من الأفضل أن تبقى مجموعة العشرين ناديًا اقتصاديًًا لأهم لاعبي السوق العالمية، فلا يجوز للمجموعة أن تتدخل في الموضوعات السياسية الدولية.

كانت هذه كلمات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حديث له قبيل قمة العشرين الـ 11 في مدينة «هنجتشو» الصينية يومي 4 و5 سبتمبر/أيلول 2016، والتي تختص بمناقشة القضايا الاقتصادية والأزمات المالية في ظل تراجع اقتصادي عالمي واضطرابات سياسية وحروب بالوكالة، تمتد في العديد من بؤر العالم الساخنة المتورطة فيها العديد من القوى الدولية والإقليمية مثل الأزمة الأوكرانية والسورية والنزاع في بحر الصين الجنوبي.


جدول أعمال القمة

عملت الصين على وضع أجندة قوية للقمة تحاول إيجاد قدر من التوافق بين الأعضاء لتنشيط الوضع الاقتصادي العالمي والحد من تأثير الصراعات السياسية والعسكرية، وحددت لها أربع أولويات رئيسية هي: فتح طريق جديد للنمو، الحوكمة الاقتصادية والمالية العالمية الأكثر فعالية وكفاءة، تنشيط التجارة والاستثمار الدوليين، التنمية الشاملة والمترابطة، ولتحقيق هذه الأهداف ستناقش القمة موضوعات عدة ومنها:

ـ بحث موضوع التنمية الشاملة والمترابطة، وهذا يستلزم تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز التنسيق بين نمو الاقتصادات المختلفة.

ـ بحث تنشيط التجارة والاستثمارات الدولية؛ بهدف تعزيز التفاهم وتوسيع التوافق عبر الاستخدام الفعال للآلية التعددية لمنظمة التجارة العالمية والاتصال الاقتصادي الثنائي.

ـ ستتقدم الصين باقتراح عن التعاون؛ لتدعيم تحول أفريقيا والدول الأقل تقدمًا للصناعة، ودعم تلك الدول لتسريع وتيرة التحول للصناعة، وتقليل الفقر والسعي للتنمية المستدامة.


الأهداف

حددت الصين مجموعة من الأهداف بالتعاون مع باقي أعضاء مجموعة العشرين للخروج بها من القمة للمساهمة في تحريك الاقتصاد العالمي، وتمثلت أبرز الأهداف والإنجازات المرجوة في وضع التالي:

  • خطط تركز على زخم النمو العالمي على المدى الطويل.
  • خطة عمل لجدول أعمال التنمية المستدامة عام 2030 وتنفيذها.
  • إستراتيجية لزيادة التجارة العالمية.
  • مبادئ توجيهية على سياسات الاستثمارات العالمية.
  • تعميق إصلاح الهيكل المالي الدولي.
  • وضع خطط لمكافحة الفساد.
  • إطلاق مبادرة التعاون لدعم التصنيع في أفريقيا والبلدان النامية.

خلاف المشاركين

تحاول الصين والتي بذلت جهودًا كبيرة في التحضير للقمة في تقليل تأثير الصراعات السياسية على مخرجات الاجتماعات، ولكن هذا من الصعب تجاهله لذا من الصعب أن تتحقق أمنية بوتين في تجنب القضايا السياسية مثل الأزمة السورية وتناولها في محافل أخرى؛ لهذا ستكون هناك لقاءات هامشية على جانب القمة من أجل إيجاد حل للأزمات السياسية المزمنة والحروب التي أنهكت الجميع وأصبح مستنزفًا فيها.

الأزمة السورية

من ضمن القضايا الأكثر اشتعالًا في منطقة الشرق الأوسط والتي ما زالت مستمرة منذ خمس سنوات، وترتب عليها أزمات تعدت حدودها وإقليمها وأهمها أزمات اللاجئين وتنامي الجماعات الإرهابية مثل تنظيم داعش. فمثلا سيبحث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأزمة السورية خلال لقاءاته مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (لأول مرة تشارك مصر في القمة)، وولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وتعتبر هذه القمة من الفرص الأخيرة لحدوث لقاء مباشر بين بوتين ونظيره الأمريكي، باراك أوباما، الذي قارب على الرحيل من البيت الأبيض؛ لذا قد يستغل الطرفان اللقاء الأخير في التوصل ولو لحلول جزئية مقبولة من قبل أغلب الأطراف وهذا ما صرح به بوتين بأنه من الممكن أن يتوصل لحل خلال القمة مع نظيره الأمريكي خاصة وأن القمة ستشهد حضور فاعلين في هذه الأزمة مثل تركيا والتي تغيرت توجهاتها كثيرًا بعد الانقلاب الفاشل بحدوث تقارب وإن كان مرحليًا مع روسيا وإيران بل وإمكانية التفاهم مع النظام السوري ذاته، كذلك بدأت الصين تأخذ منحى آخر من الأزمة بتعاونها عسكريًا مع نظام بشار الأسد مما سيزيد الأمر صعوبة على واشنطن وحلفائها في سوريا.

الأزمة الأوكرانية

بخلاف الأزمة السورية تعتبر أوكرانيا منحصرة في الأطراف الغربية حيث روسيا والانفصاليين الموالين لها في أوكرانيا من جانب وأغلب دول أوروبا ومعهم الولايات المتحدة من جانب آخر؛ ولهذا سيجري بوتين لقاءين منفصلين مع نظيره الفرنسي فرانسوا هولاند، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، لبحث مستجدات الأوضاع في أوكرانيا.

واستبقت موسكو القمة بحشد وحداتها العسكرية في مناطق تابعة للانفصاليين في أوكرانيا وفي مناطق بإقليم القرم والذي ضمته إليها في ظل رفض أمريكي وأوروبي لهذه الخطوة، وذلك في مؤشر على استعدادها لخوض القتال؛ لذا ليس من المرجح أن يتوصلوا لحل بشأن الأزمة مع استمرار التصعيد الروسي وانشغال أوروبا بأزمات أخرى وأهمها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وأزمة الإرهاب واللاجئين.

بحر الصين الجنوبي

تتنازع الدول المجاورة لبحر الصين الجنوبي على سيادة بعض الجزر فيه. ولكن شهدت الفترة الأخيرة تزايدًا في حدة هذا الصراع حيث تدّعي السيادة على جزره كاملة أو بعضها كل من تايوان، والصين، وفيتنام، والفلبين، وماليزيا، وبروناي، وعززت الصين وجودها ببناء الجزر ونشرت قوات عسكرية على بعض الجزر وهذا ما أثار مخاوف القوى الكبرى وخاصة الولايات المتحدة والتي أعلن وزير خارجيتها جون كيري يوم 31 أغسطس/آب 2016، أن النزاع في هذه المنطقة لن يُحل عسكريًا.

ورغم أن اليابان ليست لها مطالب في بحر الصين الجنوبي، إلا أنها تطالب بحرية الملاحة فيه، إلا أن بكين تتهمها بإشعال التوتر في هذه المنطقة؛ ولهذا دعت طوكيو بأن تقوم بدور بناء في القمة ومعتبرة أن هذه مشكلات ليست في صالح أي طرف، رغم إعلان وزارة الخارجية الصينية أن القمة ليست المكان المناسب للحديث عن مثل هذه القضية فهي منصة يتم عبرها تحديد الأولويات الاقتصادية والمالية الدولية.

أزمة أسعار النفط

تعاني أسعار النفط من انخفاض شديد والذي وصل ما دون 50 دولار للبرميل، وتأثرت الدول المنتجة بشكل كبير جراء هذا الانخفاض مثل روسيا وإيران اللتان تشهدان ظروفًا اقتصادية صعبة نتيجة لتورطهما في أزمات عدة مثل الحرب السورية، حيث أعرب بوتين قبيل القمة عن رغبة بلاده في التوصل إلى اتفاق حول مسألة تثبيت إنتاج النفط. وتأتي هذه الدعوات المتكررة ردًا على المساعي الأمريكية بالتعاون مع بعض الدول النفطية وخاصة دول الخليج في استمرار انخفاض أسعار النفط لفترة معينة للضغط على موسكو وطهران لتغيير مواقفهم من بعض الأزمات والصراعات.

مع كثرة الخلافات وتناقض السياسات في العديد من أزمات المنطقة بين أعضاء قمة العشرين؛ فمن المتوقع أن يكون لهذه النزاعات تأثيرات واضحة على نتائج القمة مثل سابقتها في أنطاليا التركية في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، حيث خرجت بتوافق حول حلول مقترحة للأزمة السورية ومحاربة الإرهاب وقضايا أخرى، إلا أن هذه الأزمات مستمرة بل في تزايد وتوظيف من قبل جميع الأطراف وهذا يؤثر على إمكانية إيجاد توافق يخدم الجميع في مجالات التجارة والاقتصاد.


هل تنجح القمة؟

تنعقد القمة في ظل تحديات عدة أبرزها: تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني، تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. أكد تقرير لصندوق النقد الدولي أن خروجها ينطوي على مخاطر هبوط مؤكدة في معدلات النمو العالمي، الاضطرابات والنزاعات الدولية والإقليمية، تنامي قوة التنظيمات الإرهابية، سيطرة بعض الدول الكبرى على القرارات الهامة وسعيها لتحقيق أهداف خاصة بها؛ لذا مع استمرار هذه التحديات وعدم التوصل حتى الآن لخطط فعالة لمواجهتها أو التوافق حولها فإنها ستؤثر على مخرجات القمة الاقتصادية قبل السياسية.

ورغم تلك العقبات هناك تطلّع لأن تساهم الصين وباقي المجموعة في تعزيز التنمية المستدامة، وتوسيع التجارة والاستثمارات، وإيجاد حل لتراجع معدلات النمو الاقتصادي العالمية، وليس سعي بعض القوى لتوظيف القمة لعقد تسويات على حساب باقي دول العالم للحفاظ على مشاريعهم عبر آليات تبدو في ظاهرها ديمقراطية وتشاركية ولكنها إحدى أدوات الهيمنة الجديدة.

ختامًا: رغم ما يبدو من تقارب سواء مرحلي أو تكتيكي في بعض القضايا سواء الاقتصادية أو السياسية، فإن ما لم تحسمه المفاوضات والمشاورات المستمرة بشأن الأزمات السابقة وغيرها فإنه من الصعب أن تحسمه هذه القمة في ظل تمسك كل طرف برؤيته واستغلال حالات الضعف التي يمر بها الطرف الآخر لتعزيز مكاسبه وعدم القدرة على التوصل لحلول توافقية؛ لأن الجميع على ما يبدو يريدها لعبة صفرية.