«إليزابيث جيلبرت» اسم تصدر مواقع الأخبار والتواصل الاجتماعي في اليومين الماضيين، ليس لأنها مؤلفة كتاب «طعام، صلاة، حب» التي حصلت على الطلاق من زوجها البرازيلي الذي قابلته في نهاية رحلتها/كتابها وحسب؛ ولكن لأن الفترة بين إصدار الكتاب والفيلم الذي قامت ببطولته «جوليا روبرتس» و«خافيير بارديم»، وبين إعلان خبر الطلاق، كانت فترة كافية جدًا لأن تكتشف كل من طبقت كتالوج إليزابيث جيلبرت الخديعة؛ الخديعة التي تأكدت بخبر طلاق جيلبرت/العرابة.


فلتتخلّيْن عن الأشياء المهمة كلها

كان الكتاب/الفيلم يحكي سيرة ذاتية للكاتبة التي تركت زوجها فجأة والذي لم يكن يفهم بالضبط لماذا انهارت حياته معها دفعة واحدة، للدرجة التي جعلته في البداية يرفض توقيع أوراق الطلاق، تحكي عن الأشياء الصغيرة التي ظلت تكبر دول أن يحلها أحد والتي أدت إلى أن تنتهي العلاقة إلى غير رجعة.

ثم تحكي عن تخبطها الشديد في المرحلة التالية وارتباطها بشاب يصغرها سنًا كانت تتعلق به تعلقًا مرضيًا للدرجة التي جعلته يخبرها يومًا أنه يريد أن يشتاقها ولو مرة واحدة، ثم تتركه أيضًا وتترك هذه المرة معه كل شيء؛ العمل والمنزل والأصدقاء وكل الأمور المعلقة دون أي حلول، وتذهب في رحلة طويلة عبر العالم حيث تستمتع بالطعام والصحبة الجديدة وتبحث عن الله وعن السكينة التي فقدتها في الطريق ولتعيد اكتشاف نفسها.

في الرحلة تصبح إليزابيث أكثر سعادة، تكتشف متعة الطعام وتحب نفسها أيًا كان قياس السروال الذي ترتديه، ثم تكتشف في نفسها القدرة على أن تتأمل وأن تحب البشر وأن تخرج من عقلها قليلاً وتمنح روحها فرصة للتحليق، ثم (وكنتيجة طبيعية) لكل تلك التغيرات تقابل رجلًا برازيليًا وسيمًا لوحت الشمس لون بشرته فيحبها ويعيشان بسعادة للأبد.


الكتاب الذي ليس مقدسًا جدًا

كانت إليزابيث جيلبرت ملهمة للكثير من النساء حول العالم، كتابها كان من أعلى الكتب مبيعًا في كل أقطاب الأرض، وحقق الفيلم المأخوذ عن الكتاب نجاحًا ساحقًا، كان كتابها مقدسًا في حياة كثير من النساء، قدّسن الكتاب لأنه أعطاهن الأمل في أن كل الأمور يمكن أن تصبح على ما يرام لو فقط أكلن بشهية، وصلّين من قلوبهن، ثم انتظرن فارس الأحلام.

في الحقيقة فإن الكاتبة لم تكن بتلك القداسة التي أضفاها عليها الكتاب، كانت امرأة لا تتحمل المسئولية، لم تحاول أن تصلح زواجها، لم تبذل أي مجهود في ترميم شروخ علاقاتها سواء مع زوجها أو مع حبيبها التالي، تركت عملها فجأة لمجرد أنها تملك الأموال التي تؤمّن لها رحلتها المزعومة، فكان من الطبيعي عندما تحصل على الحب ألا يكون حقيقيًا جدًا وينتهي بالطلاق.

يبدو الكلام هجوميًا جدًا وتشفيًا في نهاية القصة التي كانت إلهامًا للكثيرات، بينما في الحقيقة فإن هذا الكلام يدعمه ما حدث، فالقصص لا تنتهي بالحصول على الأمير الوسيم، وكل الحرية التي تركت الكاتبة كل شيء من أجل البحث عنها قوّضت أساسها النهاية الكلاسيكية التي اكتفت بها الكاتبة عندما قررت أن تخبر الأخريات أن الحب هو أهم ما ستجدينه في نهاية رحلتك.


ذهبت لتبحث عن نفسها فوجدت رجلًا

ليست المشكلة أن الكاتبة لم تتحمل مسئولية اختياراتها، المشكلة الحقيقية أن الكتاب/الفيلم سوق لتجربتها على أنها خلاصة النجاح لمجرد أنها حصلت على رجل في النهاية، هل كان كل هذا السعي المحموم منذ حصولها على الطلاق من زوجها هو للبحث عن نفسها أم للبحث عن المليونير البرازيلي؟، هل يجب على الفتيات أن يؤمنّ بوجوب حب أنفسهن والبحث عن حريتهن ليكنّ أسعد، أم لتحصل على زوج وسيم وثري؟، هل وجدت الكاتبة سعادتها في الرحلة أم في نهاية الرحلة عندما عادت منها بصحبة رجل؟.

طلاق إليزابيث جيلبرت ليس حدثًا استثنائيًا، كما لم تكن قصة حبها الأخيرة استثنائية، بالأحرى فإن إليزابيث جيلبرت نفسها ليست امرأة استثنائية ولذلك لم يحدث لها أي شيء غير استثنائي، فهي لم تهتم أن تركض وراء نفسها التائهة، بل ركضت بكل قوتها هربًا من تلك النفس، والهرب لن يكون أبدًا طريقًا لأن تجد أي شيء.

لم أفهم أبداً ماذا ترى النساء في مذكرات تلك المرأة الهاربة دائمًا أبدًا، أين الإلهام في قصة عادية لم تكن نهايتها تختلف عن أي قصة أخرى لفتاة أخفقت ثم أحبت ثم تزوجت؟، أين الحدث غير العادي الذي يدفعني لأن أعتبر قصتها كتالوجًا ملهمًا؟.

لم تكن مذكرات إليزابيث جيلبرت دافعًا للنجاح أو للحرية أو للتحرر من العلاقات الشائهة قدر ما كانت تحمل مبادئ الهروب من الواقع، هربت في البداية من واقعها المشكل مع زوجها لعلاقة أخرى محكوم عليها بالفشل حتمًا، ثم هربت من العلاقة الفاشلة بهرب أكبر من كل شيء، ثم أوصلها هذا الهروب اللانهائي لعلاقة عاطفية بدت أسطورية الجمال ثم اتضح أنها هشة يمكن أن تنتهي بالطلاق كأي علاقة أخرى.

ربما طلاق «إليزابيث جيلبرت» يعطي مؤشرًا لكل من اعتبرها عرّابة واعتبر قصتها ملهمة، أن القصص الملهمة لا تكون قصص هروب حتى ولو كان هروبًا أنيقًا لا يسمي نفسه هروبًا بل يدلل نفسه بأسماء براقة مثل البحث عن الذات وإعادة اكتشاف الحياة، لو كانت الرحلة فعلاً رحلة بحث عن النفس المفقودة لم تكن ستنتهي بإيجاد رجل، لن يكون الحب هو خط نهاية الرحلة، ولن ينتهي البحث بانتهاء العزوبية.

وإلا ففيم كان كل هذا اللهاث؟.