في أواخر شهر أغسطس/آب الماضي عُرض فيلم «don’t breathe»، للمخرج فيدي الفاريز، وبطولة الممثل المخضرم ستيفن لينج بدور الرجل الأعمى، وجاين ليفي في دور روكي، ودايلن مينيت في دور ألكس، ودانيل زافتو في دور موني. الفيلم مصنف كفيلم جريمة ورعب وإثارة. بمجرد عرض الفيلم، لاقى استحسانًا من قبل الجماهير وإشادات نقدية كبيرة، وهذا ما ظهر في تقييماته على المواقع النقدية المختلفة مثل imdb و rotten tomatoese.

الفيلم يمر بثلاث مراحل مختلفة؛ وهي مرحلة البداية وتقديم الشخصيات، ومرحلة الوسط الذي حدث فيها الصراع والأزمة، والمرحلة النهائية وهي نهاية الصراع وحل الأزمة. وفي المراحل الثلاث، لم تكن الأحداث أو ردود فعل الشخصيات متوقعة، وهذه هي نقطة قوة الفيلم التي تسببت في الاستحسان الذي لاقاه.


البداية: لصوص ولكن ضعفاء

المرحلة الأولى في الفيلم وهي مرحلة تقديم الشخصيات، تُعرّفنا على طريقة سرقتهم المعتادة، وهي سرقة أشياء منخفضة الثمن من المنازل غير المسكونة، والابتعاد عن السرقات التي تتعدى 10 آلاف دولار، وعدم استخدام الأسحلة حتى لا يقعوا في جريمة سرقة من الدرجة الأولى أو مع سبق الإصرار؛ وبالتالي زيادة مدة عقوبتهم في حالة القبض عليهم، وعلمنا سبب اكتفائهم بهذه السرقات الخفيفة.

الفيلم يضعك في حالة التعاطف من اللحظات الأولى مع اللصوص الثلاث، وخصوصًا «روكي» و«ألكس». فروكي أم لطفلة، وضعها الاقتصادي ضعيف، وترغب في مستقبل أفضل لابنتها، فكل آمالها الحصول على كمية من المال تكفي للانتقال لمدينة أخرى أكثر رفاهية، مع ضمان أمان مادي كافٍ.

ألكس يبدو ميسور الحال قليلاً، ولكنه يقوم بهذه الأعمال على سبيل التسلية، لذلك هو أكثرهم تمسكًا بالقواعد الأخلاقية وعدم التمادي في السرقة، ولذلك هو أكثر من اعترض بشدة على سرقة الرجل الأعمى.

موني وهو أكثرهم شراسة ورغبة في التمادي، فهو لا أخلاقي بدرجة كبيرة، لا فرق بينه وبين اللصوص الخطرين في شيء، حيث لا يستبعد استخدام الأسلحة النارية وغيرها من الأمور الخطرة.

الرجل الأعمى تم تقديمه في المرحلة الأولى على لسان اللصوص الثلاث، فتعرفنا على خلفيته السابقة كمقاتل في الجيش الأمريكي، وابنته التي قتلت في حادثة، وامتلاكه لمبلغ كبير من المال. ومع اقتحام اللصوص الثلاثة للمنزل تبدأ مرحلة المفاجآت الكبرى وهي المرحلة الثانية.


الصراع والأزمة: ضحية شرسة ومجرمون ضعفاء

مع اقتحام البيت ومحاولة البحث عن موضع المال، تبدأ العديد من المفاجآت؛ أولها هي استيقاظ الرجل الأعمى من نومه، وقدرته المدهشة على مهاجمة اللصوص والدفاع عن نفسه، وحين أمسك بموني لم يتردد لحظة في قتله.

هنا يأخذنا الفيلم في محور جديد من نوعه، يختل فيه ميزان الخير والشر، فلا تعلم من يستحق التعاطف، هل هم اللصوص الثلاث خصوصًا بعد معرفتك بخلفيتهم الاجتماعية ودوافعهم؟، أم تتعاطف مع الرجل العجوز الأعمى الذي يتعرض لسرقة كل ماله تقريبًا؟، ولكنه على جانب آخر لا يريد الاكتفاء بإبعادهم عن المنزل، بل يريد قتلهم. طريقة إخراج الفيلم هي ما نجحت في إيصال هذه المشاعر المتناقضة.

فعلى مستوى الصورة لم يخرج «فيدي الفاريز» عن المعتاد في أغلب الأفلام، فأبعاد الصورة هي 1: 2،35، والألوان مشبّعة «Saturated» وليست باهتة، ومصادر الإضاءة قليلة، خصوصًا في مشاهد المطاردات والمشاهد الداخلية، وتم استخدام كاميرات رقمية في أوضاع متحركة وليست ثابتة أغلب الوقت. هذه الفقرة ربما نكررها كما هي مع أغلب أفلام الرعب، ولكن لا ننسى أن فيلمنا هو فيلم جريمة بالمقام الأول ولا يوجد به شيء «ميتافازيقي»، واختيار تصويره على طريقة أفلام الرعب والماورائيات اختيار موفق جدا وجريء.

أحد أكثر المشاهد التقنية صعوبة هو مشهد إغلاق الرجل الأعمى لكل الأضواء. أجاد مدير التصوير إقناع المشاهد أن الأضواء مغلقة ومع ذلك يرى كل ما يحدث، فتم إظهار الممثلين كأشباح رمادية خافتة كما في الصورة. وكانت الموسيقى أحد أكثر عناصر الفيلم تميزًا فجاءت غامضة وموترة وسوداوية بدرجة كبيرة.

التمثيل في المجمل جيد جدًا، جاء على رأس الهرم «ستيفن لينج» بتأديته العبقرية لدور الرجل الأعمى، فهو نقل مشاعر هذا الرجل بصورة ممتازة، ودفعك للتعاطف معه ثم كره عنفه المفرط في الدفاع عن نفسه، ثم كرهه التام في مراحل نهايات الفيلم ثم التعاطف معه، وتفهم دوافعه مرة أخرى. استطاع ستيفن لينج إيصال كل هذه المشاعر المتناقضة للمشاهد، وإقناعنا بأنه أعمى ومع ذلك قوي وشرس. برغم أن الفيلم لن يستهوي لجان تحكيم الجوائز والمهرجانات الكبرى، ولكن ستيفن لينج يستحق أن يتواجد في الترشيحات عن هذا الأداء المميز، ولكن ذلك مستبعد حدوثه للأسف بحكم معرفتنا لمزاج النقاد، وحلّ بعده كل من جاين ليفي وديلان مينيت وكان أداؤهم متأرجحًا ما بين المقبول والجيد.


الخاتمة: خاتمة قبيحة ولكنها متقنة

القبح هو الوصف الأصدق للنهاية، وليس المقصود بالقبح قبح الجودة الفنية، بل إن النهاية متقنة ومبررة دراميًا طبقًا لمعطيات مراحل الفيلم السابقة. القبح نابع من بشاعة الحدث، فالخاتمة بدأت بحدث قتل أكثر المعارضين لعملية السرقة هذه، وهو ألكس، وبقيت روكي في قبضة الرجل الأعمى الذي قيدها وحاول حقنها بحيواناته المنوية لتنجب له طفلة بدل التي قتلت، مشاهد أتقن المخرج تصوير بشاعتها وهو يحقن روكي بحيواناته المنوية ومحاولتها الهروب منه، وبالفعل نجت بمعجزة منه.

اختار الفيلم نهاية آمنة بدرجة كبيرة ومرضية لأغلب المشاهدين. فبالرغم من قتل اثنين من الأصدقاء اللصوص طوال أحداث الفيلم، إلا أنه تم الإبقاء على الأم حية، مع كسبها للمال وسفرها لولاية أكثر رفاهية من ولايتها، لتحقيق حلم ابنتها. وعلى جانب آخر فقد ظل الرجل الأعمى حيًا برغم تعرضه لإصابات بالغة.

في المجمل فيلم don’t breathe هو فيلم تجاري جيد جدًا، قدم واحدة من الأفكار الجديدة من نوعها في هذه النوعية من الأفلام. الفيلم عنيف جدًا وغير مناسب للأطفال أو ضعاف القلوب بشكل عام.