أنا أم لطفل واحد، أقاربي جميعاً يعيشون في محافظات أخرى، وطفلي وحيد لا يمتلك غيري وأباه والكثير من الألعاب. أما عني أنا، فأنا امرأة لم تهتم يوماً بتربية الأطفال، أتحسس معه عالم الصغار وأتعرَّف إليه كوافد جديد مثل طفلي تماماً.

ولأن الهواتف الذكية أصبحت ذكية بالفعل لم تستغرق الكثير من الوقت لتقودني وطفلي لعالم جديد لم نكن نعرف عنه أي شيء، عالم أنقذنا من عوالم أخرى منعتُ طفلي عنها عنوة ليقيني بأن ضررها كبير، عالم الأغنيات الرتيبة ذات النغمة المكررة وكأنها تنوم الأطفال مغناطيسياً. قاومتها بعنف، فأهداني يوتيوب أسرة جميلة أستمتع بصحبتها أنا وطفلي وأبوه، نتسابق نحن الكبار في حفظ الأغنيات ويقلد صغيرنا حركاتهم ونتعلم جميعاً منهم.

أسرة صغيرة سعيدة

«جاي جاي»، و«تام تام»، و«يو يو»، وأب وأم وبعض الأصدقاء، هؤلاء هم الأسرة التي تتكون منها قناة «البطيخة كوكو – Cocomelon» على يوتيوب. طفل صغير وأخ وأخت أكبر قليلاً يلعبون ويتعلمون ويذهبون مع أبيهم وأمهم للشاطئ، وأحياناً لحمام السباحة. يحتفلون بجاي جاي الصغير في أول يوم له في الحضانة مع معلمته آبل بيري. يحضرون إفطاراً وغداءً ويذهبون للنوم، يتعاونوا جميعاً كي يعلموا جاي جاي كيف يستخدم المرحاض، أو يتعاونون في صنع حلويات أو مثلجات ملونة. حياة كاملة في أغنيات قصيرة لا تتعدى الثلاث الدقائق، تحمل الكثير من المتعة والتعليم.

لفت نظري أولاً أن الأغنيات قصيرة لن تسحب طفلك داخل الهاتف لساعات طويلة ينفصل فيها عن العالم حوله لتبدأ مشكلات نحن جميعاً في غنى عنها تتعلق بالتركيز والانفصال عن العالم الحقيقي، ثم إن الأغنيات نفسها سهلة رغم أنها إنجليزية بالطبع، ولكن مع رسوم الجرافيك الثري دي المتقنة يمكن للطفل فهمها بمتابعة الحركات. القناة نشطة جداً على يوتيوب وتحصل على ملايين المشاهدات.

قناة «البطيخة كوكو» بدأت نشاطها على يوتيوب منذ أكثر من 13 عاماً تحت اسم «ABC Kid TV»، ثم تغير اسمها مؤخراً ليصبح «كوكو ميلون»، مع تربعها على عرش قنوات يوتيوب الخاصة بالأطفال في الولايات المتحدة.

أطلقها مجموعة من مصممي الجرافيك الأمريكيين «Treasure Studios» لتبث محتوى مجاني عبر يوتيوب للأطفال تحت سن 6 سنوات. القناة تقدم أناشيد الحضانة وأغنيات تعبر عن الحياة اليومية للطفل العالمي، وتعلمه سلوكيات بسيطة وتمنحه تعلماً ممتعاً، وهي في الحقيقة تفعل ذلك بكفاءة، ولذلك فإنها تحصد دائماً المركز الأول في عدد المشاهدات لدى يوتيوب في الولايات المتحدة، متفوقة على قنوات يوتيوب الخاصة بالرياضة أو بوصفات الطعام.

عالم الأطفال على يوتيوب

مع ازدياد مستوى الوعي بين الآباء حول حقيقة تأثير مشاهدة الرسوم المتحركة وقنوات التليفزيون الخاصة بالأطفال، ومع سيطرة الإنترنت والهواتف على حياة الجميع، أصبح عالم الأطفال أيضاً مرتبطاً بيوتيوب والبث الإنترنتي أكثر من البث التليفزيوني، خاصة لسهولة التحكم في الوقت الذي يقضيه طفلك ممسكاً بالهاتف ليشاهد الرسوم المتحركة. ولذلك فإن قنوات يوتيوب التي تقدم محتوى فنياً وترفيهياً للأطفال انتشرت بكثرة.

 فهناك أيضاً قناة إنجليزية يقدم فيها مجموعة من الشباب والشابات من إنجلترا أغنيات حية مع استخدام بعض مؤثرات الجرافيك، تسمى Bounce Patrol Kids، تقدم أغنيات الحضانة والأناشيد التعليمية بتمثيل حي.

وقنوات أخرى مثل «Super Simple Songs» تستخدم رسومات جرافيك تو دي في تقديم الأناشيد والأغنيات التعليمية، والكثير من القنوات الأخرى، كلها تستخدم الألوان الزاهية والإيقاعات والأغنيات في جذب الأطفال لعالمها البسيط المحبب وتخلق رابطاً بين الشخصيات على الشاشة وبين الأطفال في الواقع.

هذا بالإضافة لبعض القنوات بسيطة الإمكانيات التي يمتلكها مدونو يوتيوب، والتي تقدم نفس الأغنيات بتنويعات مختلفة وبإمكانيات بسيطة جداً، ولكنها لا زالت خياراً أمام الأطفال.

لاحظ أننا نتحدث هنا عن القنوات التي تقدم فناً حقيقياً للأطفال، ولا نتحدث بالطبع عن قنوات يوتيوب التي تحقق أيضاً مشاهدات عالية ولكنها تقدم محتوى غير فني، بل غير صحي حتى، وإن كان ليس عنيفاً أو جنسياً، ولكنه لا يمت للفن بصلة، ولذلك فإنها ليست خياراً مفضلاً للآباء.

ماذا يشاهد أطفالنا؟

لا بد طالما أننا نتحدث عن المحتوى الفني الذي يشاهده الأطفال على يوتيوب أن نتطرق إلى المحتوى العربي أيضاً، خاصة أننا نمتلك كماً كبيراً نسبياً من الأغنيات والأناشيد والفن الحقيقي الذي يخص هذه الفئة. صحيح أننا توقفنا عن إنتاجه منذ زمن وتحول اهتمامنا كله للمتلقي الراشد، وأفسحنا –بل أخلينا– الساحة تماماً للأغنيات الأجنبية، إلا أنه لا زال لدينا تراث يمكن أن نعيد تدويره وإنتاجه.

تقوم بعض قنوات يوتيوب العربية بإعادة تقديم أغنيات الأطفال مع رسوم متحركة بسيطة، مثل قناة كتاكيت بيبي التي تقدم تهويدات النوم أو الأغنيات المشهورة مثل «ماما زمانها جاية»، أو «أمورتي الحلوة» أو «يلا تنام»، ولكنها لا تستطيع المنافسة مع قنوات اليوتيوب الأجنبية، أولاً لبساطة إنتاجها، وثانياً لأنها تلعب في منطقة ضيقة جداً لا تجذب المتلقي الصغير الذي يجد ضالته في القنوات الأجنبية، والذي لا يهمه سوى التسلية والمتعة.

رغم أن قنوات يوتيوب الآن أصبحت ثقافة منتشرة بين العرب، فإن العمل على محتوى الأطفال يتطلب جهداً وتركيزاً لا يضمن الربح السريع من يوتيوب، وهو ما يبحث عنه اليوتيوبرز العرب بشكل أساسي.

قنوات يوتيوب العربية الخاصة بالأطفال للأسف لا تقدم فناً يمكنه أن ينافس المحتوى الأجنبي، رسومات بدائية وإمكانيات بسيطة قلة صبر تجعل الأطفال – والكبار – يفرون منها بعد مشاهدة أول ثوانٍ من المحتوى، مع العلم أن كم الأموال المضخوخة في قنوات الأطفال يمكن أن ينشئ جيشاً من الأستوديوهات التي تنتج محتوى قوياً للأطفال، ولكنها لعنة الكسب في مقابل القيمة، والتي تفسد كل شيء. لذلك سوف أستمر مع طفلي في مصاحبة أسرة «البطيخة كوكو» في يومياتهم، فأنا أستمتع معهم كما يستمتع طفلي تماماً.