بينما كانت المواسم السينمائية الرئيسية قبل الثورة في 2011 تنحسر في أسابيع الصيف كموسم رئيسي، ومواسم عيدي الفطر والأضحى كمواسم أقل زخمًا من حيث النجوم؛ تحول الأمر بعد الثورة ومع دخول شهر رمضان داخل الصيف، لينتهي الموسم الصيفي تمامًا، وتتبقى مواسم الأعياد فقط.

كمحاولة لخلق مواسم بديلة؛ بدأ المنتجون وشركات التوزيع في التركيز على فترة إجازة نصف العام الدراسي، للدقة الأمر لم يبدأ فقط بعد سنوات الثورة، بل كانت هناك عادةً عروض لأفلام جديدة في فترة منتصف العام، لكنها لم تحظ أبدًا بالزخم أو الاهتمام، في الأغلب لاقترابها من موسمي العيد بالفعل، مما كان يجعل الأفلام التي تعرض في تلك الفترة تجارية أو جماهيرية بالمعنى المفهوم.

في العام الماضي 2017 تحول شهر يناير/ كانون الثاني، الذي يضم إجازة منتصف العام، إلى موسم حقيقي، ضم نجومًا وتجارب جديدة بالإضافة لجمعه لإيرادات جيدة، ليست عظيمة ولكن جيدة، بما يمكن أن نطلق عليه النواة الحقيقية لظهور موسم سينمائي في إجازة نصف العام، وهو ما انعكس بالتالي على الموسم نفسه في العام الحالي.


بداية غير موفقة

بينما ظهرت الإعلانات لعدد محدود من الأفلام في البداية، وصلت الأفلام المعروضة خلال شهر يناير/كانون الثاني إلى 6 أفلام، كان قد أُعلن كذلك عن فيلم «الكهف» من إخراج «أمير شوقي»، لكنه تأجل ليعرض في شهر فبراير/ شباط.

الأفلام هي: «طلق صناعي»، و«عقدة الخواجة»، و«جدو نحنوح»، و«اطلعولي بره»، و«خلاويص»، وأخيرًا «رغدة متوحشة».

6 أفلام رقم ليس قليلًا، ويعني وجود مساحة للاختيار لدى الجمهور بين الأعمال المعروضة، لكن الملاحظة الأولى كانت أن جميع الأفلام تنتمي للنوع الكوميدي، ولا يوجد أي اختلاف في النوع المقدم.

في المقابل كان لدينا في العام الماضي نفس العدد من الأفلام، لكن على مستوى الموضوعات كان هناك فيلما «مولانا»، و«القرد بيتكلم»، وكلاهما بعيدان عن الكوميديا. هذا التنوع ليس في مصلحة المشاهد فقط، لكنه أيضًا يُفيد صناع الأفلام، إذ هناك دائمًا من يبحث عن نوع مختلف ليشاهده، بينما إن كان كل المعروض من نفس النوع فعلى الأرجح سيكتفي المشاهد بعدد أقل من الأفلام طالما الأمر لا يعتمد على أسماء نجوم معروفين وعليهم إقبال كبير في مجال الكوميديا.

وبينما شاهدنا فيلمًا لـ«محمد رمضان»، أحد أكثر الفنانين تحقيقًا للإيرادات في السنوات الماضية، لم يحدث هذا خلال العام الحالي، فليس هناك فنان يحقق إيرادات ضخمة بين الأسماء الموجودة.

إذا نظرنا إلى المستوى الفني لن نجد ما يسر أيضًا، أفضل الأفلام فنيًا هما «خلاويص»، و«طلق صناعي»، وكلاهما يحتويان على الكثير من المآخذ رغم اعتمادهما على أفكار جيدة. وبالعودة إلى العام الماضي مرة أخرى، لن يصمد «خلاويص» في المقارنة مع «ياباني أصلي» بطولة «أحمد عيد» أيضًا، سواءً على مستوى التنفيذ أو على مستوى الإيرادات التي جاءت هزيلة جدًا للفيلم الأحدث، وهو ما ينقلنا للحديث عن الإيرادات.


جومانجي يتفوق على المصري

على الرغم من تحقيق فيلمين هما «رغدة متوحشة» و«طلق صناعي» لأرقام مقبولة تخطت عشرة ملايين جنيه لكل منهما، إلا أنه من الصعب القول إن هذه الأفلام ناجحة بالفعل، على مستوى شباك التذاكر.

بالنظر إلى الأسبوع من السادس من العام 2018، سنجد أن هناك فيلمين فقط تخطيا حاجز عشرة ملايين، وهما «رغدة متوحشة»، و«طلق صناعي»، بينما في المقابل لم ينجح فيلمان في تخطي المليون الأول، حتى كتابة هذا المقال، وهما «خلاويص»، و«جدو نحنوح». يتبقى فيلمان هما «عقدة الخواجة» الذي وصل إلى سبعة ملايين ونصف المليون، بينما تخطى «اطلعولي بره» حاجز المليونين بقليل.

هكذا نجد أن إجمالي هذه الإيرادات يقترب بالكاد من 25 مليونًا فقط، وهو رقم هزيل جدًا، من الممكن أن يحققه فيلم واحد، ومن الممكن على أقصى تقدير أن تتخطى الإيرادات الإجمالية 30 مليونًا بقليل.

إذا عدنا مرة أخرى إلى عام 2017 فلن نجد أي فيلم في الأسبوع السادس قد حقق أقل من مليون جنيه في خلال الفترة نفسها حتى أقلها تحقيقًا للإيرادات وهو «فين قلبي؟»، بينما انتهت الأفلام مجتمعة إلى تحقيق قرابة 50 مليونًا عند رفعها من دور العرض، وهو رقم بعيد جدًا عن الإيرادات الحالية، وهذا دون الأخذ في الاعتبار زيادة أسعار التذاكر في بعض دور العرض.

لكن هناك ملاحظة طريفة أخرى على إيرادات أفلام شهر يناير/ كانون الثاني؛ لمدة ثلاثة أسابيع متتالية منذ بداية العام احتل الفيلم الأمريكي «Jumanji: Welcome to the Jungle» قمة الإيرادات، ثم هبط إلى المركز الثاني فقط في الأسبوعين التاليين، محققًا حتى الآن إيرادات تجاوزت 21 مليونًا في مصر خلال سبعة أسابيع عرض، وبإيرادات أسبوعية تفوقت على معظم الأفلام المصرية الأخرى في سابقة نادرة الحدوث.


كوميديا غير مضحكة

يمكن تقسيم الأفلام الستة لثلاث ثنائيات، إذ يشترك كل فيلمين في صفات محددة.

يتميز «خلاويص» من حيث فكرته عن بقية الأفلام. يقدم الفيلم نقدًا للواقع في مصر في شكل كوميدي، دون محاولة للادعاء، وقد نجح في مهمته إلى حد كبير في نصفه الأول، بينما تشتت كثيرًا في النصف الثاني، وبدا كأنه يريد أن يقول كل شيء فأتى الأمر بنتيجة عكسية.

يمكن مقارنة الفيلم بـ«طلق صناعي»كونهما يعتمدان على الكوميديا السوداء، وإن كان هذا الأخير بدا أكثر بريقًا من الأول، لكن خلط الهزلي بالجاد في الفيلم أدى إلى تركيبة غير مستساغة إلى حد كبير، وهي بالتأكيد لا تقترب بأي شكل من بساطة «خلاويص»رغم أن الفكرة كانت تعد بالكثير.

يمكن ضم فيلمين آخرين تحت مظلة واحدة، وهما «رغدة متوحشة»،و«عقدة الخواجة»، وكلاهما يعتمد على كوميديا المبالغات أو «Farce» سواءً في الأداء أو الفكرة.

نبدأ مع الفيلم الأعلى تحقيقًا للإيرادات «رغدة متوحشة»بطولة رامز جلال، الذي اعتمد على فكرة قُدمت بالفعل من قبل في عدد من الأعمال، الرجل الذي ينتحل شخصية امرأة للوصول إلى غرض ما، ثم يقع في حب فتاة، ويحاول أن يكشف شخصيته الحقيقية لها، لكن مؤلفي الفيلم لم يبذلا مجهودًا حقيقيًا في إقناعنا بسبب وقوع الفتاة في الإعجاب برغدة التي لا تملك أي جاذبية من أي نوع. هكذا شاهدنا فيلمًا يحتوي على بعض الضحك ولا يحتوي على أي منطق.

مثله كان «عقدة الخواجة» الذي يعتمد على مفارقة جيدة، لكنها احتوت أيضًا على الكثير من المبالغات غير المنطقية، التي حاول مؤلفا الفيلم أن يضعاها في إطار المنطق بتقديم مفاجأة في النهاية زادت من حجم المبالغات ولم تعالج شيئًا.

أخيرًا كانت هناك المحاولة بدفع الوجوه الجديدة أو الأسماء التي لم تحقق نجومية في هذا الموسم الذي لا يحتوي على منافسة حقيقية، إذ ربما تكون فرصهم أفضل، وهو ما لم يحدث في الواقع. تمثلت هذه النوعية في فيلمي «اطلعولي بره» بطولة «كريم عبد العزيز» الذي ظهر في أعمال متفرقة من قبل سواء كبطل أول أو كممثل مساعد دون أن يحقق نجاحًا لافتًا، والفيلم الثاني «جدو نحنوح» من بطولة «مصطفى أبو سريع» الذي تميز مؤخرًا في أداء الأدوار المساعدة لكنه تعجل في الوصول إلى مقعد البطولة لتأتي النتيجة في صورة «جدو نحنوح».

كلا الفيلمين ضعيف على كل المستويات، لا يخلو الأمر من بعض الابتسامات المتفرقة هنا أو هناك، لكنهما بالتأكيد ليسا من الأفلام التي يمكن أن تنافس، ولا هما من الأفلام التي يمكن أن تدفع بأبطالها لتعزيز صورتهم لدى الجمهور، بل على العكس ربما تخصم من رصيدهم بالفعل.

كل هذا يجعلنا نتساءل: لماذا تراجع مستوى الأفلام الكوميدية بهذا الشكل؟ وما الصعوبة في إنتاج فيلم كوميدي جيد طالما توافرت العوامل المادية والبشرية؟


الحالة الغريبة لأحمد عيد ورامز جلال

نظرة أخيرة يمكن أن نلقيها على أفلام الموسم، لتحليل التحول الذي أصاب اسمين محددين، وهو ما سيقودنا إلى استنتاج آخر.

الأول هو «أحمد عيد» الذي نجح بفيلمه السابق «ياباني أصلي» في تحقيق إيرادات مقبولة، لكنه تراجع إلى المركز قبل الأخير في الإيرادات بفيلمه الجديد. والثاني هو «رامز جلال» الذي تصدر الإيرادات لهذا الموسم رغم ما يُقال عن تراجع إيرادات أفلامه السابقة.

لنبدأ مع «أحمد عيد». في العام الماضي كان عيد هو الأفضل فنيًا في الكوميديا التي قدمها في موسم منتصف العام، ولا نبالغ إن قلنا إن أحد الأفلام الكوميدية القليلة الجيدة في 2017، ورغم ابتعاد عيد لفترة طويلة عن السينما قبل هذا الفيلم، وحتى فيلمه الأخير قبل العودة لم يحقق إيرادات جيدة، لكن «ياباني أصلي» حقق إيرادات جيدة بالنظر إلى هذه العوامل، وحل رابعًا في إيرادات أفلام يناير الماضي متخطيًا حاجز 7 ملايين.

كانت النظرة الأولى تقول إن الجمهور قرر الانحياز إلى الموضوع الجيد، لكن في العام الحالي هُدمت هذه النظرية، فيلم «خلاويص» ليس في جودة سابقه كما ذكرنا، لكنه بالتأكيد أفضل من عدة أفلام أخرى معروضة في نفس التوقيت، لكن الجمهور لم ينصفه على الإطلاق.

في المقابل سنجد أن «رامز جلال» كان أفضل أفلامه الأخيرة تحقيقًا للإيرادات هو «غش الزوجية» الذي اقترب من 9 ملايين عام 2012 في حين لم ينجح أي فيلم في تخطي 10 ملايين.

يجب هنا الإشارة إلى أن 9 ملايين في 2012 قيمتها تتفوق على 12 مليونًا في العام الحالي نظرًا لارتفاع أسعار التذاكر أكثر من مرة خلال الفترة الماضية. هكذا نجد أن «رامز جلال» ربما وصل إلى رقم جديد بالنسبة له، لكنه ليس الأفضل.

لكن ما يستحق التوقف بالفعل هو المستوى الفني المتواضع للفيلم، خاصة إذا ما قورن بأفلام أخرى لرامز جلال، هذا الفيلم لا يتفوق عليها في شيء، فلماذا حصد الفيلم أعلى إيرادات خلال الموسم؟

في الحقيقة لا أحد يستطيع استنتاج اتجاهات الجمهور، والنموذجان السابقان أكبر دليل على ذلك، لكن كمحاولة لتحليل الظاهرة، ربما الإجابة تكمن في بحث الجمهور عن كمية جيدة من الضحك خلال الأفلام المعروضة، وهو ما توافر في هذا الفيلم نسبيًا، بجانب «طلق صناعي» أيضًا، لكن مع الموضوع الجاد لهذا الأخير، كان «رغدة متوحشة» هو الخيار الأفضل، وكما ذكرنا فعندما يكون كل المعروض كوميديًا فعلى الأرجح لن يجرب المشاهد شيئًا مختلفًا وسيذهب إلى المضمون.

هل هذا يعني أن «رامز جلال» استعاد جماهيريته سينمائيًا؟

من الصعب الجزم بهذا، وللتأكيد يمكن الرجوع إلى «أحمد عيد»، لكن هناك استنتاجًا وحيدًا يمكن الوصول إليه هنا، وهو أن الجمهور يرغب في دخول السينما، وعندما كان هناك تنوع كبير في العام الماضي كانت هناك إيرادات جيدة، وخرج الجميع فائزين بنسبٍ متفاوتة، لكن مع تراجع المستوى والتنوع في العام الحالي، تركزت الإيرادات في فيلمين اثنين، وهو ما سيحدث بالتأكيد إذا كان هذا هو مستوى الأفلام المعروضة خلال العام.