ربحنا معركة في بن قردان؛ ولكن لم نربح الحرب على الإرهاب.

الأخبار المتداولة من تونس منذ العام الماضي لم تعد بالأمر المدهش بالنسبة للقارئ العربي الذي اعتاد على أن يكون صباحه قراءة لأخبار مخيبة لآماله وطموحاته؛ فشعاع الضوء الذي كان يضيء قلوب وعقول الكثيرين من الطامحين في التغيير أطفِئ. فتونس التي مثلت التجربة العربية الفريدة التي استطاعت أن تقطع شوطًا لا بأس به في التحول الديمقراطي ومثلت أنموذجًا يُحتذى به، أصبحت أخبار العمليات الإرهابية وعدد الضحايا هي الأكثر تداولًا، ناهيك عن الأزمات السياسية والاقتصادية التي تواجهها البلاد.

و بهذه الكلمات وصف رئيس الوزراء التونسي الحبيب الصيد موقف بلاده من محاربة الإرهاب في أعقاب الهجوم غير المسبوق، حسب تعبير الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي على بلدة بن قردان الحدودية مع ليبيا، في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة التونسية إلى تعزيز قدراتها العسكرية والاستخباراتية لمواجهة الإرهاب المتدفق من الخارج والجماعات المتطرفة في الداخل، وتحمل إستراتيجية حكومة الصيد عددًا من المحاور لتعزيز قدراتها العسكرية، ومنها التنسيق الأمني مع عدد من الدول الأوربية. فهل تنجح إستراتيجية الحكومة في مواجهة الإرهاب؟، وإلى أي مدى ستنجح القوات الأجنبية في وقف الإرهاب في تونس؟.


هجوم بن قردان وكسر الحصون

36قتيلًا من الإرهابيين، و12 من أفراد الأمن، و7 مدنيين هم حصيلة الهجوم الأوسع على بن قردان.

استيقظ الشعب التونسي والعربي على وقع هجوم إرهابي مأساوي على بلدة بن قردان التونسية الواقعة على الحدود الليبية. واستهدف الهجوم، المكون حسب التقديرات الأولية من 50 عنصرًا إرهابيًا، ثكنة للجيش ومركز شرطة ومركزًا للحرس الوطني التونسي. وحسب تصريحات الصيد والسبسي فإن الهجوم استهدف السيطرة على البلدة وإعلانها إمارة إسلامية لتنظيم الدولة الإسلامية، وراح ضحية هذا الهجوم ما لا يقل عن 53 بينهم 36 من العناصر الإرهابية، و12 من أفراد الأمن التونسي و7 مدنيين.

http://gty.im/513508832

هجوم بن قردان الذي اعتبره السبسي غير مسبوق استمرت فيه عمليات المواجهة على مدار يومين، حيث شهد اليوم الثاني عمليات مواجهة متقطعة أثناء تمشيط المدينة، كما تميز الهجوم باستخدام الأسلحة المتطورة من قبل العناصر الإرهابية حسبما أعلن عنه رئيس الحكومة الصيد في مؤتمره الصحفي. كما أنه أشار أنه لا يوجد دليل على أن الإرهابيين قد تسللوا من ليبيا، فيما رجّح أن يكون الإرهابيون تونسيين وتشاركهم بعض العناصر الأجنبية.الهجوم على بن قردان يحمل في فحواه العديد من المعاني؛ أولها أن هناك تغييرًا في إستراتيجيات العناصر الإرهابية من حيث التحول من استهداف السياح في أعقاب انتخاب السبسي بعد الهجوم على متحف باردو وفندق سوسة. لكن المستهدف حاليًا هو الجيش والشرطة وهو ما يؤكده الهجوم على الحافلة الرئاسية التونسية في نهاية 2015، وهو ما يرتبط أيديولوجيًّا بعقيدة داعش في استهداف العدو القريب، كما أن هجوم بن قردان يذكرنا بهجوم ولاية سيناء مماثل في سيناء فيما سمي بهجوم كسر الحصون. كما يشير تقرير لموقع الجزيرة إلى أن أهالي بن قردان أوضحوا أن العناصر الإرهابية كانوا يتحركون بسهولة داخل المدينة مما يعني أنهم من أبناء المنطقة.

المقاتلون التونسيون حصلوا على المرتبة الرابعة في عدد المقاتلين في سوريا، حيث تشير التقديرات إلى أن عدد التونسيين المشاركين في القتال في سوريا يتراوح بين 7 إلى 8 آلاف مقاتل حسب الإحصائيات الرسمية السورية، وهو ما تراه وزارة الداخلية التونسية رقمًا مبالغًا فيه، حيث تقدر أن عدد المقاتلين التونسيين في الخارج لا يتعدى 1200 تونسي. كما تذكر تقارير أخرى أن مدينة بن قردان تعتبر من أكثر المدن التونسية حضانة للسلفية الجهاديةـ، وهم يقاتلون في سوريا وتبلغ نسبتهم من مجموع التونسيين المقاتلين في سوريا 15.2% حسب إحصائيات صوفان للاستشارات الأمنية الأمريكية. ويبدو أن المدينة الصغيرة لها دور أكبر في دعم الجهاد العالمي جعلت أبو مصعب الزرقاوي يقول عنها: «لو كانت مدينة بن قردان بجانب الفلوجة لتحرّر العراق».


هل الإرهاب في تونس ليبي؟

رجال الأمن والجيش والديوانة (الجمارك) تغلّبوا على الهمجية التي جاءتنا من سوء الحظ من الجارة ليبيا.

أثارت تصريحات الرئيس التونسي، حول تضرر تونس سلبًا من تمدد تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا، ردود أفعال متباينة على المستويين الرسمي والشعبي الليبي، حيث انتقد محمد العريبي المتحدث باسم الحكومة الليبية المؤقتة تصريحات السبسي وأكد على أن ليبيا لا تصدر الإرهاب، مؤكدًا أن 80% من الجهاديين في ليبيا أجانب، كما أن صف القيادات بداعش ليبيا تونسيون.

http://gty.im/110024904

اتهامات السبسي التي أثارت العديد من ردود الأفعال الغاضبة لم تكن هي الأولى من حيث الإشارة إلى تصدير ليبيا للإرهاب إليها؛ فقد أشار هارون ي. زيلين في مقال منشور له على موقع معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى تحت عنوان «الرابطة الجهادية التونسية- الليبية» إلى وجود علاقة تاريخية تنسيقية قوية بين أنصار الشريعة بتونس وأنصار الشريعة في ليبيا وصلت إلى حد التدريب والتخطيط والتنفيذ، حيث أن هجمات مثل باردو وسوسة تشير إلى حصول منفذيهما على تدريب في ليبيا، كما أشار حسب تقديرات الحكومة التونسية إلى أن ما يقرب من 1000 تونسي يحاربون ويتدربون في ليبيا.كذلك يربط البعض هجوم بن قردان كرد فعل متسارع من الجماعات الجهادية في ليبيا على الضربة الأمريكية لمدينة صبراتة الليبية في 20 فبراير، وأودت بحياة 49 جهاديًّا من بينهم نور الدين شوشان، فيما أكد البنتاغون أن هذه الضربة منعت وقوع هجوم في تونس، وهو ما يؤكده تقرير لمرصد بوابة أقريقيا الإخبارية تحت عنوان: « لماذا اختارت داعش بن قردان بوابة لدخول تونس»، حيث أشارت إلى اعترافات أحد المقبوض عليهم من قبل قوات الردع الخاصة -وهو تونسي- بوجود مخطط لتنفيذ عمليات في تونس. كما يربط كذلك التقرير الهجوم على بن قردان والتهريب على الحدود الليبية.

هجوم بن قردان يأتي في الوقت الذي تُتداول فيه الأنباء عن احتمالية تدخل غربي بقيادة إيطاليا في ليبيا لتحريرها من تنظيم الدولة الإسلامية، فقد تداولت قناة العربية عن قيادة إيطاليا لـ 5000 جندي من بريطانيا وألمانيا وفرنسا. وحسب تصريحات رئيس الوزراء الإيطالي ستكون المهمة العسكرية استشارية وتدريبية للجيش الليبي، ولكن اشترط الحصول على موافقة الحكومة الليبية بعد الاعتراف بها. فيما اعتبر البعض ا لموقف التونسي – الرافض للتدخل الأجنبي البري في تونس، وذلك على لسان وزير دفاعها الذي دعا الليبيين إلى محاربة داعش بأنفسهم وضرورة تشكيل حكومة مقبولة يمكنها طلب التدخل الخارجي – كورقة ضغط على الحكومة التونسية لتغيير موقفها من التدخل الأجنبي في ليبيا.


الموقف الدولي من العمليات الإرهابية في بن قردان

اتسعت دائرة إدانة هجوم بن قردان التونسي ليشمل العديد من الدول العربية والغربية، فقد أعربت الولايات المتحدة عن تضامنها مع تونس في مواجهة الإرهاب،وأعربت على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية عن التزام الولايات المتحدة بأمن تونس وبالشراكة المتقاربة بين البلدين من أجل التصدي للتحديات الأمنية في أرجاء المنطقة. كما أعلن الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة عن تضامنهما مع تونس ضد الإرهاب، وكذلك عبرت عدد من المنظمات العربية الإقليمية عن تضامنها ووقوفها بجانب تونس في مواجهة الإرهاب وعلى رأسها البرلمان العربي والجامعة العربية والأزهر الشريف ومجلس الأمة الكويتي، كذلك خرج الاتحاد المغاربي عن صمته الطويل وأدان الهجوم معربًا عن استعداده لدعم تونس.

http://gty.im/496967896

تأتي ردود الفعل الدولية والإقليمية في ظل اتباع الحكومة التونسية إستراتيجية تطوير قدراتها الاستخباراتية والعسكرية والأمنية لمواجهة الإرهاب. ولم تخفِ السلطات التونسية تعاونها وتنسيقها الأمني مع العديد من الدول الأوروبية وعلى رأسها ألمانيا وبريطانيا خاصة في أعقاب هجوم سوسة الذي استهدف سياح بريطانيين، فتونس تتبع سياسة خارجية منفتحة بشكل أكبر للتعاون العسكري والأمني نابعة من التحديات الداخلية التي تواجهها؛ وبالتالي تعمل على تطوير علاقاتها بالولايات المتحدة. فلقد حظيت تونس في 2015 بكونها الحليف رقم 16 للولايات المتحدة خارج الناتو وهو ما يعني حصول تونس على تدريبات عسكرية ومعدات خاصة بالبحث العلمي والتنمية، وكذلك الحصول على تمويل عسكري. وستكون تونس أيضًا مؤهلة للمعالجة السريعة لتراخيص تصدير الأقمار الصناعية التجارية.ألمانيا الداعمة أيضًا لدول التحول الديمقراطي حسب مرتكزات سياساتها الخارجية تعتبر من أكثر الدول دعمًا لتونس في مواجهة الإرهاب. فألمانيا ترى في تونس جهة سياحية واستثمارية في شمال أفريقيا؛ وبالتالي تسعى ألمانيا لتوطيد علاقاتها مع تونس في جميع المجالات وخاصة التعاون الأمني والاستخباراتي. فوفقًا لوزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير في حديث مع جريدة الشروق التونسية، فألمانيا تساعد تونس أمنيًّا من خلال المساعدات التدريبية لقوات الأمن، كما أن تطور العلاقات بين ألمانيا وتونس يرجع إلى محاولة ألمانيا مواجهة الهجرة من منبعها، كذلك قد تمثل تونس بالنسبة لألمانيا شريكًا عربيًّا قويًّا مستقبلًا، كذلك ترتبط هذه العلاقة القوية بمحاصرة تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا.


تقنين الوجود العسكري الأجنبي في تونس

يجري التحضير لوضع إطار قانوني في إطار العلاقات الثنائية التي تربط تونس بالدول الصديقة، يسمح بتواجد بواخر عسكرية وقوات أجنبية وتقنيين عسكريين في تونس من أجل تكوين القوات العسكرية التونسية.هكذا أعلن وزير الدفاع التونسي فرحات الحرشاني عن التنسيق الأمني بين بلاده وبين عدد من الدول الحليفة لتونس في مواجهة الإرهاب المتدفق إلى تونس سواء من الخارج أو مواجهة التيارات الجهادية العنيفة في الداخل. وكانت عدد من الدول الأوروبية قد عرضت المساعدة الأمنية على تونس خاصة في أعقاب الهجمات التي شهدتها تونس خلال العام المنصرم وهي حادثة متحف باردو، وهجوم فندق سوسة، وما تبعه من تفجير للحافلة الرئاسية الأمنية، وأخيرًا الهجوم الأوسع من نوعه في بن قردان على الحدود الليبية.

http://gty.im/174462582

المركز العربي الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات يعتبر في تقرير له أن هذا الإعلان تحول نوعي في سياسة تونس التي طالما رفضت وجود قوات أجنبية على أراضيها خوفًا من انتقاص سيادتها على أراضيها. فيما يذكر التقرير أن هناك عددًا من المحاولات من جانب الولايات المتحدة لإقامة قاعدة عسكرية أمريكية في الهوارية، وهو ما نفته رئاسة الجمهورية التونسية.الدعم الألماني لتونس يبدو أنه يسير بشكل متسارع وموازٍ للدعم الأمريكي، فقد منحت تونس معدات وتجهيزات أمنية تتمثل في 29 عربة رباعية الدفع للمساعدة في تأمين الحدود ومناظير متطورة بجانب تجهيزات متطورة لرصد آثار الألغام. في الوقت نفسه أعلن الحرشاني أنه سيبدأ قريبًا وبالتعاون مع ألمانيا والولايات المتحدة باعتماد المراقبة الإلكترونية للحدود في مقابل ترحيل مواطني تونس من اللاجئين المرفوضين، كما أشار الحرشاني إلى وجود اتفاق بين ألمانيا وتونس لتكوين نواة جيش ليبي لمواجهة داعش ليبيا في تونس.كذلك أشار موقع أخبار روسيا في تقرير له إلى إنشاء ألمانيا مكتبًا للشرطة الألمانية داخل سفارتها في تونس؛ وذلك من أجل تنسيق جهود تدريب الحرس وشرطة الحدود التونسيين، بالإضافة إلى المساهمة في مكافحة تهريب البشر. كما تبنّت ألمانيا مبادرة لحماية أمن واقتصاد تونس وحماية التحول الديمقراطي بها، وتقود المبادرة ألمانيا وباريس ولندن وذلك حسب بيان المركز الألماني للإعلام التابع لوزارة الخارجية الألمانية. فيما يأتي دور لندن ضعيفًا، فقد أعلن مايكل فالون وزير دفاع بريطانيا عن إرسال 20 جنديًّا بريطانيًّا لمواجهة التسلل غير الشرعي من ليبيا لتونس.


مستقبل سيناريو الوجود العسكري في تونس

هجوم بن قردان الإرهابي سيترتب عليه الضغط على الحكومة التونسية لشرعنة الوجود العسكري لقوات أجنبية داخل بلاده، وكذلك وضع تشريع يسمح لقوات تونسية بالمشاركة في محاربة الإرهاب خارج الأراضي التونسية؛ وهذا قد يدفع بمزيد من المعارضة اليسارية للحكومة التونسية؛ وهو ما سيفقد الحكومة تأييد الرأي العام، بالإضافة إلى أن التواجد الأمني لقوات أجنبية في تونس سيزيد من قدرة الجيش والشرطة التونسية في مواجهة الإرهاب ولكن هذا لن يضمن منع تكرار مثل تلك الهجمات خاصة مع صعوبة التنبؤ بها.ويثير الوجود العسكري الأجنبي العديد من التساؤلات حول ماهية الشكل القانوني لهذا الوجود، وحجم القوات التي ستتواجد، والمدة الزمنية لهذا التواجد ومهامه داخل الأراضي التونسية، وإلى أي مدى سيعزز هذا التواجد التدخل الأجنبي في ليبيا؟، وهل سيكون هذا التواجد مثل تواجد القواعد العسكرية الأمريكية في بعض الدول العربية، أم سيقتصر على وحدات تدريبية واستشارية فقط؟، وهل تنتهي مهام القوات الأجنبية في تونس بالقضاء على داعش ليبيا؟، وما إذا كان في هذا التواجد تهديد للأمن القومي المغربي وخاصة الجزائر.