الموت، هذا الجانب الآخر الذي لا يعرف أحد عنه أي شيء. كل الكلام عن الموت تكهنات وتأويلات، لم يذهب أحد هناك وعاد ليحكي لنا ما رآه، حتى السينما، هذه النافذة المفتوحة لنا على كل شيء في العالم مغلقة في وجه الموت، ما زال سراً غامضاً، وسيبقى على الأرجح غامضاً هكذا حتى نذهب جميعاً إلى هناك، رغم أن وقتها لن يكون للمعرفة أي ثمن.

الموت، الراحة الأبدية، نهاية كل الخطوط واللحظة التي تنطفئ فيها شمعة حياتك، بكل إحباطاتها ونجاحاتها وإخفاقاتها، النقطة التي تمثل لغالبية الناس خوفاً ورعباً برياً يجعلهم يحاولون الابتعاد قدر الإمكان، رغم أن طرف الخيط طوله لا يتغير والمسافة التي تفصلك عن موتك محددة سلفاً، ولكنه لبعض البشر أمل في الخلاص، لحظة يتغير فيها كل شيء، وهم في أمس الحاجة لهذا التغيير.

أفلام كثيرة ناقشت الموت، أفلام أقل ناقشت وجهات النظر المتباينة فيه، أفلام قليلة ناقشت الموت الرحيم، الموت المرغوب، الموت الذي يسعى له الإنسان ليتخلص من عذاباته فيشد طرف الخيط حتى يصل لنقطة النهاية سريعاً، في هذا المقال نستعرض ثلاثة أفلام من ثلاث ثقافات مختلفة تناولت نفس الفكرة.


البريق الهوليوودي في ذيل القائمة

في 2016 صدر الفيلم الأمريكي «Me Before You» والذي يحكي قصة فتاة تضطرها ظروفها للعمل في خدمة شاب ثري جداً، كان ضحية حادث سير أصابه بشلل كامل لا يستطيع معه تحريك أي جزء من جسمه، مما يضطره للاعتماد بشكل كامل وكلي على المساعدة اللطيفة التي تحاول التسرية عنه بكل الطرق، وتواجه تجهمه وغضبه الدائمين من الحياة بالإيجابية والحب. تولد قصة حب بالتوازي مع رغبته في الموت، وترتيبه لكل الإجراءات التي تجعله يحظى بالموت الرحيم.

الفيلم رغم أنه يناقش قضية حساسة جداً كقضية الحق في الموت، فإن الكلمة العليا فيه للقصة الرومانسية التي تجمع الفتى المصاب بمساعدته. الكثير من المواقف الرقيقة المراهقة التي لا تضرب في عمق المأساة، حتى غضبه على الحياة لم يكن عميقاً بالقدر المطلوب والذي يجعل أحدهم يقرر أن ينهي حياته.

اتسم أداء البطل – الذي لعب دوره سام كلافن – بالبرود والتجهم طيلة الفيلم. من المفهوم أنه مصدوم، وأنه يكره حياته، ولكنه كان يحتفظ بتعبير واحد طوال الفيلم. البطلة التي لعبت دورها إيميليا كلارك كانت جيدة خاصة مع خفة دمها وجمالها، كان أداؤها خفيفاً يناسب فيلم رومانسي لطيف لا فيلماً يناقش قضية بحجم الحق في الموت. لم يحظ الفيلم بنجاح على المستوى التجاري أو النقدي، رغم أنه حظي بقبول لدى المشاهدين خاصة الشباب صغار السن.


بوليوود: السحر الهندي الفعال

في 2010 صدر الفيلم الهندي «Guzaarish» والذي يحكي قصة مؤدي عروض مسرحية أو ساحر يقع بطريقة خاطئة أثناء تقديمه أحد العروض ليصاب بشلل كامل، يجعله يرغب بعد عدة سنوات في التخلص من حياته التي يعتمد فيها بالكامل على مساعدته، فيتقدم بعريضة للمحكمة لمنحه الحق في الموت.

الفيلم إنساني بالدرجة الأولى، يناقش المأساة من عمقها، فترى الكادرات داكنة، والمنزل الذي تدور فيه الأحداث مهدم، كل شيء قاتم وكئيب ومظلم يشبه بالضبط نفسية البطل الذي يلعب دوره «هيريتك روشان» ببراعة، حس السخرية في شخصية البطل فلسفية جداً تليق بالقضية التي يتبناها وتليق بحالته الميئوس منها، أما أداء البطلة «آشوريا راي» كان جيداً جداً، خاصة أن الفيلم يروي مأساتها الخاصة وحياتها المليئة بالمشاكل المعقدة والتي تنتظر المزيد من التعقيد بموت مخدومها رغم أنها تتمنى راحته هي الأخرى.

استطاع الفيلم أن يمزج الرومانسية والتراجيديا معاً في نسيج محكم، ويكون على مستوى القضية الشائكة التي يناقشها، وعرض كل وجهات النظر من خلال آراء باقي شخصيات الفيلم، المعارضين للفكرة والمؤيدين لها، رغم أنه ذو طابع هندي واضح سواء في الأغنية والرقصة التي لابد لأي فيلم هندي تقليدي أن يحتوي عليها، أو في طول الفيلم الذي يخيل لك أنه لن ينتهي أبداً.


أوروبا: الحضارة تنتصر

في 2004 صدر الفيلم الإسباني «Mar Adentro» والمعروف باسم «The Sea Inside»، والذي يحكي القصة الحقيقية لرامون سامبيدرو، أول من طالب بحق الموت في إسبانيا، والذي ظل أكثر من أربعين عاماً حبيس الفراش بعد تعرضه لحادث سباحة أصابه بعجز كامل. كان يساعد رامون في نيل طلبه محاميته المصابة بمرض مزمن يجعلها تفكر هي الأخرى في حقها في وضع حد لمأساة حياتها، ويقف أمام رغبة رامون أخوه وعائلته الذين يعيلون رامون ويخدمونه طوال أربعين عاماً كاملة، دون أن يجبره أحدهم على التراجع.

الفيلم استطاع أن يركز على المأساة فقط، دون أن يشتت المشاهد بأي عوامل أو قصص ثانوية، الكاميرا لم تكن تخرج تقريباً من حجرة رامون، وقد كان الشاغل الأساسي للمخرج هو تأطير هذه الحياة المختنقة وتقديمها للمشاهد كما هي بلا رتوش، فلم يعد بالزمن مثلاً لرامون قبل الحادثة سوى مشهد واحد أو اثنين في لحظات خاطفة لا تتعدى الدقيقة، واعتمد بشكل كامل على رامون الحاضر الذي يريد الخلاص من حياته ومن الفراش الذي لازمه أربعين عاماً كاملة.

الفيلم بطولة خافيير بارديم، ومن إخراج آليخاندور آمينابار والذي قام بوضع الموسيقى التصويرية للفيلم وكتابة السيناريو أيضاً. الفيلم إنتاج إسباني إيطالي فرنسي مشترك، وحاصل على الكثير من الجوائز السينمائية المرموقة، أهمها أوسكار أفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية.