كان الرئيس الأميركي ترامب على موعد مع التاريخ، إذ كان بإمكانه إذا أحسن قيادة السفينة الأميركية في الأيام القليلة الماضية أن يدفع بتيارات اليمن المتطرف إلى زعامة أوروبا، حيث كان نوربرت هوفر (النمسا) ومارين لوبان (فرنسا) قاب قوسين أو أدنى من حكم بلديهما، لكن أداءه الهزيل وغيمة التخوفات التي لم تنقشع بعد عن البيت الأبيض وساكنيه الجدد، جعلت الناخب الأوروبي أكثر حكمة وحصافة ليصوّت لتيارات الوسط، وهو يكفر بقدرتها على تقديم حلول حقيقية لمشكلات الاتحاد الأوروبي وبلدانه.

يمكن القول إن عموم الناخبين إذا ما وُضعوا في مواجهة مباشرة مع ورقة الاقتراع، هربت من عقولهم كل التنظيرات الاقتصادية والاجتماعية ونقاشاتهم حول الحرية والجنسوية والصحافة، ليظهر لهم شبح الخوف من المستقبل، ويكونوا بهذا في مواجهة أكثر دراماتيكية مع المستقبل وما يتهددهم خلاله؛ الأحوال المعيشية وحق الحياة وهذه الأساسيات التي لا غنى للإنسان البدائي عن توفرها، لاسيما ونحن في عالم يعاني بعض ارتدادات العولمة والتقدم الحضاري، والعزلة عن الماضي.

الناخب الإيراني، الذي هو على موعد حاسم صباح الغد، الجمعة 19 مايو/آيار، مع الانتخابات الرئاسية يواجه هو الآخر هذه الإشكالية، لاسيما وأنه بات أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما أن يواصل مع روحاني مشوار الانفتاح على العالم الخارجي، ويخرج نسبيًا من نفق العزلة والانكفاء على الذات، الذي أورثه نظامًا يحكمه المرشد الأعلى وحرس الثورة، بما عليهما من مآخذ كثيرة، ويتحمل على هذا ما في الطريق من تحديات، أو أن يقرر الناخب مجابهة اليمين باليمين، والراديكالية الأميركية بمزيد من الراديكالية الإسلامية، ليكون عضو لجنة الموت، المرشح الرئاسي إبراهيم رئيسي، خلفًا لروحاني.


سنعيدها سيرتها الأولى

في السابق كنا نتجمد من الخوف إذا سمعنا جرس الباب يُدق. بينما الآن، إذا ما حدث، نعرف أن شخصًا ما قد أتى متأخرًا

تعليق لأحد الشباب من مرتادي الحفلات الخاصة – 3 مايو (آيار) 2001

متمتعًا بالدعم اللامحدود من تيار الاعتدال، بزعامة، حجة الإسلام هاشمي رفسنجاني، أجرى السيد محمد خاتمي الكثير من الإصلاحات في مجال السياسة الخارجية، وطار إلى عواصم أوروبية كمدريد وروما وباريس، كما طار إلى موسكو وطوكيو، وحاول فتح نافذة كبيرة لإيران على العالم الخارجي، وخالف الخط الذي عليه جرت سياسات الإمام الأكبر، إذ أعرب عن أسفه عن حادثة الرهائن الأميركيين واستأنفت على إثر ذلك بريطانيا علاقاتها مع إيران، والتي كانت قد قطعتها عام 1979 وقت اندلاع الثورة على الشاه، كما خفف الرئيس كلينتون الحظر الأميركي على إيران.

لكن كان للخط الصدامي الذي انتهجته الولايات المتحدة مع إيران ارتداداته السلبية، فشعر الرئيس خاتمي بخذلان غربي كبير إزاء إصلاحاته الداخلية والخارجية، وكانت تصريحات بوش الابن في خطابه المتلفز -يناير/كانون الثاني 2002- بوصفه لإيران كدولة ضمن محور الشر، بمثابة الطعنة في الظهر، إذ أعطت هذه التصريحات لأعداء خاتمي المزيد من الأوراق للضغط عليه وإقصائه من المشهد السياسي الإيراني، وهو ما كان في انتخابات الرئاسة التالية عام 2005، ليكون أحمدي نجاد رئيسًا لإيران.

صحيح أن السياسة متشابكة بحيث لا يمكن التعويل فيما آلت إليه الأمور على سبب من الأسباب دون بقيتها، لكن كان لهذا الإجراء الأميركي المتعنت عظيم الأثر على الداخل الإيراني، وحتى أن أحد الصحفيين الغربيين كتب من طهران: «لام خاتمي خطاب محور الشر لبوش، لإغراقه إيران في أزمة ممتدة بإعطائه أوراقًا لمعارضيه المحافظين، وتجميده الإصلاح الداخلي»، وهو الجدل ذاته الذي أثاره أحد محللي المخابرات البريطانية، بأن هذا الخطاب شكّل حجر عثرة، حيث ملّك المحافظين أوراقًا، وعزز من موقفهم المعادي للأمركة، وساعد على إخراس الإصلاحيين. وكتب صحفي أمريكي: «أنقذ الرئيس بوش المحافظين بتسميته إيران جزءًا من محور الشر».

اقرأ أيضًا:عندما يهوى السياسيون السير في الطريق الخطأ

وكتبت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، أنه مُذ حدد الرئيس بوش إيران كطرفٍ في شركة الإرهاب الدولي المفتوحة لمهاجمة الأمريكيين، كان ذلك بمنزلة طوق النجاة للمحافظين في إيران، الذين حاولوا بدورهم استخدام انتعاش التباعد مع أميركا لقمع الإصلاح في الداخل، وتقويض برامج الرئيس خاتمي الإصلاحية.


كيف كان الاتفاق النووي إنجاز روحاني وإخفاقه؟!

الرئيس الإيراني المنتهية ولايته، حسن روحاني

في دراسة صدرت الاثنين الماضي، 15 مايو/آيار، عن مركز الجزيرة للدراسات لبحث توجهات السياسة الخارجية الإيرانية، أوضحت الباحثة، فاطمة الصمادي، أنه في الفترة من عام 2016، والربع الأول من العام الجاري، احتل الاتفاق النووي 20% من تصريحات الساسة الإيرانيين، ولهذا كان النقاش الأبرز في المناظرات الرئاسية الثلاثة حول الاتفاق وما جلبه على إيران من خير أو شر.

بدا روحاني في حملته الانتخابية في وضع دفاعي لا يُحسد عليه، إذ لم يجنِ المواطن الإيراني ثمرات الاتفاق بعد، لكن الرجل بذكاء حرّك دفة منتقديه بانتقاده لأداء الحرس الثوري، وذكر أن البعض نشروا صورًا لصواريخ في محاولة منهم لهدم الاتفاق النووي، وتكريس العقوبات على إيران بدلًا من تخفيفها كما هو منتظر، ولهذا عليه ألا يتحمل تأخر ثمار الاتفاق وحده، وإنما من اعتزموا تعكير الأجواء بين بلاده والولايات المتحدة.

اقرأ أيضًا:إيران: يدٌ تفاوض ويدٌ تصنع السلاح

ويواجه روحاني في معركته الانتخابية الحالية كثيرًا من النقد، إذ لم تتأثر معيشة المواطن الإيراني إيجابًا بإصلاحاته السياسية والاقتصادية، وبدا سقف طموحاته أعلى من إمكاناته في ظل اقتصاد متعثر، به الكثير من المشكلات البنوية وعلى رأسها تغول قيادات الحرس الثوري في المشروعات الكبيرة، وعمليات تهريب النفط وبيعه بعيدًا عن أعين الحكومة المركزية، وكان سلفه أحمدي نجاد، الأصولي المتشدد، قد خاض حربًا مع قيادات الحرس لمحاولة ضبط معاملاتهم التجارية تحت سمع ونظر الحكومة التي يرأسها، لكنه فشل في الأخير في مهمته.

في الأخير، يبدو الاتفاق النووي الذي هو إنجاز روحاني الأكبر في مأزق، إذ لم يتلمس أثره المواطن الإيراني بعد، وهو في الأخير مهدد من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يرى في الاتفاق أمرًا كارثيًا، يجب القضاء عليه وتعطيله.


انتخابات الجولة الواحدة

حسن روحاني، إيران
حسن روحاني، إيران
الرئيس الحالي حسن روحاني، سادن العتبة الرضوية إبراهيم رئيسي، عمدة طهران محمد باقر قاليباف، نائب الرئيس إسحاق جهانغيري، وزير الصناعة الأسبق مصطفى هاشمي، وعضو مجمع تشخیص مصلحة النظام مصطفى مير سليم، إيران، انتخابات
مرشحو الانتخابات الرئاسية الإيرانية لعام 2017م

كان بالإمكان لهذه الانتخابات أن تكون أكثر دراماتيكية لو أن أحمدي نجاد سُمح له بالترشح، فله شعبية كبيرة في القرى والمدن الصغيرة، وله تاريخ من الصراع مع المرشد والحرس الثوري، حالت نهاية فترة ترشحه الثانية دون إنهائه، فنجاد هذا تحدَّى إرادة المرشد بتعيين صهره رحيم مشائي نائبًا له، وهو الرجل القومي الذي قال إن الشعب الإيراني صديق لكل شعوب العالم بما فيها الشعب الإسرائيلي، وتحداه ثانيةً، عندما أقدم – على غير رغبة المرشد – على إقالة وزير خارجيته منوشهر متكي بعد خلافات حول السياسة الخارجية للبلاد، وثالثًا، عندما حاول إقالة وزير الاستخبارات، حجة الإسلام حيدر مصلحي، فدعمه خامنئي للاستمرار في منصبه. خلافًا للصراع الذي أداره نجاد مع مؤسسة الحرس الثوري، بشأن تعاملاتها الاقتصادية خارج إطار الحكومة.

حال مجلس صيانة الدستور دون انتخابات تاريخية باستبعاده لنجاد، لكنه سمح لـستة آخرين بخوض غمار المنافسة، وهم الرئيس المنتهية ولايته، حسن روحاني، سادن العتبة الرضوية، ومدعي عام إيران؛إبراهيم رئيسي، وعمدة طهران منذ 2005 محمد باقر قاليباف، والنائب الأول للرئيس الحالي، إسحاق جهانغيري، ومصطفى مير سليم (وكان وزيرًا للثقافة في حكومة رفسنجاني الثانية)، ومصطفى هاشمي طبا، (وكان وزيرًا هو الآخر في حكومة رفسنجاني).

كان الصراع محتدمًا بين قاليباف ورئيسي على أصوات الأصوليين من رجال الدين ومُريديهم، وتقدم قاليباف في استطلاعات الرأي، إلا أنه تنحى عن السباق في 16 مايو/آيار الحالي، ليلعن دعمه لسادن العتبة الرضوية، إبراهيم رئيسي. كذلك انسحب إسحاق جهانغيري لصالح رئيسه حسن روحاني، بينما أعلن هاشمي طبا ترشيحه لروحاني، وبهذا تنحسر المنافسة بين روحاني ورئيسي وخافت الذكر، مصطفى مير سليم.

يريد روحاني التمديد لفترة رئاسية ثانية ليقضي على الصراع الطويل بين بلاده والولايات المتحدة، والذي امتد لما يزيد على عشر سنوات، على خلفية المشروع النووي، بينما تقل فرصه على الأرض على خلفية الأزمات الاقتصادية المتراكمة، فبحسب استطلاعات للرأي أجرتها جامعة مريلاند الأميركية، فإن شعبة الرئيس روحاني انخفضت من 61% بعد انتخابات عام 2013، إلى حوالي 40% مع بداية العام 2016.

وإذا أخذنا في الاعتبار النتائج التي ذهبت إليها انتخابات مجلسي الشورى وخبراء القيادة، فإن القائمة الداعمة لروحاني «أميد» حصدت فقط 42% من أصوات الناخبين، وهي نتيجة مقاربة لما ذهبت له استطلاعات الرأي، كما يرى محللون من داخل إيران أن مجموع ما قد يحصل عليه رئيسي وقاليباف من الأصوات يصل إلى 58%، مما يعني احتمالية حصول رئيسي منفردًا على هذه الكتلة التصويتية بعد انسحاب قاليباف لصالحه.

هذه المعاناة الاقتصادية التي أزّمت موقف الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني، كان لها أن تُحل نسبيًا إذا ما دعمته الإدارة الأميركية الجديدة سياسيًا واقتصاديًا، لتشجع الإيرانيين على المضي قُدمًا في اتفاقهم النووي، وتقويض النفوذ المتعاظم للمؤسسات الأصولية كمؤسسة المرشد، والحرس الثوري، والتي تأخذ إيران بعيدًا في عزلتها عن المجتمع الدولي، لكن دونالد ترامب وإدارته الجديدة لهم رأي آخر، أو لنقل بأن أموال الخليج العربي كانت لها اليد العليا لاجتذاب ترامب، ليجعل الرياض محطته الخارجية الأولى مُذ جاء رئيسًا للولايات المتحدة.

المراجع
  1. عندما يوهوى السياسيون السير في الطريق الخطأ
  2. توجهات السياسة الخارجية الإيرانية عقب الاتفاق النووي – الجزيرة للدراسات
  3. Iran Report: June 11, 2001