفولة من خلال الأهل، ومن المحيط، ومن ثم خوض العلاقات بعد ذلك.

السينما عبارة عن حكايات، والحكايات لا بد لها من صراعات، لدى أبطالها. وتلك الأفلام، تفضل خلق صراعات، تمنع لم شمل الحبيبين، بأن يكون هناك غريم لدى أحدهما، يشتت وجوده العلاقة، أو وجود أي نوع من الفروق التي قد تحول بينهم، وهذه الفروق قد تكون، اجتماعية، أو صحية، أو سياسية.

كل هذه الصراعات تجعل العاشقين أقرب للقديسين، وعلاقتهما أشبه بالحلم أو النبوءة، التي يريد لنا الفيلم أن نأمل بحدوثها، ونشجع استمرارها.

لكن في الزواج، الأمر مختلف، فالصراعات والمشاكل هنا، أقل جاذبية وأصعب في التقبل، لأن أساسها هو طرفا العلاقة أنفسهم، والشروخ في علاقتهما. فهما لم يعودا قديسين بعد الآن، والنبوءة قد تلوثت. 

أسباب المشاكل تتعدد من إحساس أحد الطرفين بانعدام التقدير، أو الرغبة في التحقق، أو حتى بانتهاء الحب، وتناول هذا الجانب المظلم والحقيقي من العلاقات في السينما، لا يحدث كثيراً، أو على الأقل، ليس السائد. وهنا سنتحدث عن سبعة أفلام عالجت هذا الجانب، ما الفروقات بين المعالجات؟ وما المميز في كل فيلم عن الآخر.

Scenes From a Marriage

هذا الفيلم يعتبر أول الأفلام التي عالجت مشاكل الزواج، وتأثيره واضح وموجود في كل الأفلام اللاحقة، لذلك يمكن اعتباره بمثابة الأب الروحي لأفلام الزواج، والتأثير بتجاوز الأفلام، ليظهر في ارتفاع معدلات الطلاق، التي زادت في أوروبا وقتها، ويرجح أن الفيلم كان سبباً ضخماً وراءها.

الفيلم من إنتاج عام 1973، ومن كتابة وإخراج، السينمائي السويدي الكبير، «إنجمار يرجمان»، ويعرض لنا أجزاء من حياة كل من الزوجين، ماريان وجوهان، على مدار عشر سنوات.

اللافت للنظر هنا، أنه وعلى الرغم من أن الفيلم يوضح أن السبب الظاهري لطلاقهما في الأحداث بسبب خيانة جوهان لماريان، فإن استمرار الفيلم بعد ذلك ونهايته بالتحديد، يجعل من فهم سبب انفصالهما في الأساس، أمراً شديد التعقيد.

الفيلم ينتقد مؤسسة الزواج نفسها، فروتينية حياة الزوجين هنا، هي ما جعلت علاقتهما تفتر، ولذلك فقد احتاجوا إلى ما يجدد هذا الفتور، وهو الانفصال وربما احتاجوا أكثر من ذلك بقليل، كما نشاهد في الفيلم.

شخصيتا ماريان وجوهان، ليستا شخصيات سوية بالتأكيد، ومن الصعب وصف علاقتهما بالصحية، بل على العكس، هي علاقة مؤذية بلا شك. وعلى الرغم من طبيعة الصراع الموجود في علاقتهما ليس شائعاً، لكنه نموذج لنوع حقيقي من العلاقات، موجود في الواقع. 

Kramer Vs. Kramer

فيلم آخر كان له صدى مجتمعي مؤثر، لكن هذه المرة في الولايات المتحدة، ولم يتسبب في زيادة معدلات الطلاق، بل بتغير نمط التفكير المتعارف عليه عن دور كل من الأم والأب، ناحية أطفالهم، من خلال عرض وجهتي نظر البطلين في تحديد هوية الأحق منهما لوصاية الابن.

لكننا هنا سنركز على زاوية انفصالهما وعلاقتهما. الزوجة لم تترك زوجها لأنها كان مؤذياً أو سكيراً بل على العكس، حتى هي أقرت أنه لم يكن شخصاً سيئاً على الإطلاق، لكنه فقط لم يكن يستمع إليها.

الزوجة أصبحت تشعر بالحزن من طبيعة حياتها، التي تقلصت إلى مجرد ربة بيت وأم، وأرادت أن تتحرر وتشعر بالاستقلال، ومن ناحية أخرى، لم يكن الزوج يلقي بالاً أو يلاحظ حتى وجوم زوجته، مما جعل علاقتهما تفتر مع مرور الوقت.

Revolutionary Road

يلتقي فرانك وأبريل في حفلة، ويرينا الفيلم اشتعال فتيل الشغف والوله في نظراتهما وانبهارهما ببعضهما على الفور، انبهار لا يتوقف على المظهر، فهو أيضاً انبهار بأحلام وطموحات لدى كل منهما.

يقفز الفيلم زمنياً بعد ذلك، ليرينا زواجهما، وكيف فشل كل منهما في تحقيق أحلامه، وكيف أن كلاً منهما يلوم الآخر على ذلك. فزواجهما في سن صغيرة وإنجابهما عدة أطفال، غير من منحنى خطط كل منهما، فكان على الزوج أن يعمل في وظيفة أبيه التي لا طالما كرهها، لكي يستطيع الإنفاق على أسرته، والزوجة التي منعتها رعايتها لبيتها وأسرتها من تحقيق مسيرتها الفنية.

كل ذلك جعل من حياتهما جحيماً مستمراً من الصراعات والمشاكل، كل منهما يهين الآخر ويقلل من شأنه، إلى درجة تدعو للتساؤل إذا ما كانا من الأساس قد أحبا بعضهما البعض في أي يوم من الأيام؟ 

نرى في أحداث الفيلم، أن كل منهما خان الآخر، بل واعترفا بذلك، لكن ذلك الحدث ليس هو ما دمر علاقتهما، فأبريل تكشف في أحد المشاهد، أنهما أنجبا طفلهما الثاني لكي يثبتا أن الطفل الأول لم يكن خطأ، وبذلك ندرك أن زواجهما جاء نتيجة حملها في الأساس.

مارتن وأبريل أوهما نفسهما بالحب، وبناء على ذلك الوهم اتخذا قرار الزواج، الذي لم يجلب لهما ولأطفالهما سوى التعاسة. 

Blue Valentine

الزواج نتيجة الحمل بالخطأ، يستمر معنا في هذا الفيلم، فدين وسيندي يتزوجان عند معرفة سيندي بحملها، لكن الفارق هنا، أن الفيلم يعرض لنا الحياتين بالتوازي، قبل الزواج وبعد الزواج.

شكل السرد هنا هو عمود الفيلم الفقري وسبب مهم لتميزه، ففي نفس الوقت الذي نرى فيه انجذاب الحبيبين وتقاربهما لبعضهما بالتدريج، نرى في المشهد اللاحق، تنافرهما وفتور علاقتهما بالتدريج أيضاَ.

في هذه الفيلم، نحن لا نشكك في صدق مشاعر الحب لدى كل من الطرفين لأننا نراها، فما السبب في تدهور علاقتهما وانهيار زواجهما؟

السبب أن كلاً منهما قام بتضحية كبيرة مدفوعاً بشغفه تجاه الآخر، دين يقرر أن يتزوج سيندي حتى بعمله أن طفلها قد لا يكون ابنه، وفي سبيل ذلك فهو سيخسر حياته القادمة كلها في سبيل جلب المال والحفاظ على الاستقرار المادي لدى أسرته، بكل ما يتضمنه ذلك من ضغوط هو غير مستعد له مما أثر على شخصيته فيما بعد.

سيندي كذلك تقرر الاستغناء عن حلمها بأن تصبح طبيبة، وتكرس نفسها لابنها ولزوجها دين الذي تكتشف فيما بعد جوانب كثيرة لا تحبها في شخصيته.

في النهاية لا أحد منهما قد أجبر على اختياره، فسيندي هي من أرادات الاحتفاظ بالطفل، ودين هو من عرض عليها الزواج، كل منهما قام بتضحية ظن منهما أنها في سبيل علاقتهما، بينما في الواقع فإن هذه التضحيات هي ما دمرت علاقة حب جميلة في بدايتها.

Before Midnight

ربما يكون الفيلم الأخف في هذا الموضوع، على الرغم من أنه الأقل تفضيلاً، عند أغلب محبي السلسلة.

فعلى مدار فيلمين سابقين، رأينا فيهما مقابلة جيسي وسيلين ووقعوهما في الحب، ثم افتراقهما، ولم شملهما مجدداً، بعد سنين من الفراق والألم، لينتهي الفيلم الثاني باجتماعهما معاً، لتكون بمثابة النهاية السعيدة.

لذلك فلا يوجد مجال للشك هنا، في صدق مشاعر كل من الطرفين. فبكل بساطة، نحن شهدنا لحظاتهما معاً، لكن منطق النهاية السعيدة يوجد فقط في الحكايات الخيالية. أما هذا الفيلم فهو التخيل الواقعي لمشاكل الحياة الزوجية، الموجودة لدى الجميع، حتى لو كانت لشخصين يعشقان بعضهما البعض.

المشاكل عادية، جيسي محبط من تطور مسيرته ككاتب، ومن اضطراب علاقته مع ابنه من زوجته الأولى، وسيلين تشعر بانعدام تقدير من جيسي في مجهودها في الأسرة، كما أنها تشعر بالإحباط لعدم تمكنها من تحقيق ذاتها وطموحاتها العملية، وهناك فتور عام في علاقتهما وشغفهما ببعضهما.

لكنهما يتمكنا من تجاوز كل هذه الصعوبات في النهاية ولا ينفصلان، ربما لأن حبهما لبعضهما حقيقي، ليس متسرعاً ولا محض وهم، وبالتأكيد لأن كل منهما يعرف الآخر ويقدره ويفهمه ويسمعه ويتحدث معه. 

Loveless

كما هو واضح من عنوان الفيلم، فهو فيلم لا يوجد به أي حب، الزوجان اللذان تبدأ الأحداث بقرار انفصالهما، لم يحبا بعضهما يوماً، يحتقران بعضهما ولا يتوقف أي منهما عن إهانة الآخر، بل وحتى الفيلم يوضح أنه بعد انفصالهما عن بعضهما، ومضي كل منهما في علاقة جديدة، فإن حتى هذه العلاقة الجديدة، بلا حب.

الزواج هنا كان أيضاً نتيجة الحمل بالخطأ، ولكن وعلى عكس الأفلام السابقة، فإن الطفل الذي نتج من هذه العلاقة، ليس محبوباً لدى أي من الأبوين.

كل منهما يريد الخلاص منه، كي يتفرغ لحياته هنا، الطرفان هنا أنانيان وجاحدان. وهذه الأنانية والكره اللذان يشعران به ناحية بعضهما، بالتأكيد كانا واضحين أمامهما من البداية، وقبل الإقدام على خطورة الزواج، مما يجعل قرار زواجهما، وإحضار ابنهما إلى هذا العالم، ليرمياه بعدها في دار أيتام، هو جريمة في حد ذاتها.

A Marriage Story

على الرغم من أن اسم الفيلم هو قصة زواج، فإنه في الواقع قصة انفصال، فهو يبدأ بقرار الزوجين تشارلي ونيكول الشروع في الانفصال والطلاق الرسمي.

وعلى عكس كثير من الأفلام التي ذكرت في هذا الموضوع، فإن هذا الفيلم لا يرينا أي مشاهد لعلاقة الزوجين قبل الزواج أو حتى أثناءه، لكنه يعتمد على وجهة نظر كل شخصية في حكيها للموقف ولطبيعة علاقتهما وتطورها.

كل منهما يحب الآخر، كل منهما حبيب وزوج ووالد جيد، لكنهما كان يتجاهلان المشاكل الصغيرة بينهما حتى كبرت وانفجرت، تشارلي ظل يماطل ويجاري نيكول في طلباتها بزيارة لوس أنجلوس، أو بأن يستمع لها في انزعاجها بتأخر مسيرتها التمثيلية، حتى تفاقم كل ذلك واكتشفت نيكول أنها قد صارت مجرد ظل تابع لتشارلي، وأنه لا يبالي ولا يستمع لأي مما تقوله، فبالتدريج فقدت إيمانها به وبعلاقتهما.

على الرغم من أن نيكول وتشارلي، يشيران في بعض الأحيان أن انهيار زواجهما كان لأسباب تتعلق بالخيانة أو بالتضحية، فإن السبب الرئيسي في بداية فتور علاقتهما كان انعدام التواصل بينهما.