السادسة والنصف من مساء السبت 22 يونيو/ حزيران 2019 تقتحم مجموعة مسلحة غير معلومة الهوية مكتب رئيس ولاية أمهرة «أمباتشو مكونن»، بالتوازي تقتحم مجموعة أخرى مكتب مستشاره «إزيز واسساي». تناقلت وسائل الإعلام الإثيوبية الخبر سريعًا تحت عنوان «انقلاب في الولاية»، ثم تسارعت وتيرة الأحداث بشكل ملحوظ في الساعات المبكرة من صباح الأحد 23 يونيو/ حزيران 2019. قُتل رئيس أمهره ومستشاره في تبادل لإطلاق النار مع مجموعةٍ أخرى كانت تحاصر مقر الولاية من الخارج.

المتحدثة باسم آبي أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبي،وصفتها بالمحاولة الانقلابية الفاشلة، وأعلنت أن قائدها هو رئيس جهاز الأمن الإثيوبي في أمهرة، وأن الهدف كان تنحية الحاكم المحلي للولاية.

ثم أعلنت رئاسة الوزراء مقتل الجنرال المتقاعد «جيزاي ابيرا»، لقي حتفه هو ورئيس الأركان الإثيوبي «سيري ميكونين» أثناء تواجدهما في منزل الأخير في أديس أبابا على يد حارسه الشخصي. عملية مقتل الجنرال ورئيس الأركان كانت منفصلة مكانيًا عن الانقلاب، إلا أن التوافق الزمني جعل آبي أحمد وأجهزة الأمن الإثيوبية تربط بينهما، خاصةً بعد تأكيد السكرتير الصحفي لرئيس الوزراء، بيلين سيوم، أنهما كانا يخططان ردًا فوريًا على محاولة الانقلاب.


لأول مرة بالزي العسكري

للمرة الأولى منذ توليه خرج آبي أحمد مرتديًا الزي العسكري ليُعلن ما حدث بشكل رسمي. كان دبلوماسيًا كعادته فلم يوجه الاتهام إلى جهة مُحددة، بل صرّح أن من قام بهذه المحاولة هم «جهات مأجورة» تحاول منذ 30 عامًا القيام بعمليات مشابهة لكنها دائمًا ما تفشل. بدا آبي أحمد هادئًا وهو يعلن أن كل شيء تحت السيطرة حاليًا، وأن البلاد عامةً والإقليم خاصةً تحت السيطرة.

لكن صحفًا محلية كثيرة لا توافقه الرأي، وتتحدث عن عمليات قتال وتبادل لإطلاق النار تحدث في مكتب الحزب الحاكم وفي مقرات الدولة في الولاية. ووصفت الصحافة المحلية الوضع بأنه ما زال خطيرًا وقابلًا للتصعيد، ليس هادئًا كما يقول آبي أحمد. رواية الصحف المحلية يمكن تصديقها في ضوء تصريحات تفيرا مامو، قائد القوات الخاصة في أمهرة، للتليفزيون الرسمي، إذ صرح بأن عددًا كبيرًا ممن قاموا بالانقلاب تم القبض عليهم، لكن ما يزال بعضهم طليقًا يحاول التخلص من قوات الأمن الملاحقة لهم.

اقرأ أيضًا:آبي أحمد: هل نشهد ميلاد قائد أفريقي طال انتظاره؟

رغم وجود رئيس جهاز الأمن على رأس المُقتحمين، لم يقتنع العديدون بأنه العقل المُدبر لهذا الانقلاب. العقل المُدبر، طبقًا لبيان حزب أمهرة الديموقراطي، هو «أسامنيو تسيجي». وتسيجي هذا قائدٌ عسكريٌ سابقٌ في الجيش الإثيوبي. يُدّعم ذلك الشك أن الاجتماع الذي تمت مهاجمته كان بين مسئولين اتحاديين ورئيس ولاية أمهرة لوضع حدٍ لقيام أسامنيو بتجنيد ميلشيا عرقية على مرأى ومسمع من الجميع.

بالعودة إلى الوراء أسبوعًا واحدًا سنجد أسامنيو ينشر مقطعًا مُصورًا يوجه الخطاب فيه إلى أبناء العرق الأمهري. حث أسامنيو شباب العرق الأمهري أن يتسلحوا بما يستطيعون حمله من السلاح، وأن يعلموا جيدًا أنهم أبناء أكبر جماعةٍ عرقية في إثيوبيا. خطوة أبعد إلى الوراء عامًا أو أكثر قليلًا، نجد اسم أسامنيو ضمن قائمة السجناء السياسيين الذين أفرج عنهم آبي أحمد، ومنح آبي أحمد الرجل حق التقاعد وأعاد إليه رتبته وجميع ألقابه السابقة.


توابع الانقلاب

إثيوبيا بلدٌ عانى الويلات من أعمال العنف والحروب الأهلية، قد يعني ذلك أن البلد لا يريد العودة إليها مرةً أخرى، وقد يعني أن البلد لديه من الحزازات القديمة ما يجعله قابلًا للاشتعال على أبسط الأسباب. وبعد انتشار خبر الاقتحام مساء السبت بساعاتٍ محدودة،بدأت أعمال عنف وإطلاق نار في أديس أبابا، وتحدث شهود عن سماع دوي أعيرة نارية قرب مطار بولي الدولي.

ولم تسلم عاصمة ولاية أمهرة «بحر دار» من العنف، إذ استمر إطلاق النار لمدة 4 ساعات ثم توقف. بعد هذه الساعات الأربعة عادت الأسلحة للزئير لكنّها كانت أسلحةً ثقيلةً هذه المرة بجانب إغلاق العديد من الطرق الرئيسية. كما أعلنت عدة منظمات معنيّة بمراقبة سرعة الإنترنت حول العالم أن نسبة ولوج المواطنين إلى الإنترنت انخفضت بشكل لافت بعد المحاولة الفاشلة بـ 7 ساعات.

اقرأ أيضًا:بعد محاولة الاغتيال: هل تقف إثيوبيا على شفير حرب أهلية؟

الانقلاب وما يمكن أن يتبعه من عنف عِرقي يمثل تحديًا جديدًا يُضاف إلى التحديات التي تواجه رئيس الوزراء آبي أحمد، خاصة وأنه يقود حملةً إصلاحيةً موسعة تمثلت حتى الآن في رفع الحظر عن الأحزاب السياسية، ومحاكمة عدة مسئولين سياسيين بتهم ارتكاب انتهاك لحقوق الإنسان، كما أفرج عن المعتقلين السياسيين، كما حقق صلحًا تاريخيًا مع العدو اللدود إريتيريا بعد سنواتٍ مريرة من الصراع. إلا أنّه من الواضح أن التحدي الأكبر الذي لم يقدر على مواجهته حتى الآن أنه من جماعة «الأورمو».

تواترتالأحاديث عن جبهة أخرى فُتحت على آبي أحمد وهو لم يلتقط أنفاسه بعد من الانقلاب، جبهة المجلس العسكري في السودان. إذ كان رد فعل العسكري سريعًا؛ استدعاء للمبعوث الإثيوبي وإبلاغه احتجاجًا رسميًا. بعد أن أثمرت الوساطة الإثيوبية منفردةً عن اتفاقية بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، تواترت الأخبار أن المجلس العسكري سوف يُعلق نتائج تلك الوساطة. يستغل المجلس العسكري الارتباك الإثيوبي الداخلي في رفض وساطة إثيوبيا تحت حجة الرغبة في أن تتوحد إثيوبيا مع الجهود الأفريقية للوساطة، لا أن تبقى تعزف منفردةً.


الموت أو الخضوع؟

مطالبة المجلس العسكري السوداني لآبي أحمد بالتنسيق مع بقية الدول الأفريقية يمكن المجازفة بالقياس عليها لاستقراء هدف يمكن أن جوهر تلك المحاولة الانقلابية إخضاع آبي أحمد. ففي هذا التاريخ تحديدًا 23 يونيو/ حزيران 2018 تعرض آبي أحمد لمحاولة اغتيال نتجت عن سياساته الإصلاحية في الداخل الإثيوبي. أصابع الاتهام حينها أشارت إلى يد داخلية تخشى على مصالحها من إصلاحات آبي أحمد دون الحديث عن دعم خارجي.

لكن انقلاب يونيو/ حزيران 2019 ورد الفعل السوداني السريع يضع سيناريو مختلفًا هذه المرة، أن الهدف هو تحجيم طموح السياسي الشاب الذي اتسعت أحلامه من مجرد خلق منطقة سلام بلا مشاكل إقليمية مع دول الجوار، إلى الوساطة بين فرقاء سياسيين لم يستطع الاتحاد الأفريقي أن ينجح في التوفيق بينهم. نجاح الوساطة الإثيوبية كان يعني نفوذًا عميقًا وطويلًا لإثيوبيا في السودان، وهو ما لم ترده ربما بعض القوى الخارجية.

فشل تلك المحاولة تلك يعطي مزيدًا من القوة والثبات لآبي أحمد، لكنه لا يعني أنها الأخيرة، لكن يعني أن المحاولة القادمة سوف تكون أقوى، وعلى السياسي الشاب أن يستعد جيدًا!