شهدت مصر خلال تاريخها الفني الطويل الكثير من الفنانين الذين سبقت ثقافتهم قدراتهم التمثيلية، فحين يتم عقد لقاء صحفي أو تليفزيوني لأي منهم ويظهرون على الشاشة تجد مستوًى ثقافيًّا عاليًا، وقدرة على الحديث في أي من الموضوعات العامة التي تشغل الرأي العام، سواء كانت شأنًا داخليًّا أو خارجيًّا، كان منهم على سبيل المثال لا الحصر يوسف وهبي ثم فريد شوقي وسناء جميل وفاتن حمامة وغيرهم الكثير، وتبعهم جيل فاروق الفيشاوي ونور الشريف وأحمد زكي وإلهام شاهين وغيرهم، الذين لم يخشوا يومًا أن يعبروا عن آرائهم الثقافية والفنية، فنجد الأول مشاركًا في ثورة الـ25 يناير في أوائل الصفوف، والثاني والثالث هما رمانتا الميزان الثقافي والفني في الوسط، والأخيرة – وإن كان لها الكثير من المعارضين – لم تخشَ مواجهة المجتمع والتعبير عن رأيها حتى إن هاجمها الكثيرون.

 ولكن فجأة واجهنا جيل يرفض الحديث في أي مما يخص الشأن العام المصري أو العالمي، يمتنع دائمًا عن إبداء رأيه في أي من المواقف التي يتم سؤاله عنها، حتى وصلت إلى عدم الرغبة في الإعلان عما يشجعونه من نادٍ كروي، خوفًا من خسارة الجمهور، فهم ملك للجميع.

تفاخر الفنانين المصريين بجهلهم

مع بداية الانفتاح في عالم التكنولوجيا والسوشيال ميديا كان على الفنانين أن يكونوا في أول الركاب لهذا التطور، ولكن هذا لم يحدث مُطلقًا، فوجدنا أنه في أي حوار تليفزيوني يخرج النجم ليُصرح بأنه غير جيد في مواقع التواصل الاجتماعي ولا يتواصل عليها، وكان من هؤلاء أحمد السقا، الذي تفاخر بذلك كثيرًا قبل أن يتواجد على موقع التدوينات الصغيرة «تويتر»، وكريم عبد العزيز، ومنى زكي التي أعلنت هذا العام أن هناك شركة تولت إدارة حساباتها لأنها لا تجيد التعامل مع السوشيال ميديا، وهذا وضع العديد والعديد من الذين ما زالوا حتى الآن يجهلون التقدم التكنولوجي وكيفية التعامل معه، اللهم إلا بعض الفنانين القلائل الذين يقومون بإدارة حساباتهم بأنفسهم، واستطاعوا أن يكوِّنوا شعبية كبيرة من خلال ذلك، منهم عمرو واكد وأحمد حلمي ورانيا يوسف وغيرهم القليل.

وفي ذلك قال الناقد الفني رامي المتولي إن اختلاف مستوى ثقافة الفنانين حاليًّا عن ذي قبل راجع إلى اختلاف ثقافة المجتمع، وليس شيئًا قاصرًا على الفنانين فقط، فهناك فجوة كبيرة بين جيل الستينيات والجيل الحالي، وهي راجعة إلى الفكر الوهابي الذي غزا مصر في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وأدى إلى تجريف الثقافة العامة المصرية.

وأضاف في تصريح خاص أن التباهي بهذا الجهل نتيجة لما حدث من تجريف خلال السنوات الماضية، وهو راجع أيضًا لغياب دور العديد من المؤسسات، مثل التليفزيون المصري ودار الأوبرا، وهيئة قصور الثقافة التي كان عليها أن تساهم في خلق هذا الوعي كما كان يحدث في السابق، والمدارس أيضًا فقدت دورها في الاهتمام بالفنون، والأهل أصبحوا يفتخرون بهذا الجهل، وغير داعمين لتثقيف أبنائهم، وكُلل ذلك بما وصل إليه الفنانون والمجتمع بشكل عام من جهل، وعلى النقيض فنجوم هوليوود الذين لم يكونوا على مستوى واحد من الثقافة لدى أغلبهم اهتمام بقضايا عالمية ومهمة.

ثقافة الملائكة لإرضاء الجمهور

الأسوأ من انعدام الثقافة هو الادعاء، وهو ما يقوم به بعض الفنانين حاليًّا، ويقعون في مصيدة الجمهور، بين مؤيد ومعارض، وظهرت تلك الفئة بعد تحريم اللمس بين الجنسين أمام الشاشة، واشتراط ذلك في العقود التي يتم توقيعها لبدء التصوير، وكان من أشهر الأمثلة لهؤلاء الفنانين يوسف الشريف الذي صرح بذلك العام الماضي، كما أنه كان متعدد التدوينات بدعوة الجمهور إلى أن لا تعطلهم مشاهدة المسلسلات عن الصلاة، ورأى البعض أن هذا ادعاء، والأولى له ألا يعرض مسلسله في شهر رمضان.

كما جاء الفنان محمد سليمان مصرحًا بأنه جسد دور هاني – التريند الشهير – في مسلسل «هذا المساء»،مؤكدًا أنه تم تجسيد دور الشاب المثلي جنسيًّا حتى نتعظ منه ولا نقوم بتقليده!

وجاء أيضًا الفنان أحمد زاهر مؤخرًا رافضًا أن تقوم أي من ابنتيه بأي دور فيه لمسات أو قبلات، مُدعيًا أنه لم ولن يقدم تلك الأدوار في حياته، ويعتبرها لا تتناسب مع الذوق العام المصري، بالرغم من أنه قام بدور فيه قبلات في فيلم «راندفو».

وتسير هذه التصرفات في اتجاه صنع هالة ملائكية أمام الجمهور الراغب دائمًا في أن يظهر النجم بصورة أشبه بالداعية الديني، لا الفنان، ويسعى هؤلاء الفنانون إلى إرضاء الجمهور بما يحب.

إرضاء الجمهور هو جزء من الانسياق وراء الثقافة العامة، التي لها علاقة بالرغبة في عدم الاشتباك مع الجمهور، واقتناع الفنان بالأفكار الجامدة النابعة من المجتمع، فيفرض النجم على ذاته رقابة ذاتية، تجعله يخرج نوعًا من الفنون التي تكون ضد الحرية في مناقشة قضايا أو عادات مجتمعية لا بد أن تُكسر، وهذا على عكس طبيعة الفن، فنرى بعض الفنانين يقومون بمهاجمة زملائهم عند مناقشة بعض القضايا بحرية، ويأخذون صف الجمهور في الهجوم عليهم، كما يرى الناقد رامي المتولي.

لا مكان للمصريين في عالم السياسة

كانت ثورة الـ25 من يناير في 2011 كاشفة للكثير من ثقافة الفنانين المصريين التي جاءت غير مرضية للجمهور بالمرة، حين اكتشف الجمهور أن نجومهم في عالم غير عالمهم، فمنهم من امتنع عن الإدلاء بأي تصريحات حتى يلعب على حبال جميع الأطراف، وآخرون أيدوا الرئيس الأسبق حسني مبارك خوفًا على علاقاتهم مع سياسيي النظام، وقليل هم من كانت لديهم الشجاعة لإعلان مواقفهم والوقوف إلى جانب الثوار، وتبع ذلك تظاهرات 30 يونيو، التي صعد على أعناقها الفنانون الذين لم يشاركوا في 25 يناير، لكي يقوموا بتعويض ما فاتهم بعد أن أسقطتهم الثورة من نظر الكثير، ولكن الأمر كان قد قضي.

نجوم هوليوود في مهب الريح

على النقيض تمامًا من هوليوود الشرق يأتي نجوم هوليوود، الذين لا يخشون لحظة من إظهار آرائهم الفكرية، التي تنبع من ثقافة كبيرة وإلمام بالشأن العام العالمي، فنجد نجوم العالم يقفون ضد الاعتداء الإسرائيلي والهجمات ضد أهالي غزة، وكان من هؤلاء داني جلوفير ومارك روفالو وراسل إدوارد والروائية جي كيه رولينج، والممثلة بينيلوبي كروز، وسيلينا جوميز.

ولم تكن القضية الفلسطينية الأولى أو الأخيرة من نوعها التي يعلق عليها نجوم هوليوود خارج بلادهم، بل كان منهم أيضًا من اعترض على غزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق، ولم يأتِ ذلك من خلال تصريحات فقط، بل جاء في أعمال فنية كاملة، وكان هناك الكثير من الفنانين المناهضين للعدوان على السودان، وكان على رأسهم جورج كولوني.

حرية الرأي نتيجة المجتمع وليس الثقافة

وفي اتجاه آخر، أكد الناقد الفني محمد عدلي أن النجوم المصريين لديهم مشكلة كبيرة في الثقافة والاطلاع بشكل عام، ولكن هذا لم يكن وليد السنوات الأخيرة فقط، بل كان ذلك أيضًا موجودًا في الثمانينيات فكان هناك فنانون لم يكملوا تعليمهم أساسًا، ولكن بالطبع حاليًّا نسبة الجهل العام البعيدة عن مستوى التعليم أعلى بكثير، وهذا الجهل موجود في كل زمان ومكان.

وأضاف الناقد الفني أن نجوم هوليوود مستوى الثقافة لديهم أيضًا فيه نسبة وتناسب، فهناك بعض من أفضل الفنانين يعانون الجهل، إضافة إلى ذلك يجب التفرقة بين التعبير عن الرأي ومستوى الثقافة، فالأول يتوقف على المجتمع الذي يعيشون فيه، ومستوى الحرية والتعبير عن الرأي المتاح في المجتمع. وهو بالطبع يختلف لدينا عن هوليوود.