وسط احتفالات بمنطقة أبو نصير شمال العاصمة عمان، استُقبل زكي بني أرشيد نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين بالأردن من قبل قيادات الجماعة. بعد أن قضى مدة سنة ونصف بالسجن لإساءته لدولة الإمارات العربية المتحدة إثر ضمها جماعة الإخوان المسلمين بقائمة الجماعات الإرهابية.

لم يعبأ أرشيد بما عاشه في السجن وبدأ خطابه بعبارات رنانة مجملا خطابه أمام الجمع بأبيات من شعر سيد قطب من قصيدة “أخي” “أخي أنت حر وراء السدود أخي أنت حر بتلك القيود إذا كنت بالله مستعصما فماذا يضيرك كيد العبيد؟” حاملا معه خطاب مصالحة بين الأطراف الإخوانية المتصارعة في الأردن.

حقيقة الأمر، تعاني جماعة الإخوان المسلمين في الأردن موجة من الانقسامات والانشقاقات التي من شأنها العصف بأي كيان مهما كانت قوته ولكن في عرف جماعة الإخوان الأمر مختلف والشواهد على ذلك عدة، والتي بدأت بانشقاق أحمد السكري وكيل الجماعة الأم عهد حسن البنا.


نشأة الجماعة بالأردن وتطورها

بسبب اهتمام الجماعة الأم منذ البداية بالقضية الفلسطينية وتحرير الدول العربية الأخرى، وبناء على اتصالات بين كلا من البنا وعبد اللطيف أبو قورة في التاسع عشر من نوفمبر 1945؛ أنشئت جماعة الإخوان المسلمين بالأردن وتولى أبو قورة منصب المراقب العام في الفترة من 1945 إلى 1953، عملت الجماعة آنذاك على المشاركة في تغيير المجتمع من القاعدة عن طريق إقامة الندوات والمحاضرات الدينية. في العام 1948 شاركوا في حرب فلسطين بسَرِيّة تحمل اسم أبو عبيدة الجراح، مؤلفة من 120 فردًا بقيادة المراقب العام.

في العام 1953 تم الدمج بين جماعة الإخوان في الأردن وفلسطين، إثر تولى محمد عبد الرحمن خليفة المراقب العام وإنشاء نظام أساسي للجماعة وهيئة عامة، اهتم الإخوان آنذاك بمخيمات اللاجئين، في العام 1954 بدأت الخطوط السياسية الأساسية لجماعة الإخوان المسلمين بالأردن تظهر عن طريق إصدارهم بيانًا أشاروا فيه أن الأردن جزء لا يتجزأ من العالم الإسلامي، وأن القضية الفلسطينية هي قضيتهم الأساسية، منذ ذلك الحين بدأ إخوان الأردن في التظاهرات والاحتجاجات، خاصة الاحتجاج على تواجد بريطانيين في الجيش العربي 1954 الذي ترتب عليه اعتقال المراقب العام. وكذلك في العام 1957 بالاعتراض على مبدأ إيزنهاور، في العام 1958 اعتقل المراقب العام مرة أخرى نتيجة تظاهرات الإخوان إثر استدعاء قوات بريطانية، استمرت الجماعة في العمل السياسي وما أن بلغ مبلغه رأت الدولة أنه لابد من التضييق على الحركة الإسلامية؛ وعليه أنشأت الجماعة في العام 1992 حزب جبهة العمل الإسلامي، منذ ذلك الحين إلى الآن ويتعرض أعضاء الجماعة في الأردن للاعتقال، وتعاني الجماعة نفسها من صدامات مع النظام وتارة من صدامات داخلية.


من «زمزم» المفرّقة إلى مصالحة أرشيد

منذ أول انشقاق علني داخل جماعة الإخوان بالأردن -فيما عرف باسم “مبادرة زمزم” التي أسسها “رحيل الغرايبة” في أكتوبر 2013، والتي تعود إلى الخلافات التي حدثت بالانتخابات الداخلية للإخوان بالأردن عام 2008- وتعاني الجماعة من موجة كبرى من الانشقاقات أبرزها ما حدث في مارس 2015 على يد عبد المجيد ذنيبات المراقب العام الثالث للجماعة “1994 -2006” عندما انشق هو ومجموعة وحصلوا على ترخيص من الحكومة باسم “جمعية جماعة الإخوان المسلمين”، بدافع ترتيب الأوراق مع السلطة الأردنية وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الجماعة بالأردن، والتأكيد على عدم ولاء الجماعة المعلنة للجماعة الأم بمصر، خاصة مع تصنيفها جماعة إرهابية. في بداية العام الجديد أعلن 300 عضو من حزب جبهة العمل الإسلامي استقالتهم من الحزب، ليكون أول انشقاق فعلي من الحزب منذ إنشائه بالعام 1992، وعلى رأس المستقلين كان المراقب الرابع سالم الفلاحات “2006-2008”.

حقيقة الأمر، حدوث الانشقاقات داخل التنظيمات أمر منطقي، خاصة تلك التنظيمات التي لا ترى ضرورة في عمل مراجعات لهيكلها التنظيمي والبنياني، وطبيعة إدارة الخلافات بها. وهذا ما يظهر بشدة ليس في إخوان الأردن فقط وإنما في سائر فروع الجماعة عالميا.

من ناحية أخرى تعمل السلطات على زيادة حدة هذه الانقسامات، ولعل هذا ما ظهر منذ ترحيب السلطات في العام 2013 بمبادرة زمزم، وكذلك ترجيحها لكفة فريق ذنيبات وإعطائه الإشهار، ومن ناحية ثانية تعمل السلطات على تحجيم الفريق الآخر المعارض لها، ولعل أقرب حادثة تمثلت في اعتقال بني أرشيد في نوفمبر من العام 2014 إثر توجيه تهمة تعكير الصفو بين الإمارات والأردن إثر اعتراضه على ضم الإخوان المسلمين لقائمة المنظمات الإرهابية الإماراتية.

منذ أيام خرج زكي بني أرشيد من السجن معلنا عن مبادرة تصالحية بين الأطراف المتنازعة داخل الإخوان المسلمين بالأردن في تصريحات صحفية عقب إلقائه خطابا رنانا في احتفالية خروجه من السجن.


هل ينجح أرشيد في حل الخلاف؟

هذا هو السؤال الواجب طرحه الآن، ولكن الإجابة على هذا السؤال تتطلب تشريح العقل السياسي للأطراف المتنازعة في إخوان الأردن للتعرف على إمكانية تفاديها من عدمه.

ربما يقصر البعض الحديث عن التيارات داخل جماعة الإخوان المسلمين في تيارين أساسيين، هما: حمائم معتدلون وصقور منتمون للمدرسة القطبية. ولكن هذا التقسيم تلاشى شيئا ما وما بقى منه سوى المسميات، يعود ذلك إلى الخلاف داخل الجماعة في الأردن حول الارتباط بين كلا إخوان الأردن وحركة حماس الذي بدأ في الفك منذ العام 1999 بخروج قادة حماس من الأردن والتي على إثرها انبثق تيار يرى ضرورة إعادة الارتباط بحماس، ولكن هذا الجدال حُسم بصورة أساسية في العام 2006 بتجاوز حماس هذا الارتباط، وعمل انتخابات مجلس الشورى والمكتب التنفيذي والتجديد لمشعل بكونه مراقبًا لإخوان فلسطين.

منذ ذلك الحين ومسمى الحمائم والصقور يعتبر مسمى إعلاميا ليس إلا. اليوم نحن بصدد الحديث حول تيار إصلاحي شغله الشاغل الإصلاح الداخلي بكافة أشكاله، وطريقة التعامل مع النظام. أي يعتبر من جماعة الإخوان حركة وطنية أردنية، وتيار ثانٍ يرى في الجماعة حركة أردنية من أصول فلسطينية يعمل على الاستمرار تحت غطاء الجماعة الأم وإعادة الارتباط بإخوان فلسطين.

الخلاف اليوم في صورته خلاف جذري حول كيان الجماعة وسياساتها وأهدافها، ليس خلافات شخصية أو خلافات حول قضية بسيطة الأمر أكثر تعقيدا مما يصور، وعليه يجد أرشيد نفسه أمام مأزق كبير يرتبط به أطراف عدة أهمها إخوان فلسطين.

أرشيد في خطابه يستند إلى الفكر القطبي الأمر الذي أصبح مرفوضا رفضا مطلقا من قبل المنشقين عن الجماعة والذين يعملون على أن يكونوا منفصلين بصورة كاملة عن الجماعة الأم ويسعوا إلى ترتيب أوراقهم مع النظام الحالي حتى يتبقى من الجماعة شيئا في الأردن، إذن كيف سيحاول أرشيد حل صراع بهذا الشكل؟

ربما يكون الحل الوحيد للصراع بين الأطراف في إخوان الأردن يتمثل في عمل مراجعة كاملة للجماعة، وإن كان هذا الأمر مستبعدا فعليا في مثل هذه التنظيمات، إلا أن مبادرة أرشيد من الممكن أن تحتوي عليه. تلك المراجعة لابد وأن تعيد رسم سياسات الجماعة مرة أخرى، وأهم ما بها هو محاولة توفيق الأوضاع مع النظام الأردني –الأمر الذي ربما يرفضه فريق همام سعيد المراقب الحالي– من ناحية، ومن ناحية أخرى إعلان جماعة إخوان الأردن جماعة منفصلة بصورة تامة عن الجماعة الأم وفروعها حتى يتسنى لم الشمل داخل الجماعة مرة أخرى، هذا الأمر ربما يكون صعب المنال شيئا ما، ولكن واقع الجماعة بالأردن يدفع نحو ذلك مؤقتا حتى تعيد ترتيب أوراقها وتعود مجددا للساحة الأردنية كجماعة فاعلة.