دعونا نتذكر مشهد الطبخ الشهير من مسلسل «القيصر»، والذي أخرجه «أحمد جلال». المشهد مصور بكاميرا محمولة باليد «Handheld» حركتها سريعة وحادة للدرجة التي تشعر وكأنك في فيلم للمخرج الدنماركي «لارس فونترير»، والموسيقي موترة والقطعات المونتاجية حادة وسريعة. نحن لا نتكلم عن مشهد تحدث فيه أشياء مريعة، بل عن مشهد يقوم فيه البطل بمحاولة الطبخ. يقلب الدقيق، ويضع البيض عليه، ويسلق المكرونة. تعرض هذا المشهد للكثير من السخرية.

رغم فجاجة هذا المشهد، ولكن لم يكن هو الوحيد الذي يستحق التساؤل لماذا تتحرك الكاميرا؟ ولماذا يتم تصوير المشهد من كل هذه الزوايا، وهذا من السمات الأساسية التي تتكرر كثيرا في الأفلام والمسلسلات مؤخرا دون هدف واضح. مجرد محاولة للاستعراض وصنع مشاهد تبدو مبهرة. فالكاميرا دائما محمولة، ويتم تصوير مشاهد حوارية بسيطة من أكثر من 4 زوايا، بالإضافة لموسيقى موترة. نحن لن نتكلم عن عيوب التمثيل أو النص، نحن نتكلم فقط عن عيوب التصوير.

على جانب آخر نجد «تامر محسن» في مسلسل «هذا المساء» يصور بعض المشاهد بكاميرا ثابتة وأخرى محمولة، والتصوير من عدد الزوايا النموذجي لتوصيل كل ما يجب على المشاهد أن يشعر به أو يعرفه. وهنا يجب أن نسأل لماذا خرج تصوير تامر محسن مميزا، في حين أن مشهد القيصر يمثل كارثة حقيقية. وهنا يجب أن نتكلم عن التصوير السينمائي وحركة الكاميرا وتكوين الكادر.


المجال وعمقه وخارجه

هل تتذكر فيلم «Her»، عندما كان يسير البطل في شوارع المدينة المستقبلية. غالبًا إذا شاهدته فستشعر في مشاهد الشوارع بوحدة البطل والميل للفردانية والعلاقات غير الواقعية. فكيف استطاع «سبايك جونز» مخرج الفيلم نقل هذه المشاعر من خلال التصوير؟

انظر لتكوين المشهد فستجد البطل في مقدمة الصورة والسائرين في الشوارع خلفه، أغلبهم يسير وحيدا، والقلة وغالبا من كبار السن هم من يسيرون مع آخرين. وفي آخر مستوى توجد ناطحات سحاب شديدة الضخامة، ساهم وضع الكاميرا المائل لأعلى في جعلها تبدو أكثر ضخامة وسيطرة، والسائرين أضعف وكأنهم خاضعين لها.

هذه هي مستويات الصورة، أو ما يمكن تسميته بـ«المجال»؛ وهو كل ما تراه الكاميرا. وهذه الثلاث المستويات (أو مستويان حسب رؤية المخرج للمشهد) تجسد فيها الأحداث، وبجانب هذه الأحداث ما يريد المخرج الإشارة له. الحدث الرئيسي غالبا يكون في مقدمة المجال، أما عمقه أو ما يسمى Dept of field فهو ما يساهم، سواء بشكل رئيسي أو ثانوي فيما يريد المخرج إيصاله للمشاهد.

وأحيانا يهتم المخرج بأن يكون ما يحدث في عمق المجال أهم مما يحدث في مقدمته، وهذا ما يظهر جليا في فيلم «حمامة وقفت فوق غصن تتأمل الوجود» لروي أندرسون، ففي المشهد السابق نرى أن اهتمام روي أندرسون بالحدث في عمق المجال أكثر. كما أن أغلب مشاهد الفيلم غالبا ما يحدث فيها الكثير من الأشياء المهمة في عمق المجال، وفي شكل قصة موازية.

وفي حالة وجود حدثين أحدهما في مقدمة المجال والآخر في عمقه، يميل بعض المخرجين للدخول في العمق بالكاميرا ليتحول عمق المجال لمقدمته، وما كان في مقدمته ينتقل مع الكاميرا للعمق أو يصبح خارج المجال.

خارج المجال يمثل كل ما هو خارج الكاميرا، وتكمن قوة المخرج في أن يساعد المشاهد على استنباط ما يحدث خارجه، نتذكر مثلا المشهد الافتتاحي من فيلم «the godfather»، حيث يكون «دون فيتو كورليوني» خارج المجال، ورغم تركيز الكاميرا على وجه ضيفه، ولكن تظهر سطوة كورليوني إلى أن تصل الكاميرا له ويظهر لأول مرة.

إذن يتكون المجال السينمائي من مقدمة، وعمق، وخارج المجال، وكلما كان المخرج أذكى في تصميم مستويات المجال المختلفة وصلت رسائل وفلسفة وإشارات الفيلم بصورة أفضل.


وجهة النظر أو Point of View

الحلول مكان البطل، ذلك هو الغرض من الـ«point of view»، والتي تترجم غالبا بوجهة النظر. حيث تصور الكاميرا ما تراه الشخصية. وفي هذا الأسلوب توريط للمشاهد بأن يحل محل الشخصية بشكل كامل. ولذلك تستخدم في أفلام الرعب أو في تصوير مشاهد الكوابيس، وهنا يجب أن نذكر المخرج السريالي «ديفيد لينش». الذي يمكن وصفه بأنه من أكثر مستخدمي هذا الأسلوب في التصوير.

يصور ديفيد لينش أفلامه وكأنها كابوس مستمر. حيث تدور أفلامه دائما في لاوعي البطل. ويتعمد لينش تصوير مشاهد كثيرة بتلك الطريقة، حيث يرى المشاهد الأحداث من عين الشخصية/البطل، وبالتالي يتحول الكابوس أو اللاوعي وكأنه لاوعي وكابوس المشاهد نفسه. وبالتالي يتأثر نفسيا مثل تأثر الشخصية.

المشهد في الأعلى خير مثال على ذلك، فعندما تذهب الشخصية مع محقق البوليس لتريه المسخ الذي يقف خلف الفندق. يبدأ تصوير المشهد من وجهة نظر الشخصية. وعند الظهور المفاجئ للمسخ، تشعر وكأنه ظهر لك أنت.


الكاميرا المحمولة والثابتة:

تستخدم الكاميرا المحمولة على اليد «handheld» كثيرا في أفلام الأكشن، فهي الأكثر قدرة على ملاحقة الأحداث المتسارعة. وإظهار ملامح التوتر. كما ارتبطت الكاميرا المحمولة فلسفيا بالمخرجين الما بعد حداثين، وخصوصا مع صعود مدرسة «دوجما 95» الشهيرة بقيادة المخرج الدنماركي الشهير «لارس فونترير».

والكاميرا المحمولة لا تهتم بجمال الكادر بقدر اهتمامها بملاحقة التفاصيل، وكأنك تحمل كاميراك الشخصية في فرح مثلا وتلاحق الضيوف لتصويرهم. لا يهم انتظام حركة يدك أو إتقانها، فقط يهم أن تلحق بالتفصيلة الضرورية في النهاية، وهو ما يعتبر تمردا على الموروثات الكلاسيكية في قواعد التصوير السينمائي.

ويعتبر لارس فونترير أعنف من استخدم الكاميرا المحمولة في تاريخ السينما بلا شك. الفيديو السابق يعرض لك كيف يتحدي فونترير التقاليد السينمائية في التصوير والمونتاج، حيث تتحرك الكاميرا بعنف للدرجة التي تجعلها خارجة عن التركيز «Out of Focus». فيقوم المصور بضبط تركيزها داخل المشهد. وهذا تحدٍ واضح لكل الأعراف، والتي ستجعل أي دارس كلاسيكي للسينما يرى أن هذا يعد فشلا ذريعا، ولكن يعتبر لارس فونترير من علامات السينما الحديثة، وأسلوبه وطريقة تصوير أفلامه أصبحا محل تركيز واحترام وتقدير للكثيرين من محبي السينما ونقادها.

أما الكاميرا الثابتة، فتعد الأسلوب الأشهر في التصوير، والذي استمر منذ بداية السينما حتى الآن. وهي تمنح المشاهد قدرة على رؤية كل تفاصيل المشهد وتجعله أكثر اندماجا مع الأبطال. ولكن هناك استخداما آخر ظهر مؤخرا، خصوصا في السينما الأوربية، ويمكن رؤيته بوضوح في أعمال «مايكل هانكه» وفيلم Ida. وهي أن تكون الكاميرا الثابتة أداة للتغريب. ويعني بالتغريب أن يكون المشاهد مدركا أنه يتابع فيلما، فهي تعمل كحائل بينه وبين اندماجه الروحي مع الشخصيات والأحداث.

اقرأ أيضا:Ida: عن معنى الحياة، وعن الحياة بلا معنى

في المشهد السابق من فيلم «Cache» لمايكل هانكه نري «ماجد» وهو يدعو «دانيال» للدخول لشقته. عندها نرى الكاميرا لا تقوم بأي حركة. وأمامها يتحرك ماجد ودانيال. يخرج ماجد سكينته ويقوم بذبح نفسه، يرتبك دانيال ويختفي من مجال الكاميرا ثم يعود ويظهر ويتفاعل مع صدمته من مقتل ماجد، ثم يخرج من البيت، والكاميرا لا تقوم بأي رد، فإذا افترضنا أن الكاميرا تمثل عين شخص، فهو شخص لامبالٍ بموت ماجد أو ارتباك دانيال.

هذه بعض من أساليب وضعية الكاميرا وتكوين الكادر في السينما. والتي سنعلم منها باختصار لماذا لاقى تامر محسن الإشادة الكاملة عن مسلسله «هذا المساء» ومن قبله «بدون ذكر أسماء» و«تحت السيطرة». وعلى عكسه تلقى «أحمد جلال» الكثير من الانتقادات، وخصوصا عن مسلسله «القيصر» ومشهد «الطبخ».