رغم مرور أكثر من نصف قرن على نكسة يونيو 1967 إلا أنها لا تزال تلقي بظلالها على الكثير من الأحداث والمواقف والمتغيرات السياسية في مصر، فما جرى في النكسة لم يكن مجرد هزيمة عسكرية عابرة، وإنما كشف للكثير من الانحرافات والفساد الذين كان مسيطرًا وطاغيًا على مقاليد الأمور في مصر في ذلك الوقت.

اعتماد حافظ رشدي، قادها القدر إلى أن تكون شاهدة رئيسية على هذه الفترة التي تعد واحدة من أسوأ عهود التاريخ المصري المعاصر، جمعتها بالرئيس الراحل عبد الناصر علاقة قديمة من خلال عائلتها،حيث كان صديقًا لخالها قبل أن يكون رئيسًا للجمهورية، ومع ذلك لم تخلُ حياتها من المنغصات والمصائب.

اليوم نتصفح معكم مذكراتها المثيرة للجدل والتي حملت اسم «اعتماد خورشيد شاهدة على انحرافات صلاح نصر».

زواج مبكر

تزوجت من المنتج ومدير التصوير أحمد خورشيد في سن صغيرة، وكان يكبرها بثمانية وعشرين عامًا، ولكنها سرعان ما أنشأت معمل تصوير كبير وأصبحت واحدة من أهم المنتجين في مصر، واشترت استوديو أنور وجدي. وكانت بداية عصر عبد الناصر فترة ازدهار كبيرة لها، حتى تعرفت على صلاح نصر مدير مخابرات المصرية آنذاك وأمر زوجها أن يطلقها لكي يتزوجها، وهدده بأن يذهب به إلى مستشفى المجانين لو لم يوافق، ووافق الرجل وطلق اعتماد خورشيد، ليتزوجها صلاح نصر ويذهب بها إلى الجحيم!

من كتاب اعتماد خورشيد
من كتاب اعتماد خورشيد

كانت البداية غريبة ومقبضة، ولكن أحدًا لم يكن ليعرف أو يتكهن بما يقوم به «صلاح نصر» ورجاله من تصرفات ومؤامرات واستغلال للنفوذ وسيطرة على الناس لتحقيق مكاسبهم الشخصية، كل ذلك يبدأ بدعوى حماية الوطن، ثم إذا بهم يكتشفون أنهم متورطون في أمور جنسية وتصوير فيديوهات فاضحة، تجعلهم مجندين تحت أمره وسلطانه، مرغمين على إكمال هذا الطريق الوعر حتى النهاية.

استغلال النفوذ بالجنس والفضائح

في كتابها تحكي «اعتماد خورشيد» كل شيء، وتتحدث عن صدمتها ومفاجأتها بما يفعله صلاح نصر من ممارسات جنسية شاذة، بدعوى أنها «ليالي السمو الروحاني» كما كان يسميها، وشاهدت بنفسها في بيته كيف كان يتم استغلال الشباب والفتيات في هذه الجلسات، والفنانات اللائي يتم استدراجهن والسيطرة عليهن، وكيف جمعت هذه الجلسات بين رجال السياسية والأعمال، وكيف كانوا يقضون لياليهم الحمراء، بدءًا بشرب الخمر بكثافة ثم مشاهدة الأفلام الجنسية ثم ممارسة الجنس وشتى الموبقات. واختارت أن تذكر أسماء الشخصيات العامة والفنانات والراقصات بأسماء مختصرة مثل «ن. ف» و«ش. م» وغيرهم حتى لا تقع تحت طائلة القانون بالتشهير بهم، وإن كان الكثير من تلك الأسماء أصبح معروفًا بعد مرور الأعوام من جهة، وبعد تصريحاتها للتلفزيون في المقابلات الإعلامية من جهة أخرى.

– انت ناسي إنك كنت الأستاذ الكبير بتاعنا، ده أنا لسه فاكره كلامك واحنا لسه بنات صغيرين في مدرستك، مش انتا اللي قلت لنا إن الوطن لمّا يحتاج يا بنات لازم ندي من غير حساب، وزي ما فيه رجاله بتقدم أرواحها فدا الوطن، فيه ستات كمان لازم تقدم أجسادها فدا الوطن، وصدقناك وعرفنا الخليجي والأمريكي والطالياني والشامي والمغربي، وعلى كل لون يا باتيستا.
– إذا كنتي جاية علشان تحاكميني فاتفضلي من غير مطرود، لإني حاكمت نفسي وأصدرت الحكم.
– ويا ترى حاكمت نفسك على كل حاجة؟ ولا فيه حاجات فلتت منك؟ أصل فيه ناس بتتعمد تنسى جرايمها.
كشف المستور – وحيد حامد

الاعتقال والمؤامرات للتنكيل بالخصوم

 لم يتقصر الأمر على الفضائح الجنسية واستغلال الفنانين، ولكنه اتسع إلى الانتقام من الخصوم السياسيين، إذ تحكي في الكتاب أيضًا عن تآمره مع شمس بدران وزير الحربية آنذاك على تدبير مؤامرة وهمية عن وجود تنظيم مسلح عند الإخوان لقلب نظام الحكم على عبد الناصر، وراح ضحية هذه المؤامرة المئات من أفراد الإخوان المسلمين، وكان يمارس عليهم شتى صنوف التعذيب الوحشية، إذ تذكر تعذيبه لشخصيات مهمة منهم مثل «سيد قطب» و«زينب الغزالي» وغيرهم. وهو ما حدث مع عدد من الشخصيات اليسارية من الناشطين الشيوعيين أيضًا. كما أمر باعتقال عدد من رجال الأعمال المصريين في ذلك الوقت بدعوى القضاء على الإقطاع.

 كما تشير وتؤكد على أنه أرسل من يدس السم للملك فاروق في منفاه، وذلك من خلال وضع السم في المحار الذي يأكله في مطعم شهير بروما، وتم ذلك بالتعاون مع مدير المخابرات الإيطالية آنذاك.

تجدر الإشارة إلى أن الكتاب لا يقتصر على عرض حكاية اعتماد واعترافاتها على هذا النحو فقط، بل يحوي عددًا من الصور والوثائق الهامة التي تثبت الكثير من هذه الأحداث والمواقف مرفقة بالكتاب، بالإضافة إلى أن ذلك كله كان على سمع وبصر عدد من كبار الصحفيين والسياسيين في ذلك الوقت، فقد قدم للكتاب الكاتب الكبير مصطفى أمين، كما أكد المستشار حسين الشافعي كل ما قالته اعتماد خورشيد وما أشارت إليه في لقاء تلفزيوني بثته قناة الجزيرة بعد ذلك.

وئيقة صحفية من كتاب اعتماد خورشيد
وئيقة صحفية من كتاب اعتماد خورشيد

نهاية صفوت الشريف وفتح الملفات القديمة

لا شك أن ما كتبته اعتماد رشدي منذ عشرين عامًا ظل مادة خصبة للتداول الصحفي والإعلامي، حيث لم يقتصر الأمر على علاقتها القديمة بصلاح نصر، الذي تمت محاكمته في محكمة الشعب عام 1967 بالسجن المؤبد، ولكنه خرج في عهد الرئيس السادات عام 1974 وقضى حياته منعزلاً مريضًا حتى توفي عام 1982، واستطاعت اعتماد خورشيد أن تنشر أخيرًا كل ما كانت تعرفه من جرائمه ومؤمراته بشكلٍ علني في كتابها «اعماد خورشيد شاهدة على انحراف صلاح نصر» عام 1988، ولكن ما عرفته وتابعت تفاصيله لم ينته إذ استمر مع تلميذه وزير إعلام مبارك الأسبق «صفوت الشريف»، الذي قررت أن تفضحه أيضًا وتكتب عن انحرافاته وممارساته التي أودت بحياة عدد من الفنانين المصريين، ولكنه منع كتابها من الطباعة والتداول في مصر.

ولذا عادت هذه الأخبار للظهور والتداول مرة أخرى في المواقع والصحف بمجرد إعلان خبر وفاة صفوت الشريف، بل إن عائلة الفنان المصري «عمر خورشيد» أعلنت أنها تتقبل العزاء فيه بعد وفاته بأربعين عامًا لأنها تعتقد أن صفوت الشريف متورط في قتله.

يبقى في النهاية أن أخطر ما في اعترافات اعتماد خورشيد وتصريحاتها الهامة تلك، وما أكده أيضًا صلاح نصر في مذكراته هو استغلال نفوذ رجال السياسة وسيطرتهم على عدد من الفنانين والفنانات بشكلٍ قد يحول حياتهم وما وصلوا إليه من مجدٍ ونجومية إلى جحيم!