في مقالٍ سابق (في موقع إضاءات بتاريخ 29 يناير/ كانون الثاني 2022)، تناولنا دور الإنفاق بالضوابط الشرعية؛ وذلك على مستوى الفرد والأسرة ومنظمة الأعمال، ويتكون الإنفاق الكلي من الإنفاق الاستهلاكي، والاستثماري، والصدقي. والغاية من الإنفاق هي تحقيق التوازن بين الإشباع الروحي والإشباع المادي، وبين متطلبات الدنيا والعمل للآخرة.

وتنبثق أساسيات المنهج الإسلامي في التنمية من حقيقة ضمان الرزق وضرورة العمل. والعمل المقصود هو العمل الصالح. وأول أساس يقوم عليه إعمار الأرض، أو التنمية الشاملة هو الإيمان بأن المال –أو الموارد- هو مال الله ونحن مستخلفون فيه، ومن تبعات الاستخلاف أن يؤدي الخلق حقوق المال لله سبحانه وتعالى -المالك الأصلي للمال– وللمجتمع، والزكاة حق في المال.

وزكاة المال هي الركن الثالث من أركان الإسلام. وورد الأمر بالزكاة في 32 موضعًا في القرآن الكريم، منها 27 موضعًا أتت مقرونة بالصلاة، مثل قوله سبحانه وتعالى:

﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾

ووردت في حوالي 83 موضعًا آخر ضمن المعنى العام؛ مثل النفقة أو الصدقة. ويقول رسول الله (صلى الله عليه وسلّم):

بُنِيَ الإسلام على خَمس: شَهادةِ أن لا إله إلا اللهُ، وأن مُحَمدًا رسُولُ اللهِ، وإِقَامِ الصلاةِ، وإيتاء الزكاةِ، والحَج، وصَومِ رَمَضَانَ. [1].

وهي من أسس المنهج الإسلامي في التنمية.

وتجب الزكاة في المال بشروط من حيث الزمن والنصاب والمقدار والأموال. وكذلك في مصارفها الشرعية.

ما هي شروط المال الواجب فيه الزكاة؟

يجب توفر بعض الشروط في المال؛ كي يخضع للزكاة. يقول الله عز وجل:

﴿خُذْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَوٰتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾
التوبة: 103.
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾
البقرة: 277.
﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾
البقرة: 43، 83، 110.
﴿ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّٰهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُواْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ ٱلْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلْأُمُورِ﴾
الحج: 41.
﴿وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾
الروم: 39.
﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ﴾
البقرة: 219.

ويُستنبط من هذه الآيات ما يلي:

  • إن الزكاة فريضة؛ وهذا الأمر من الله تعالى إلى رسوله (صلى الله عليه وسلم) «خُذ من أموالهم» يعني أن الزكاة فرض، وتجب في أنواع الأموال المختلفة.
  • الزكاة عبادة مالية.
  • إن الزكاة تطهير وتزكية للنفس.
  • الزكاة نماء وبركة للمال.
  • أول شرط يجب توافره في المال الزكوي هو الملكية التامة؛ والدليل في قوله تعالى: «خذ من أموالهم». ومعنى الملكية التامة؛ أي قدرة الفرد في التصرف في المال تصرفًا تامًا؛ دون منازعة من أحد.
  • ومن الشروط الواجب توافرها في المال؛ أن يكون زائدًا عن الحاجات الضرورية أو الأصلية، والدليل في قوله تعالى: «ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو»، والعفو هو الفضل أو الزيادة.
  • إن جمع الزكاة من مسئولية ولي الأمر.

وفي السنة الشريفة:

أن النبي (صلى الله عليه وسلّم) بعث معاذًا رضي الله عنه إلى اليمن فقال: ادعُهم إلى شهادةِ أن لا إله إلا الله وأني رسولُ اللِه، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم. [2]

ويقول رسول الله (صلى الله عليه وسلّم):

ما نَقَصَت صَدَقَةٌ من مَالٍ وما زاد اللهُ عبدًا بعفوٍ إلا عِزًا. وما تَواضَعَ أحد للهِ إلا رفَعَهُ اللهُ. [3]
اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول. وخير الصدقة عن ظَهرِ غِنىً، ومن يَستعفف يُعِفهُ الله، ومن يستغن يغنه الله. [4]
لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي. [5]
لاَ زَكَاَة في مالٍ، حتى يَحُولَ عليه الحولُ. [6]
ليس فيما دُون خَمسِ أواقٍ صدَقة، وليس فيما دُونَ خمس ذَودٍ صدقة، وليس فيما دُونَ خَمسِ أوسُقٍ صدقة. [7]

ويستنبط من هذه الأحاديث النبوية الشريفة ما يلي:

  • أن رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) أمر الأغنياء؛ ممن تتوافر في أموالهم شروط الخضوع للزكاة، بأن يؤدوها.
  • لا يجوز التصدق على الموسرين والأغنياء. وأنه لا تقادم في الزكاة؛ فهي دين على المسلم.
  • إن زكاة المال لها جوانب روحية؛ فهي تغرس في المسلم مكارم الأخلاق؛ مثل الإخلاص والصدق والأمانة والجود والكرم والتآخي.
  • من الشروط الواجب توافرها؛ مرور عام هجري كامل بعد بلوغ النصاب. أي أن النصاب هو القدر الذي إذا وصل إليه المال وجبت فيه الزكاة، وبلوغ النصاب هو علامة الغِنى.
  • ونصاب الذهب هو عشرون مثقالاً، أي ما يعادل خمسة وثمانؤن جرامًا من الذهب عيار أربعة وعشرين. ونصاب الفضة مائتا درهم، أي ما يعادل 595 جرامًا من الفضة. وصاحب الإبل لا تجب عليه الزكاة حتى يكون عنده خمس فصاعدًا. وفي الحبوب والثمار؛ فإن الوَسَق ستون صاعًا، فيكون النصاب ثلاثمائة صاع.

ومن شروط الزكاة؛ أنها تجب في المال النامي، ولا تجب على الأصول الثابتة، يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلّم):

ليسَ على المسلمِ صدقة في عبدهِ ولا في فرَسهِ. [8]

ويستنبط من هذا الحديث الشريف أن الزكاة لا تجب على الأصول الثابتة؛ لأنها مال غير نامٍ. وقد عبر الحديث الشريف عن الأصول الثابتة بالعبد والفرس. ومعنى المال «النامي» أي المال القابل للزيادة. والنماء نوعان:

  • نماء حقيقي؛ كما في الزروع والثمار، والأنعام، والأرباح.
  • ونماء تقديري؛ بمعنى أنه نماء نتيجة السعي لعمارة الأرض؛ عن طريق ضخ الأموال واستثمارها؛ وعدم اكتنازها وحبسها عن النشاط الاقتصادي؛ حتى لا ينخفض مقدارها نتيجة الصدقة أو إخراج الزكاة.

وفي ذلك يقول الله عز وجل:

﴿وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَوٰةِ فَٰعِلُونَ﴾
المؤمنون: 4.

والسؤال: لماذا عبّر القرآن عن إيتاء الزكاة في هذه الآية باستعمال لفظ جديد وهو الفعل؟

والإجابة: إن المقصود هنا ليس أداء زكاة المال فقط، وإنما هي إخبار وتوجيه في نفس الوقت، بأن هناك فئة متميزة من الناس عند الله سبحانه وتعالى؛ وهي التي تسعى وتجتهد قدر استطاعتها في ممارسة الأنشطة الاقتصادية وتحقق فيها تقدمًا ونجاحًا؛ حتى تتمكن في النهاية من القيام بهذه الفريضة.

تقع الزكاة على الثروة النامية فعلًا وحكمًا، وهي الثروة التجارية، والأنعام (الثروة الحيوانية)، والركاز والمعادن، وتقع كذلك على الثروة النقدية حكمًا؛ باعتبار إمكانية تثميرها. وهذا الشرط يميز الزكاة عن الاستقطاعات الضريبية على الثروة؛ كما يلي:

  • لا تؤثر الزكاة على القدرة الإنتاجية والاستثمارية للمجتمع؛ لأنها لا تفرض على الأصول المعرضة للهلاك بسبب الاستخدام، وهي الأصول الثابتة.
  • كما أن الزكاة تعتبر موردًا مستمرًا للدولة على مدار العام، ويكون تأثيرها إيجابيًا على الاقتصاد القومي؛ حتى في حالة الأزمات؛ لأنه من المعروف أن الأزمات المالية تؤثر على الدخول أكثر من تأثيرها على الثروات، وهو ما يؤدي إلى انخفاض حصيلة الإيرادات للدولة؛ التي تعتمد ضرائبها على الدخول. ولابد للحكومات أن تنفق مبالغ ضخمة؛ للحد من آثار ذلك على الفقراء ومتوسطي الدخول. وبالتالي فإن فرض الزكاة على الثروات يحد من آثار الأزمات المالية.
  • إن الإعجاز في شروط المال -حتى تجب فيه الزكاة- الذي نتناوله في هذه المقالة ليس مقصورًا على الدول الإسلامية فقط؛ بل نجد في الوقت الحالي بعض الاقتصاديين ينتقدون نظم الضرائب المعاصرة؛ لأنها تعوق التنمية، وينادون بفرض ضريبة على رأس المال، وبنسبة تقترب من نسبة الزكاة؛ وذلك لزيادة تحريك الأموال وتنميتها. كما ينادون بإعفاء الاستثمارات في مجال الضروريات والحاجيات، وهذا ما يحث عليه الفكر الاقتصادي الإسلامي.

زكاة عروض التجارة في ضوء القرآن والسنة

ينقسم المال -على أساس وظيفي- إلى نقود وعروض: النقود؛ والمقصود منها المعاملة أولًا، ويُعنى بالمعاملة كونها ثمنًا، والعروض؛ والمقصود منها الانتفاع أولًا.

وتنقسم العروض إلى عروض مُعَدة للبيع وهي عروض التجارة؛ والمقصود بعروض التجارة؛ كل ما يعد للبيع والشراء؛ بقصد الربح. ويطلق عليها حديثًا الأصول المتداولة، وإلى عروض غير مُعَدة للبيع؛ وهي عروض القنية؛ وهي تُقتَنى لفترات طويلة نسبيًا؛ للانتفاع بها، ويطلق عليها حديثًا الأصول الثابتة.

ومن فوائد تقسيم المال إلى عروض وأثمان في الفكر الإسلامي؛ أنه يترتب عليه تحريم الربا بمبادلة نقد بنقد مع الزيادة، وتحريم المبادلة السلعية في ذات السلع ذات العلة الربوية واتفقت في الجنس إلا إذا كانت يدًا بيد، أما إذا اختلفت في الجنس فيجوز يدًا بيد ويحرم النسيئة.

إن زكاة عروض التجارة شرعت بعموم الآيات التي تناولت الإنفاق، مثل قول الله عز وجل:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ﴾
البقرة: 267.

وفريضة الزكاة ليست مرتبطة بنتيجة الأعمال من ربح أو خسارة في آخر العام، فقد تكون نتيجة الأعمال خسارة وتخضع الشركة للزكاة، وقد تكون رابحة ولا تجب عليها زكاة؛ فهي مرتبطة بالموجودات الزكوية (مثل المواد الخام، والتشوينات، والبضاعة الموجودة)، والالتزامات (مثل المديونيات) التي على صاحب المشروع أو الشركة.

وتجب الزكاة على رأس المال العامل؛ والذي يتضمن فيما يتضمن الربح؛ فالربح يؤدي إلى زيادة عروض التجارة والعكس؛ فإن الخسارة تؤدي إلى نقصان عروض التجارة الخاضعة للزكاة. [9]

ويعتبر سعر زكاة عروض التجارة من أوجه الإعجاز لتشريع زكاة عروض التجارة، وذلك في العلاقة بين سعر هذه الزكاة والعائد على الاستثمار المتحقق من مشروع تجاري، وقياس تأثير تغير معدل عائد الاستثمار على سعر الزكاة.

إن سعر زكاة العروض يتأثر تأثرًا شديدًا بمعدل عائد الاستثمار، ويمكن استخدامه كحافز للإدارة؛ بحيث يعمل على رفع كفاءة وترشيد استخدام الأموال عن طريق تخفيض التكلفة وتضخيم الإيرادات وزيادة معدل دوران الأصول المتداولة للوصول إلى أعلى معدل للاستثمار؛ بما يحقق لها أدنى سعر للزكاة. [10]

تدفع زكاة الثروة التجارية الإدارة لتحقيق أعلى كفاءة للاستثمار والموارد؛ حتى تخضع لسعر زكاة منخفض، وبالتالي فهي تثيب الإدارة عندما تحقق عائدًا مرتفعًا على استثماراتها، والعكس صحيح؛ فهي تعاقب الإدارة غير الكفء؛ التي حققت معدلات عائد متدنية.

ويفيد ذلك في وضع التشريعات المالية المعاصرة الخاصة بتحديد سعر الزكاة على الثروات المستحدثة، وتحديد أسعار الزكاة على الدخول المستحدثة، وتحديد مؤشرات ملائمة لأسعار الضرائب الوضعية التي يمكن تطبيقها في المجتمع الإسلامي اقتداء بالزكاة.

والخلاصة: إن زكاة المال فريضة من الفرائض؛ التي فرضها الإسلام على المسلمين، ومن مسئولية الحاكم تحصيلها وتوزيعها، وهي ركن من أركان النظام الاقتصادي الإسلامي.

وتوجد شروط لابد من توافرها –مجتمعة– في المال؛ حتى يكون خاضعًا للزكاة؛ وهي: الملكية التامة للمال، وبلوغ النصاب، وحولان الحول، وأن يكون المال ناميًا، وأن يكون فائضًا عن الحاجات الأصلية.

وكما توجد شروط في الأموال، توجد شروط في مصارف الزكاة، وأن الدراسات أثبتت مدى تأثير ذلك على التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

وتوجد عدة أسئلة في مصارف الزكاة، مثل ما هي الفئات المستحقة للزكاة؟ وما دورها في إرساء نظام الحماية الاجتماعية؟ وكيف تعمل على زيادة التشغيل ومحاربة البطالة والفقر؟ وما هو دور الزكاة في إعادة توزيع الدخل؟ وما هي الأعمال الخيرية الطوعية -بجانب فريضة الزكاة- التي تسهم في مواجهة مشكلة الفقر؟ وكلها تساؤلات تحتاج إلى إجابات؛ لبيان أن التصدي للفقر يعتبر من أولويات العمل الخيري في الاقتصاد الإسلامي.

المراجع
  1. متفق عليه.
  2. رواه الشيخان: البخاري بأرقام: 1395، و1458، و1496، و4347، و7371، و7372، ومسلم برقم 20.
  3. رواه مسلم في صحيحه برقم 2588.
  4. رواه البخاري في صحيحه برقم 1427.
  5. رواه النسائي.
  6. رواه أحمد والترمذي وابن ماجة.
  7. رواه البخاري في صحيحه برقم 1405.
  8. حديث أبي هريرة: رواه البخاري في صحيحه برقم 1464.
  9. انظر: عصام أبو النصر: تساؤلات معاصرة عن الزكاة والإجابة عليها (القاهرة: دار النشر للجامعات، 1427هـ = 2006م)، ص 33 – 52.
  10. كوثر الأبجي: بحث مقدم إلى المؤتمر العلمي السابع للإعجاز العلمي في القرآن والسنة (دبي: مجلة الاقتصاد الإسلامي، العدد 275 – صفر 1425هـ = إبريل 2004م).

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.