مع ظهور مدى اتساع وقوة وتعقيد عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها حركة حماس ضد إسرائيل، كثرت التساؤلات حول إمكانية وقوف إيران خلف هذا الهجوم، خصوصاً وأنها أظهرت علامات على التنسيق الوثيق مع المقاومة الفلسطينية في الأسابيع الأخيرة.

فقد ظهر ممثل حماس في لبنان، أسامة حمدان، في طهران مطلع هذا الشهر في مؤتمر الوحدة الإسلامية، وشوهد وهو يقف بجوار الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، في حفل الافتتاح، وتحدث حول ضرورة «أن تقوم جميع الأحزاب الإسلامية بكل ما في وسعها لتحرير القدس»، وقبل أيام من الهجوم، ألقى المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، خطاباً توقع فيه أن يدمر الفلسطينيون إسرائيل، وقال: «إن هذا السرطان سيتم استئصاله بالتأكيد إن شاء الله بأيدي الشعب الفلسطيني وقوى المقاومة في جميع أنحاء المنطقة».

ومع بدء هجمات السابع من أكتوبر، أعادت قنوات التواصل الاجتماعي الإيرانية التابعة للحرس الثوري، بسرعة نشر الصور عبر الإنترنت التي نشرتها حماس، وقال يحيى رحيم صفوي، كبير المستشارين العسكريين للمرشد الإيراني، والقائد السابق للحرس الثوري، إن بلاده دعمت هجمات حماس وستواصل الدعم «حتى تحرير فلسطين والقدس»، ونُشر على حساب المرشد الإيراني، علي خامنئي، بموقع إكس، تويتر سابقًا، مقطع فيديو يظهر مجموعة من الإسرائيليين يفرون من الهجوم، وكرر حسابه باللغة الإنجليزية، مقولته «النظام الصهيوني يحتضر».

وقالت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إيرنا)، إن الرئيس رئيسي ناقش التطورات في فلسطين في اتصالين هاتفيين منفصلين مع الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة، وزعيم المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنية، وتجمع مئات الأشخاص، يوم السبت، في المدن الكبرى في إيران، بما في ذلك ساحة فلسطين بطهران، حاملين العلم الفلسطيني، وحملوا صورًا للجنرال قاسم سليماني، القائد الراحل لفيلق القدس.

ودعا محمد الضيف، القائد العام لكتائب عز الدين القسام، الجناح المسلح لحركة حماس، «إخوتنا في المقاومة بلبنان وإيران واليمن والعراق وسوريا للالتحام مع المقاومة بفلسطين» أي إنه ركز على إيران والدول التي تهيمن عليها ميليشيات شيعية تابعة لها.

لكن بعد انتشار معلومات عن مشاركتها في التحضير للهجوم الفلسطيني، نفت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة رسميًا ضلوعها في الهجوم، لكنها أكدت «دعم فلسطين على نحو لا يتزعزع»، وأن تل أبيب تحاول تبرير فشلها ونسبته إلى القوة المخابراتية والتخطيط الإيراني، لأنها لا تستطيع تقبل هزيمتها على يد مجموعة فلسطينية، ثم خرج المرشد بنفسه لينفي تورط بلاده في الحرب.

وفي مؤتمر صحفي أسبوعي قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر الكناني: «ليس لدينا دور في اتخاذ القرارات نيابة عن أي طرف في المنطقة، بما في ذلك الشعب الفلسطيني ..ما يعنينا هو أننا نعتبر مقاومة الشعب الفلسطيني مقاومة مشروعة».

التورط المحسوب

في لقاء له على قناة «بي بي سي» قال غازي حمد، المتحدث باسم حماس، إن الحركة تلقت دعمًا من طهران لهجماتها المفاجئة على إسرائيل، فردًا على سؤال بشأن حجم الدعم الذي حصلت عليه الحركة من إيران لتنفيذ الهجوم، قال بمنتهى الصراحة: «أنا فخور بأن هناك العديد من الدول تساعدنا، إيران تساعدنا، ودول أخرى تساعدنا، سواء بالمال أو بالسلاح أو بدعم سياسي».

لكن بعيدًا عن التصريحات الإعلامية فإن أكثر ما سلط الأضواء على دور إيران واحتمال وقوفها وراء شن حرب السابع من أكتوبر هو تعقيد ودقة الهجمات وحجمها الكبير الذي يشكل تحديًا كبيرًا لحماس من دون مساعدة خارجية كبيرة، وأن هجوم كهذا يتطلب تدريبًا في أماكن خارج قطاع غزة الضيق المكتظ، كما أن التكتيكات القتالية المستخدمة «تتوافق إلى حد كبير مع مفهوم العمليات الإيراني»، فبحسب مسؤول استخباراتي غربي مطلع على معلومات استخباراتية حساسة، خلص التحليل أجري في أعقاب بدء الهجوم إلى أن استعدادات حماس للحرب بدأت على الأقل في منتصف عام 2022.

وكان لافتًا تغير الاستراتيجية القتالية لحركة المقاومة الإسلامية؛ فبعد التفجيرات الانتحارية والهجمات الصاروخية البسيطة؛ توغلت هذه المرة في عمق إسرائيل وضربت قلب جيشها، وهذا لا يشبه أي شيء رأيناه من حماس في الماضي، مما يشير إلى أن القرار الاستراتيجي الذي اتخذته المنظمة لم يُتخذ قبل الرجوع إلى طهران، بحسب تحليلات غربية رائجة.

ووفقًا لما نقلته «وول ستريت جورنال»، ساعد مسؤولون أمنيون إيرانيون في التخطيط للهجوم، وأعطوا الضوء الأخضر لانطلاقه في اجتماع عقد في بيروت يوم الإثنين الذي سبق هجوم السبت.

وذكرت الصحيفة الأمريكية أن مسئولين من الحرس الثوري الإيراني دخلوا في شراكة مع حماس منذ أغسطس/آب للتحضير لاختراق حدود إسرائيل، وتم وضع اللمسات النهائية على الخطة في بيروت.

لكن هذه المعلومات تفتقر إلى المصداقية من وجهة نظر الإدارة الأمريكية؛ فقد قالت إدارة بايدن إنه ليس لديها دليل في هذه المرحلة على أن إيران متورطة بشكل مباشر في هجوم حماس الأخير، على الرغم من أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قال: «إيران وحماس لديهما علاقة طويلة.. حماس لم تكن لتصبح كذلك بدون الدعم الذي حصلت عليه لسنوات عديدة من إيران» لكنه استدرك قائلًا: «لم نر بعد دليلًا على أن إيران أدارت هذا الهجوم تحديدًا أو كانت وراءه».

ورفض مزاعم بعض أعضاء الجمهوري بأن الأموال التي تم فك تجميدها كجزء من صفقة الرهائن بين واشنطن وطهران مؤخرًا استخدمت لتمويل هجوم حماس على إسرائيل، قائلًا إنهم «مُضلَّلون أو مُضلِّلون».

ونفى بلينكن اتهامات الجمهوريين بإعطاء إيران أموال دافعي الضرائب الأمريكيين مبينًا أن الأموال المفرج عنها إيرانية وهي ثمن بيع النفط في أحد بنوك كوريا الجنوبية، ولم يُصرف منها دولار واحد حتى اليوم.

وكذلك قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، الأدميرال دانييل هاغاري: «إيران لاعب رئيسي لكن لا يمكننا حتى الآن أن نقول ما إذا كانت شاركت في التخطيط أو التدريب».

وقد زار وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بيروت مرتين هذا العام، لأسباب منها التنسيق بين الفصائل الفلسطينية، وفي شهري نيسان/أبريل وآب/أغسطس، التقى قادة الجهاد الإسلامي وحماس وحزب الله، وشدد على أولويتين: الوحدة بين الجماعات، وتوسيع القتال من غزة إلى الضفة الغربية.

ويقول محللون وخبراء أسلحة، إن الصواريخ والقذائف التي أطلقتها حماس ربما تكون محلية الصنع، لكنها «تمتلك نسبًا إيرانيًا واضحًا»، فقبل سنوات، تم تهريب الصواريخ الإيرانية من سيناء إلى غزة، وبعد إغلاق مصر أنفاق التهريب بدأت إيران في مساعدة حماس على تطوير قدراتها المحلية.

وأكد مسئولو استخبارات حاليون وسابقون أن إيران قدمت مساعدة فنية لحماس في تصنيع أكثر من 4 آلاف صاروخ وطائرة من دون طيار مسلحة تم إطلاقها على إسرائيل منذ يوم السبت، وأن بعض مقاتلي حماس خضعوا للتدريب على التكتيكات العسكرية المتقدمة في المعسكرات اللبنانية التي يعمل بها مستشارون فنيون من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله.

وهناك اعتقاد بأن مقاتلي حماس الذين تلقوا التدريب كانوا من ضباط النخبة ونقلوا مهاراتهم إلى مقاتلين آخرين في الحركة داخل غزة.

ولطالما تحدث كبار القادة الإسرائيليين، مثل وزير الدفاع، يوآف جالانت، عن تمويل إيران لحماس، وفي نيسان/أبريل، ادعى غالانت أن طهران ترسل 100 مليون دولار سنويًا إلى حماس، وعشرات الملايين إلى حركة الجهاد الإسلامي، وأكد أن حماس استخدمت التكنولوجيا الإيرانية والدعم اللوجيستي لإنتاج الأسلحة محليًا.

ومما أسهم في استحضار الدور الإيراني إعلاميًا أيضًا أن التصريحات الرسمية الإيرانية السابقة بدت وكأنها تتحدث تفصيليًا عما حدث في الحرب الجارية الآن؛ ففي مقابلة أجريت في أغسطس/آب 2022 ونشرت على الموقع الإلكتروني للمرشد، قال رئيس الحرس الثوري، حسين سلامي: «الفلسطينيون جاهزون اليوم للحرب البرية، إن أكبر نقاط ضعف إسرائيل هي الحرب البرية، إن القتال بالصواريخ ليس هو النقطة الأساسية في الصراع، وهم يعلمون أنه يجب تحرير الأراضي بالقوات البرية، ومع أن الصواريخ ممتازة للردع ولشن الحروب، إلا أنها لا تحرر الأرض، ولا بد من نشر قوة برية وتحرير الأرض خطوة بخطوة، كما فعلنا خلال حرب ‘الدفاع المقدس'(الحرب الإيرانية العراقية 1980-1988)، وستتحدد نتيجة المعركة عندما يكون الكفاح على الأرض، وسيتحرك أبناء حزب الله وفلسطين الشجعان وذوي الخبرة على الأرض في تشكيل عسكري واحد»، وهذا باختصار وصف تقريبي لعملية طوفان الأقصى، أي إن الإيرانيين أعلنوا الخطة منذ أكثر من عام.

لكن هذا التحليل أغفل شيئًا غاية في الأهمية، وهو أن مثل تلك التصريحات تكررت كثيرًا بشكل يُفقد خطبة سلامي المذكورة أي أهمية استثنائية؛ بخاصة وأنه تحدث عن تحرك بري لحزب الله لتحرير الأرض المحتلة، وهذا لا يبدو واردًا اليوم في أكثر السيناريوهات تفاؤلًا أو تشاؤمًا، كما أن حديثه ذلك كان في وقت اشتعلت فيه بالفعل سلسلة من الهجمات الفدائية ضد إسرائيل في الضفة الغربية من جانب مجموعات «عرين الأسود» وهي مجموعات فدائية لا تنتمي لأي من حركات المقاومة المعروفة.

وتوصلت واشنطن إلى معلومات استخباراتية تشير إلى أن كبار المسؤولين الإيرانيين فوجئوا بالهجوم يوم السبت على إسرائيل، وبحسب شبكة«سي إن إن» الأمريكية، فإن وجود تلك المعلومات ألقى بظلال من الشك على فكرة تورط طهران بشكل مباشر في العملية.

وفيما بدأ أنه تعميم رسمي في إيران، تجاهلت الصحف المحلية، سواء الأصولية أو الإصلاحية نشر صورة دمار غزة والهجوم الإسرائيلي عليها لمنع إثارة تعاطف الرأي العام، في ظل سعي طهران لتجنب الانخراط في أي مواجهة عسكرية مباشرة، وأطلق سياسيون ونشطاء إيرانيون دعوات لمطالبة النظام بعدم التدخل والنظر للمصالح الوطنية حصرًا، فيما امتدح البعض هذا الموقف الرسمي باعتبار أن بلادهم تحاول بذكاء ألا تقع في الفخ الصهيوني.

جبهة حزب الله

عقب انطلاق حرب السابع من أكتوبر، أعلن رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، أن العملية الانتقامية الإسرائيلية تسعى إلى تحقيق عدة أهداف منها تعزيز الجبهات الأخرى حتى لا ينضم طرف جديد إلى هذه الحرب، في تحذير مبطن لكنه واضح لحزب الله وإيران بالابتعاد عن القتال، وقال الجيش الإسرائيلي، إنه في حالة تأهب قصوى في القيادة الشمالية، وقال المتحدث باسم الجيش: «من سيهاجمنا على الجبهة الشمالية سيدفع ثمنًا باهظًا».

وحذر الرئيس الأمريكي جو بايدن، من دخول قوى أخرى في المعركة، قائلاً: «هذا ليس الوقت المناسب لأي جهة معادية لإسرائيل للسعي إلى استغلال هذه الهجمات لمصلحتها».

ووجه رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله، هاشم صفي الدين، حديثه للفصائل الفلسطينية قائلا: «إن سلاحنا وصواريخنا معكم»، وسادت حالة من الترقب والحذر على حدود لبنان، فقد شهد هذا العام اكتشاف تل أبيب طرق تهريب جديدة لحزب الله تنقل الأسلحة الإيرانية إلى داخل إسرائيل، إذ نجح الحزب في استغلال طرق تهريب المخدرات والأسلحة التي تستخدمها العصابات الإجرامية.

وعلى مدار الأشهر الماضية، أدلى زعماء حزب الله وحماس بتصريحات حول «توحيد الجبهات»، والمقصود بذلك تضامن المقاومة في فلسطين والحركات المدعومة إيرانيًا في جنوب لبنان وسوريا ضد إسرائيل، وقد التقى قادة حماس عدة مرات هذا العام مع الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، في بيروت، لكن توحيد الجبهات قد لا يعني بالضرورة هجوماً متعدد الجبهات، فلم يتدخل الحزب خلال الهجمات الإسرائيلية على القطاع في السنوات الماضية في أعوام 2009 و2012 و2014 و2021، ومؤخرًا وافق حزب الله على ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، ومنذ أسابيع يعمل المبعوث الأمريكي الإسرائيلي الأصل، عاموس هوكشتاين، مع الحزب على ترسيم الحدود البرية بين إسرائيل ولبنان.

والأرجح أن الحزب لم يكن يعلم بساعة الصفر مسبقًا، فلم يتم رصد أي تحرك استثنائي لقواته قبل انطلاق عملية غزة وحتى مرور عدة ساعات على بدء العملية.

لكن في صباح الأحد، اليوم الثاني للحرب، أعلن الحزب اللبناني إطلاق أعداد كبيرة من قذائف المدفعية والصواريخ على مواقع إسرائيلية في منطقة مزارع شبعا الحدودية المتنازع عليها، تضامنًا مع هجوم حماس، وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه رد بقصف مدفعي على جنوب لبنان، ولم يُعلن عن أي خسائر بشرية من الطرفين.

وعنى اكتفاء الحزب بقصف مزارع شبعا عدم وجود نية جدية للانخراط في الحرب الشاملة طالما المناوشات محصورة في منطقة متنازع عليها يطالب بها لبنان وليس داخل الأراضي الفلسطينية، وطالما أن القصف المتبادل لا يطال المدن أو يسبب أضرارًا بشرية فلم يتم خرق قواعد الاشتباك المعمول بها منذ اتفاق وقف الأعمال الحربية بعد حرب يوليو/تموز 2006.

ووفق تصريحات وزير الخارجية اللبناني، عبدالله بو حبيب، «تلقت الحكومة اللبنانية وعدًا من الحزب بأنه لن يتدخل في حرب غزة إلا إذا تحرشت إسرائيل بلبنان»، كذلك تحدثت تقارير إعلامية عن تواصل حصل بين باريس وقيادات الحزب اللبناني لحثه على ضبط النفس، واتصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون برئيس الحكومة اللبنانية ورئيس جمهورية مصر العربية، لكن الإعلام الإسرائيلي نشر تقديرات تفيد باحتمال تدخل الحزب في حال تم اقتحام قطاع غزة بريًا.

ونفذ الجيش الإسرائيلي انتشارًا واسعًا لجنوده وآلياته العسكرية على طول الحدود مع لبنان، وشنت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، هجومًا بعد ظهر الإثنين أسفر عن قتل نائب قائد لواء 300 في فرقة الجليل الإسرائيلية، وفق إعلان متحدث جيش الاحتلال، أفيخاي أدرعي، إذ عبر ثلاثة عناصر من الجهاد حدود جنوب لبنان، واشتبكوا مع العدو وقتل منهم اثنان وتمكن الثالث من عبور الحدود مرة أخرى والعودة إلى لبنان.

ونفى حزب الله لرويترز، تنفيذه أي عملية داخل إسرائيل، لكن بعد عملية التسلل تلك، قصفت إسرائيل مواقع للحزب في جنوب لبنان ليل الاثنين، فقُتل 3 من عناصره، فقصف ثكنتين إسرائيليتين انتقامًا لمقتلهم، وفي اليوم التالي، الثلاثاء، نفذت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، قصفًا صاروخيًا من جنوب لبنان على منطقة الجليل الغربي في إسرائيل، فرد الاحتلال بقصف الجنوب اللبناني.

وعقب تلك الأحداث اشتعل القصف المتبادل بين حزب الله والجيش الإسرائيلي عبر الحدود وأعلن الحزب مقتل وإصابة عدد من جنود الاحتلال، ووجهت اتهامات لتل أبيب بإطلاق قذائف فوسفورية حارقة محرمة دوليًا على الجنوب اللبناني، وانطلقت صافرات الإنذار في المناطق السكنية لدى الطرفين.

وطالب الحزبُ الجيشَ اللبناني وقوات حفظ السلام الدولية (يونيفيل)، الأربعاء، بإخلاء كل المواقع على الحدود «فورًا»، وشهد جنوب لبنان حركة نزوح تجاه المناطق الداخلية ومدينتي صيدا وبيروت. 

ومع وصول حاملة الطائرات الأمريكية يو إس.إس. جيرالد فورد إلى المنطقة،  الثلاثاء، تم تفسير الخطوة بأنها تهدف إلى ردع إيران وحزب الله وليس من أجل المشاركة في حرب غزة.

وهي أحدث حاملة طائرات أميركية وأكثرها تقدمًا، وتحمل ما يقرب من 5 آلاف بحّار، وطائرات حربية وطرادات ومدمرات، في استعراض مفرط للقوة.

وأعاد الرئيس الأمريكي جو بايدن، تحذيراته الأربعاء، وذكر إيران صراحة ونصحها بتوخي الحذر، وتحركت حاملة الطائرات الأمريكية دوايت أيزنهاور في طريقها إلى البحر المتوسط أيضًا، ومن المتوقع وصولها خلال أسبوعين لتعزيز الردع.

إيران هي المستفيد الصافي

تعاملت إيران مع حرب غزة منذ ساعاتها الأولى وكأنها حربها الخاصة وجزء من مشروعها الإقليمي-رغم نفي مسئوليتها-، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية، ناصر كنعاني، إن عملية طوفان الأقصى استمرار لانتصارات حركة المقاومة المناهضة للصهيونية في مختلف المناطق بما فيها سوريا ولبنان والأراضي المحتلة.

ويمكننا تعداد بعض المكاسب الإيرانية البارزة من وراء هذه المعركة؛ فداخليًا ظلت القضية الفلسطينية أحد مصادر الشرعية القليلة للنظام الإيراني بين مواطنيه لا سيما جمهوره الشيعي المتدين، بخاصة في الوقت الذي تمر فيه شرعية النظام بأزمة كبيرة.

وخارجيًا شكل نجاح الهجوم نجاحاً لإيران وإضافة لرصيدها وترميمًا لصورتها أمام الشعوب العربية بعد أن ولغت ميليشياتها في الدماء العربية خلال السنوات الماضية، كما وقع في سوريا والعراق واليمن.

كما منحت تلك الضربة هدفًا مفاجئًا لإيران في المرمى الإسرائيلي، فمساندة حركة حماس آتت أكلها وتُوجت بهجوم السبت، وأتى ذلك في سياق حرب الظل بين طهران وتل أبيب؛ فبينما لا يعلن أي من الطرفين استهداف الآخر بشكل مباشر، تخوض الدولتان حربًا صامتة ينكرها كلاهما رسميًا منعًا للتصعيد رغم معرفة الجميع بها.

فالضربات الجوية الإسرائيلية منذ سنوات تستهدف المواقع الإيرانية أحيانًا بصورة شبه يومية وتقتل وتدمر كما يحلو لها، لمنع إيران من التموضع في سوريا، ونفذ الموساد الإسرائيلي سلسلة هجمات واغتيالات استهدفت البرنامجين النووي والصاروخي في إيران، ونفذت الأخيرة هجمات سرية ضد السفن المرتبطة بإسرائيل في المياه الدولية، وتبادل الطرفان هجمات الكترونية كثيرة في صمت.

وفي عملية طوفان الأقصى أرسلت طهران لخصمها الإقليمي ببراعة رسائل واضحة لا لبس فيها، مفادها أنها تستطيع مواصلة حرب الظل وطعن إسرائيل في قلبها دون إراقة قطرة دم إيرانية واحدة، ومن دون خرق قواعد اشتباك حرب الظل، بهدف ردع تل أبيب عن استهدافها.

كما أن دعم إيران للمقاومة الفلسطينية يُصعِّب من سير عملية التطبيع الإسرائيلي السعودي المنتظر، فالهجوم الحمساوي يأتي في لحظة حساسة للغاية، فولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان دق أجراس الإنذار في إيران بعد إعلانه في مقابلة له مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية أن بلاده تقترب أكثر من تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وبعدها حذر المرشد الإيراني في 3 أكتوبر/تشرين الأول -أي قبل طوفان الأقصى بأربعة أيام فقط- الدول التي تهدف إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وقال إنها تخوض مخاطرة كبيرة ووصفهم بأنهم «يراهنون على حصان خاسر».

وكذلك ربط حزب الله أيضا التقارب السعودي- الإسرائيلي بعملية طوفان الأقصى ووصفها بأنها «رسالة إلى أولئك الذين يسعون إلى التطبيع مع إسرائيل»، وقال الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، يوم الأحد، إن حماس تعمل كوكيل للمصالح الإيرانية، بما في ذلك رغبة طهران في عرقلة اتفاق السلام المحتمل بين السعودية وإسرائيل.

وبغض النظر عن التطبيع السياسي، فإن عملية طوفان الأقصى تهدد بشدة مشروع الممر الاقتصادي بين الهند وأوروبا عبر السعودية وإسرائيل، وهو مشروع تم الاتفاق عليه مؤخرًا برعاية الولايات المتحدة، منافس لطريق الشمال-جنوب الإيراني الروسي.

ولطالما شكلت القضية الفلسطينية رافعة فعالة لتعزيز مصالح طهران في المنطقة، فالغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 منحها فرصة لتشكيل ذراع مسلح تابع لها هناك وهو حزب الله، وأعطاها دعمها لحركات المقاومة في فلسطين نفوذًا كبيرًا أمام خصومها الإقليميين والدوليين ومنحها أوراق ضغط مؤثرة، وخلال حرب الثماني سنوات مع العراق رفضت طهران مرارًا محاولات وقف الحرب بحجة أن الطريق إلى القدس يمر بكربلاء، واكتسبت طهران بتلك السياسة شعبية مؤثرة داخل الدول العربية شكلت ضغطًا على الأنظمة في ملفات السياسة الخارجية.

وانتشر عشرات الآلاف من المسلحين التابعين لفيلق القدس، الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني، في الدول العربية، واتسع نطاق عمل الفيلق ليشمل تقريبًا كل الدول العربية ما عدا القدس، فحتى قتال ميليشيات الحوثي في اليمن في أقصى جنوب الجزيرة العربية تم تحت شعار «الموت لإسرائيل»، ومؤخرًا طالب الحوثي -بعد أن طلبت حماس منه الدعم- المملكة العربية السعودية بفتح حدودها أمام قواته للذهاب إلى فلسطين واتهمت الميليشيا الرياض بأنها المانع الوحيد أمام ذهابها لتحرير القدس.

وأطلقت الميليشيات الإيرانية في سوريا حملة علاقات عامة لدعم ومساندة حركة حماس، لكن فصائل فلسطينية في سوريا تعمل مع حزب الله -بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان- هي التي قصفت مناطق في الجولان المحتل، بينما انتشرت الوحدات الخاصة لحزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني على خط الحدود جنوب سوريا قرب القوات الإسرائيلية، ورفعت القوات التابعة لإيران والنظام السوري حالة التأهب القصوى في جنوب سوريا الذي شهد حركة تنقلات وتبديل مواقع وإخلاء مخازن السلاح والذخيرة تحسباً لهجوم إسرائيلي جوي أو صاروخي وشيك، وعبرت قوات وتعزيزات عسكرية حدود العراق ودخلت سوريا لدعم الميليشيات الشيعية هناك.

وفي مقال للكاتب الأمريكي آرون بيلكنجتون، بعنوان «حرب إسرائيل وحماس: لا يهم من يخسر، إيران تربح»، يرى أن ايران هي الفائز الوحيد في الحرب، فالآلاف من الجانبين سوف يعانون، ولكن عندما يهدأ الدخان، فلن تتحقق سوى مصالح دولة واحدة: هي إيران.

ويرى أن هناك على الأقل ثلاث نتائج محتملة للحرب، وكلها في صالح إيران: الأولى أن يؤدي رد إسرائيل العنيف إلى صد السعودية والدول العربية الأخرى عن التطبيع، والثانية إذا توغلت إسرائيل في غزة، فهذا قد يؤدي إلى انتفاضة فلسطينية في القدس أو الضفة الغربية، الأمر الذي قد ينتج رد فعل إسرائيلي أوسع نطاقًا وبالتالي المزيد من المواجهات.

والسيناريو الثالث غير متوقع، وهو استخدام إسرائيل الحد الأدنى من القوة وتجنب التصعيد، وحينئذ ستظل الأسباب التي أدت إلى اندلاع المواجهات الأخيرة، والدور الإيراني كما هو لم يتم المساس به.

لكن هذه المكاسب الإيرانية لا تعني أن طهران هي التي أمرت حماس بالهجوم على إسرائيل، أو أنها تسيطر على قرار الحركة، ومع ذلك، رحب نظام الملالي بالهجمات، التي يصب توقيتها في صالحه ويصب في صالح المعركة الإقليمية التي يخوضها من أجل النفوذ.

وحافظت حماس تاريخيًا على درجة من الاستقلال عن طهران مقارنة بالجماعات الوكيلة لإيران مثل حزب الله اللبناني، لكن في السنوات الأخيرة، استفادت الحركة الفلسطينية من ضخ كميات كبيرة من الأموال الإيرانية وكذلك المساعدة الفنية لتصنيع الصواريخ والطائرات دون طيار مع أنظمة التوجيه المتقدمة، إضافة إلى التدريب على التكتيكات العسكرية.

وكانت حماس اختلفت مع الإيرانيين لسنوات بسبب دعمهم نظام الرئيس السوري بشار الأسد منذ احتجاجات عام 2011 وفترت العلاقة بين الطرفين، واقتربت الحركة حينها من المملكة العربية السعودية وقطر، ولكن لاحقًا رأت أنها لم يكن أمامها خيار سوى إعادة تعزيز العلاقات مع إيران مع تزايد عزلتها عربيًا وهزيمة المعارضة السورية.

فرغم أن المقاومة الفلسطينية غير منسجمة بطبيعة تكوينها مع المشروع الإيراني الإقليمي فإن الضغوط الدولية ومحاولات السحق العديدة التي تعرضت لها الحركة شكلت مبررًا قويًا لها لطلب المعونة من طهران واستفادت كثيرًا من هذا الدعم الذي لم تكن لتحصل عليه من أي جهة أخرى.