«الحب، الوقت، الموت، تلك هي العوائق الثلاثة التي تربط كل شخص على الأرض بالحياة، كل شيء نخفيه، كل شيء نخشى عدم امتلاكه، كل شيء ينتهي بنا اليوم إلى شرائه، كل هذا بسبب أننا في النهاية نسعى للحب ونتمنى لو امتلكنا وقتًا أكثر ونخشى الموت».

كانت تلك هي تقريبًا أولى كلمات «هاورد» بطل فيلم «Collateral beauty» والذي قام بدوره «ويل سميث»، الفيلم درامي يدور حول رجل ناجح تموت ابنته الصغيرة فتتحول حياته تمامًا، الرجل الذي كان شريكًا رئيسيًا في إحدى أكبر شركات التسويق يصبح فجأة شخصًا صامتًا لا يقوم بعمله ويتقوقع على نفسه داخل منزله؛ لا يجيب على الهاتف، ولا يفتح بابه مهما كان الطارق، يذهب للشركة كي يقوم ببناء أشكال ضخمة من قطع الدومينو ثم يهدمها كلها ويرحل، يعيش وحيدًا ولا يهتم بأي شيء.


لماذا يحدث كل هذا؟

في الفيلم كان البطل مقتنعًا أن هناك ثلاثة عناصر هي ما تجعلنا ننهض من فراشنا يوميًا ونعيش، تلك العناصر الثلاثة أو كما كان يسميها «The big Why» هي الشيء الوحيد الذي يدفعنا للمواصلة، نحن نبحث عن الحب ونتقاتل مع الوقت ونخشى الموت، هذا المعنى الفلسفي الذي يلخص حيواتنا في ثلاثة أشياء أساسية هي بالفعل ما نحيا من أجلها.

البشر فعلاً يبحثون طوال الوقت عن الحب، يعملون من أجل أن يشعروا بالنجاح ويمتلكوا أموالاً تمكنهم من ممارسة فعل الحب، ويتزوجون من أجل أن يجدوا يومًا من يربت على قلوبهم ويخبرهم أنهم جديرون بالحب، حتى الطعام يتناوله البشر لأنهم يحبون أنفسهم ويدللونها.

في غمرة الحياة من أجل هذا الحب يصارعون الوقت كل يوم، لا يريد أي منا أن يفلت منه الوقت فجأة، نحن نصارع الوقت كي نبقى، نصارعه يوميًا لأننا لا نستطيع عقد مهادنة عادلة معه، فكل لحظة تستكين فيها كي تلتقط أنفاسك هي لحظة محسوبة من عمرك لن تستعيدها ثانية، الوقت ليس خضمًا شريفًا فهو يتضخم باستمرار وتقترب بسببه في كل لحظة من الموت، الموت الذي نخشى أن يحدث لمن نحبهم لأنه سيترك لنا الكثير جدًا من الشعور بالحسرة، وسيأخذ في طريقه أيضًا الحب، الموت ينهي كل شيء، لهذا نخشاه، ونخشاه أكثر عندما يعرض عن اختيارنا ويلتقط ضالته من الأحباء ويرحل تاركًا لنا إرثًا ثقيلاً من الوقت الذي لا يمكننا أن نعيشه بعد أن نفقد الحب.


ماذا قدم الفيلم؟

في الفيلم يواجه البطل قناعاته عن الحب والوقت والموت، هذا الرجل الذي يبتسم بثقة للحضور ويخبرهم -من وجهة نظره- عن «لماذا يعيشون». يجد نفسه فجأة في خضم المعركة، وقد كان «ويل سميث» مميزًا جدًا في تجسيد الحزن، عندما تراه حتى لو لم تعرف قصته ستعرف أنه رجل حزين، وكعادته لم يخطئ مرة في تصدير الشعور الذي يجب أن يصدره للمشاهد، خاصة في المشهد الأخير، هذا رجل يعرف حقًا ما يفعله.

الفيلم مليء بالنجوم، فقد قام بأدوار شركاء «هاورد» في الشركة «كيت ونسلت» التي جسدت دور «كلير» وقام «إدوارد نورتن» بتجسيد دور «وايت» وقام «مايكل بينا» بدور «سايمون»، الشخصيات الثلاثة لم يكن من المفترض أن تكون مسطحة وبالفعل كان لكل منهم تاريخ وخط درامي بإمكانه أن يخرج ثلاثة أفلام أخرى. ورغم تمكن الثلاثة من أداء أدوارهم، لم يستطع الفيلم أن يقدم للمشاهد ما يجعل قصصهم مهمة، مرت الأحداث على خطوطهم الدرامية دون تعمق فخرجت الأحداث غير متسقة، فأنت عندما تشاهد الفيلم تشعر أن هناك شيئًا ما ناقصًا، بالأحرى فقد قدم الفيلم مبررات درامية قوية فعلاً لكل شخصية ولكنه قدمها لمجرد العلم بالشيء ولم يحاول أن يقنع المشاهد بتلك المبررات رغم عمقها الفعلي، ربما كان من الأفضل ألا توجد تلك الشخصيات من الأساس أو توجد باهتة ليس لأي منها خلفية عميقة طالما أنها لن تنال التركيز المناسب.

هناك ثلاثة أشخاص آخرين قاموا في الفيلم بأدوار محورية هم «كيرا نايتلي» التي قامت بدور «آمي» و«هيلين ميرن» التي قامت بدور «بريدجيت» و«جايكوب لاتيمور» الذي قام بدور «رافي»، كان رسم تلك الشخصيات أفضل من سابقيهم وهذا منطقي تبعًا لأهمية أدوارهم ومحوريتها في القصة. أما «ماديلينا» التي قامت بأداءها «ناعومي هاريس» فقد كانت شخصية موفقة جدًا في رسمها ولم تكن تحتاج عمقًا أكثر حتى لا تفقد القصة رهافتها، ربما كانت «ماديلينا» هي أكثر الشخصيات الفرعية توفيقًا في الفيلم.


السيناريو هو البطل الحقيقي

رغم ما يمكن أن يؤخذ على الفيلم من عيوب، ورغم أن من يشاهد فيلمًا يشارك فيه كل هذا العدد من الممثلين الجيدين يتوقع شيئًا أكبر مما شاهده على الشاشة، إلا أن هذا المشاهد لا يمكن أن يتغافل عن روعة السيناريو، ربما كان هذا هو الشيء الوحيد المحكم في الفيلم، كل جملة قيلت كانت في مكانها بالضبط، وكان لابد أن تعلق في ذهن المشاهد.

الفيلم مليء بالحوارات شديدة العذوبة، لابد عندما تسمعها تدق في ذهنك ناقوسًا ما، يمرر رسائل عن فلسفة الحياة والموت بمنتهى البساطة دون تعقيد ودون استخفاف، الكثير من الجمل الحوارية سوف يدونها المشاهدون ليستعيدوها لاحقًا لأنها تستحق أن تحفظ في الذاكرة. حقًا كان السيناريو محكمًا وكان من الخسارة الشديدة أن سيناريو بتلك القوة لا تخدمه بقية عناصر العمل فيظلم.

ولكن يمكننا أن نعتبر أن السيناريو العذب هذا هو أحد أوجه الجمال التي لا يخلو منها أي شيء مهما طاله من نقد، وكان هذا بالضبط ما يحاول الفيلم أن يقوله للمشاهد، ربما نتبنى هذا الاحتمال ونمتنّ أننا نستطيع أن نجد الجمال في كل الأشياء، فهذا بالضبط هو الـ«Collateral beauty»