مع تزايد المساحة التي تحتلها القضية الكردية في عالم اليوم، وتمكن القوميون الكرد من تأسيس مناطق حكم ذاتي في أكثر من دولة، تزداد الحاجة إلى فهم القضية والتعرف على رموز هذه الحركة القومية، والاطلاع على تاريخ تلك المناطق، من أجل إدراك أعمق لأبعاد الموضوع.

ويعد كتاب «الحركة القومية الكردية المعاصرة من مصطفى البارزاني إلى مسعود البارزاني: وثائق ومستندات»، من الكتب التي تناولت مسيرة الحركة الكردية في العراق وركزت على سيرة مصطفى البارزاني تحديداً، بصفته مؤسس هذه الحركة.

يأتي الكتاب في 542 صفحة، وهو من إصدار المركز العربي الدولي للإعلام بالقاهرة عام 1998، ومن تأليف عبد القادر البريفكاني، وهو صحفي كردي من مواليد عام 1949 بكردستان العراق، وتخرج في كلية الآداب جامعة بغداد، وله أكثر من مؤلف عن الحركة الكردية في العراق.

ويتصدر الكتاب رسالة مكتوبة بخط اليد، مهداة من الشاعر العراقي الراحل محمد مهدي الجواهري، يمتدح فيها مصطفى البارزاني ويُنشد فيه شعراً، لكن الكتاب لم يُطبع إلا في العام التالي لوفاة الشاعر.

دور الكرد في الحضارة الإسلامية

ويتكون الكتاب من عشرة فصول، الأول بعنوان «دور الكرد في الحضارة الإسلامية»، يركز على ذكر إسهام الكرد في الحضارة الإسلامية منهم آلاف الفقهاء والعلماء والأدباء والشعراء والقادة الذين أسهموا في إثراء الحضارة الإسلامية، منهم سيبويه أشهر واضعي قواعد اللغة العربية، وابن خلكان، المؤرخ الشهير، وابن تيمية، المجتهد الفقيه، وأبو مسلم الخراساني، أبرز مؤسسي الدولة العباسية، وغيرهم.

ويستعرض نماذج لتأسيس دول كردية قديمة مثل الدولة الشدادية عام 951م، والدولة المروانية عام 862م، والإمارة العنّازية عام 991م، والحكومة الروادية عام 1029م، والشبنكارية عام 1035م، والشهرمانية (الأرتقية) عام 1090م، ومملكة الكرد عام 1245م، ويذكر الدور العسكري الذي لعبه القادة الكرد في حماية بلاد الإسلام بخاصة دولة الأتابكة وعلى رأسهم نور الدين زنكي، الذي كان صلاح الدين الأيوبي أحد قادة جيوشه، وأسس الأخير الدولة الأيوبية وكان معه الأمراء الأكراد الذين شاركوه كافة حروبه وفتوحاته.

وبموازاة نجاح صلاح الدين في توحيد مصر والشام تحت قيادته في مواجهة الصليبيين، استطاع زوج أخته ربيعة خاتون، القائد الأيوبي مظفر الدين كوكبري، السيطرة على معظم بلاد الأكراد، وأمد صلاح الدين بأعداد كبيرة من المقاتلين كان لهم دور كبير في المعارك بخاصة معركة حطين الفاصلة، وتعاقب الأيوبيون على حكم مصر وإمارات الشام لعقود.

ورغم ذلك ينتقد بعض القوميين الكرد صلاح الدين ويعتبرونه من الأكراد الذين لم يخدموا وطنهم كردستان، مع أن دوره ظل عالقاً في الذاكرة الغربية حتى إن الجنرال الفرنسي غورو لما دخل دمشق عام 1920م، ذهب إلى قبره وقال: ها قد عدنا يا صلاح الدين، وكذلك أعلن الجنرال اللنبي انتهاء الحروب الصليبية لما دخل القدس في الحرب العالمية الأولى.

وبحسب الوثائق البريطانية فقد كان مطروحًا بعد الحرب العالمية الأولى إنشاء دولتين كرديتين إلا أن بريطانيا عدلت عن ذلك وقررت إلحاق الموصل ومناطق الأكراد بالعراق في ظل جهاز حكم غير قادر على التصدي للانتفاضات الكردية المتتالية إلا بمساعدة الانجليز.

البارزانيون في معركة التحرر

والفصل الثاني بعنوان «البارزانيون في معركة التحرر» يتعرض لدور الأسرة البارزانية متجسداً في شيخ بارزان، الزعيم الروحي للطريقة النقشبندية، عن طريق توريث راية الإمامة ضمن إطار الأسرة المشيخية، إلى أن وصلت للشيخ عبد السلام الثاني الشقيق الأكبر لمصطفى البارزاني، الذي حاول إيصال مطالب قومه إلى الباب العالي العثماني، وقاد حركة احتجاجية ما بين عامي 1907م و1914م، وقاد شقيقه أحمد حركة احتجاجية أخرى ما بين عامي 1931م و1933م، وكانت التكايا النقشبندية مراكز لنشر الأفكار القومية مغلفة بإطار ديني مستمد من السلطة الروحية لشيوخ الطريقة.

بعد انهيار الدولة العثمانية توزعت مناطق الأكراد بين الدول، لذا يسمى الكرد محافظاتهم في إيران (كردستان الشرقية)، وفي العراق (كردستان الجنوبية)، وفي تركيا (كردستان الشمالية المركزية)، وفي سوريا (كردستان الجنوبية)، ويعتبرون سكان المناطق الأربع شعبًا واحدًا ويحلمون بتوحيدها.

ويلاحظ أن الكاتب تعمد إغفال ذكر سوريا صراحة لأن الظروف التي صدر فيها هذا الكتاب نهاية التسعينيات شهدت دعم النظام السوري للأكراد في العراق وتركيا، لذا تم تحاشي ذكر الوجود الكردي في سوريا مجاملة لدمشق، مع أن الكاتب يذكر وجود الأكراد في خمسة دول لكنه لا يذكر إلا تركيا والعراق وإيران متجاهلاً سوريا وأرمينيا.

تأثر مصطفى بشقيقه وشارك في الثورات والانتفاضات الكردية في أكثر من دولة؛ فشارك في دعم الانتفاضات الكردية في شرق تركيا، وعمل على إيقاظ الروح القومية لدى أكراد القوقاز داخل الاتحاد السوفيتي الذي عاش فيه 11 عاماً تقريباً، وعندما تأسست دولة مهاباد الكردية عام 1946م في غرب إيران، تولى القيادة العسكرية لقوات هذه الدولة الوليدة التي انهارت بعد عام واحد من تأسيسها، وأسس في نفس العام الحزب الديمقراطي الكردستاني في شمال العراق، واندمج فيه حزبي شورش ورزكاري السريين، وفي عام 1955م انضم له عدد من الماركسيين تبوأوا فيه مواقع قيادية، وفي العام التالي انضم له عدد من المنشقين عن الحزب الشيوعي العراقي، وفي عام 1993م اندمج فيه حزب الوحدة الكردستاني، كما عاد إليه كثير من المنشقين عنه.

ويعتبر الكاتب أن مصطفى البارزاني هو رائد الحركة القومية الكردية المعاصرة، وزعيم قومي يتجاوز تأثيره الحدود السياسية للدول، نظرًا لتأثيره اللافت في الأكراد في الدول المختلفة، وعلاقاته الواسعة التي استخدمها لخدمة قضيته؛ إذ عن طريق ارتباطه بالاتحاد السوفيتي نقل القضية الكردية من كونها شأناً محلياً إلى أن أصبحت قضية إقليمية ذات أبعاد دولية، فقد عرضها السوفيت على المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة عام 1963، رغم فشل هذه الخطوة وعدم حصولها على دعم دولي، مع العلم أن البارزاني لم يكن يعتنق الفكر الشيوعي، كما تواصل مع فرنسا وحاول إقناعها بنصرة القضية الكردية.

شهادة من التاريخ

والفصل الثالث بعنوان «شهادة من التاريخ» يتحدث فيه عن دور الحزب الديمقراطي الكردستاني في توحيد الأحزاب الكردية الصغيرة، وتنافسه على اجتذاب القواعد والنخب في منطقة كردستان العراق مع قوى اليسار والشيوعيين رغم كونه محسوباً عليهم أمام السلطات الملكية العراقية وتعرضه للملاحقة الأمنية.

وبعد وصول عبد الكريم قاسم إلى السلطة عام 1958م، عاد البرزاني من منفاه الاختياري في الاتحاد السوفيتي، وفُتحت الأبواب أمام الحزب الديمقراطي الكردستاني وأُفرج عن معتقليه، ونص الدستور المؤقت على المساواة بين العرب والكرد، ثم ما لبثت الأمور أن ساءت بين قاسم والبارزاني، ونفذ الأخير تطهيراً لحزبه بعد محاولات السلطة لاختراقه، كما حاولت إذكاء العداوات العشائرية في مناطق الأكراد، وشنت حملة اعتقالات ضد الحزب وأغلقت مقاره وصادرت أمواله، وتطورت الأمور حتى أعلن البرزاني ثورة سبتمبر/ أيلول 1961م، ولم يتم التوصل إلى هدنة إلا في فبراير/ شباط 1964م.

وفي أبريل/نيسان 1964م وقع انقسام كبير في الحزب يقوده السكرتير العام، إبراهيم أحمد، إذ عقد مؤتمراً حزبياً كبيراً تمخض عن إقالة البرزاني، فعقد الأخير المؤتمر السادس للحزب في يوليو/تموز 1964م، أعاد فيه تشكيل اللجنة المركزية، وشن هجوماً عسكرياً على خصومه الذين فروا إلى إيران، واتهمهم أنصار البرزاني بأنهم تحركوا بدعم من جهاز السافاك الإيراني بهدف إجهاض حركة التحرر الكردي منعاً لانتقال عدوى الثورة إلى إيران.

وحاولت حكومة عبد الرحمن البزاز التواصل مع المنشقين وحسم الأمور عسكرياً، ولم تنجح فأعلنت الحكومة تفاهمات يونيو/ حزيران 1966م لحل القضية سلمياً، وهو ما وافق عليه الحزب الديمقراطي الكردستاني في مؤتمره السابع في نوفمبر/تشرين الثاني 1966م معلناً تلبيتها للحد الأدنى من تطلعات الشعب الكردي وفي 11 آذار/مارس 1970م تم التوصل إلى اتفاق السلام الذي أوقف المواجهات العسكرية حتى عام 1974م.

من أجل نظرية للحركة القومية الكردية المعاصرة

وفي الفصل الرابع بعنوان «رؤية المستقبل من أجل نظرية للحركة القومية الكردية المعاصرة» يتطرق إلى الملامح الفكرية للمشروع القومي الكردي، ويعتبر الكاتب-معبراً عن وجهة نظر الحزب الديمقراطي الكردستاني- أن كلاً من الفكر السلفي والاتجاهات الغربية المستوردة لا يصلحان لكردستان، لاختلاف ظروف الزمان والمكان على الترتيب، ويختار الكاتب طريقاً ثالثاً دون أن يوضح ملامحه أو المنطلقات الفكرية له، بل ينتقد الرأسمالية والماركسية ويرفض التلفيق بينهما أيضاً، مكتفياً بعبارات فضفاضة مثل الهوية الكردية والروح الوطنية والتكامل والحرية ويعيد التأكيد على وحدة الشعب الكردي في كل الدول، ويشير إشارة عابرة إلى عدم التفريق بين الناس على أساس الجنس واللون والمعتقد، وذلك وسط بحر من العبارات الإنشائية والإطرائية، رغم توضيحه أن هذا الفصل تحديداً كُتب ليتضمن خلاصة ما جاد به مسعود البارزاني، الزعيم الثاني للحزب، خلال حواراته مع الكاتب أثناء إعداده لهذه المادة.

ثم يتحدث عن مصادر النظرية التي لم يفصح عنها، ويحددها بثلاثة هي: التاريخ الكردي، والفكر الفلسفي، والفكر العلمي، مبيناً أن المدرسة القومية البارزانية قضت على التناقض بين الدين من جهة والقومية والاشتراكية من جهة أخرى.

ولا يتطرق الكاتب هنا إلى موقف الحزب «الديمقراطي» من الديمقراطية فلسفة وممارسة رغم تسمية الحزب بها، ولا يفسر بشكل واضح وجدي سر تمسك آل البرزاني بالقيادة وتوريثها، ويتجاهل تفسير فشل تجربة المشاركة مع الحزب الوطني الكردستاني في إدارة الإقليم بعد انتخابات عام 1992م، ووصول الأمور إلى حد الاقتتال المسلح بين الطرفين.

ولا يشير الكاتب أصلاً إلى ذكر الحزب الوطني الكردستاني إلا بصفته مجموعة من «دعاة إثارة الغبار» أو «أصحاب الانشقاق الثاني»، ويحط من شأنهم بشدة مستخدماً عبارات ركيكة، لأن الكتاب صدر في غمرة الخلاف بين الحزبين، وظهرت الطبعة الأولى منه قبل نحو شهرين من إبرام اتفاق السلام بينهما بوساطة أمريكية وبريطانية في أغسطس/ آب 1998م.

ومن الملاحظ أيضاً تجاهل الكاتب لذكر مرحلة الفراغ في إقليم كردستان عقب هرب قيادات الحزب الديمقراطي الكردستاني عام 1975م إلى إيران (التي اتهم خصومه بالعمالة لها)، وظهور الحزب الوطني الكردستاني وملء هذا الفراغ.

خارطة سياسية عشية الانتفاضة

ويأتي الفصل الخامس بعنوان «خارطة سياسية عشية الانتفاضة»، ويقصد بها انتفاضة الأكراد في مارس/ آذار 1991م ضد نظام الرئيس صدام حسين، بقيادة مسعود البارزاني، الذي تولى قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني بعد وفاة والده عام 1979م، واستغل مسعود هزيمة الجيش العراقي أمام التحالف الدولي بعد غزو الكويت وأعلن تحرير إقليم كردستان وسيطر على مدينة كركوك معلناً ضمها إلى مناطق الأكراد، بالتزامن مع اشتعال انتفاضة الشيعة في محافظات الجنوب العراقي، لكن صدام قمع المحتجين بمنتهى العنف، وسقطت أعداد هائلة من الضحايا.

ويذكر الكاتب بفخر كيف استطاع مسعود البارزاني الصمود في وجه تقدم القوات البرية العراقية في معركة وادي كوري بعد سحق الانتفاضة، ونجاحه في حماية انسحاب اللاجئين الكرد من مجازر أخرى، وينوه بدوره في حشد الرأي العام الغربي ضد بغداد، وزياراته للعواصم الأوروبية وتأليبهم على نظام صدام حسين.

ومع رفض الغرب تقسيم العراق كي لا يقع تحت السيطرة الإيرانية فإن ثورة الأكراد وما نتج عنها من مجازر جعلت الولايات المتحدة تتدخل في شمال العراق لفرض منطقة آمنة.

ومع أن الغرب تفاعل مع الأكراد إنسانياً لكنه لم يدعم قضية استقلالهم، وهنا ركز مسعود البارزاني على هدف مرحلي معلن يستطيع حشد الدعم له؛ وهو الحكم الذاتي داخل إطار الدولة العراقية، تفادياً لإثارة فزع دول الجوار ودفعها للتكتل ضد الطموحات الكردية.

تجربة الحكم

ويأتي الفصل السادس بعنوان «رؤى مسعود البارزاني» ليناقش آراءه في الديمقراطية والإدارة الفيدرالية والتجربة البرلمانية، وهو يشير هنا إلى تجربة انتخابات عام 1992م في إقليم كردستان بعد توفير الولايات المتحدة الأمريكية منطقة آمنة في شمال العراق تقاسمها حزبي الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني فيما بينهما، وخاض ممثلوهم الانتخابات التي تمخض عنها أول برلمان محلي كردي، وإنشاء حكومة محلية للإقليم يشترك فيها الحزبان.

وصوت البرلمان الكردي بعد انتخابه عام 1992م على اعتماد النموذج الفيدرالي، ويرجع ذلك إلى فشل تجربة الحكم الذاتي التي اعتبرها الأكراد سلطة صورية، كما حرصوا على توضيح عدم مطالبتهم بالانفصال عن العراق، وأن المقصود هو نموذج الدولة الواحدة التي تتضمن كيانات دستورية متعددة لكل منها نظامها القانوني الخاص وتخضع في النهاية إلى الدستور الفيدرالي على غرار نماذج الولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا وكندا، واستندوا في ذلك إلى القانون الدولي ومبادئ الأمم المتحدة التي تقر حق تقرير المصير.

وحصل الحزب الديمقراطى الكردستاني على المركز الأول في الانتخابات عام 1992م بنسبة 45% دون أن يتمكن من تحقيق الأغلبية، تلاه الحزب الوطني الكردستاني بنسبة 43.6%، وفي العام التالي انضم للحزب الديمقراطي حزبان صغيران مما جعله يعلن حصوله على الأغلبية التي تؤهله للانفراد بالسلطة وطلب من الحزب الوطني الكردستاني التخلي عن مشاركته في الحكم والانتقال إلى مواقع المعارضة وهو ما لم يحدث وأدى إلى فتنة بين الطرفين وصلت إلى الاقتتال ولم يتم إجراء الانتخابات التالية في موعدها بسبب المواجهات العسكرية بين الحزبين.

مراحل التطبيق

ويأتي الفصل السابع بعنوان «مراحل التطبيق» ليفسر سبب عدم قيام دولة مركزية في الأزمان الغابرة في منطقة كردستان، وهو وعورة التضاريس التي أبطلت المفعول التدميري للحملات العسكرية الغازية، إلى جانب الترابط القبلي مما جعل الغزاة يفشلون في السيطرة الشاملة على كردستان مما نفى الحاجة إلى إنشاء دولة مركزية تحمي المنطقة، كما أن مناعة الطبيعة أعاقت الأمراء الأكراد أنفسهم عن إقامة دولة مركزية، كما أن نظام الري الزراعي المعتمد على الأمطار والعيون والأنهر الصغيرة نفى الحاجة إلى دولة تنشئ مشاريع الري الكبرى، إذ كانت ظروف الري سبباً رئيسياً في ظهور الدول المركزية في وادي الرافدين قديماً.

وفي العصر الحديث أسهمت الدول الاستعمارية في تجزئة وتشتيت شمل الأكراد وفقاً لما تمليه مصلحة هذه الدول، إلى أن استطاع الكرد تنظيم أنفسهم مؤخراً لكن بعد أن ورثوا تعقيدات كثيرة تراكمت على مر الزمان.

ويستعرض بشكل مسهب صلاحيات وضوابط عمل أجهزة الحكم في الإقليم التابعة للسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وتشكيلة الحكومات الثلاث التي تشكلت في 1992م و1993م و1996م.

آثار الماضي

ويأتي الفصل الثامن بعنوان «القضية الكردية تستقبل القرن الحادي والعشرين» يستعرض أثر التقسيم التاريخي الذي تعرض له الأكراد بعد موقعة جالديران عام 1514م، فالشق الصفوي الإيراني منهم واجه قمعاً فائقاً بينما عايش الشق الغربي تجربة الحكم الذاتي في إطار السلطنة العثمانية، كما أدى استحداث الحاكم الإيراني نادر شاه، لسياسة تجنيد الكرد إلى مآس كبيرة لهم، مبيناً أن العثمانيين استنوا بسنته تلك لاحقاً، وكذلك أدت حملات التهجير القسري إلى تشتيت شمل الأكراد وتمزيق وحدتهم.

لكن تجربة الحكم المحلي الحكم البريطاني لكردستان أرست نموذجاً مخالفاً لما كان عليه الحال في تركيا وإيران مما قوى المشاعر الاستقلالية لدى أكراد العراق، فأصبحت منطقتهم بدءاً من العقد الثاني للقرن العشرين قبلة أنظار الكرد من الدول المجاورة، كما أن انتشار التعليم في تلك الفترة أنتج طبقة من المتعلمين تحمل الوعي القومي، وأدى تطور المطالب القومية الكردية في العراق والخطوات التي تحققت هناك إلى تحفيز الأكراد الآخرين في الدول المجاورة.

بينما ارتبطت الأحزاب الكردية في إيران وتركيا بالأيديولوجية اليسارية وانحازت إلى الشرق الذي لم ينصرها كما كان متوقعاً، وبالتالي فإن الدرس المستخلص من المسيرة السابقة أن القضية يجب ألا ترتهن بالأجندات المتغيرة للدول بل بالاعتماد على الكفاح لإجبار الدول على الاعتراف بالحركة الكردية، كما أن الكاتب يخلص إلى أن الخبرة التاريخية للأكراد تقود إلى اعتبار الدول العربية أكبر جهة تتفهم مشاكلهم وتطلعاتهم مقارنة بإيران وتركيا.

ويبين وجود قناعة مفادها أن الرهان على العواصم الأوروبية في السابق كان خطأ وأن العواصم العربية كانت أقرب وأفضل، مستشهداً بدعوة أول أمين عام لجامعة الدول العربية، عبد الرحمن عزام، إلى مراعاة مشاعر الكرد وإقرار حقهم في تقرير المصير، وهذه روح ليس لها نظير لدى الترك والفرس على حد قول الكاتب، مشيراً إلى تميز العرب بعدم وجود حساسية لديهم تجاه الأكراد وتقبلوا زعامة وتفوق الكثير منهم مثل الإمام محمد عبده، وأمير الشعراء أحمد شوقي، والأديب عباس العقاد، ومحمد كرد علي، مؤسس المجمع العلمي السوري، وغيرهم، لافتاً إلى أن العلاقات بين العرب والأكراد ستكون أكثر انسجاماً في ظل النظام الفيدرالي الذي عاش الكرد في ظله في العهد العثماني، محذراً من تسلل ما يسميه التشدد الديني إلى الحركات الإسلامية الكردية، وكذلك التشدد الأيديولوجي اليساري الذي يرى أنه أضر بالقضية كذلك.

ويأتي الفصل التاسع بعنوان «آفاق المستقبل» وفيه يورد الكاتب إجابات لمسعود البارزاني على أسئلة لم يذكرها لكنه يورد الاجابات فقط، وكلها تقريباً عن أسلوب قيادته ونظرته للأمور وتعامله مع التحديات.

والفصل العاشر يضم تسعة ملاحق أورد فيها الكاتب بعض الصور الفوتوغرافية لقادة الحركة الكردية ووثائق متعلقة بالمواقف والمحطات التي مرت مسيرة البرزاني، وتأخذ هذه الملاحق حيزاً كبيراً من الكتاب يقارب نصفه أو أقل.

ويعد هذا الكتاب محاولة لتأريخ مسيرة الحزب الديمقراطي الكردستاني من جانب شخص مقرب من زعيمه مسعود البارزاني، وليس تأريخاً لمجمل مسيرة الحركة القومية الكردية المعاصرة كما يوحي عنوانه، كما تتسم لغة الكتاب بنبرة دعائية مبالغ فيها، وتجاهل لمجهودات الأطراف الكردية الأخرى بخاصة الحزب الوطني الكردستاني، ويحصر مسيرة التحرر الكردي في مسيرة آل البرزاني، ويشير إلى صعوبة الفصل بين الأمرين، ويستشهد بعبارة «إن قصة الثورة الكردية إنما هي قصة مصطفى البارزاني» المنسوبة إلى المحلل العسكري البريطاني، الميجر أدغار أوبالانس، في كتابه «الثورة الكردية»، ويوردها على الغلاف الخلفي للكتاب.

إلا أن هذا الاختزال لا ينفي أهمية هذا الكتاب الذي يؤرخ لأكبر الأحزاب الكردية وأكثرها نفوذاً وقوة في العالم، ويعطي لمحة عامة عن الرواية التي يؤرخ بها الحزب لمسيرة الحركة القومية الكردية التي كان الحزب عمودها الفقري وما زال حتى اليوم حاكماً لإقليم كردستان العراق، بعد أن تنحى مسعود البارزاني عن الحكم عقب فشل محاولته الاستقلالية عام 2017م.