أعدت مجلة «النيويوركر» الأمريكية في شهر يناير/ كانون الثاني الماضي تقريراً عن ظاهرة لافتة بدأت بالانتشار مؤخراً بين العديد من أثرياء الولايات المتحدة الأمريكية، ألا وهي ظاهرة بناء الملاجئ الفارهة تحت الأرض، التي تحول تشييدها إلى صناعة مربحة هناك في الآونة الأخيرة.

وكما جاء في التقرير فإن أكثر من نصف المليارديرات في وادي السيليكون بولاية كاليفورنيا شرعوا في استعدادات لافتة من هذا القبيل. ومن بين تلك الاستعدادات تخزين الأغذية والأسلحة وشراء الأراضي والعقارات والملاجئ الفارهة.

وتأتي تلك الاستعدادات تخوفاً من العديد من المخاطر، أبرزها حدوث توترات وأزمات سياسية وعرقية في الولايات المتحدة خلال إدارة الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب الذي بلغ التوتر العرقي المكتوم بعد وصوله إلى الحكم مراحل مقلقة، نتيجةً لخطابه السياسي الشعبوي والجماهير المؤيدة له من ذوي النزعة العنصرية، في مقابل جمهرة واسعة مناوئة لحكمه تقوم بالتظاهر ضده بشكل مستمر، وتدعو يومياً إلى التصعيد السياسي إزاءه إلى درجة المناداة إلي الإطاحة به بانقلاب عسكري، كما دعت على سبيل المثال مؤخراً الممثلة الامريكية سارة سيلفرمان، وهو ما تزامن مع تحليلات واسعة تناولت بالفعل سيناريوهات الإطاحة بالرجل، سواء بانقلاب عسكري، أو عزله بعد اتهامه إما بجناية أو جنحة أو بفضيحة جنسية، أو بعد إقرار أغلبية الكونجرس ومجلس الشيوخ بعدم استطاعته مزاولة المهام الرئاسية.

كل هذا فضلاً عن التوترات العرقية التي اندلعت في الفترة الماضية، بسبب الجرائم والانتهاكات العنصرية التي قام بها العديد من رجال الشرطة في الولايات المتحدة ضد أمريكيين من ذوي البشرة السمراء، وهي توترات عميقة ومتراكمة يمكن أن تنفجر في أي لحظة إثر أي حادث من هذا القبيل في الفترة المقبلة.


استعدادات بعض النخب الأمريكية لتفادي الكارثة المتوقعة

في الربيع الماضي، وبسبب كشف الحملة الانتخابية الرئاسية عن الانقسامات الكبيرة في أميركا، اشترى المدير السابق في شركة فيسبوك، غارسيا مارتينيز، مؤلِّف مذكرات «Chaos Monkeys»، وهي مُذكِّرات لاذعة عن وادي السيليكون، خمسة أفدنة من الأراضي المُشجَّرة على جزيرة في شمال غربي المحيط الهادي، وأحضر مولِّداتٍ للكهرباء، وألواحاً للطاقة الشمسية، والآلاف من طلقات الذخيرة.

في إطار الاستعدادات لحدوث فوضي محتملة في أمريكا خلال الفترة المقبلة أراد مارتينيز، ملجأً يكون بعيداً عن المدن، إلا أنه ليس معزولاً تماماً. حيث قال: «كل هؤلاء الرجال يعتقدون أنَّ رجلاً واحداً بمفرده قادرٌ على التصدي بطريقةٍ أو بأخرى للغوغاء الذين سيهيمون على وجوههم -في حال حدوث كارثة- كلَّا، ستحتاج إلى تكوين ميليشيا محلِّية. تحتاج إلى الكثير من الأمور لتنجو حقاً من الانهيار».

http://gty.im/457105552

يذكر تقرير النيويوركر أنه بمجرد أن شرع مارتينيز في إخبار زملائه في منطقة خليج سان فرانسيسكو عن مشروع جزيرته الصغيرة، بدأ هؤلاء في التخلّي عن صمتهم، والحديث عن تجهيزاتهم الخاصة. ويعلق مارتينيز على ذلك بالقول: «أعتقد أنَّ الناس المُتفهِّمين حقاً للدعامات التي يعمل على أساسها المجتمع يفهمون أنَّنا الآن في وضعٍ خطيرٍ ثقافياً».

غارسيا مارتينيز ليس استثناء وحده في هذا الإطار، حيث أشار تحقيق النيويوركر إلى العديد من النماذج من الشخصيات المعروفة الأخرى التي بدأت في الاستعداد لتفادي حدوث أزمات أخري من هذا القبيل، ومن هؤلاء أعضاء ما يسمى بحركة «الناجون» أو «Survivalism»، التي بدأت في إعداد العُدَّة لمواجهة كوراث على هذا المستوي، وهي حركة امتدت في السنوات الأخيرة في وسط الأثرياء، ورسخت جذورها بوجه خاص في وادي السيليكون، ومدينة نيويورك، في أوساط المديرين التنفيذيين في مجال التكنولوجيا، ومديري الصناديق الاستثمارية، وغيرهم ممَّن في مستواهم الاقتصادي.


تزايد أعداد منتسبي الميليشيات المسلحة في أمريكا

http://gty.im/483673986

عشية الانتخابات الامريكية الأخيرة نشرت صحيفة الإندبندنت البريطانية تقريرًا يرصد تنامي أعداد ميليشيات أمريكية مسلحة داعمة للمرشح الجمهورى «دونالد ترامب» تهدد باستخدام السلاح فى حال خسارة مرشحهم وفوز الديمقراطية «هيلارى كلينتون».

وقالت الصحيفة البريطانية، إن بعض مؤيدي ترامب من أعضاء الميليشيات المسلحة كانوا يخشون أن يتم تزوير الانتخابات الأمريكية، وفق ادعاءات ترامب الذى حذر من إمكانية تزوير انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

وقد ظهرت تلك الجماعات المسلحة للمرة الأولى فى بداية تسعينيات القرن المنصرم فى جنوب الولايات المتحدة الأمريكية، وكان من أبرز الأعمال الإرهابية التي نفذتها، تفجير مبنى المكتب الفيدرالي بولاية أوكلاهوما عام 1995 الذي تسبب في مقتل 168 شخصًا.

بعد حادث «أوكلاهوما» انخفض عدد تلك الميليشيات المسلحة في أمريكا بشكل كبير، ولكن خلال عام 2008 برز عامل توتر جديد بسبب الانتماء العرقي للرئيس الأمريكي السابق أوباما، فزاد عدد تلك الحركات بصورة غير مسبوقة، وازداد حضورهم في المشهد العام في الولايات المتحدة، ومن مظاهر ذلك الحضور في السنوات الأخيرة على سبيل المثال حرص أتباع تلك الميليشيات فى الظهور بتظاهرات «فيرجسون»عام 2014 للدفاع عن عناصر الشرطة ضد احتجاجات الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية.

من الجدير بالذكر أن أعداد أعضاء الميليشيات المسلحة في الولايات المتحدة الأمريكية قد تضاعفت نحو ثلاث مرات في عام 2009 وحده، حيث تم حصر أكثر من ثلاثمائة جماعة مسلحة في ذلك العام، وهو ضعف مجموع العام الذي سبقه تقريباً. بل وأشار أحد التقارير إلى أن المجموع الحقيقي قد يكون أعلى بكثير لأن بعض هذه الجماعات ربما لا يعلن حتى الآن عن وجوده.

من الجماعات المسلحة الجديدة التي انبثقت خلال الفترة الماضية، جماعة تطلق على نفسها اسم «المحافظون على القسم» يستقي أفرادها – كبقية الجماعات الأخرى – توجيهاتهم من الآباء المؤسسين لأميركا. وقد تشكلت هذه الجماعة في الربيع الماضي، وتنحصر عضويتها تقريباً في أفراد سابقين من الجيش والشرطة، الذين أقسموا على طاعة الدستور الأميركي وليس السياسيين.

وقد شبه ستيوارت رودس مؤسس تلك الجماعة الوضع الراهن ببرميل بارود على وشك الانفجار. وأضاف أن «الشيء الوحيد الذي قد يلجئ هذه الجماعات إلى المقاومة المسلحة هو محاولة الحكومة مصادرة الأسلحة الشخصية، وهذا هو ما قاد في النهاية إلى الثورة إبان حرب الاستقلال الأميركية في القرن الثامن عشر».