في جلسة القمة العربية أغسطس 1990 دار حديث صاخب بين مبارك والقذافي أثناء إصدار قرار بإدانة الغزو العراقي للكويت قال فيه الأول محتدًا بضرورة إنهاء الاتفاق على قرار، سواء بالموافقة أو الرفض، لأنه على حد قول مبارك “لا هيودى ولا هيجيب!”.

فعقد القمة العربية كان مواكبًا لإدانة مجلس الأمن لهذا الغزو، وبدء الحديث عن تدفق عسكري أمريكي للتخوف من امتداد التوسع العراقي إلى السعودية. وبالنظر لأجواء المشاركة المصرية والتي وصلت لما يقرب 35000 جنديٍّ، توضح أهم ركائز التحرك العسكري المصري، وهو أن يكون في ظل شرعية دولية ولو بتحالف تقوده الولايات المتحدة، وللدفاع عن الأمن القومي العربي في الخليج بإعادة شرعية نظام حليف وحماية الباقي من توسعات دولة طموحة سواء عربية أو من دول الجوار، وليضاف له اليوم ملف محاربة الإرهاب.

في القمة العربية الأخيرة في مارس الماضي اقترحت مصر تشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة لمكافحة التطرف والإرهاب، هذه الفكرة قوبلت بتأييد كبير وأخذت زخما حينها، نظرا لتمدد خطر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام«داعش». إلا أن المشاورات اللاحقة بشأن هذه القوة العسكرية العربية يبدو أنها تعثرت، وفي المقابل ظهرت تحالفات إقليمية ودولية جديدة لمحاربة التنظيم، لكن مصر لا تزال تحتفظ بالفكرة وتريد تفعيلها رغم تدخلها المنفرد في ليبيا ومشاركتها المحدودة في التحالف العربي في اليمن.


1- اليمن: هل دخلت مصر الحرب لتأمين باب المندب فقط؟

في 14 من الشهر الجاري مدد مجلس الدفاع الوطني، بموافقة مجلس النواب الجديد، تمديد مهمة القوات المصرية في اليمن لمدة عام أو انتهاء العمليات. ويعد هذا التمديد الأطول بعد تمديد لثلاثة شهور في مايو 2015 والتمديد لـ 6 شهور في أغسطس المنصرم.

هذه المشاركة والتي تم الاعلان عنها من بداية ربيع العام الماضي، بمشاركة قوات جوية وبحرية فقط، ورغم حديث بعض وكالات الأنباء في سبتمبر عن مشاركة برية لقوة تصل إلى 800 جندى إلا أن مصادر في الرئاسة نفت هذا الخبر.

وتشير التقارير لدور واسع للبحرية المصرية في إخراج سفن إيرانية من محيط مضيق باب المندب، وحماية موانئ الجنوب ونجاحها في منع وصول اﻷسلحة للحوثيين وقصف بعض المواقع شرق ميناء عدن، ودور قوي لقوات جوية بلغت 16 طائرة في بداية المشاركة أشاد به المتحدث العسكري باسم التحالف العربي في تدمير معاقل الحوثيين.

في حوار مع عمرو موسى قال أن المشاركة المصرية تهدف أيضًا لمنع تدخل قوى إقليمية مستغلة الحالة اليمنية.

وحاولت مصر تأطير هذه العملية وفق حرب على الإرهاب في المنطقة بالدعوة لإنشاء قوة عربية مشتركة لمواجهة التحديات العربية وفي مقدمتها الإرهاب تكون القاهرة مركز ثقله، لكن تمت عرقلة هذه الجهود من جانب الخليج والإعلان فيما بعد لإنشاء تحالف إسلامي بقيادة السعودية.


2- ليبيا: كيف تؤمن مصر فناءها الغربي؟

تدعم الحكومة المصرية حكومة وبرلمان طبرق ورئيس الحكومة المعترف به دوليا، المتحالف مع الجنرال حفتر وفق تحالف إقليمي مع الإمارات والجزائر، في إطار حرب واسعة ضد صعود الحركات الإسلامية والمسلحة والمتطرفة، وتأمين اﻷمن الداخلي من آثار المليشيات الجامحة في غياب الدولة الليبية.

تزعج الحالة المتردية للأمن في ليبيا النظام المصري، وتصدّر التوتر للصحراء الغربية المصرية من حين لآخر، إضافة لعمليات القتل الجماعي المتكررة للمصريين

ترددت تصريحات بأن الضربة الجوية المصرية في درنة لضرب تنظيم داعش ردًا على قتل الـ 21 مواطنا مصريًا فبراير 2015 لم تكن المشاركة الأولى وفق التدخل المصري في الشأن الليبي؛ فوفقا لتصريحات تابعة لوزارة الدفاع اﻷمريكية أغسطس 2014، نفته الخارجية المصرية، أن القوات الإماراتية قامت بشن غارات على مواقع تابعة لمليشيات إسلامية مسلحة في طرابلس باستخدام قواعد جوية عسكرية، في تصريحات كانت لها أصداء عالمية تندد بعرقلة هذه الضربات لجهود الحل السياسي.

وقد أعلنت مصر انتقامًا من قتل داعش للمصريين تمكن القوات الجوية المصرية بواسطة طائرات F16 من الإقلاع من مطار غرب القاهرة وصولًا لمطروح ثم انتقلت منه للمناطق المستهدفة المحددة سلفًا من المخابرات الحربية المصرية، والتي شملت أماكن تخزين أسلحة وذخائر وتدريب وتمركزات للتنظيم في درنة وأسفرت عن مقتل حوالى 40 شخص في ظل تضارب سياسي بين ترحيب حكومة طبرق وتنديد المؤتمر الوطني في الوقت التي حاولت القاهرة استصدار قرار أممي يمنح تفويضًا لتشكيل تحالف دولي للتدخل في ليبيا، وقد أدانت منظمة العفو الدولية مقتل 7 مدنيين أثناء القصف المصري.


3- سوريا: عوامل متناقضة تزيد من حالة الضباب:

عكس نوعية المشاركة المصرية في تحالفات الحرب على داعش في سوريا سواء في التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة أو التحالف الإسلامي بقيادة السعودية شكلًا واضحًا من التردد على عكس المشاركة القوية في التحالف العربي في اليمن.

هذا الإحجام والذي قد ينبع من عدم الرغبة في فتح جبهات متعددة، أو لتعقد المشهد الداخلي وجهل أمد الصراع، ورؤيتها السياسية المختلفة نوعيًا عن حلفائها، وربما أيضًا تحسبًا للرأي العام الداخلي.

فبينما تتحدث تسريبات غربية عن مشاورات أمريكية مع مصر بشأن إرسال قوات برية لسوريا وتوزع قوات مصرية على الحدود السعودية مع العراق، تنفي الحكومة إرسال أى قوات خارج البلاد واقتصار المشاركة على النواحي اللوجيستية والاستخباراتية.

تعتبر المشاركة المصرية في التحالف سياسية بالمقام الأول، فمن جانب تدعم التصور له كقوة صلبة في المنطقة ومحاربة للإرهاب، كما تضمن إبقاءه وفق إطار الشرعية الدولية.

متغيرات المشاركة المصرية خارج البلاد

يشير بشير عبد الفتاح لأبعاد إستراتيجية المشاركة المصرية العسكرية في المنطقة ضد الجماعات المتطرفة، وهي تتمحور حول مواصلة حربها ضد ولاية سيناء، ومواصلة الضربات الجوية في ليبيا ضد معاقل التنظيم، مع اضطلاع القاهرة بمهام لوجيستية في التحالفات الأخرى.

في جميع الأحوال، أدت الثورات إلى الكشف عن هشاشة وضعف أنظمة عدة في المنطقة، في مقابل تصاعد بارز لطموح دول وجماعات تبغي التوسع وتأسيس مجالها، لتدفع تلك العوامل إلى من حالة من الفوضى العارمة وعدم اليقين، أدت لتغيير في مراكز الثقل العربي وصولًا للانضواء أخيرًا تحت النفوذ الخليجي.

وفي حين يتم إعادة تشكيل مفهوم الأمن القومي المتداخل مع الرؤية الدولية والمصالح المباشرة للدول تشهد المنطقة ترسيخا لتشظي الحالة العربية لحالات انكفاء للداخل أو اللعب ضمن مجموعة أحلاف عربية وإقليمية ودولية تتداخل وتتصارع، وفي الخلفية يظهر حالة واسعة من الإنهاك المجتمعي جرّاء سرعة التحولات، وبينما سعت مصر لفرض فكرة القوة العسكرية العربية المشتركة، وجدت نفسها عضوا في تحالف أعلنته السعودية مؤخرا، كانت هذه المحاولة لتشكيل قوة عسكرية عربية لمكافحة الإرهاب أقرب لمحاولة لمواجهة التنظيمات الإسلامية على تنوعها وأينما وجدت، ولذا فإنها فشلت في الحصول على موافقة عديد من الدول العربية التي لديها حركات إسلام سياسي مقبولة مجتمعيا وجزء منها في السلطة، لذا إن تمكنت مصر من إعادة تعريف فكرتها عن القوة العسكرية العربية المشتركة فإنها قد تدير حوارا ناجحا ينتهي بتشكيلها.